📖 {وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ} [الحجر: 99]

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

جلس إيان متكوّرًا في غرفة العزل الضيقة

كان المكان صغيرًا، بالكاد يتسع لعدة حصائر مهترئة وبطانية أو اثنتين قاسيتين

الهواء هنا مزيج من الرطوبة والعفن، كأن رائحة الموت قد تغلغلت فيه

الظلام كان يملأ الأرجاء

أصوات مكتومة تتسرب بلا انقطاع إلى أذنيه

بعضهم يسعل، بعضهم يئن، وآخرون يبكون بصوت خافت

وكان هناك أيضًا من يهذي، يتمتم بأسماء غير موجودة، أو يكرر أحلامًا غريبة لنفسه

كان ذلك بالفعل في المراحل المتأخرة من المرض، وقد خمّن إيان أن المصاب لن يعيش طويلًا

شدّ إيان بطانيته البالية حول جسده، مرتجفًا

فعلى الرغم من أن الجو كان حارًا ورطبًا، إلا أنه شعر وكأنه عارٍ ممدد فوق الجليد والثلج، كل شبر من جسده مخدّر بالبرد

كان رأسه يخفق بعنف، كما لو أنه ورقة يجري تمزيقها ببطء

حتى تحريك إصبع واحد أصبح ترفًا

أدرك إيان أنه لا يعاني من مرض عادي، بل كانت هذه لعنة روح الثلج

ذلك الكابوس المستمر في الإقليم الشمالي، موجة موت تجتاحهم حتمًا كل عقد تقريبًا

أغمض إيان عينيه، محاولًا التركيز، لكن البرد كان أقوى

كل نفس بدا وكأنه يبتلع شظايا من الجليد

بدا دمه وكأنه توقف عن الجريان، وحتى قلبه صار بطيئًا، كأنه متجمد

وفجأة، في العتمة الضبابية أمام عينيه، رأى إيلين

كانت زوجته

ابتسامتها المألوفة واللطيفة وقفت عند باب غرفة العزل، تلوّح له بلطف

"إيان—" نادته

كان صوتها أثيريًا مثل الحلم، لكنه يحمل واقعية جارحة

اغرورقت عينا إيان بالدموع، وكاد يندفع زحفًا إليها

لكن عقله كبحه بشدة

لا، هذا ليس حقيقيًا

كل ذلك مجرد وهم من لعنة روح الثلج

فقط بالأمس، في منطقة العزل المجاورة، رأى أحدهم أطيافًا مشابهة لأقارب راحلين، ثم مات في اليوم التالي

عضّ إيان على أسنانه، وغرس أظافره في راحة يده، محاولًا أن يعيده الألم إلى الواقع

لكن جسده كان ضعيفًا جدًا، حتى الألم صار باهتًا

المعاناة، مثل يد، أخذت تمسك بعنقه ببطء وبلا رحمة

كان خائفًا، لكن ليس من الموت

بل لأنه قد لا يرى ميا مجددًا

ابنته

ذلك الجسد الصغير الذي كان يركض خلف الأوراق الذابلة في ريح الخريف

تلك الطفلة التي كانت تبتسم عند نار المخيم

تلك الصغيرة التي بكت جوعًا يومًا، لكنها أخيرًا باتت تنام بسلام

ميا ما تزال صغيرة جدًا

والحياة لم تبدأ بالكاد لتتحسن

قبل أيام فقط، كان لديهما منزل صغير يخص الأب وابنته

كان بإمكان ميا أن تنام هناك بعمق، دون أن تستيقظ منتصف الليل

وعلى الرغم من أن العمل كان شاقًا، فإن المثابرة فيه تكسبهما نقاط عمل يمكن استبدالها بطعام وكساء

الأهم من ذلك، أن ميا قد وجدت أصدقاء أيضًا، بعض الأطفال الآخرين الذين أنقذوا مثلها، وكانوا دائمًا يركضون ويلعبون في مركز المخيم

حينها، كان إيان يقف بعيدًا، يراقب بصمت

مراقبًا تلك الابتسامة التي غابت طويلًا، وإحساسًا دافئًا يكاد يذيب قلبه يتدفق داخله

كأنه—أخيرًا يستطيع أن يؤمن بأن المستقبل سيتحسن بالفعل قليلًا قليلًا

لكن الآن

هذا الوباء الملعون، كصاعقة بلا رحمة، حطم كل شيء

إن مات هكذا، فماذا سيحل بميا؟

وهل ستُبتلع مثل أبيها بهذا الوباء؟

بات تنفس إيان ضعيفًا، وموجة دوار عاتية اجتاحت جسده، كأنه يُسحب بأكمله إلى هاوية جليدية

كان يُلتهم ببطء، قليلًا قليلًا، بالبرد واليأس

خارج غرفة العزل، الليل كان كثيفًا حتى بدا متصلبًا

انتشار حمى السبات الأبيض كان مرعبًا بسرعة فائقة

يكاد يظهر أثره على الجميع في كل زاوية

منطقة العزل حيث يقبع إيان كانت مغلقة تمامًا

الأطباء والجنود ينفذون أوامر اللورد لويس واحدًا تلو الآخر، بلا لين، بلا تردد

الجميع أدرك أن الوضع أصبح لا رجعة فيه

بحسب الأوامر، على الجميع ارتداء معدات وقاية وشرب ماء مغلي بانتظام لتقليل انتقال العدوى

