📖 {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ۖ وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا ۚ وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا} النساء: 122
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
هبت الرياح الشمالية المحمّلة بذرات الثلج من الجبال البعيدة، كأنها نصل حاد، تجتاح شوارع وأزقة إقليم المد الأحمر
وعلى الرغم من أن إقليم المد الأحمر كان يُعتبر من الجنوب القريب للشمال، إلا أنه أخيرًا شعر ببرودة الشتاء القارس
بمجرد أن يخطو المرء خارج المنزل، يصبح بخار أنفاسه كثيفًا لدرجة تبدو وكأنها قد تتجمد في الهواء
بدأت طبقة رقيقة من الجليد تتكوّن بهدوء فوق سطح النهر
ومن الغابة انطلقت بين الحين والآخر زئير منخفض، يعود لوحوش بدأت هجرتها جنوبًا
أما صيادو إقليم المد الأحمر فقد انتهزوا هذه الفرصة القصيرة، وجمعوا الكثير من الطرائد
كل ذلك كان إشارة واضحة إلى أن شتاء الشمال القاسي قد حلّ بالفعل
ومع ذلك، فإن قدوم الشتاء لم يُحدث أدنى فوضى في إقليم المد الأحمر
فكل أسرة حشرت الأقمشة القطنية التي وُزعت عليهم في شقوق الأبواب لمنع تسلل الرياح الباردة
ووُضعت حزم القش عند المداخل، ناعمة الملمس وتمنع الانزلاق
قالت أم وهي تُلبس ابنها المعطف القطني الجديد الموزع من قبل إقليم المد الأحمر، مشددة الحزام بعناية: "تعال، ارتدِ هذا بسرعة"
وفي الداخل، كانت نار الموقد تتوهج باللون الأحمر، والحساء الساخن يغلي، فيما كان الأطفال يضحكون ويلعبون حول النار
ومهما تساقط الثلج في الخارج، فإنه لم يستطع اختراق هذا المنزل شبه الأرضي
صرخ طفل بفرح وهو يندفع مع رفاقه إلى الخارج: "لم نعد نخاف من البرد بعد الآن"، ثم غاصوا في العالم الأبيض الفسيح للعب بكرات الثلج
وفي زاوية من الشارع، جلس عدد من الشيوخ، ملتفين بثياب سميكة وأغطية، يستندون إلى الجدار وهم يتأملون المشهد أمامهم بقلوب مثقلة بالمشاعر
تنهد صياد عجوز قائلاً بعينين يكسوهما الغبش: "في السابق، كنا نتحمل كل عام بصمت، ومع ذلك كان الكثيرون يموتون من البرد. لم يكن الوضع يومًا مثل الآن، حيث الطعام والملابس متوفرة، وكل ذلك بفضل السيد لويس"
عانق لاجئ معطفه القطني الجديد بعينين محمرتين وقال: "لو لم يستقبلني السيد لويس، لكنت تجمدت منذ زمن بعيد فوق سهول الثلج"
وفي مكان بعيد، توقّف العبيد الذين كانوا يجرفون الثلج عن عملهم، رفعوا رؤوسهم وتبادلوا النظرات
قال أحدهم بصوت منخفض: "نعم، ونحن أيضًا… لم نعد نخاف من أن يتم التخلص منا كأننا مواد بلا قيمة"
كانت أعين الجميع تحمل بريق انتماء وأمل، شيئًا لم يعرفوه من قبل في أي شتاء سابق
في كل ركن من أركان إقليم المد الأحمر، على موائد الطعام وحول المواقد، كان الناس ممتنين للشخص الذي أحدث هذا التغيير
"السيد لويس هو شمسنا"
"نعم، هذا هو الشتاء الوحيد في سهول الثلج حيث لن يتجمد فيه أحد حتى الموت"
في الساحة الصغيرة عند مدخل القرية، احمرت وجوه القرويين من البرد، وبخار أنفاسهم الأبيض تلاشى ببطء في الهواء
تجمعوا معًا ينظرون إلى المنصة
صعد مسؤول من الإقليم، مرتديًا عباءة سميكة، إلى المنصة المرتفعة، وفرد وثيقة، ثم دوّى صوته الواضح في الهواء البارد:
"أيها القرويون، انتبهوا! إن إقليم المد الأحمر على وشك دخول فترة صقيع شديد! سيكون هذا شتاءً قاسيًا لم نشهد مثله منذ سنوات عديدة، وعلينا أن نتحد لتجاوز هذه المحنة"
رفع الرقّ في يده ونبرته جادة، يتخللها حماس: "إن سيدنا العظيم لويس، بقلبه الرحيم، لن يترك أحدًا يواجه المعاناة وحده!
