📖 {وَمَا عِندَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَىٰ لِلَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَىٰ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ} [الشورى: 36]
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مكث يوان ليلة واحدة فقط ثم انطلق في الصباح الباكر من اليوم التالي
لم ينس أن يساوم برادلي، فاستبدل بعض الذرة والتوابل بعدة سلال من السمك المدخن، وقد حزمها بسعادة مع أمتعته
ويبدو أنه أحب حقًا هذه الأكلة القوية النكهة طويلة الأمد التي اشتهرت بها أراضي المد الأحمر
وقبل مغادرته، لوّح بيده مبتسمًا نحو لويس وقال:
"سأعود في الربيع القادم، وعلينا أن نستحم معًا حينها!"
فضحك الفرسان والجنود المرافقون حتى احمرت وجوههم خجلًا
وللحظة امتلأ باب القلعة بجو مرح وحيوي
أما لويس فمسح جبهته بعجز، وهو يشاهد يوان يقود موكبه العظيم من فرسان ومؤن وعربة مليئة بالسمك المدخن، وهو يرحل ببهاء
وبهدوء بدأ الثلج الشمالي يتساقط
لم يُصدر نسيم الليل أي صوت، بل اجتاح الأرض في صمت
وفي الصباح الباكر، عند أول خيوط الفجر، وقف لويس عند النافذة يتأمل العالم الخارجي وقد تحول إلى بياض
حمل الهواء البارد رائحة رطبة، وكانت القرى والتلال وضفاف الأنهار في أراضي المد الأحمر قد غُطيت بطبقة رقيقة من ندف الثلج الأبيض الفضي، تسقط كحجاب رقيق، لتغلف الأرض شيئًا فشيئًا
وعلى أسطح القرى تجمعت طبقات الثلج لتضفي لونًا أبيض نقيًا، فيما بدت الأشجار وكأنها ارتدت حللًا فضية، واقفة في صمت وسط الريح الباردة
كان المشهد كله بالغ الجمال
لكن ذلك كان يعني أيضًا أن أصعب مواسم الشمال قد حل أخيرًا
فأصعب ما يواجه حاكم الشمال لم يكن مجرد البرد ذاته، بل كيفية إبقاء الحياة مستمرة خلال هذا الشتاء الطويل
المؤن، الطعام، الحطب، جلود الحيوانات—كل عنصر منها كان بالغ الأهمية
ولحسن الحظ، كان لويس قد أعد العدة مسبقًا
لقد كان نظام إدارة أراضي المد الأحمر مختلفًا عن غيره من الأراضي في هذا العالم، إذ سار على نظام السادة الإقطاعيين لكن بخصائص المد الأحمر
لم يكن توزيع الموارد مقتصرًا على حفظ الحياة فحسب، بل كان الهدف أيضًا أن يشعر كل فرد بأهميته في هذه الأرض
وفي توزيع مؤن الشتاء، عدّل لويس معايير توزيع الطعام، محاولًا تقليل الفوارق غير الضرورية، وضامنًا أن كل أسرة لديها ما يكفي لتأكل
فكل أسرة، سواء كانت من الفلاحين أو الحرفيين أو الفرسان، تحصل على مواردها بحسب عدد أفرادها
إذ يمكن لأسرة من ثلاثة أفراد أن تتلقى عشرين رطلًا من الحبوب أسبوعيًا، وهو مقدار يكفي لعبور الشتاء رغم ضعف الإنتاج، ما دام لا يُهدر
وبالطبع، إلى جانب الحبوب، رتب لويس مؤنًا خاصة لمقاومة البرد
فكل أسرة حصلت على معطف مبطن بالقطن وبطانية، ليضمن أن الجميع سيتمكن من الدفء في الليالي الباردة
أما الحطب والفحم، فقد وُزعت كذلك بشكل معقول وفقًا لعدد الأفراد، ليبقى كل بيت دافئًا في هذا الشتاء القارس
كما وضع لويس نظام مكافآت إضافيًا
فمن يقدم جهودًا أكبر كان بإمكانه الحصول على المزيد من الطعام أو وقود التدفئة كمكافأة
مثل الحرفيين المهرة، من نجارين وحدادين، أو رجال الإدارة مثل لوك ومايك
أما الفرسان، فلا حاجة لذكرهم، فما يأكله لويس يأكلونه معه
فهؤلاء المحاربون المميزون الذين يحمون أراضي المد الأحمر حظوا بمعاملة خاصة
وبهذا التوزيع المنصف، لم يضمن لويس سير الحياة في الأرض فحسب، بل عمّق أيضًا ثقة الناس به، إذ جعلهم يشعرون أن عملهم يساوي مكانتهم في أراضي المد الأحمر
حتى العبيد البسطاء من أدنى طبقات العمل شعروا أن جهدهم ذو قيمة، وأنهم قادرون على الحصول على مؤن كافية للشتاء
