📖 {وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِندِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ} [آل عمران: 126]
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الفيكونت فيرث سخر قائلًا: "نحن السادة الحقيقيون لقمّة الثلج، لقد أدرنا هذا المكان لأكثر من مئة عام، والناس معنا، وهم يتذكرون إحساننا
ما دمنا ننجو من هذا الشتاء، وما دمنا نرفع النداء، فكل شيء سيعود إلى أيدينا"
جال ببصره في أرجاء القاعة، وتوقّف عند وجوه عدد من النبلاء الجدد المترددين
"ماذا يعرف صبي من الجنوب، حصل على لقبه بالحظ، عن شؤون الحكم؟ إقطاعيته أصغر من إسطبلي"
لم يستطع بعض الحاضرين كتم ضحكاتهم، وأضاف أحدهم: "سمعتُ أنه رغم انحداره من عائلة بارزة، إلا أنه مجرد عديم الفائدة أُلقي به إلى الحدود الشمالية"
"إنه مجرد محظوظ، وُلد في عائلة جيدة، وتعثر على بعض الاستحقاقات العسكرية، ثم نال لقب حاكم مقاطعة"
"لكن الحظ، كما تعلمون، ينفد في النهاية"
لوّح الفيكونت فيرث بيده، وأصبح صوته أكثر هدوءًا: "أعتقد أن التظاهر بالطاعة هو السبيل الأكثر أمانًا
مهما قال، سنستمع، أما التنفيذ من عدمه؟ فهناك وفرة من الأعذار: منكوبو الكوارث، اضطراب الجيش، الطقس القارس
نحن نبلاء الحدود الشمالية المحليون، فمن يجرؤ على محاسبتنا حقًا؟ لقد ظل النبلاء هنا يتزاوجون لسنوات طويلة حتى أصبحنا عائلة كبيرة واحدة
إن تجرأ على مسّ شعرة واحدة منا، فلنرَ كم شخصًا سينقلب عليه"
أومأ جميع النبلاء الحاضرين موافقين، مقتنعين بوجاهة الكلام
وبعد التوصل إلى هذا الاستنتاج، خفتت ضحكات القاعة تدريجيًا، وامتلأ الجو بشيء من الغرور والانتفاخ
"هيا، لنشرب نخب السادة الحقيقيين لمستقبل قمّة الثلج!"
تصادمت الكؤوس، وارتفعت الضحكات بغير قيد، غير واعين أن برودة غريبة كانت تنبعث من الريح في الخارج
خارج القصر، كان ثمة مجموعة من الأشكال تتربص خلسة
المرأة التي تتقدمهم ارتدت عباءة من ريش أسود، تحمل قوسًا بيدها، ووجهها ساكن كالجليد
انحنى البارون فيرا، مشيرًا إلى القصر المضيء عن بُعد، وصوته يرتجف: "هناك، كثير من نبلاء الحدود الشمالية اجتمعوا الليلة"
حاول أن يرسم ابتسامة ليرضي المرأة الباردة الملامح: "ألم أفِ بكلمتي؟ خمسة؟ هناك على الأقل عشرة بالداخل، جميعهم أصحاب ألقاب، هل أنتِ راضية؟"
رمقته المرأة بنظرة فاترة دون أن تتفوه بكلمة، واكتفت بالتلويح بيدها بخفة
فاندفع عدد من "المتعهدين بالثلج" كالأشباح
لم يكن سوى عشرة فرسان فقط على أطراف القصر، متكاسلين، يحتسون الخمر ويتكئون على الجدار نصف نائمين
وبضع طلقات خافتة، اخترقت سهام ريشية حناجرهم بصمت
أما القلة الباقية فقد خُنقوا من الخلف حتى أغمي عليهم قبل أن يتمكنوا من المقاومة
قالت المرأة بصوت خافت: "يمكن الاستفادة من هؤلاء، خذوهم، يمكن التضحية بهم، لا تهدروهم"
ثم، وتحت غطاء الليل، قفزت عشرات الظلال السوداء فجأة واقتحمت قاعة الوليمة
كان أحدهم قد رفع كأسه للتو، فسقط مغشيًا عليه بضربة كف واحدة
ومن تجرأ على سحب سيفه للمقاومة، سقط مقطوعًا على الفور، والدماء تناثرت فوق المائدة وأدوات الفضة
"هجوم!!"
"الحرس، الحرس!!"