لقد أمر بأن لا يُهمَل أحد—سواء كان من عامة الناس، أو عبدًا، أو لاجئًا—فكل من يعيش في إقليم المد الأحمر هو من مواطني المد الأحمر!
وإذا واجه أي شخص صعوبة فعليه الإبلاغ فورًا؛ إقليم المد الأحمر لن يترك أحدًا دون مساعدة!"
بدأ بعض الحاضرين يتهامسون: "يا له من سيد رحيم وعظيم…"
واستمر صوت المسؤول يزداد حماسة وهو يتلو بصدق: "إن السيد لويس يحمل في قلبه دائمًا سلامة الجميع!
بينما تواجه أماكن أخرى كوارث مقبلة من برد قارس وجوع واسع الانتشار،
فإن هنا، في إقليم المد الأحمر، لدينا الأسماك المدخنة، وصوامع الحبوب، وملابس الشتاء، ونيران المواقد!
سنكون الأرض الوحيدة في الإمبراطورية الشمالية حيث لن يموت أحد من التجمد!"
وما إن انتهى من جملته حتى دوّى هتاف منخفض وازدحم المكان بالضوضاء، ووجوه الحاضرين مملوءة بالفخر والامتنان
صرخ أحدهم غير قادر على كتمان شعوره: "يحيى إقليم المد الأحمر!"
وتبعه آخرون: "يحيى السيد لويس!"، لتعلو الأصوات وتخفت، فتلهب دماء الحاضرين في هذا الشتاء القارس
رفع المسؤول يده مشيرًا إلى الصمت: "تذكروا، هذا ليس أمرًا خارقًا، بل هو نتيجة اتحادنا وكفاحنا! ما دمنا نسير على خطى السيد لويس، فسنتمكن من تجاوز الشتاء واستقبال ربيع جديد!"
اندلعت جولة جديدة من التصفيق والهتاف
وقد أظهرت أعين الجميع بريقًا يحمل الأمل والإيمان الراسخ، فهم يثقون بأن السيد لويس سيفي بوعوده
تمامًا كما كتب في مقاله البسيط، تحت حكم السيد لويس، أصبح شتاء إقليم المد الأحمر، رغم برودته، منظمًا ومستقرًا
فكل بيت يضيء موقده، والأطفال ما زالوا يركضون ويلعبون في الثلج
تصاعد دخان الطهي ببطء، وامتلأت المخازن بالأسماك المدخنة، والجاودار، والبطاطس
لكن أقاليم الشمال الأخرى خارج إقليم المد الأحمر لم تكن محظوظة بوجود سيد مثل لويس
فالرياح القادمة من الشمال، المحمّلة بذرات الثلج، ضربت أسقف المنازل بقوة
وكان هذا هو إقليم البارون ماكيني
رغم أنه أيضًا في الشمال، إلا أنه كان يقع جنوبًا قليلًا من إقليم المد الأحمر
لكن الشوارع كانت خاوية تمامًا، صامتة، حتى الحيوانات لم تظهر
المنازل المتهالكة بدت وقد انفتحت شقوق أبوابها الكبيرة، تسمح للريح والثلج بالدخول بحرية
وفي الداخل، كان بعض العامة متجمدين في الزوايا، ملتفين بأغطية بالية شبه شفافة، وجوههم شاحبة إلى حد الموت
وكان الطفل ضعيفًا لدرجة أن صوته لم يُسمع، بل يحدق بعينين جافتين في فراغ
قال أحدهم بصوت واهن وقد بدت عيناه فارغتين، لكن يختبئ فيهما بصيص من الأمل: "—بضعة أيام أخرى فقط، ربما يتوقف الثلج، وربما يمكننا الخروج للعثور على لحاء الشجر"
