📖 {وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا • وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ ۚ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ ۚ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ ۚ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا} [الطلاق: 2-3]
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
خرج لويس من البوابة الرئيسية للقلعة، وقد ألقى معطفه على كتفيه
تحت قدميه امتد طريق ترابي مضغوط، يتفرع في كل الاتجاهات من الساحة المركزية
كانت البيوت متقاربة جدًا، وألسنة النيران المتذبذبة ودخان الطهي في الرياح الباردة يرسمان صورة نابضة بالحياة
لم يكن هذا مجرد معسكر بسيط بعد الآن
امتدت المنطقة السكنية في إقليم المد الأحمر من القلعة كالأمواج، حيث نمت الشوارع والأسواق والمخازن وورش العمل بسرعة
شعر بوضوح أن هذا المكان بدأ يتخذ ملامح بلدة صغيرة
ربما مع المزيد من التطوير في العام المقبل، يمكن أن يُطلق عليه اسم مدينة المد الأحمر
ومع تزايد عدد السكان، فإن ازدهار الإقليم سيجذب أيضًا انتباه شعب كاي
ربما قد حان الوقت للبدء ببناء سور بسيط
سجّل هذه الخطة بصمت في قلبه
من بعيد، رأى لويس فرقة من الفرسان قادمة وسط سحابة من الغبار
وكان يقودهم شاب ممتلئ الجسد يمتطي حصانًا أسود الشعر
"أيها القائد!" لوّح يون بحماس، وكاد يسقط من حصانه
كان الفرسان يرافقون عدة عربات محملة بشكل ثقيل، مكدسة بأكياس وصناديق خشبية، حتى بدت المحاور على وشك الانكسار من الثقل
أسرع لويس للقائه وقال: "لماذا أتيت إلى هنا؟"
قفز يون عن حصانه، وهو يبتسم مثل طفل، ثم ربت على عربة حبوب قريبة وقال: "أبي خاف أن أموت جوعًا في الشتاء، فأرسل خصيصًا كمية من الحبوب!"
نفخ صدره بفخر، وكانت عيناه تتلألأ بنور صافٍ لا يملكه إلا أبناء الأغنياء المدللون
"خصوصًا أنني نلت استحقاق الدرجة الثانية في الجبهة هذه المرة، ففرح أبي كثيرًا وأعطاني الكثير من الإمدادات، تسعة أعشار الفضل يعود إليك. وبما أنني مررت بإقليمك، فكرت أن أزورك!"
ربت يون على صدره وقال: "أيها القائد، هل تريد بعضًا منها؟ لدي ما يكفي من الحبوب الآن، لذا لن يكون من الصعب أن أشاركك جزءًا منها!"
ابتسم لويس وهز رأسه رافضًا: "لقد اشتريت أيضًا كمية لا بأس بها هنا، ولا يزال لدي مخزون، لذا لست بحاجة الآن"
ومضى الاثنان يسيران جنبًا إلى جنب في الرياح الباردة متجهين نحو القلعة
وخلال الطريق، كانت عينا يون مفتوحتين على اتساعهما، ينظر يمينًا ويسارًا كطفل يدخل مدينة لأول مرة
كان إقليم المد الأحمر مختلفًا تمامًا عن باقي مناطق الشمال
وجوه العامة في الشوارع كانت تحمل ابتسامات
لم تكن ابتسامات متكلفة أو مجبرة، بل راحة صادقة نابعة من القلب
على جانبي الطريق كانت هناك بيوت جماعية نصف تحت الأرض؛ ورغم بساطتها، اعتُبرت قصورًا في الشمال، وقد بُنيت بشكل منظم ومرتب
وكانت الطرق نظيفة أيضًا؛ وإن لم تكن لامعة تمامًا، إلا أنه لم يكن هناك طين ولا روائح كريهة كما في مناطق الشمال الأخرى
أما ما صدم يون أكثر، فهو أنه كلما مر لويس، كان العامة يوقفون ما يفعلونه، يقفون باحترام وينحنون له
بعضهم صاح بصوت عالٍ: "السيد لويس!"
وبعض الأطفال كانوا يلوحون بحماس ويهتفون: "صباح الخير، السيد لويس!"
