🌿 تنبيه وإهداء قبل القراءة 🌿

📿 اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

🕌 هذه الرواية للتسلية، فلا تجعلها تشغلك عن الصلاة

🕊️ اللهم انصر أهلنا في غزة، وفرّج كربهم، وداوِ جراحهم، وارفع عنهم الظلم

📖 "فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا" (سورة الشرح، الآية 5)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

في أقل من نصف يوم حلّق طائر الريح السريعة في السماء الباردة، ثم هبط بثبات على كتف لويس حاملاً الرد

أخذ الرق، وارتفعت حاجباه قليلًا، إذ لم يتوقع ردًا بهذه السرعة

لم يكن الرد طويلًا، وبشأن موت ماكيني لم يذكر الدوق إدموند شيئًا، كأن حياة وموت سيد صغير بهذا المستوى لا وزن لهما ولا يستحقان حتى قطرة من حبره

كانت خلاصة الرسالة في الفقرة الأخيرة

لا يملك ماكيني وريثًا مباشرًا من دمه، لذا ستُدار الأراضي مؤقتًا بواسطة لويس، على أن تُعلن ترتيبات لاحقة لاحقًا

قرأ لويس الرسالة وابتسم بخفة، تمامًا كما توقع

في عيني إدموند لم يكن ماكيني سوى بيدق تافه، موته لا يغيّر شيئًا، ولا يستحق منه حتى سؤالًا زائدًا

وبدلًا من ذلك حصل لويس بشكل طبيعي على إقليم إضافي

والحديث عن ترتيبات لاحقة غالبًا لن يحدث أصلًا، فطالما أنه يحكمه فسيصير الإقليم ضمنيًا له

هذه النتيجة، حيث لم يُحَمَّل المسؤولية بل خرج مستفيدًا، هي بالضبط ما أراده

ظهرت مشكلة جديدة: ما الذي يجب فعله مع أولئك الأحرار والعبيد الهزالين المشرفين على الموت

وقف لويس في وسط الساحة المتهدّمة، ونظرته الباردة تمسح الحشد المنكمش الذي يلفظه الرمق الأخير

أفضل أسلوب من ناحية الموارد هو تركهم يموتون ببطء ثم جلب سكان جدد بعد ذلك، فهذا أوفر

لكن هذا الجواب لم يخطر في باله أصلًا

فهو ليس أحمق مثل ماكيني الذي يعامل الناس كقطيع، بل هو شمس الشمال الصاعدة

رفع لويس يده وأمر قائلًا: وزّعوا الطعام

أطاع الفرسان أمره، وجرّوا كُوَم الحبوب التي كان ماكيني قد صادرها بالقوة

شقّوا الأكياس، فتدحرجت الحبوب الخشنة والسمك المدخن واللحم المقدد على الأرض، ثم نُصبت قدور كبيرة وغُلِي الماء لطهي العصيدة

كانت العصيدة تحوي خيوطًا رفيعة من اللحم، وانتشرت رائحتها مع الريح الباردة، فشخصت عيون الحشد بدهشة

في البداية اكتفى الناس بالمشاهدة وهم يرتجفون، المزيج من الخوف والريبة يملأ صدورهم، كانوا يبتلعون ريقهم لكن لم يجرؤ أحد على التقدم

أهذه خدعة؟ مستحيل، كيف تهبط علينا نعمة كهذه

هل يريدون جمعنا ثم ذبحنا دفعة واحدة

لا… لا تقتربوا، هذا ليس حقيقيًا

لكن لما رأوا الطعام يُقدَّم إليهم حقًا، صحنًا بعد صحن، اتسعت عيون الرجال والنساء والأطفال الشاحبين البائسين واحدًا تلو الآخر، وخرجت من حناجرهم أصوات مبحوحة كأنهم يرون سرابًا صار حقيقة

أهذا ليس حلمًا؟ أحقًا هناك من يعطينا طعامًا

هل لي أن آكل حقًا؟ لعلها ليست مزحة

يا للعجب — في العصيدة لحم — لحم حقًا لم أتذوق اللحم منذ 3 سنوات

انظروا، الأمر حقيقي، حقيقي، هناك من يأكل

صاح الفرسان الموزعون للطعام: اسمعوا جميعًا هذا كله منحة من سيدكم الجديد، السيد العظيم لويس

اعتبارًا من اليوم صرتم ضمن ولاية إقليم المدّ الأحمر، والسيد لويس هو سيدكم الحق

في تلك اللحظة تهشّمت كل الشكوك والترددات بهذه الكلمات

هو… هو السيد الجديد؟ وهو من أعطانا هذا الخير

أمثالنا هل يستحقون العيش أصلًا

إنه ليس مجرد رجل، إنه مبعوث الحاكم، منقذ أرسله سلف التنين

وحين قُرّبت إليهم العصيدة الساخنة حقًا، انهار أولئك الذين تيبّست مشاعرهم منذ زمن

كانت الريح الباردة تعوي، والجليد والثلج يجلدان الأفاريز المتهدّمة بلا رحمة، والهواء اللاذع كأنه يقطع الجلد