لكن لم يرد عليه أحد، فقد كان البرد شديدًا، شديدًا لدرجة أن الجميع لم يستطيعوا حتى أن يومئوا برؤوسهم
وكان هناك برميل خشبي مكسور ممتلئ بالثلج؛ هذا كان شرابهم وطعامهم
جلس شيخ في ركن، أنفاسه متقطعة وجفونه ترتعش
وفجأة، هبت ريح قوية فتحت الباب، فارتجف جسده ثم توقف عن الحركة
همس شخص: "مات… مات"، وكان صوته يرتجف، ولم يُدرَ إن كان ذلك من البرد أو من الخوف
لكن لم يلتفت أحد، فقد كان هذا أمرًا معتادًا جدًا
وكان هؤلاء لا يزالون أحرارًا، أما في أقبية العبيد، فالوضع كان أشد قسوة
في الزوايا، كانت أجساد هزيلة أشبه بالهياكل العظمية ملقاة، ملفوفة بأكياس بالية من الخيش، مثل فروع يابسة يمكن أن تتحطم في أي لحظة
وكان الهواء مملوءًا بالعفن والروائح الكريهة، يضغط بثقله على الصدور
وفي تلك الرائحة، لم يكن الموت وحده حاضرًا، بل اليأس الخانق أيضًا
كانت عدة جثث متكئة على الجدار، وجوهها مغطاة بطبقة رقيقة من الصقيع، وأعينها الواسعة مفتوحة تحدق في السقف، كأنها لا تزال تنتظر بارقة نجاة قبل موتها
لكن هذه كانت بقعة لم تصلها شمس إقليم المد الأحمر
لم يكن أحد يبكي، ولم يجزع أحد
بل فقط عيون خاوية تحدق بصمت، حتى دون رغبة في الحركة
مات واحد؟ مات عشرات؟
لم يكن هناك فرق
فالجثث كانت تُرمى في الثلج دون حتى حفرة لائقة، تُترك للرياح كي تغطيها بالثلوج
وهذا كان "مثواهم الأخير"
وفي زاوية أخرى، جلس رجل في منتصف العمر مستندًا إلى جدار ترابي بارد، يحتضن زوجته التي تحتضر
شفاهه متجمدة إلى اللون البنفسجي، وصوته بالكاد يُسمع وهو يهمس: "اصمدي، عيشي يومًا بيوم. هل ننتظر النجاة من ذلك السيد؟"
ولم يُكمل جملته، بل ضحك ضحكة باردة
كانت ضحكته منخفضة وجافة، كحطب متجمد يتشقق، تبعث قشعريرة في الأجساد
لم يرد أحد، فقط هبّت ريح هزّت الستار البالي بعنف، وكأنها ترثي هذا الصمت الميت
لكن المشهد تغيّر
ففي قصر البارون ماكيني القريب، كان الأمر أشبه بعالم آخر
القاعات مضاءة بحرارة، والنيران تتراقص في الموقد، تطرد كل برودة
وكانت موائد الولائم الطويلة مثقلة بالطعام: خراف مشوية كاملة، وخنازير صغيرة مطبوخة طازجة، وأسياخ نقانق لامعة، وسلال من الفاكهة مكدسة بلا اكتراث
كثير منها لم يُؤكل سوى بضع لقيمات، ثم تُرك ليتعفن ويسود
فتات الخبز متناثر على الأرض، ممزوج بالخمر المسكوب، يُداس عليه حتى يصبح عجينًا فوضويًا
أما البارون ماكيني فكان نصف مستلقٍ، يترنح سكرانًا على كرسيه، محتضنًا خادمة شابة، وأنفاسه تفوح منها رائحة الخمر
وكان يلهو بيديه على جسدها، ضاحكًا بجنون: "تعالي، امنحيني قبلة، اجلبِي لي الحظ!"
