الفصل الثامن: “العاصفة تقترب”

مع أول خيوط الفجر، كان الهدوء يُخيّم على المدينة، لكنه كان هدوءًا يخفي وراءه اضطرابًا شديدًا. الأجواء كانت ثقيلة، وكأن الأرض نفسها تحبس أنفاسها بانتظار ما سيأتي. في تلك اللحظات، كان لين وسورا وريو يستعدون للمواجهة، وكل منهم يدرك أن هذه المعركة قد تكون الأخيرة.

لين، الذي أصبح أكثر انسجامًا مع قوى الظلال بداخله، شعر بثقل المسؤولية الملقاة على عاتقه. لقد تمرّن كثيرًا، لكن المواجهة مع النذير لن تكون كسابقاتها. النذير ليس خصمًا عاديًا، فهو يمتلك جيشًا من الكائنات الظلية، كما أن طموحه بفتح بوابة الظلال قد يجعل من المواجهة صراعًا على مصير العالم بأسره.

وقبل بزوغ الشمس، اجتمع الجميع في ساحة مخفية داخل المدينة، حيث كانت المقاومة قد جهّزت تحصيناتها الأخيرة. كان الجو مليئًا بأصوات التحضيرات، وأصوات الأسلحة والدروع تتصاعد، فيما كان الناس يتبادلون النظرات المليئة بالعزيمة. لين، سورا، وريو انضموا إلى الحشد، وأعينهم مركزة على الهدف.

أخذ ريو الكلمة وقال بصوت قوي ليسمعه الجميع: “أيها الأصدقاء، نحن هنا اليوم ليس فقط للدفاع عن المدينة، بل عن حياتنا وأحلامنا. هذا اليوم ليس مجرد معركة، بل هو فرصة لنا للوقوف في وجه الظلام الذي يهدد بابتلاع كل شيء. اليوم نقاتل من أجل ما هو أعظم منّا جميعًا. اليوم نقاتل من أجل النور.”

ترددت كلمات ريو عبر الحشد، واندلعت أصوات الحماسة، بينما شعر الجميع بأن عزيمتهم تتزايد. ثم وقف لين بجانبه وقال بصوت هادئ لكنه مليء بالثقة: “قد يبدو الظلام قويًا، لكنه لا يستطيع الانتصار ما دمنا نقف معًا. أنا لا أقول لكم إن هذا سيكون سهلاً، ولكن أعلم أنه يمكننا الانتصار. دعونا نقاتل بشجاعة، ولنتذكر أننا نقاتل من أجل حياتنا ومن نحب.”

مع بزوغ الشمس، بدأ الهجوم. كائنات الظلال اجتاحت المدينة كالسيل الجارف، وكانوا مسلحين بقوى مظلمة أشد مما كانوا يتخيلون. كان من الواضح أن النذير قد أعدّ لهذا اليوم طويلاً، وأنه لن يتراجع حتى ينال ما يريد.

لين استخدم قوته في الظلال لتحطيم صفوف الكائنات التي اقتربت منه، بينما كانت سورا تقاتل بجانبه، مستخدمةً مهاراتها الحربية ودقتها العالية. أما ريو فكان يُلقي التعويذات الدفاعية التي ترفع من معنويات المحاربين وتحصّنهم ضد قوى الظلال. كانت المعركة ضارية، وأرض الساحة تحوّلت إلى مزيج من الدخان والدماء، بينما كانت أصوات الصرخات والمواجهات تتردد في كل مكان.

رأى لين مجموعة من الكائنات الظلية تهاجم إحدى النقاط الضعيفة في التحصينات، فانطلق نحوها بسرعة، مستخدمًا قوى الظلال لتحويل نفسه إلى سرعة البرق. وصل إلى المكان في اللحظة الحاسمة، وأطلق ضربة قوية حطمت الكائنات وأبعدت الخطر عن المقاومة.

في هذه اللحظة، ظهر النذير أخيرًا على مشهد المعركة. كان يقف عاليًا فوق أنقاض أحد المباني، ووجهه مغطى بقناع مظلم، وعيناه تلمعان بوهج شيطاني. بيده، كان يحمل سيفًا مظلمًا ينبعث منه دخان أسود كثيف. رفع يده، وأطلق صرخة ترددت عبر الأفق، كأنها صدى من عالم آخر. ومع هذه الصرخة، ارتفعت المزيد من كائنات الظلال، وانضمت إلى المعركة، مما جعل الموقف أكثر خطورة.

