الفصل التاسع والعشرون: “عاصفة الحتمية”
مع دخولهما الطابق الرابع، شعر لين بتغير غريب في الأجواء. كان كل شيء ساكنًا بشكل غير طبيعي، كما لو أن العالم نفسه قد توقف عن الحركة. لم يكن هناك صوت سوى دقات قلبه التي كانت تضرب بإيقاع متسارع في أذنيه.
“هذا الطابق مختلف…” قال لين بحذر، وهو يتفحص محيطه. الجدران كانت شفافة، وكأنها مرآة عاكسة تعكس صورة العالم الذي تركاه وراءهما.
“أجل، هنا ستواجه معنى الحتمية.” أجاب ريو، ونظراته كانت مليئة بالجدية. “هذا ليس اختبارًا للقوة أو العقل فقط، بل اختبار لقدرتك على مواجهة المصير.”
“كيف ذلك؟” تساءل لين، قبل أن تتغير الجدران فجأة، لتعرض مشاهد من مستقبله.
كانت المشاهد التي ظهرت أمامه مزعزعة. رأى نفسه يسير في طريقٍ طويل، محاطًا بالجثث والموت، وفي نهاية الطريق، كان يقف أمام عدو مجهول الهوية، قوي بشكل يفوق الوصف. المشهد لم يكن واضحًا تمامًا، لكن ما كان واضحًا هو مشاعر الوحدة والخوف التي غمرت لين وهو يشاهد نفسه.
“هذا هو مصيرك.” قال صوت عميق وغريب، يخرج من فراغ المكان.
“من أنت؟” سأل لين وهو يبحث عن مصدر الصوت.
“أنا من أراقب حتمية وجودك.” أجاب الصوت. “أنا الكيان الذي يحكم على أفعالك وقراراتك. أنا الموازنة بين ما تريده وما يفرضه العالم عليك.”
“مصيري هو شيء أصنعه بيدي.” قال لين بثبات، محاولًا أن يخفي اضطرابه.
“حقًا؟” سأل الصوت بنبرة ساخرة. “إذن أخبرني، هل كنت لتصل إلى هنا لو لم تكن الأحداث تجبرك؟ لو لم تكن الظروف تُرغمك على المضي قدمًا؟”
قبل أن يتمكن لين من الإجابة، بدأت الأرضية تحت قدميه تتلاشى، وسقط في هاوية مظلمة. عندما فتح عينيه، وجد نفسه في مكان يشبه الفضاء، مليء بالنجوم المضيئة والمجرات البعيدة. أمامه، كان يقف نسخة منه، لكنها أكثر قوة، وأكبر عمرًا.
“من أنت؟” سأل لين وهو ينظر إلى النسخة الأخرى منه.
“أنا أنت، لكن النسخة التي قد تكون.” أجابت النسخة الأخرى. “أنا تمثيل للحتمية التي تحاول الهروب منها.”
“أنا لا أهرب من شيء.” رد لين، ممسكًا بسيفه.
“إذن أثبت ذلك.” قالت النسخة الأخرى، وهي ترفع سيفًا مشابهًا تمامًا لسيف لين. “واجهني، وأرني أنك قادر على مواجهة ذاتك، وعلى تحدي المصير الذي ينتظرك.”
بدأت المعركة، وكانت مختلفة عن أي شيء واجهه لين من قبل. كل ضربة كان يوجهها إلى النسخة الأخرى كانت تُرد بنفس القوة والدقة. النسخة الأخرى كانت تعرف كل تحركاته، كل نقاط ضعفه.
“هل ترى؟” قالت النسخة الأخرى أثناء القتال. “لا يمكنك أن تهرب من قدرك، لأنني أنا هو قدرك.”
“أنا لا أهرب!” صرخ لين بغضب، مضاعفًا هجماته.
لكن مع كل ضربة، كان يدرك أن القوة وحدها لن تكون كافية. عليه أن يفكر بطريقة مختلفة، أن يبحث عن ضعف في النسخة الأخرى.
بينما كان لين يدرس تحركات خصمه، تذكر شيئًا قاله له ريو من قبل: “القوة الحقيقية لا تأتي من السيف أو العضلات، بل من الداخل، من الإرادة.”
“الإرادة…” تمتم لين لنفسه، ثم توقف فجأة، خافضًا سيفه.
“لماذا توقفت؟” سألت النسخة الأخرى، مستعدة للهجوم.
“لأنني أدركت أنك لست عدوي.” قال لين بثقة، وهو ينظر إلى النسخة الأخرى بعينين مليئتين بالإصرار. “أنت جزء مني، جزء من رحلتي.”
تردد الخصم للحظة، وكأن كلماته أربكت كيانه. بدأت النسخة الأخرى بالاهتزاز، قبل أن تختفي تدريجيًا، تاركة خلفها شعورًا بالهدوء.
وجد لين نفسه يعود إلى الغرفة الأصلية، حيث كان ريو ينتظره.
“لقد فعلتها.” قال ريو، مبتسمًا بفخر.
“ما كان ذلك؟” سأل لين، وهو يحاول فهم ما حدث.
“لقد واجهت أعظم مخاوفك: الخوف من المصير، والخوف من الفشل.” أجاب ريو. “والأهم، أنك أدركت أن المصير ليس عدوك، بل جزء منك.”
“هل انتهينا هنا؟” سأل لين، مستعدًا لما هو قادم.
“الطابق الخامس ينتظرنا.” قال ريو. “وهناك ستواجه التحدي الأخير، التحدي الذي سيحدد ما إذا كنت تستحق القوة التي تسعى إليها.”
بينما كانا يصعدان السلم الأخير، شعر لين بثقة متجددة. لم يكن الأمر مجرد قوة جسدية، بل قوة داخلية تعززت من خلال كل ما واجهه.
“لن أدع أي شيء يوقفني الآن.” قال لنفسه، وهو ينظر إلى الأعلى، حيث كان الطابق الخامس يلوح في انتظاره.