كل ابتسامة صادقة، مثل شعلة في الرياح الباردة والثلوج، تبعث دفئًا
وفوق ذلك، لم يكن في تلك النظرات أثر للخوف، بل احترام وثقة من القلب
جلس يون على حصانه، فمه نصف مفتوح، وعلى وجهه تعبير من الدهشة وعدم التصديق
كل ما رآه هنا تركه في ذهول
فهو يمتلك إقطاعية تقع شمال إقليم المد الأحمر بقليل، ليست بعيدة جدًا، لكن الوضع هناك أسوأ بكثير
كانت الشوارع موحلة، وبيوت العامة المتهالكة مرصوصة بلا نظام
بل إن مؤونته الخاصة من طعام وغيره، كانت كلها من تمويل والده الكونت في الجنوب البعيد
ناهيك عن الابتسامات، فقد كان أغلب الناس بوجوه قلقة وحتى بلا طاقة للكلام
في السابق كان يظن أن هذا أمر طبيعي؛ فالشمال قاسٍ جدًا، فكيف يمكن لأحد أن يعيش بسهولة؟
بل كان يعتقد أن ما حصل عليه لم يكن "إقطاعية" أصلًا، بل كومة من المتاعب والأرض البائسة
لكنه رأى أيضًا أقاليم سادة آخرين، وكانت أوضاعهم مشابهة بل أسوأ
خصوصًا بعد الحرب، إذ كانت البيوت المحترقة والأسوار المهدمة في كل مكان، ومن الصعب حتى العثور على حطب صالح للاستعمال
والناس كانوا بوجوه جامدة، ملابسهم ممزقة، وملامحهم مليئة بالفراغ واليأس كمن نجا للتو من كارثة
في مثل هذا الشمال، وفي مثل هذه الأوضاع، كان يعتقد أن كل الأماكن يجب أن تكون في حالة خراب
لكن ما رآه أمام عينيه الآن—
ابتلع يون ريقه، ولم يستطع أن يكتم نفسه أكثر
"أيها القائد"، جذب لجام حصانه، واستدار محدقًا بلويس بعينين تحملان نظرة معقدة
"لقد جئنا إلى الشمال تقريبًا في الوقت نفسه، فكيف بحق السماء فعلتها؟ كيف جعلت إقليمك بهذا الشكل؟"
عندما سمع ذلك، ارتسمت على وجه لويس ابتسامة مفعمة بالرضا؛ لقد أصاب المديح قلبه تمامًا، لكنه لم يجب على الفور
رفع بصره نحو العامة المشغولين في الشوارع البعيدة
بعضهم يحمل الخشب، بعضهم يصلح البيوت، وأطفال بثياب خشنة يركضون ويلعبون قريبًا؛ والجو مشبع بإحساس من السعادة
ثم قال بهدوء: "في الحقيقة، الأمر بسيط جدًا"
اتسعت عينا يون، وأرهف سمعه، كأنه ينتظر سرًا مدويًا
"عامل العامة كأنهم بشر حقيقيون"
"... " جلس يون على حصانه، وفمه نصف مفتوح، مذهولًا
"هذا كل شيء؟" عاد يون إلى وعيه، وحدق بلويس بنظرة معقدة
"نعم"
ارتجف فم يون قليلًا، ولم يستطع الكلام طويلًا
هذا، هذا بسيط جدًا!
شعر يون أن لويس يتحدث بتفاهة صحيحة
لكن حين أعاد النظر إلى ما حوله المنظم والمرتب، لم يجد إلا أن يتأمل المعنى العميق في تلك "التفاهة"
وبينما كان يون يندهش، تقدما ببطء، وسرعان ما ظهرت أبواب القلعة أمامهما
وما إن رآها يون، حتى اتسعت عيناه مرة أخرى
كانت قلعة إقليم المد الأحمر ضخمة وخشنة، مثل وحش مدرع ممدد بصمت وسط الرياح الباردة
جدرانها المبنية من التراب المدكوك والحجر بدت وكأنها نمت طبيعيًا من الأرض، تبعث إحساسًا أصيلًا بالقوة الضاغطة
لم يكن فيها أي زينة فاخرة، ولا أبراج جنوبية ولا نقوش، بل صرامة وبساطة ونفَس قوة بدائية تجسد جوهر الشمال
تجمد تعبير يون، فلم يرَ مثل هذا النوع من القلاع من قبل
لقد بنى لويس قلعة فعلًا؟!
أما هو فما زال يعيش في بيت خشبي، رغم أنه مبني بعناية، لكنه لا يقارن بقلعة
الفرق أكبر من المسافة بين إقليم المد الأحمر والعاصمة
"ما رأيك؟" قال لويس بفخر، ونبرة تباهٍ لا يخفيها في صوته، "ليست سيئة، أليس كذلك؟"
رفع يون رأسه، وابتلع بصعوبة
وبعد فترة، تجرأ وأطلق تعليقًا واحدًا: "مذهلة—لكنها—قبيحة بعض الشيء"
.....
"ماذا تعرف أنت؟" رد لويس فورًا، "هذا هو أسلوب الصناعة الصلبة!"
نظر يون إلى البنى الأسطوانية السميكة والكبيرة، وانعقد فمه قليلًا
إن كان هذا "أسلوب الصناعة"، فإذن كومة الأخشاب المكسورة التي عنده لا بد أنها "فن الريف"، أليس كذلك؟
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
انتهى الفصل
تذكير مهم: هذه الرواية خيالية للتسلية فقط، فلا تجعل أحداثها أو مصطلحاتها تؤثر على عقيدتك أو إيمانك
أنا بريء من محتوى القصة وما فيها من خيال، وقد بذلت جهدي لتغيير كل المصطلحات المخالفة، فاعذرني إن بقيت كلمة لم أنتبه إليها
المرجو الدعاء لي، والدعاء بالرحمة لوالدي، وبالشفاء العاجل لوالدتي، فهذا سيكون جزائي على الساعات التي قضيتها في ترجمة هذا الفصل وتنقيته من المخالفات الإسلامية
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