📖 {وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلَا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِّمَّا يَمْكُرُونَ} [النحل:127]

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

بعد أن شبعا من الطعام والشراب، سارا معًا على الدرج الحجري العريض، حتى وصلا إلى أعماق الطابق الأول من القلعة

وبمجرد أن دفعا الباب الخشبي الثقيل، هاجمهما ضباب أبيض كثيف من بخار الماء الساخن

"هذا هو..." توقف يويين غريزيًا، محدقًا دون رمش في المشهد أمام عينيه

كان هناك بركة مياه ساخنة خشنة الشكل لكنها مجهزة بالكامل

الأرضية كانت من تراب مدكوك، وحوافها من حجارة مرصوصة، بلا أي زينة فاخرة، بل أبسط أشكال البناء العملي

كانت مياه البركة تُسخّن بطاقة حرارية جوفية طبيعية، يتصاعد منها بخار دقيق يملأ القاعة كلها، ومعه صوت خرير خافت للمياه

امتزج الهواء برائحة معدنية خفيفة وهالة رطبة حارة

في الخارج، كان الريح الشمالية الباردة تعوي بقسوة، لكن الداخل بدا وكأنه عالم آخر

وفي مكان كهذا في الأراضي الشمالية، أن تجد ينابيع ساخنة للاستحمام؟!

كان ذلك أشد إغراءً من امتلاك منجم ذهب

"سيدي—" هتف يويين وهو يخلع معطفه، ونبرته مملوءة بالغيرة، "إقليمك يضم مكانًا رائعًا كهذا؟"

وقف لويس بجواره مبتسمًا بتكاسل

"مجرد حظ، مجرد حظ" قال باستخفاف، لكن وجهه كان في الواقع مفعمًا بفخر لا يمكن إخفاؤه

كان يويين قد دخل بالفعل إلى البركة، يكاد يئن من الراحة: "آه! هذه هي الحياة التي يجب أن يعيشها الإنسان…!"

تغلغلت حرارة المياه في كل عضلة متجمدة، وتبخر البرد تدريجيًا، حتى عظامه صارت دافئة

ورغم أنها لا تقارن بالحمّامات الفاخرة في العاصمة الإمبراطورية بما فيها من أعمدة منقوشة وروائح عطرة، إلا أن عبق هذه الينابيع الخام والبسيطة امتلك سحرًا خاصًا

"هاه— لو أنني أستطيع الاستحمام هنا يوميًا، لكانت هذه هي حياة النبلاء—" اتكأ يويين على حافة البركة، نصف عينيه مغمضتين، مرتاحًا حتى كاد أن يغفو

نظر لويس إليه جانبًا، ثم قال فجأة: "ما رأيك أن تبقى هنا هذا الشتاء؟

إقليم المد الأحمر فيه طعام وفير، وملابس دافئة، وحتى ينابيع ساخنة للاستحمام. الحياة هنا أفضل بكثير من حيث تعيش"

تفاجأ يويين قليلًا عند سماع هذا

ثم نظر إلى القاعة الحجرية المليئة بالبخار، وإلى الحطب المرصوص بعناية خارج البركة، وإلى الروائح المتصاعدة من مطبخ بعيد

لم يكن صادقًا إن قال إنه لم يُفتن بالفكرة

لكنه سرعان ما شد على أسنانه وكبح ذلك الإغراء

"لا"

هز رأسه، لكن عينيه حملتا يقينًا جديدًا

"ما زال لدي إقليمي لأدافع عنه. حتى وإن كان متهالكًا ومنازله محطمة، فإنه ما زال مملكتي، ويجب أن أتحمل الشتاء بنفسي. فما بالك بالناس الكثيرين الذين ينتظرون حمايتي"

نظر إليه لويس بدهشة، وكأن نصف عام من التجارب قد جعله فعلًا حاكمًا أكثر نضجًا واعتمادًا عليه

وبعد أن أنهى كلامه، مسح يويين وجهه، وكأنه يخشى أن تصبح الأجواء محرجة، فسعل بسرعة مغيرًا الموضوع: "سيدي، هل أصبحت أنت الحاكم الجديد لمقاطعة قمة الثلوج الآن؟"

هز لويس كتفيه، منغمسًا في المياه بكسل: "يبدو ذلك، بفضل ثقة الحاكم العام"

نصحه يويين: "إن سألتني، الأفضل أن تؤكد مكانتك سريعًا، ويفضل أن يكون ذلك بمراسم تقليدية. صحيح أن هناك فترة إعفاء ضريبي بعد الحرب، لكن سلطة الحاكم العام... ما زالت بين يديك أليس كذلك؟ إن تركت نبلاء الشمال القدامى يتدخلون، ستكون مشكلة"

تنهد لويس: "بالطبع فكرت في ذلك. لكن الشتاء يقترب، ونحن ما زلنا في أعقاب الحرب. القليل من أقاليم الشمال يعمل بشكل طبيعي أصلًا

وبصراحة، لم يتبق نبلاء كُثر. فمن غير المحتمل عقد مراسم وراثة رسمية في مثل هذه اللحظة الحرجة"

"هذا صحيح—" تمتم يويين بإحباط قليل

وبالحديث عن هؤلاء النبلاء في مقاطعة قمة الثلوج، تذكر لويس فجأة النبلاء الاثني عشر من الشمال الذين قتلهم حلف الثلج قبل وقت ليس ببعيد

