🌿 تنبيه وإهداء قبل القراءة 🌿

📿 اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

🕌 هذه الرواية للتسلية، فلا تجعلها تشغلك عن الصلاة

🕊️ اللهم انصر أهلنا في غزة، وفرّج كربهم، وداوِ جراحهم، وارفع عنهم الظلم

📖 "إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا" — سورة الشرح، الآية 6

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

حين وطئت إميلي أراضي المدّ الأحمر أول مرة، لم تحمل توقعات كبيرة

فقد اطلعت قبل مجيئها على ما ورد عنه سابقًا، فلم يكن سوى ركن ناءٍ من الإقليم الشمالي

لقد شهدت قسوة الشمال ووعورته منذ صباها وهي ترافق والدها

وحتى لو كان له حاكم، فما الذي سيتغير

وحين بلغت التخوم أول وصولها، لم ترَ سوى امتدادات موحشة خاوية، لفحتها الرياح والثلوج، ولا يكاد يُرى أثر لعمران

كانت شبه متيقنة أن المكان لا يختلف عن سواه من الأقاليم القاحلة، حياة باهتة وربما بضع بيوت خشبية متهالكة عالقة في الثلج

لكن مع توغّل العربة أكثر، بدأت أفكارها تهتز

تبدّلت المشاهد أمامها، ونظرت إميلي من نافذة العربة إلى البعيد، تتوقع منظرًا شماليًا جرداء ممتدة بلا نهاية، فإذا بها تلمح شيئًا غير مألوف

بدأت منطقة السكن في أراضي المدّ الأحمر تلوح في الأفق خافتة

ومن بعيد لم تعد كتجمّع بدائي مؤقت كما تصوّرت، بل تشي بنظام غريب محكم

كان مخطط المستوطنة واضح المعالم، وشوارعها مرصوفة على هيئة شبكة، رتيبة ومتناسقة

وتوالت البيوت نصفُ المطمورة في الأرض صفوفًا على اللون الرمادي الباهت لأرض الشمال

وعلى الرغم من غياب التفاصيل من هذا البعد، انبعث منها شعور لا يُنكر بالنظافة والترتيب

وأدهشها أكثر أنها رأت ملامح سوق في مركز البلدة

تتصل مظلات السوق وبسطاتُه الكثيفة كأنها حُليّ معلّقة

وفوق منطقة الورش المتتابعة، كانت خيوط من الدخان الأبيض ترتفع بين حين وآخر

ومن بعيد خُيّل إليها أنها تكاد تشعر بصخب خافت متصل ونبض حياة لا ينقطع

حبست إميلي أنفاسها قليلًا

لقد رأت بلدات كثيرة في الشمال واعتادت فوضتها وتهالكها وكآبتها

لكن هذا المكان من بعيد بدا كزهرة تتفتح بهدوء في أرض برية

كلما اقتربت العربة، اتضحت معالم أراضي المدّ الأحمر أكثر

ولم تعد الشوارع خطوطًا باهتة بعيدة، بل مشهدًا محسوسًا يتمدّد أمام عينيها

واكتشفت إميلي أن الدهشة التي شعرت بها من بعيد لم تكن إلا البداية

فما إن تحولت الظلال الغائمة إلى تفاصيل حادة الوضوح حتى بدا الأمر أقرب إلى اللامعقول

الطرق الحصوية كانت عريضةً مستوية، وعجلات العربة تُصدر صوتًا ثابتًا وهي تجتازها بلا طين ولا تفلّت

وأعلام دالات خشبية بسيطة انتصبت على جانبي الطريق، حوافّها نظيفة منتظمة بلا فوضى

أعمق قليلًا، امتدت صفوف البيوت نصفِ المطمورة على السفوح المنخفضة، جدرانها حجرية سميكة وسقوفها مفروشة بطبقات عشب عازلة

ورغم أنها ليست جميلة، فإنها تبعث على صلابة استثنائية وطول بقاء

حتى البيوت في الأطراف الخارجية كانت متقنة لا أثر فيها للخراب

يا للعجب — قالت نورا وهي تلتصق بزجاج النافذة، تكاد تهمس صائحة هل هذه حقًا قرية في الإقليم الشمالي