كان ينبغي لهؤلاء الأحرار والعبيد أن يلتصقوا بالأركان ويرجفوا، لكن في هذه اللحظة لم يعد أحد يبالي بالبرد

كل واحد منهم التحف خيشًا ممزقًا أو بطانيات عفنة أو أثوابًا مرقّعة، وكثيرون بلا نعال في أقدامهم

حفاة على طين جليدي، وبرغم الرجفان اندفعوا إلى الخارج كالمجانين

طعام — هناك طعام

الأمر حقيقي، حقيقي

غلب الجوع كل شيء، وبرغم أن الريح الباردة كانت ترجف الأجساد، لم تستطع وقف الخطى المتقدمة

أمّ تحتضن طفلها وترتجف أخذت الرشفة الأولى، واختلطت دموعها بالمرق، احمرّ خدّاها من البرد، وتجمدت الدموع خطوطًا من ثلج وهي تنساب

طفل يحتسي جرعات صغيرة كأنه يتذوق أثمن ماء مكرم في العالم، ثم يتوقف في منتصف الوعاء ويناول ما بقي لأخيه الأصغر الممدد إلى جواره

شيخ جثا على الحجر البارد يرتعش بلا انقطاع، يأكل ويتمتم: ليمنح سلف التنين السيد لويس عمرًا طويلًا جدًا

طفلة أمسكت وعاءها تبكي وتضحك، حبات الأرز على طرفي فمها، وخداها محمران من البرد، ولا تقدر أن تضع الوعاء من يدها، ونفَسها الأبيض يتصاعد زمهريرًا، وعطر العصيدة الساخنة يمتزج بأنفاسهم الثقيلة، فيملأ الساحة بمشهد هو الأدفأ

هذه أول مرة يشعرون فيها حقًا بدفء البشر وسط تشابك الموت والزمهرير

بدا أن الساحة كلها قد شقّت شقًا من عالم الجحيم المتجمد

البخار والدموع والامتنان الراجف نسجت معًا لوحة تكاد تكون مكرمة

وحين مرّ لويس بين الناس مرة أخرى كان المشهد قد خرج عن السيطرة تمامًا

كانوا قبل قليل يبكون بصمت ويرتجفون امتنانًا، لكن ما إن التقطت أبصارهم ذلك الشاب حتى كأن صاعقة ضربتهم، تجمّدوا لحظة ثم انفجرت صيحاتهم كالسيل بعد انهدام السد

السيد لويس

منقذنا

ركع الناس واحدًا بعد آخر، بدأ الأمر متناثرًا، ثم في لحظة خرّ البحر البشري كله ساجدًا في آن، وجباههم ترتطم بالحجر البارد طارقة أصواتًا مكتومة

هو الذي أنقذنا هو الذي أبقانا أحياء

أيها السيد العظيم، تقبّل ولاءنا ولو كان ثمنه أرواحنا

ضربوا الأرض غير آبهين بكرامتهم ولا بالطين والحصى تحت ركبهم، وحتى إن تفتحت جراحهم واصلوا السجود مرة بعد مرة

مثل مؤمنين يرون حاكمًا نازلًا من العالم السماوي، لا يريدون سوى الاقتراب، ولو قيد أنملة

شكرًا لك، شكرًا لك يا سيد لويس

صرخوا وبكوا وارتجفوا، حتى كاد المشهد يخنق الأنفاس

وأما وايل الواقف بجوار لويس فلقد احمرّت عيناه من الفرحة، وراح جسده كله يرتجف

اعتدل ورفع صدره، وقال بصوت ثابت على نحو مذهل: هذا هو الرجل الذي أتّبعه، السيد لويس

لقد اهتاج هؤلاء الناس لأنهم لم يُعامَلوا قط بوصفهم بشرًا

في سني حكم عائلة ماكيني كانوا أدوات، ماشية، أحياءً كالأموات وحياتهم شرٌّ من الموت

حتى الدفء والزاد الأساسيان كانا ترفًا بعيدًا

ولم يسمعوا كلمة مواساة عابرة في حياتهم

كانوا يعيشون فقط ليحيا غيرهم أفضل، وإذا ماتوا لن يتذكر أحد أسماءهم

هؤلاء الناس تخلّوا منذ زمن عن أي أمل في الإنقاذ، وتعلموا أن يغلقوا أعينهم ويعضّوا على أسنانهم ويعبروا اليوم بيومه

لكن حين ظنوا أن كل شيء سيبقى على ما هو عليه، جاء ذلك السيد الشاب

أمر بتوزيع الحبوب وطهي العصيدة، وأرسل الفرسان لحفظ النظام، وأمر بحمل الشيوخ الضعفاء والأطفال واحدًا واحدًا من بيوتهم

وقدّم لهم طعامًا ساخنًا

كانت العصيدة تحوي اللحم والدهن وتفور بحرارتها، لا ماءً ولا رمادًا، طعامًا يردّ الروح حقًا

