الفصل الخامس والعشرون: “عبور الحدود”

لحظة عبوره من خلال البوابة، كان العالم أمام

لين

يتبدل بشكل لا يمكن وصفه. الضوء الذي كان يحيط به تحوّل إلى شلالات من الألوان المتداخلة، تتراقص حوله كأنها تعيد تشكيل كل ما يراه. الأرض تحته لم تكن أرضًا حقيقية، بل مساحات شاسعة من الطاقات المتداخلة، وكأنها انعكاس لعوالم متعددة تتقاطع في نقطة واحدة.

شعر

لين

بضغط هائل في صدره، وكأن قوى هذا المكان كانت تختبر قدرته على التحمّل. لم يكن مجرد عبور عادي؛ كان انتقالًا إلى عالم يحكمه مفهوم مختلف تمامًا للواقع.

“هل أنا… في عالم آخر تمامًا؟” سأل نفسه، وهو يحدّق في الأفق. السماء كانت مرصّعة بنجومٍ لا تُعد ولا تُحصى، تتلألأ بألوان لم يسبق أن رآها في عالمه السابق. وبينما كان يخطو بخطوات حذرة، شعر بأن كل شيء حوله ينبض بالحياة، حتى الهواء نفسه كان يحمل طاقة غريبة.

“هذا هو المكان الذي تبدأ فيه اختباراتك الحقيقية.” جاء صوت مألوف من خلفه، صوت

ريو

. التفت

لين

ليجد

ريو

يقف هناك، مظهره لم يتغير كثيرًا، لكنه بدا وكأن حضوره في هذا العالم يحمل ثقلًا إضافيًا.

“كيف وصلت إلى هنا؟” سأل

لين

، مشوشًا.

ابتسم

ريو

، وقال: “لم أكن بعيدًا عنك أبدًا. عندما قررت عبور البوابة، كنت أعلم أنك ستحتاج إلى من يوجهك. هذه المرحلة ليست مكانًا يمكنك أن تواجهه وحدك.”

“ما الذي علينا فعله هنا؟” سأل

لين

، بينما كانت عيناه تجوبان المكان.

“هذا العالم هو انعكاس لكل ما في داخلك. هنا ستواجه قوتك الحقيقية، لكنها ليست مجرد قوة جسدية. إنها قوة إرادتك، وصبرك، وقلبك.” قال

ريو

، مشيرًا إلى نقطة في الأفق حيث بدأت تظهر هياكل ضخمة تبدو كأنها معابد أو قلاع مهجورة.

“تلك الأماكن…” تابع

ريو

، “هي مفاتيح عبورك. كل معبد يحمل داخله اختبارًا، وإذا فشلت، ستُحبس هنا إلى الأبد.”

شعر

لين

بثقل الكلمات، لكنه استجمع شجاعته. “إذا كان هذا هو الطريق إلى الحقيقة، فسأواجه أي شيء.”

بدأ الاثنان في التحرك نحو أول معبد. كان الطريق مليئًا بالعقبات، حيث كان المكان يبدو وكأنه حي. الأشجار التي مروا بها كانت تتحرك ببطء، وكأنها تراقبهم، والأرض تحت أقدامهم كانت تنبض بإيقاع غريب، مثل قلب ينبض في عمق الأرض.

عندما اقتربوا من المعبد الأول، لاحظ

لين

أن البوابة الكبيرة كانت مزينة بنقوش معقدة، تروي قصصًا غير مفهومة، لكنها كانت مألوفة بشكل غريب. على الجانبين، كانت هناك تماثيل ضخمة لكائنات غريبة المظهر، تجمع بين الإنسان والحيوان في تصميمات لم يرَها من قبل.

“هل نحن مستعدون؟” سأل

لين

، وهو ينظر إلى

ريو

.

“لا أحد مستعد تمامًا لهذه الاختبارات، لكنها خطوة لابد منها.” أجاب

ريو

، قبل أن يضع يده على البوابة.

عندما فتحت البوابة، انبعث منها نور أبيض ساطع، وغمرهم بشعورٍ غريب من الدفء، لكن ذلك الدفء تحول بسرعة إلى إحساس بالبرودة الشديدة. دخل الاثنان، ليجدا نفسيهما في مساحة شاسعة، خالية تمامًا، ما عدا عمود ضوء في المنتصف.

“ما الذي علينا فعله هنا؟” سأل

لين

.

“هذا الاختبار هو اختبار الذات. ستواجه نسختك، لكن ليس كما تتوقع.” أجاب

ريو

.

وفجأة، ظهر شخص أمام

لين

. كان يشبهه تمامًا، لكن عينيه كانتا تلمعان بلمعان غريب. هذه النسخة من

لين

لم تكن فقط انعكاسًا له، بل كانت تحمل كل ما يخشاه، كل ما حاول الهروب منه طوال حياته.

“من أنت؟” سأل

لين

، على الرغم من أنه كان يعرف الإجابة.

“أنا أنت، لكنني أيضًا لست أنت. أنا الظل الذي كنت ترفض مواجهته.” قال الشخص، بصوت مليء بالهدوء، لكنه كان يحمل تهديدًا ضمنيًا.

“ماذا تريد؟” سأل

لين

.

“أريدك أن تعترف بي.” قال الظل. “لقد قضيت حياتك تحاول الهروب مني، تحاول أن تتجاهلني. لكنني جزء منك، ولن تتمكن من المضي قدمًا حتى تواجهني.”

شعر

لين

بالغضب. “أنا لست بحاجة إليك. لقد عشت بدوني طوال هذه المدة.”

ضحك الظل. “أوه، حقًا؟ وهل تعتقد أن قوتك ظهرت من العدم؟ أنا السبب وراء كل ذلك. أنا جزء من قوتك، لكنك اخترت أن تنكرني.”

بدأ الظل يقترب من

لين

، وكان كل خطوة يخطوها تجلب معه ذكريات من ماضي

لين

، ذكريات كان يحاول نسيانها. رأى نفسه وهو يفشل في إنقاذ والدته، ورأى الأوقات التي شعر فيها بالضعف والعجز.

“توقف!” صرخ

لين

، لكنه كان يعلم أنه لا يمكنه الهروب من هذه المواجهة.

“لن أتوقف حتى تعترف بي.” قال الظل.

أخذ

لين

نفسًا عميقًا، وأغلق عينيه. كان يعلم أن هذه اللحظة هي لحظة الحقيقة. إذا أراد المضي قدمًا، فعليه أن يقبل كل ما هو عليه، بكل نقاط ضعفه وأخطائه.

“أنت محق.” قال أخيرًا. “أنت جزء مني، وأنا بحاجة إليك. لكنني لن أسمح لك بالسيطرة علي. سنعمل معًا، كجزء من نفس الروح.”

ابتسم الظل، وبدأ يتلاشى ببطء. “لقد اتخذت الخطوة الأولى. الطريق ما زال طويلًا، لكنك أثبت أنك تستحق الاستمرار.”

عندما انتهى الاختبار، وجد

لين

نفسه واقفًا أمام

ريو

، الذي كان يراقب كل شيء.

“لقد نجحت.” قال

ريو

. “لكن هذا كان مجرد البداية.”

نظر

لين

إلى الأمام، إلى الأفق حيث كانت تنتظر المعابد الأخرى. “إذا كانت هذه هي البداية، فأنا مستعد لما هو قادم.”

(يتبع…)

2024/11/26 · 14 مشاهدة · 777 كلمة
عباس
نادي الروايات - 2025