لم تُجب إميلي، وواصلت التحديق عبر النافذة

فهذه البيوت وتلك الشوارع ليست واجهةً معدّة للتفتيش ولا حملة إصلاح عابرة، بل ثبات يخرج من الجذور

ووقعت عيناها على الناس في الطريق، فهاج في صدرها شعور غريب

بضعة أطفال ورديو الوجنات يطاردون دجاجةً تقرقر عند ناصية الطريق، وضحكاتهم الصافية تُنسي المرء أين يقف لحظة

وعجوزٌ بيضاء الشعر على جانب الطريق تحمل قُفّة ثقيلة، تساوم جارتها وتتبادل معها أشياء

والرجال والنساء المارّون وجوههم مطمئنة حقًا

ليس ذاك الفراغ الشاحب الذي رأته في بقاع أخرى من الشمال، ولا ابتسامات مصطنعة تُنتَزع من أجل البقاء

بل تعبير أمان حقيقي

لا يبدو عليهم أنهم خرجوا لتوّهم من شتاء قاسٍ، تمتمت نورا، وفي صوتها دهشةٌ لا تخفى

أومأت إميلي قليلًا

فهي تعرف جيدًا كيف تبدو بقية أراضي الشمال

لقد انقضى الشتاء للتو، وفي العادة يكون السكان في مثل هذا الوقت مصفري الوجوه مُضْنَي الأجساد خائري العزم، وكثيرون يجهدون للوقوف ثابتين

أما هنا فمَحيا الناس وهيأتهم يشعّان امتلاءً مذهلًا

وجالت بنظرها على السوق القريب حيث كان بضعة باعة ينادون على بضاعتهم

وكانت هناك لحوم مجففة أيضًا، وبعض الأقمشة المتناثرة، وبضاعة أغزر مما تخيلت

وأبعد قليلًا منطقة الورش، كيرُ الحدّاد يزأر وتناهى قرعُ الحديد بنغم واضح، ومنشار الخشب لا يهدأ، والهواء ممتلئ برائحة النشارة والحديد

كل ذلك بدا أقرب إلى غير المعقول

وخرج إلى السطح خاطرٌ طالما كبَحَته إميلي

إن لم يكن هذا أمرًا عجيبًا، فهو قدرةٌ في الحكم تقارب حدّ الجنون

وفي الحالين ليس مما يقدر عليه شخص عادي

هل هذا حقًا الإقليم الشمالي، سألت نورا مرة أخرى وعيناها ممتلئتان بتعقيد

تنفست إميلي بعمق وسحبت بصرها قائلة بهدوء نعم هذا هو الشمال، وهذه هي أراضي المدّ الأحمر

وشعرت أن الحذر الخفيف والريبة التي كانت تحملها تجاه لويس يُمزّقهما المشهد الآن بقوة، وعاطفة أخرى، أعمق وامضة بالفضول والابتهاج، تنتشر سريعًا

لقد أرادت حقًا أن تعرف كيف استطاع هذا الرجل، لويس، أن يصنع مثل هذا الإنجاز في أرض ميتة

توقفت العربة ببطء، وكان بضعة حرّاس عند ناصية الطريق قد انتبهوا لهم وتقدموا ليقطعوا الطريق بحذر

من أنتم، سأل القائد بصوت عميق وهو يُقلّب نظره بين العربة والمرافقين

أسرعت نورا تُخرج رأسها من العربة بابتسامة مناسبة تمامًا

ورفعت يديها معًا تُبدي السلام لا تسيئوا الظن، نحن نقابة تجار من خارج البلدة جئنا نلتمس صفقة هنا، وقد قصدنا الزيارة خصيصًا علّنا نلقى اللورد عندكم

ضاق الحارس بعينيه قليلًا وحدّق في نورا لحظة كأنه يزن صدقها، ثم أومأ ومضى من غير سؤال

انتظروا، قالها ثم استدار مهرولًا نحو البلدة ظاهرًا أنه ذاهب للتبليغ

جلست إميلي أعتدل قليلًا في العربة، وراحت تتابع ظهر الحارس عبر الستارة الانضباط هنا جيد

