الفصل السادس: “نور في الظلام”

بعد مغادرة النذير، شعر لين وكأن العالم كله قد انقلب رأسًا على عقب. كان الظلام يحيط به، لكنه الآن لم يعد يرى فيه عدوًا. بل أصبح جزءًا منه. تلك القوة المظلمة التي كانت تُرهبه في السابق، أصبحت الآن أداة يستطيع التحكم بها. ومع ذلك، لم يكن هذا يعني أن كل شيء أصبح واضحًا، بل على العكس، أحس أن رحلته للتو بدأت، وأن هذا كان جزءًا صغيرًا فقط من الأسرار التي تنتظره.

بدأ لين يتنفس ببطء، محاولًا استيعاب التغيير الكبير الذي حدث داخله. لكنه سرعان ما سمع خطوات تقترب منه في الظلام. التفت ليجد سورا و ريو يقفان خلفه، يراقبانه بصمت. كانت عيون سورا مليئة بالقلق، بينما كان ريو ينظر إليه بنظرة تقييم، كأنه يحاول قراءة ما يجول في خاطره.

“هل أنت بخير؟” سألته سورا بصوت هادئ، لكن لين شعر وكأن القلق في صوتها يكاد يكون ملموسًا.

أومأ لين ببطء وقال: “أعتقد ذلك. لكن… هناك شيء ما تغيّر. أشعر وكأن الظلال أصبحت جزءًا من كياني، لكنها لا تسيطر عليّ كما كانت في السابق.”

نظر ريو إليه بتمعن وقال: “هذا جيد. إذا استطعت السيطرة على الظلال، فقد تكون تلك القوة هي الأمل الوحيد لإنقاذ المدينة. لكن عليك أن تكون حذرًا، لين. القوة ليست سوى سلاح، والسلاح يمكن أن يكون مدمّرًا إذا استخدم بغير حكمة.”

ابتسم لين ابتسامة خافتة، ثم قال: “أفهم هذا، يا ريو. سأحاول أن أكون حذرًا.”

اقتربت سورا من لين وقالت: “لكن ماذا سنفعل الآن؟ النذير أظهر أنه يملك قوى هائلة، ونحن بحاجة إلى خطة محكمة إذا كنا سنواجهه مجددًا.”

فكر لين للحظة، ثم قال: “أعتقد أن الخطوة الأولى هي فهم القوى التي نمتلكها بشكل أفضل. النذير ألمح إلى أن هناك سرًا أكبر، شيء يتعلق بماضي وبقوى الظلال. ربما إذا استطعنا الكشف عن هذا السر، سنعرف كيف نستخدم قوتنا بشكل فعال.”

نظر ريو إليهما وقال: “لدي فكرة. هناك معلم قديم كان يعرف أسرار الظلال، وكان يدعى ماستر

زين. يعيش في أطراف المدينة، بعيدًا عن الأنظار. يقولون إنه عاصر عصورًا من الظلام والنور، وقد يكون الشخص الوحيد الذي يستطيع إرشادك في هذا الطريق.”

كان لين وسورا يبدوان مترددين، لكن كلمات ريو أثارت اهتمامهما. ماستر

زين كان شخصية غامضة وملمّة بأسرار العالم القديم. إذا كان هناك من يستطيع أن يكشف لهم عن خبايا الظلال ويعلمهم كيفية استخدامها، فهو بالتأكيد هذا المعلم القديم.

في صباح اليوم التالي، انطلق الثلاثة في رحلة عبر المدينة للوصول إلى ماستر

زين. كانت الرحلة صعبة، مليئة بالطرق الوعرة والتضاريس الصعبة. لين كان يشعر بالظلال تنبض داخله، كما لو أنها تعرف الطريق بنفسها. كانت الظلال تتحرك من حوله، وكأنها توجهه إلى وجهته.

بعد ساعات من السير عبر الطرق الغامضة، وصلوا إلى كوخ قديم يحيط به الضباب الكثيف. كانت الأشجار تحيط بالمكان، تخلق هالة من الغموض والخوف. تقدم لين وطرق الباب، منتظرًا ردًا. بعد لحظات، فتح الباب ببطء، وظهر أمامهم رجل عجوز بعيون حادة وعميقة، كأنه يستطيع رؤية ما بداخلهم.

“ما الذي أتى بكم إلى هنا؟” سأل ماستر

زين بصوت متهدج، لكنه يحمل قوة كامنة.

انحنى ريو باحترام وقال: “لقد جئنا نطلب مساعدتك، يا ماستر زين. صديقنا لين يملك قوى الظلال، لكنه لا يعرف كيفية السيطرة عليها. ويبدو أن هناك خطرًا كبيرًا يهدد المدينة، ونحن بحاجة لتوجيهك.”