وكان الفرسان حوله محمرّي الوجوه من الشراب، بطاقات اللعب مبعثرة على الطاولة، وأكوام من العملات النحاسية والفضية تتكدس
ضحك أحد الفرسان وهو يرمي أوراقه ويشرب كأسه دفعة واحدة: "هاها، يا سيدي ماكيني، لعبك سيء جدًا!"
زمجر ماكيني: "كفّ عن الثرثرة!" ثم رمى إبريق الخمر وركله ليسقط على الأرض، لينتشر عبيره القوي في كل مكان، متسربًا بين بلاطات الحجارة
لكن لم يهتم أحد
ففي هذا القصر، كان هناك خمر، ولحم، ونساء بلا نهاية
وكان الفرق بين عالم الداخل والخارج كالفرق بين الأرض والسماء
في الحقيقة، لم يكن ماكيني سوى بارون عُيّن حديثًا بشكل مؤقت
فقد قُتل أخوه الأكبر، البارون السابق، في معركة مدينة النسر الثلجي، وتولّى هو مكانه مستفيدًا من مكانة عائلته
وعلى الرغم من أنه قد شهد الحرب للتو، فإن إقليمه لم يتعرض لأي هجمات من جيش الثلج
بل إن موقعه النائي في وادٍ جبلي جعل السلام المؤقت أرضًا خصبة لانغماسه في الملذات
فكانت الحرب والمجاعة بالنسبة له مجرد موضوعات يتندر بها على طاولة القمار
صرخ ضاحكًا: "هيا، لنكمل! اجلبوا لي تلك الزجاجة الجيدة أيضًا!"، وعيناه تجولان بنظرة وقحة نحو الخادمات اللواتي يقفن بعيدًا: "تعالوا، اقتربن!"
وبين الضوضاء والفوضى، تقدّم الخادم العجوز بانحناءة ورأسه مطأطأ: "أحم… سيدي…"
رمقه ماكيني بعينين نصف مغلقتين من أثر الشراب وهو يعانق خادمته: "ماذا هناك؟ ألا ترى أنني مستمتع؟"
تكوّنت قطرات العرق البارد على جبين الخادم وهو يهمس: "إنه… إنه بشأن مخزن الحبوب… لقد قمنا بجردٍ للتو، ووجدنا أن… المخزون… قد لا يكفي لبقية الشتاء"
قهقه ماكيني بازدراء: "إن لم يكفِ، فليمت العبيد جوعًا، سنشتري غيرهم في الربيع المقبل. من يهتم إن هلكت بعض الأرواح التافهة؟"
شحب وجه الخادم، وتحركت عيناه بتردد، لكنه عضّ على أسنانه وقال بصوت منخفض: "لكن… الأمر لا يخص العبيد فقط، حتى مؤونة القصر قد لا تكفي"
وبمجرد أن خرجت هذه الكلمات، ساد الصمت في القاعة التي كانت تضج بالضحك قبل لحظات
التفت ماكيني ببطء، وعيناه المترنحتان من أثر الخمر تكشفان عن قسوة مخيفة: "—ماذا قلت؟"
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
انتهى الفصل
تذكير مهم: هذه الرواية خيالية للتسلية فقط، فلا تجعل أحداثها أو مصطلحاتها تؤثر على عقيدتك أو إيمانك
أنا بريء من محتوى القصة وما فيها من خيال، وقد بذلت جهدي لتغيير كل المصطلحات المخالفة، فاعذرني إن بقيت كلمة لم أنتبه إليها
المرجو الدعاء لي، والدعاء بالرحمة لوالدي، وبالشفاء العاجل لوالدتي، فهذا سيكون جزائي على الساعات التي قضيتها في ترجمة هذا الفصل وتنقيته من المخالفات الإسلامية
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