لم يكن هذا استعراض صدقة سطحيًا، بل إحسانًا لم يحلموا به

وهم يعرفون تمامًا أن لويس لم يكن مضطرًا لفعل هذا

فهو السيد الجديد، وله ألف مبرّر أن يعاملهم بوصفهم فوضى عالقة

مثل ماكيني، يتركهم ليموتوا، ثم ينظف الأرض لتصير «نظيفة»

لكن السيد العظيم لويس لم يفعل

اختار أن ينقذهم، مع أنهم متّسخون كوحل، ونحاف كأغصان يابسة، وقد نسوا معنى «العيش» تقريبًا

لهذا ركعوا وبكوا على هذا النحو

لا لأنه من يكون لويس، ولا لأنهم يقدّسون أي أحد بلا وعي

بل لأنهم آمنوا أخيرًا أن حياتهم لها قيمة لدى شخص ما

بكوا على ذويهم الذين سقطوا بالأمس ولم يلتقط جثثهم أحد

وسجدوا لقاء هذا الوعاء المتأخر من العصيدة الساخنة اليوم

وهتفوا رجاءً لأمل إن كان الغد مرًّا كما كان، فهم أخيرًا يستطيعون رؤية قبس من الضوء

في تلك اللحظة تذكّروا أخيرًا أنهم أصلًا «ناس»، لا مجرد أدوات عمل

وبالطبع لم يكن الأمر مجرد توزيع طعام، فقد أمر لويس أولًا بإحصاء شامل للسكان

وبعد نصف يوم عاد الفارس المكلّف بالأمر برقم يبعث على الصحو

في أنحاء الإقليم كله — من ما زالوا قادرين على الحركة لا يزيدون على 132 شخصًا

وقف لويس في الريح الباردة يتطلع إلى الجثث التي لا تُحصى في هذه الأرض المقفرة

كان هذا العدد ضمن ما تخيّله، ففصل الشتاء قد طال، وحتى لو لم تعبث هنا جماعة قَسَمِ الثلج، فالأغلب أن معظم الناس قضوا نحبهم تحت حكم ذلك العاجز

لا يمكن أن نتركهم هنا، تمتم

البدء من الصفر

لم يعد ممكنًا

إقليم ماكيني قد تعفّن حتى الجذور، والآن شتاء قاسٍ، والإعمار من العدم لن يجلب إلا الغرق للجميع

أصدر لويس أوامره سريعًا: ننقلهم على دفعات أولًا إلى أقاليم كانغلو، وآيس ريدج، وسنوبلاينز، وهان شان

تلك هي المعسكرات الجديدة الـ4 التي أقامها المدّ الأحمر في السنوات الأخيرة، وبرغم أن النظام فيها بدأ للتو وأن الموارد شحيحة، إلا أنه مع تخصيص مزيد من الحبوب فلن تكون هناك مشكلة كبيرة

أما إقليم المدّ الأحمر نفسه فلم يرتّب لويس إدخال هؤلاء الناس إليه

فهو القلب الحقيقي للمدّ الأحمر، وإن اختلط به أي عنصر غير مستقر، ولو مرض معدٍ يسير، فقد يفضي ذلك إلى عواقب لا تعالج

وهكذا بدأت عملية نقل شتوية واسعة

في البداية خشي بعضهم أن يُنبَذوا

لكن في اليوم الأول من وصولهم وجدوا من يزيح الأثقال عن أكتافهم، ويقدّم لهم عصيدة ساخنة وفُرُشًا نظيفة

لقد اعتاد أهل المدّ الأحمر منذ زمن قريب على المعاونة المتبادلة

فهم أيضًا أنقذهم لويس من حياة بائسة قبل وقت ليس بطويل

لذا كان لديهم من التعاطف ما يكفي لاحتضان الوافدين

كان هذا شهادة على إيمانهم بلويس، لا تقديسًا أعمى، بل مشاركة دفء ومساعدة في قلب الريح والثلج

وأما هذه الأرض الموحشة فقد منحها لويس اسمًا جديدًا: إقليم فجر الشتاء

إنه يرمز إلى أول خيط من الفجر في نهاية الشتاء، قالها لويس

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

انتهى الفصل

تذكير مهم: هذه الرواية خيالية للتسلية فقط، فلا تجعل أحداثها أو مصطلحاتها تؤثر على عقيدتك أو إيمانك

أنا بريء من محتوى القصة وما فيها من خيال، وقد بذلت جهدي لتغيير كل المصطلحات المخالفة، فاعذرني إن بقيت كلمة لم أنتبه إليها

المرجو الدعاء لي، والدعاء بالرحمة لوالدي، وبالشفاء العاجل لوالدتي، فهذا سيكون جزائي على الساعات التي قضيتها في ترجمة هذا الفصل وتنقيته من المخالفات الإسلامية

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

2025/08/28 · 172 مشاهدة · 1516 كلمة
AHMED JB
نادي الروايات - 2025