انطلقت الصرخات، وغرقت القاعة في الفوضى، النبلاء يفرّون على غير هدى
لكنهم كانوا قد غرقوا في الشراب منذ زمن، وفترت يقظتهم، فلم يقدر أحد على تنظيم دفاع فعّال
حاول بعض الشجعان الاندفاع نحو الباب، لكن ما إن فتحوه حتى هووا مضرجين بدمائهم على يد "المتعهدين بالثلج" المنتظرين بالخارج
ذكّرت المرأة من جديد: "اتركوهم أحياء، أمسِكوا بكل من تستطيعون، وأعيدوهم"
دخلت بخطوات ثابتة إلى القاعة، وعيناها ترقبان النبلاء المتلوّين والمولولين على الأرض، بلا أدنى شفقة
"هؤلاء هم نبلاء إمبراطورية الدم والحديد؟ ما أضحك ذلك"
اختبأ البارون فيرا خلف المرأة القائدة، منحنٍ مثل كلب عجوز يلهث، وارتسمت على شفتيه ابتسامة لم يستطع كبحها
"هاه، تستحقون ذلك لاحتقاركم لي"
راقب أولئك النبلاء ووجوههم تغشاها الرهبة، يُسحبون خارج القاعة، شعورهم مبعثر، يتوسلون بدموع، وبعضهم بالَ على نفسه
لم يستطع فيرا كبح نفسه فلَعق شفتيه المتشققتين، وامتلأت عيناه بانتصار شهواني
وبدأ يتخيل كيف سيعيد تزيين قصره الرئيسي، ويحصي كنوزه، ويرتب بعض المحظيات حين يعود إلى إقطاعيته
حتى سقط صوته البارد: "هؤلاء غير كافين"
"ـ هاه؟" تصلب فيرا فجأة، وكأن دلواً من ماء ثلجي أُفرغ فوق رأسه
"أنتِ، ماذا قلتِ؟" ارتجف صوته، وتراجع تلقائيًا إلى الخلف
استدارت المرأة القائدة ببطء، وحدجته بعينيها اللتين كالسيف، مسحت بنظرها على عنقه بخفة
"هؤلاء"، قالت بصوت منخفض بارد، "لا يكفون لشراء حياتك"
تجمد الهواء فجأة
شعر فيرا أن ساقيه خانتاه، فسقط على ركبتيه بقعقعة، مثل كلب عجوز يقبض أحدهم على عنقه
"أنا، أنا، يمكنني أن آخذكم إلى نبلاء آخرين! حقًا!" أخذ يزحف متوسلًا عند قدميها، وصوته يتهدج بالدموع: "أعرفهم، لدي حتى قائمة!"
لم يرد عليه أحد، ولم يكن من "المتعهدين بالثلج" سوى التحديق البارد، شامتين في مسرحيته البائسة
"مثلًا... مثلًا، ذلك "حاكم المقاطعة"!" رفع رأسه فجأة، وارتفع صوته كالغريق الذي عثر على قارب نجاة، "لويس! نعم، ذلك الصبي من الجنوب!
إنه الحاكم الجديد للمقاطعة، كل نبلاء مقاطعة قمّة الثلج سيذهبون لزيارته، يمكنكم انتظاره هناك أيضًا!"
ضيّقت المرأة عينيها قليلًا، وقد بدا أنها أولت بعض الاهتمام لكلامه
خطت خطوتين إلى الأمام، تحدّق في الرجل الممدد على الأرض
"أمتأكد؟"
أخذ فيرا يضرب جبينه بالأرض مرارًا حتى احمرّ، وهو يصرخ: "سأقود الطريق! أعرف أين يسكن، بل يمكنني التظاهر بزيارته، لدي إقطاعية، ولدي سبب للاقتراب منه!
لا تقتليني، لا تقتليني!"
اختلط المخاط والدموع على وجهه، لكن ابتسامة ملتوية لم يستطع كبحها ظلّت عالقة على شفتيه
أعطوني فرصة أخرى، وسأبيع أي أحد
أول خيوط الشمس في الصباح انسكبت عبر نافذة برونزية إلى داخل الغرفة
نهض لويس من السرير الكبير البسيط، يفرك جبينه، فما زال رأسه مثقلاً
كانت الليلة الماضية أول ليلة له في هذا الحصن
الغرفة لم تكن فاخرة، لكنها بعيدة كل البعد عن الضعة
أرضيتها من ألواح البلوط المصقولة بسلاسة، دافئة ومريحة تحت الأقدام
صف من الرفوف المنخفضة على الجدار، وعلى الطاولة محبرة وورق بردي منقول من الجنوب، وإلى جانبهما محبرة مرصعة بالفضة
سجادة ضخمة من جلد دب شتوي عملاق تغطي الوسط، فراؤها رمادي مائل للبياض، ناعم وصامت عند السير عليه
أما الموقد بجانبه فقد خمد، لكن دفء الغرفة ظل قائمًا؛ إذ ارتفعت الحرارة تدريجيًا من الأرض ومجارٍ حجرية عند الأركان، تدفعها ينابيع حارة، وهي نعمة شتوية قد لا يحظى بها حتى نبلاء العاصمة
مقارنة بغرف النوم الفاخرة المرصعة بالذهب والفضة في العاصمة، يفتقر حصن المدّ الأحمر إلى البهرجة، لكنه يفيض بالثبات والتفكير المتأني
ضيق لويس عينيه وتمتم: "جميل جدًا"
لكن حتى مع تبدل المكان، بقي أول ما يفعله صباحًا على حاله
تثاءب وفتح "نظام المعلومات اليومي" بلا مبالاة؛ فظهرت أمامه شاشة شفافة، تتسارع عليها الأسطر
【اكتمل تحديث المعلومات اليومية】
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
انتهى الفصل
تذكير مهم: هذه الرواية خيالية للتسلية فقط، فلا تجعل أحداثها أو مصطلحاتها تؤثر على عقيدتك أو إيمانك
أنا بريء من محتوى القصة وما فيها من خيال، وقد بذلت جهدي لتغيير كل المصطلحات المخالفة، فاعذرني إن بقيت كلمة لم أنتبه إليها
المرجو الدعاء لي، والدعاء بالرحمة لوالدي، وبالشفاء العاجل لوالدتي، فهذا سيكون جزائي على الساعات التي قضيتها في ترجمة هذا الفصل وتنقيته من المخالفات الإسلامية
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