نظر ماستر

زين إلى لين بعينين تفحصان بتمعن، ثم قال: “قوى الظلال ليست شيئًا يمكن تعلمه بسهولة. إنها قوة قديمة، مليئة بالأسرار والمخاطر. يجب أن تكون مستعدًا لمواجهة الجانب المظلم من نفسك.”

أومأ لين بتصميم وقال: “أنا مستعد. سأفعل ما يلزم لحماية المدينة.”

ابتسم ماستر

زين بهدوء وقال: “حسنًا، إذا كنت مستعدًا، فلنبدأ.”

أخذ ماستر

زين لين إلى حقل مظلم بجوار الكوخ. كان الحقل مليئًا بالأحجار القديمة التي كانت تضيء بألوان باهتة في الظلام، كأنها تحمل طاقة غامضة. قال ماستر

زين لـلين: “هنا، ستتعلم كيفية التواصل مع الظلال، وكيفية استخراج القوة منها. يجب أن تصبح الظلال جزءًا من كيانك، وأن تتعلم كيفية استخدامها بحكمة.”

أغمض لين عينيه وبدأ يشعر بالظلال من حوله. كانت تتحرك ببطء، كأنها تتفاعل مع طاقته. شعر كأن الظلال تتغلغل في جسده، تصل إلى أعماق روحه، وتربط بينه وبين قوة أكبر. فجأة، شعر بقوة هائلة تتدفق داخله، كأنما الظلال قد قبلته كجزء منها.

“ممتاز، لين. أنت تملك موهبة فريدة في التواصل مع الظلال. لكن هذا ليس كافيًا. يجب أن تعرف متى تستخدمها ومتى تسيطر عليها.” قال ماستر

زين بحزم.

تدرب لين بجدية، يتعلم كيف يتحكم في الظلال، وكيف يجعلها تنصاع لأوامره. كان يتعلم كيفية استخدام الظلام كدرع وسلاح في آن واحد، وكان يكتسب الثقة في قوته بشكل متزايد. سورا وريو كانا يشاهدانه بإعجاب، يشعران بأن لين قد بدأ يتغير، وأنه بدأ يتحول إلى شيء أكبر.

بعد أيام من التدريب المكثف، قرر ماستر

زين أنه قد حان الوقت لاختبار لين في مواجهة فعلية. أخذه إلى منطقة مظلمة في الغابة، وقال له: “هنا ستواجه أحد كائنات الظلال. هذه الكائنات لا تملك رحمة، ولا تعرف الضعف. إذا استطعت هزيمتها، ستكون قد أثبت قدرتك على استخدام الظلال بالشكل الصحيح.”

شعر لين بقلق بسيط، لكنه كان جاهزًا للتحدي. انطلقت صرخة غريبة في الغابة، وبدأ كائن الظلال يقترب. كان كائنًا ضخمًا، مكونًا من الظلام ذاته، يتحرك بخفة ورشاقة مرعبة. كانت عيناه تلمعان بلون أحمر قاتم، وكأنهما تحرقان في الظلام.

تراجع لين قليلاً، ثم بدأ يركز على الظلال من حوله، محاولًا استدعاء طاقته. شعر بالقوة تتدفق داخله، كأن الظلال تحيط به كدرع. بدأ يتقدم نحو الكائن، الذي أطلق صرخة عالية واندفع نحوه.

في لحظة من الشجاعة، قفز لين عاليًا، مستخدمًا الظلال لتسريع حركته. ثم اندفع نحو الكائن، مستعملًا طاقته لتوجيه ضربة قوية. الظلال حوله تحولت إلى شفرة حادة، اخترقت جسد الكائن، الذي أطلق صرخة أخيرة قبل أن يتلاشى في الهواء، ويعود الظلام إلى مكانه.

تنفس لين بعمق، وأدرك أنه قد نجح. كانت هذه المواجهة أكثر من مجرد اختبار لقوته؛ كانت تأكيدًا له أنه يستطيع التحكم في الظلال، وأنه قادر على استخدامها بحكمة. نظر إلى ماستر

زين، الذي أومأ له بابتسامة راضية.

قال ماستر

زين: “لقد أثبت جدارتك يا لين. لكن هذه مجرد البداية. قوى الظلال أعمق مما تتصور، وستحتاج إلى تدريب طويل وإرادة قوية لتتمكن من استخدامها في المعارك الحقيقية.”

نظر لين إلى أصدقائه، وابتسم بثقة. لقد اجتاز هذا الاختبار، وأصبح الآن أقرب لفهم طاقته، وأكثر استعدادًا لمواجهة النذير وحماية المدينة.

(يتبع…)

2024/11/08 · 14 مشاهدة · 970 كلمة
عباس
نادي الروايات - 2025