ولم يخافوا بعد الآن من أن يُتركوا لمصيرهم
وهكذا حافظت أراضي المد الأحمر على نظامها خلال الشتاء
وكانت مهمة اليوم توزيع المعاطف المبطنة، والبطانيات، والحطب، والفحم، وسائر أدوات التدفئة
فهي أغلى وأهم ما ينقذ الحياة في هذا البرد القارس
معطف مبطن، بطانية، حزمة حطب، بضع قوالب فحم—هي التي تحدد إن كانت الأسرة ستنجو من ليالي الشتاء الطويلة
"معطف مبطن لكل فرد، وبطانية لكل بيت—"
وقف لويس أمام المستودع المكدس بالمؤن، ممسكًا برق مسطر، يفحص بدقة كل بند، متأكدًا ألا يحدث أي فساد
كان يؤكد بهدوء مع طاقم التوزيع، ويعاين بنفسه ليتأكد أن لا اسم يُنسى ولا رقم يُخطئ
وحين بدأ التوزيع رسميًا، ذهب لويس بنفسه إلى طاولة التوزيع في الساحة، واقفًا بجوار الموظفين
وحين رآه السكان المتجمعون لأخذ المؤن، توقفوا لبرهة
لم يتوقع أحد أن سيدهم سيكون حاضرًا بنفسه
وفجأة بدت العيون تترقرق
لم يصرخ أحد عاليًا، ولم يهتف أحد بحماس
بل خيم جو من الصمت الوقور، كأن الجميع يخشون أن يكسر صوتهم هذه اللحظة الدافئة النادرة
تقدموا واحدًا تلو الآخر في صمت، وعندما حان دورهم لاستلام المؤن، كانوا يكتفون بشكر هادئ للويـس، أو ببضع كلمات قصيرة وهم يحملون البطانيات والمعاطف
أحدهم، وهو يتسلم معطفًا، تمتم قائلًا: "شكرًا لك، أيها السيد لويس—ليمنحك الحكام العظام عمرًا طويلًا"
أما لويس فلم يقل الكثير، فقط أومأ برأسه، ونظراته تحمل اللطف
وكان أحيانًا يتبادل كلمات بسيطة مع الأهالي، فيظهر بغاية القرب منهم
ووقف طفل نحيل يحمل معطفًا بعناية، ينتعل حذاءً مهترئًا، وقد احمر أنفه من البرد
رفع رأسه نحو لويس وهمس: "أريد أن أساعدك في القتال مستقبلًا—مثل الفرسان، لأحمي الجميع"
فانحنى لويس ومسح شعره مبتسمًا: "سأنتظرك حتى تكبر"
تألقت عينا الطفل، وقبض على المعطف في يده بقوة، وقد بدا عزمه راسخًا
كما مرّت امرأة تحمل فحمًا ثقيلًا وهي تعرج، وحين عبرت بجوار لويس، وضعت يدها على صدرها بصمت، وأدّت إيماءة دعاء، هامسة:
"أيها السلف العظيم للتنين، انظر إلى أراضي المد الأحمر، وانظر إلى السيد العظيم لويس"
استمر التوزيع، والناس في صفوف منتظمة
فبعضهم يشكر لويس ببضع كلمات، وآخرون لا يجيدون التعبير، فيكتفون بنظرات امتنان
وما أسعد لويس هو أنه لم يسمع شكوى واحدة
ففي شتاءات الماضي، لم يكن هؤلاء الناس البسطاء يملكون إلا بالكاد ما يبقيهم على قيد الحياة
وجبة واحدة في اليوم، في أكواخ خشبية تتجمد عظامهم داخلها، يتشبثون بوهج نيران هزيلة
وكثير منهم اضطر لحرق الأثاث أو تفكيك الأبواب القديمة ليحصل على دفء، فقط ليمر من موسم الثلوج الطويل
أما الآن، فقد أصبح بإمكانهم أن يلتفوا بمعاطف سميكة، ويأكلوا وعاء حساء ساخن قرب النار، ويناموا بسلام تحت البطانيات
مثل هذا التغيير، في الشمال القاسي، كان أمرًا استثنائيًا أشبه بالمعجزة
وكان الأهالي يدركون في أعماقهم أنه لولا لويس، لكانوا هذا الشتاء مدفونين تحت رياح الثلوج في السهول الجليدية
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
انتهى الفصل
تذكير مهم: هذه الرواية خيالية للتسلية فقط، فلا تجعل أحداثها أو مصطلحاتها تؤثر على عقيدتك أو إيمانك
أنا بريء من محتوى القصة وما فيها من خيال، وقد بذلت جهدي لتغيير كل المصطلحات المخالفة، فاعذرني إن بقيت كلمة لم أنتبه إليها
المرجو الدعاء لي، والدعاء بالرحمة لوالدي، وبالشفاء العاجل لوالدتي، فهذا سيكون جزائي على الساعات التي قضيتها في ترجمة هذا الفصل وتنقيته من المخالفات الإسلامية
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