نظر لين إلى النذير، وشعر بتيار بارد يجري عبر جسده. كان يعلم أن هذه هي لحظة المواجهة. التفت إلى سورا وريو وقال: “سأتولى أمر النذير، عليكم حماية المدينة والدفاع عن المتحصنين هنا.”

أومأت سورا، وعيونها مملوءة بالقلق، وقالت: “كن حذرًا يا لين. لا تترك الظلام يسيطر عليك.”

بدأت المواجهة بين لين والنذير على سطح أحد المباني، حيث كانا يقفان مقابل بعضهما، وكأنهما عدوين قديمين يجمعهما قدر مشؤوم. قال النذير بصوت هادئ، لكنه يحمل تهديدًا مبطنًا: “أرى أنك تعلمت استخدام الظلال. لكن هل تظن أن هذه القوة ستكون كافية لتغلبني؟ أنا أمتلكها منذ زمن بعيد، بينما أنت مجرد مبتدئ.”

أجابه لين بثقة: “القوة ليست في امتلاكها فقط، بل في كيفية استخدامها. سأستخدم كل شيء لأحمي مدينتي وأوقف جنونك.”

ضحك النذير، ثم اندفع نحو لين بسرعة هائلة، وبدأ القتال بينهما. كانت الضربات تتطاير، والظلال تتلاحم، كأن الظلام ذاته كان يحارب في المعركة. كانت قوة النذير طاغية، وضرباته ثقيلة لدرجة أن الأرض كانت تهتز تحت أقدامهم. لكن لين لم يكن مستعدًا للاستسلام، بل بدأ يركز على قوته ويستخدمها بذكاء، متجنبًا الضربات، ويبحث عن نقاط ضعف خصمه.

وبينما كان القتال مشتعلًا، بدأت ذاكرت لين تتدفق، وكأن المواجهة مع النذير تحرر شيئًا ما بداخله. تذكّر لحظات من الماضي، أشخاصًا وأماكن غامضة، حتى تذكر لحظة مفصلية: كان هناك شخص ما في حياته، يعلّمه كيفية التحكم في الظلال، وكيفية مواجهة الجانب المظلم من نفسه. ذلك الشخص كان معلمه القديم، الذي ضحى بنفسه لحماية لين من مصير مظلم.

استجمع لين شجاعته وركز كل قواه في ضربة واحدة، مستخدمًا الذكريات والقوة التي استعادها. انطلق نحو النذير، وضربه بقوة شديدة جعلته يتراجع، ويشعر بضعفه لأول مرة.

صاح النذير بغضب وقال: “لن تستطيع إيقافي! الظلام سيبتلع كل شيء!”

لكن لين، بثباته وتصميمه، قال: “الظلام ليس سوى جزء من النور. سأستخدمه ضدك، ولن أدعك تدمر مدينتنا.”

ثم أطلق لين قوته الكاملة، مستخدمًا كل ما تعلمه، ليحيط نفسه بهالة من الظلال التي كانت تضيء وكأنها نور داخل الظلام. اندفع نحو النذير مرة أخرى، وضربه ضربة أخيرة أسقطته أرضًا.

مع سقوط النذير، بدأت كائنات الظلال تتلاشى، وكأنها فقدت قائدها. الهجوم على المدينة توقف، وبدأ الناس يتنفسون الصعداء. تجمع الجميع حول لين والنذير، الذي كان يتلوّى على الأرض، وقد ظهرت عليه ملامح الضعف والانكسار.

قال النذير بصوت متهدج: “لقد ظننت أنني أستطيع السيطرة على الظلال، لكنك… لقد أظهرت لي خطأي.”

اقترب لين منه وقال: “الظلام ليس للسيطرة أو للدمار، بل هو جزء من التوازن. عليك أن تفهم هذا قبل فوات الأوان.”

أغمض النذير عينيه، وكأنما أدرك أخيرًا حجم خطئه. ومع ذلك، لم يكن لديه وقت ليكفر عن أفعاله، إذ انحلت طاقته في الظلام، واختفى تمامًا.

بعد المعركة، اجتمع الجميع للاحتفال بالنصر. كانت المدينة قد نجت، والأمل عاد إلى قلوب الناس. لين، سورا، وريو وقفوا معًا، وهم يشعرون بالفخر بما حققوه. ورغم النصر، كان لين يعلم أن هذا ليس نهاية رحلته، بل بداية جديدة، وأن عليه أن يستخدم قوته بحكمة للحفاظ على التوازن بين النور والظلام.

(يتبع…)

2024/11/09 · 13 مشاهدة · 909 كلمة
عباس
نادي الروايات - 2025