الفصل السادس والعشرون: “سلسلة الاختبارات”

بعد انتهاء أول اختبار، كانت ملامح التعب واضحة على وجه

لين

، لكنه شعر بشيء مختلف ينمو بداخله. تلك المواجهة مع ظله لم تكن مجرد معركة، بل كانت بداية لتغيير عميق في داخله، تغيير منحه رؤية أعمق لنفسه.

“لين، هل تشعر بالتغيير؟” سأل

ريو

، بينما كان الاثنان يسيران بعيدًا عن المعبد الأول باتجاه المعبد الثاني.

“نعم، أشعر وكأنني أكثر توازنًا الآن.” أجاب

لين

. “لكن هذا مجرد جزء صغير مما يبدو أنه رحلة طويلة.”

ابتسم

ريو

. “هذا صحيح. كل اختبار يكشف لك جزءًا جديدًا من نفسك، وكل خطوة تقربك من القوة التي تحتاجها لمواجهة المصير الذي ينتظرك.”

كان الطريق إلى المعبد الثاني أكثر وعورة، وكأن هذا العالم كان يتفاعل مع التحديات التي يواجهها

لين

. الأشجار التي كانت في السابق تبدو وكأنها تحرس المكان أصبحت الآن أكثر عدائية، وتحولت إلى أشكال ملتوية بأغصان تشبه المخالب.

“كن حذرًا، المكان هنا يختبر صبرك وقوتك الذهنية.” حذر

ريو

.

بينما كانا يشقان طريقهما عبر الغابة الكثيفة، ظهرت أمامهما بحيرة سوداء لامعة. المياه كانت تبدو وكأنها تعكس السماء، لكنها لم تكن مرآة عادية؛ كان بإمكان

لين

رؤية صور متغيرة داخل المياه، صورًا لأشخاص وأحداث من ماضيه.

“ما هذا المكان؟” سأل

لين

، وهو يقترب بحذر من البحيرة.

“هذه بحيرة الذاكرة.” أجاب

ريو

. “إنها ليست اختبارًا، لكنها قد تكون فخًا إذا لم تتحكم في مشاعرك. ستُظهر لك ما فقدته وما تخاف منه.”

عندما نظر

لين

إلى الماء، ظهرت صورة والدته، مبتسمة كما يتذكرها. لكن سرعان ما تغير المشهد ليُظهر اللحظة التي فشل فيها في إنقاذها.

تراجع

لين

خطوة إلى الخلف، وشعر بألمٍ يتجدد في قلبه. “لماذا يُظهر لي هذا؟”

“لأنك لم تتصالح مع خساراتك بعد.” قال

ريو

بنبرة هادئة. “لن تتمكن من المضي قدمًا إذا ظل الماضي يسيطر عليك.”

تركوا البحيرة خلفهم، ومع كل خطوة كانت الأرض تحت أقدامهم تتحول، حتى وصلوا أخيرًا إلى المعبد الثاني. كان المعبد أكبر من الأول، وجدرانه مغطاة بنقوش متحركة، وكأنها تعيد سرد أحداث لا تنتهي.

“هذا المعبد يحمل اختبار العقل.” قال

ريو

. “هنا، لن تواجه خصمًا، بل ستواجه نفسك بطريقة مختلفة.”

عندما دخل

لين

المعبد، أغلق الباب خلفه، ووجد نفسه في غرفة ضخمة فارغة تمامًا، باستثناء كرة ضوئية تطفو في الوسط.

“مرحبا، يا من يسعى للعبور.” جاء صوت ناعم من كل اتجاه.

“من أنت؟” سأل

لين

، وهو ينظر حوله، محاولًا العثور على مصدر الصوت.

“أنا اختبارك الثاني. هنا، سأكشف عن حدود عقلك وإرادتك. كل ما عليك فعله هو أن تثبت أنك تستطيع مواجهة الحقيقة دون أن تنهار.”

فجأة، امتلأت الغرفة بصور متداخلة، وكأن

لين

كان يشاهد شريطًا سريعًا من حياته. رأى اللحظات التي فشل فيها، والقرارات التي ندم عليها، وحتى الأوقات التي شكك فيها بنفسه.

“هذه مجرد ذكريات.” قال

لين

بصوت مرتفع. “لا يمكنها أن تؤثر علي.”

لكن الصوت أجابه. “الذكريات ليست مجرد صور. إنها أحجار الأساس لما أنت عليه الآن. إذا لم تواجهها بصدق، فستظل دائمًا سجينها.”

بدأت الغرفة تضيق تدريجيًا، والجدران تقترب منه ببطء، وكأنها تريد سحقه. حاول

لين

أن يتحكم في أنفاسه، لكنه شعر بضغط هائل على صدره.

“إذا استسلمت الآن، لن تتمكن من الخروج أبدًا.” قال الصوت.

أغلق

لين

عينيه، وبدأ يتنفس ببطء. تذكر الكلمات التي قالها له

ريو

: “القوة الحقيقية تأتي من الداخل، وليس من الظروف التي تواجهها.”

“لن أستسلم!” صرخ

لين

، وفتح عينيه. كانت الغرفة تعود تدريجيًا إلى حالتها الطبيعية، والجدران تتراجع إلى أماكنها الأصلية.

“لقد نجحت.” قال الصوت. “لكن تذكر، العقل يمكن أن يكون أقوى أعدائك إذا لم تتحكم فيه.”

عندما خرج

لين

من المعبد، كان

ريو

ينتظره بالخارج.

“كيف كان الاختبار؟” سأل

ريو

.

“كان صعبًا، لكنه علمني الكثير.” أجاب

لين

. “بدأت أفهم الآن أن القوة ليست مجرد قوة جسدية أو قدرات خارقة. إنها في العقل، وفي الطريقة التي نواجه بها أنفسنا.”

“صحيح.” قال

ريو

. “لكن الرحلة لم تنته بعد. المعبد الثالث ينتظرك، وهو الأصعب حتى الآن.”

نظر

لين

إلى الأفق، حيث كان المعبد الثالث يلوح في المسافة. كان يعلم أن كل خطوة تقربه أكثر من الحقيقة، لكنه كان أيضًا يدرك أن كل خطوة تأتي بثمن.

“أنا مستعد.” قال أخيرًا، وشق الاثنان طريقهما نحو المرحلة التالية من هذه الرحلة الغامضة.

(يتبع...)

2024/11/28 · 6 مشاهدة · 654 كلمة
عباس
نادي الروايات - 2025