ورغم أن موتهم لم يكن له علاقة كبيرة به، إلا أن لويس كتب رسالة وأبلغ بالأمر دوق إدموند

لكن النتيجة أن الدوق لم يرد إلا بجملة باهتة، بلا تفاصيل أو لوم، مكتفيًا بالقول إنه مع بداية الربيع المقبل، سيُعيّن آخرون لملء هذه الفراغات

وكأن الأمر مجرد عدّ للماشية، بلا مبالاة كاملة

ارتسمت على شفتي لويس ابتسامة باردة

يبدو أن الدوق إدموند لم يكن يكترث بهؤلاء الفاقدين للقيمة. وبما أن الأمر كذلك، فلن يقيده شيء في أفعاله بعد الآن

وبينما كان غارقًا في التفكير، كان يويين قد انتقل إلى موضوع آخر

"اسمع، سيدي، سأخبرك بسر" همس وكأنه يخشى أن يُسمع، "أبي أرسل لي مؤخرًا أن الإمبراطورية تستعد لتشديد أمر استصلاح الشمال"

فتح لويس عينيه ورفع حاجبًا: "توسيع أمر الاستصلاح؟"

"أجل" أومأ يويين، "الإمبراطور يخطط لإرسال دفعة أخرى من أبناء النبلاء إلى هنا، وهذه المرة سيكون العدد أكبر والنطاق أوسع. وسمعت أن معايير الاختيار صارت أشد بكثير من السابق"

توقف قليلًا، ثم خفض صوته أكثر: "من سيأتون هذه المرة ليسوا أي أشخاص عاديين. يجب أن يكونوا من الدم المباشر للعائلات

وعلاوة على ذلك، يجب أن يكون مستواهم فارسًا نخبة، وأن يملكوا سجلًا واحدًا على الأقل من خبرة حربية، وقادرين على قيادة فرقة من الفرسان لا يقل عددها عن مائة رجل"

دحرج يويين عينيه: "بمعنى آخر، الإمبراطور عازم على ألا يسمح بعد الآن لنبلاء الجنوب بإرسال عديمي الفائدة إلى هنا للعبث"

أمعن لويس التفكير في معنى هذه المعلومة: "هل يحاول الإمبراطور إضعاف سلطة نبلاء الجنوب؟ وإلا فلماذا كان طوال هذه السنين يزجّ بأبناء الجنوب في الشمال بجنون؟"

"من يدري" رفع يويين كتفيه، "على أي حال، أشعر أن هناك ما يريب، وإلا لما كان جلالته قد أصبح فجأة متعجلًا هكذا في هذه السنوات الأخيرة"

تحدث الاثنان بهدوء لبعض الوقت، لكن قلة المعلومات جعلتهما يطيلان التخمين دون أي نتيجة واضحة. وما تأكدا منه فقط هو أنه في ربيع العام القادم، سيصل عدد كبير من نبلاء الاستصلاح الجدد إلى الشمال في موكب ضخم قادم من الجنوب

غير أن لويس لم يكن قلقًا

فهناك سياسة من فوق، وحيل من تحت

حتى وإن كان الإمبراطور عازمًا على تسريع العملية، وإرسال دفعة تلو الأخرى من هؤلاء "النبلاء الروّاد"، فمن يعلم ما طبيعتهم حقًا؟

ودعك من "الدم المباشر" أو "فارس النخبة"، فكم منهم يمكنه حقًا الصمود أمام برد الشمال القارس، وحروبه، وجدبه؟

ومهما كانت معايير الاختيار دقيقة، فإن أبناء نبلاء الجنوب اعتادوا حياة مرفهة، ومن يستطيع منهم احتمال قسوة الشمال نادر ندرة ريشة العنقاء أو قرن وحيد القرن

وحتى إن جاء بعضهم فعلًا نخبة النخبة، فماذا في ذلك؟

لويس لم يعد يخشاهم كليًا، فقد رسّخ بالفعل موطئ قدمه في الشمال

وإقليم المد الأحمر واحد من الأقاليم القليلة التي يمكنها الاكتفاء ذاتيًا دون الاعتماد على عائلة

أما جيشه، الذي صقلته الدماء والنار، فيستطيع القتال والدفاع عن موطنه

كما أنه صار الآن الحاكم العام لمقاطعة قمة الثلوج

حتى لو كان القادمون جددًا ذوي قدرات، فسيضطرون للانحناء له باحترام

لكنه لم يعرف بعد ما إذا كان أي من إخوة كالفن الآخرين سيُرسلون إلى هذه البقعة المنسية

ارتسمت على شفتيه ابتسامة خفيفة، بالكاد ملحوظة

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

انتهى الفصل

تذكير مهم: هذه الرواية خيالية للتسلية فقط، فلا تجعل أحداثها أو مصطلحاتها تؤثر على عقيدتك أو إيمانك

أنا بريء من محتوى القصة وما فيها من خيال، وقد بذلت جهدي لتغيير كل المصطلحات المخالفة، فاعذرني إن بقيت كلمة لم أنتبه إليها

المرجو الدعاء لي، والدعاء بالرحمة لوالدي، وبالشفاء العاجل لوالدتي، فهذا سيكون جزائي على الساعات التي قضيتها في ترجمة هذا الفصل وتنقيته من المخالفات الإسلامية

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

2025/08/22 · 157 مشاهدة · 1100 كلمة
AHMED JB
نادي الروايات - 2025