تم عزل المصابين على دفعات، وكل منزل وضع أقمشة سميكة وأبواب خشبية، ليقسم المخيم إلى جزر منفصلة

ومع ذلك، كان الأثر ضئيلًا للغاية

الجميع يعلم في قرارة نفسه

أن سرعة انتشار هذا الوباء مثل فيضان خارج السيطرة، سريع لدرجة لا تسمح للناس حتى بمحاولة المقاومة

كل الجهود، كل وسائل الدفاع، كانت مثل أغصان يابسة في مهب الريح، هشة وعاجزة

كان الوضع ينهار شيئًا فشيئًا

لذلك، الخوف واليأس، مثل ضباب كثيف، تسللا بصمت إلى كل شبر من هواء المخيم

وفي خضم هذا اليأس اللامتناهي، فجأة، خارج منطقة العزل، دوّى صوت حوافر خيل مسرعة!

تك تك، تك تك، تك تك!

فارس، مغطى بالريح والثلج، اندفع راكضًا، وجهه محمّر، يصرخ عاليًا: "اللورد لويس قبض على السلحفاة حمراء الظهر! إنها في الطريق! هل غرفة البخار جاهزة؟!"

في تلك اللحظة، تجمّد الجميع في أماكنهم

احمرّت عينا المسؤول عن الإمداد فجأة، وأومأ بشدة كمن وجد قشة نجاة، صوته يرتجف وهو يصرخ عائدًا: "جاهزة!!"

في صباح اليوم التالي

ما يقارب عشرة فرسان، يقودون خيولًا ويجرون أقفاصًا ضخمة من الحديد البارد، أحضروا أخيرًا عدة سلاحف حمراء الظهر العملاقة

كانت لتلك السلاحف أصداف ثقيلة، تنمو على ظهورها كتل طاقة حمراء داكنة، وهي المفتاح لإنقاذ الأرواح

لكنها في تلك اللحظة، وبسبب المخدّر، كانت فاقدة الوعي

صرخ أحدهم: "السلحفاة حمراء الظهر وصلت!! هناك أمل!!"

فانفجرت منطقة العزل كلها بالهتاف

الحزن واليأس المكبوتان طويلاً تحطما فجأة كأنهما بصاعقة ربيع

الجميع شكروا اللورد لويس العظيم، معانقين بعضهم البعض باكين

أيام الظلام أخيرًا استقبلت أول خيط للفجر

نُقلت السلاحف حمراء الظهر بحذر إلى غرفة البخار المجددة

لكنها بقيت ساكنة، والناس حائرون، لا يعرفون كيف يوقظونها

تقدم الفارس ماريو من وسط الحشد

تذكّر المهمة التي أوكلها له اللورد لويس: كان يجب "تفعيل" السلاحف حمراء الظهر

أخذ نفسًا عميقًا، فاندفعت طاقته القتالية في جسده، تملأه تمامًا

ثم ضرب بقوة على صدفة إحدى السلاحف

"طاخ!!" صوت مكتوم

ارتجت السلحفاة فاقدة الوعي بعنف، وأضاءت كتل الطاقة على ظهرها فورًا بوهج قرمزي

وعلى الفور، "هسس—!!"

استفاقت جميعها، قوسّت أصدافها، ونفثت بخارًا أبيض حارقًا

درجات الحرارة المرتفعة اندفعت سريعًا لتملأ غرفة البخار بأكملها، مطردة برودة ورائحة الموت

تحرك الأطباء بسرعة

يهتفون بالأوامر بينما يحملون أكثر المرضى خطورة إلى الغرفة المشبعة بالبخار

الهواء الدافئ الرطب غلّف كل شبر من الجلد المتجمد، كأنه ينتزع الناس من يد الموت

نُقل المرضى واحدًا تلو الآخر إلى هذا المكان الدافئ، وجباههم المتجعدة بالآلام بدأت بالاسترخاء قليلًا

ظل الموت انحسر تحت موجة الحرارة في تلك اللحظة

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

انتهى الفصل

تذكير مهم: هذه الرواية خيالية للتسلية فقط، فلا تجعل أحداثها أو مصطلحاتها تؤثر على عقيدتك أو إيمانك

أنا بريء من محتوى القصة وما فيها من خيال، وقد بذلت جهدي لتغيير كل المصطلحات المخالفة، فاعذرني إن بقيت كلمة لم أنتبه إليها

المرجو الدعاء لي، والدعاء بالرحمة لوالدي، وبالشفاء العاجل لوالدتي، فهذا سيكون جزائي على الساعات التي قضيتها في ترجمة هذا الفصل وتنقيته من المخالفات الإسلامية

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

2025/08/22 · 157 مشاهدة · 1005 كلمة
AHMED JB
نادي الروايات - 2025