الفصل الثامن والعشرون: “برج القدر”

كان البرج يلوح في الأفق مثل عملاقٍ يراقبهم بصمت، محاطًا بسحب داكنة وطاقة هائلة تملأ المكان. بدا كما لو أن هذا البرج ليس مجرد بناء حجري، بل كيان حي ينبض بقوة غامضة.

“هذا هو برج القدر.” قال ريو بنبرة جدية. “هنا تبدأ نهاية الرحلة. لكن احذر، البرج ليس مجرد مكان، إنه اختبار لكل ما تعلمته.”

وقف لين للحظات أمام البرج، متأملًا ضخامته وهالته المهيبة. كان قلبه ينبض بسرعة، ليس خوفًا بل توقًا لما ينتظره في الداخل. “إذا كان هذا المكان يمثل قدري، فلن أتراجع الآن.”

“لن تكون وحدك.” قال ريو، واضعًا يده على كتف لين. “لكن تذكر، ما ستواجهه هنا سيتطلب منك كل ما لديك وأكثر.”

دخل الاثنان إلى البرج من بوابة حجرية ضخمة، وعندما عبروا العتبة، وجدوا أنفسهم في قاعة دائرية هائلة. الجدران كانت مليئة بنقوش متحركة تصور معارك قديمة بين قوى النور والظلام. في وسط القاعة، كان هناك سلم حلزوني يرتفع إلى الأعلى.

“كل طابق في هذا البرج يمثل تحديًا مختلفًا.” أوضح ريو. “كلما صعدت، زادت الصعوبة.”

قبل أن يتمكن لين من الرد، بدأت الأرضية تهتز، وظهرت أشكال ظلية من الظلام، تتخذ هيئة محاربين مدججين بالسيوف.

“هذه هي الحراس.” قال ريو. “لن يسمحوا لك بالصعود بسهولة.”

أمسك لين بسيفه، ووقف في وضعية الاستعداد. “لن أدع أي شيء يوقفني.”

اندفع الحراس نحو لين، وكانت تحركاتهم سريعة ودقيقة، وكأنهم يعرفون كل خطوة سيقوم بها. لكن لين كان قد تعلّم الكثير من مواجهاته السابقة. بدلاً من محاولة مواجهة كل منهم بشكل فردي، ركّز على دراسة تحركاتهم وتحديد نقاط ضعفهم.

“حركاتهم متكررة!” صرخ لين بينما تفادى ضربة أحد الحراس وقام بضربة مضادة قطعت ذراعه.

“جيد، لكن لا تستهن بهم.” حذّر ريو بينما كان يُلقي تعويذة سحرية أطلقت موجة من الطاقة أبعدت بقية الحراس.

لم تكن المعركة سهلة. مع كل حارس يسقط، يظهر آخر أقوى وأكثر عدائية. لكن لين كان مستعدًا لدفع جسده إلى أقصى حدوده. استمر في القتال، مستخدمًا كل تقنية تعلمها وكل درس اكتسبه.

بعد معركة طويلة، سقط آخر حارس، واختفى جسده في الظلال.

“لقد نجحت في اجتياز الطابق الأول.” قال ريو، وهو يمسح العرق عن جبينه. “لكن هذا كان مجرد البداية.”

بدأ الاثنان في صعود السلم الحلزوني. كلما اقتربا من الطابق التالي، ازدادت الأجواء كثافة، وكأن البرج نفسه يحاول إعاقة تقدمهما.

“ما الذي ينتظرنا في الطابق الثاني؟” سأل لين.

“اختبار العقل.” أجاب ريو. “لن تواجه أعداء جسديين هذه المرة، بل ستواجه أوهامًا ستختبر مدى ثباتك العقلي.”

عندما وصلا إلى الطابق الثاني، وجد لين نفسه في حقل شاسع مليء بالزهور البيضاء. كان المكان هادئًا، لكن الهدوء كان يخفي شعورًا بالرهبة.

“لين، هذا ليس حقيقيًا.” قال ريو، لكن صوته بدا بعيدًا، وكأنه يتلاشى.

“ريو؟ أين أنت؟” صرخ لين، لكن الرد لم يأتِ.

فجأة، ظهرت أمامه صور لأصدقائه وأحبائه، يصرخون طلبًا للمساعدة. كانت وجوههم مشوهة، وأصواتهم مليئة بالألم.

“لماذا تركتنا؟ لماذا فشلت؟” قال أحد الأصوات.

“لا! هذا ليس حقيقيًا!” صرخ لين، محاولًا تذكير نفسه بأن ما يراه مجرد أوهام.

لكن الأصوات كانت تزداد قوة، والمشاهد أصبحت أكثر إيلامًا. رأى نفسه يسقط في معارك، يخسر كل شيء، ويترك أصدقاءه خلفه.

“لن أدع هذه الأوهام تسيطر علي.” قال لين، وهو يغلق عينيه ويحاول التركيز على ما هو حقيقي.

بدأت الصور تتلاشى تدريجيًا، وعاد صوت ريو مرة أخرى. “أحسنت، يا لين. تذكّر، القوة ليست فقط في السيف، بل في العقل أيضًا.”

بعد اجتياز الطابق الثاني، بدأ لين يشعر بالإرهاق. لكن رغم ذلك، كان يعرف أن عليه المضي قدمًا. “كم طابقًا علينا أن نجتاز؟”

“خمسة.” أجاب ريو. “لكن الطابق الأخير هو حيث ستواجه التحدي النهائي.”

“سأستمر.” قال لين، وبدأ في صعود السلم إلى الطابق الثالث.

في الطابق الثالث، وجد الاثنان نفسيهما في ساحة معركة مفتوحة. السماء كانت مليئة بالعواصف، والأرض تهتز تحت أقدامهما. في وسط الساحة، كان هناك كائن عملاق، يشبه التنين، بأجنحة ضخمة وعينين تتوهجان بالنار.

“هذا التنين هو تجسيد لقوة البرج.” قال ريو. “لن يسمح لنا بالمرور ما لم نهزمه.”

“إذا كان هذا ما يجب علي فعله، فسأفعل.” قال لين، ورفع سيفه، مستعدًا لمواجهة التحدي.

التنين أطلق زئيرًا هز الأرض، وبدأ في الهجوم. كانت معركة ملحمية، مليئة بالنيران والانفجارات. استخدم لين كل قوته وخبرته، بينما كان ريو يدعمه بالتعاويذ السحرية.

بعد معركة استمرت لوقت طويل، تمكن لين من توجيه ضربة قوية إلى قلب التنين، مما تسبب في انهياره. عندما سقط التنين، فتح الباب المؤدي إلى الطابق الرابع.

“لقد اقتربنا.” قال ريو، وهو يساعد لين على الوقوف. “لكن التحديات القادمة ستكون أصعب.”

“أنا مستعد.” قال لين، بينما كان ينظر إلى الباب المفتوح أمامه. كان يعلم أن النهاية تقترب، وأن كل خطوة تقربه أكثر من كشف الحقيقة.

(يتبع…)

2025/01/30 · 12 مشاهدة · 716 كلمة
عباس
نادي الروايات - 2025