سحبت نورا بصرها وضحكت بخفوت لم يُصعّبوا الأمر إطلاقًا ويبدو أنهم أهل نظام

وأثناء الانتظار لم تكن إميلي ساكنة، بل واصلت رصد ما حولها بدقة عبر النافذة

الشوارع تضج بالحركة أحدهم يُلوّح مكنسة يزيح بقايا الثلج الأخيرة عند الزاوية

وآخر يصف الموائد والكراسي، يلمّع الأسطح الخشبية حتى تلمع ويُرتبها في الفضاء المفتوح

ومجموعة من الشبان يعملون معًا على بناء مسرح خشبي بسيط، يتحادثون وهم يعملون وابتسامات الحماس على وجوههم لا تُخفى

وفي الأزقة والشوارع أشرطة حمراء وذهبية ترقص مع الريح، وراياتٌ زاهية تُرفع عاليًا

كان علم الشمس الأحمر والذهبي لأراضي المدّ الأحمر يلمع تحت الشمس، وبجانبه شعار عائلة كالفين بالأحمر والأسود يتقدم أيضًا في مشهد مهيب

وبدت البلدة كلها مغمورة بجوّ دافئ احتفالي، حتى الهواء نفسه كأنه يحمل فرحًا خفيفًا

اتسعت عينا نورا مأخوذةً، ولم تملك إلا أن تهمس هذا حقًا مثير هل يحتفلون بأمر ما إنه أكثر حيوية من مهرجاناتنا في مدينة رمح الصقيع

أومأت إميلي، ثم غلبها الفضول أخيرًا فسألت من فضلكم عمّ تستعدون

سمعها فلاح في منتصف العمر كان ينقل الزينة، فضحك وهو يضع ما بيده

مسح العرق عن جبينه وقال بفخر لا يُخفيه نحن نستعد لمهرجان افتتاح الربيع غدًا

نحتفل بالذكرى الأولى لأراضي المدّ الأحمر، هيه، وبترقّي اللورد لويس إلى فيكونت، فلا بد أن نجعلها بهجة كبرى

فيكونت، تلعثمت إميلي وومض في عينيها ذهول أقد ترقّى إلى فيكونت بالفعل

ابتسم الرجل وأومأ نعم، في مثل هذا الوقت من العام الماضي لم يكن لدينا شيء هنا إلا أرضٌ موات

كان اللورد لويس هو من أنقذنا حينها كنا بالكاد نحيا، فسحبنا من الوحل، وها نحن اليوم نعيش هذه الحياة الطيبة

وابتسمت امرأة شابة قريبة وأضافت إن اللورد لويس أحسن إلينا كثيرًا

لم يكتفِ بإيوائنا وإطعامنا، بل علّمنا كيف نعتمد على أنفسنا بعد عام كهذا كدنا ننسى أيام القلق التي عشناها

وانظروا إلى تلك الراية، قال الرجل مشيرًا إلى علم الشمس الأحمر والذهبيّ وهو يرفرف، وقد غمرت عينيه مهابة صادقة

فاللورد لويس بالنسبة إلينا كالشمس، يضيء الطريق للفقراء مثلنا

لن نستطيع ردّ جميله أبدًا

كانت الابتسامات الصادقة تعلو وجوههم وهم يتحدثون، وفي العيون بريق

راقبتهم إميلي صامتة وقلبها لا يهدأ

كان بالأمس بارون استصلاح، وفي أقل من عام صار فيكونت

وكانت تظن أن هذه البقاع الشمالية لا تختلف إلا اسمًا عن سواها من الأرض الجدباء

أما الآن فهذه الشوارع، وهذا النبض، وابتسامات السكان تقلب تصوّرها رأسًا على عقب

وأدهشها أكثر ما للّويس من مكانة هنا

محبة تكاد تبلغ حدّ التعلق

لم ترَ مثلها إلا في أملاك والدها دوق الشمال، إدموند

ومع ذلك فإن حرارة الصدق في عيون هؤلاء العامة وهم يذكرون لويس فاقت ما رأته عند رعايا الدوق

اللورد لويس كالشمس —

كانت تلك الجملة لا تزال تتردد في أذنها وتوقظ في قلبها شعورًا معقدًا لا يُسمّى

لم يعد الأمر مسألة حُسن إدارة أو وفرة طعام فحسب، بل عن فوز كامل بقلوب الناس

وتنفست إميلي قليلًا وقد امتلأت عيناها بالفضول لويس كالفين، من تكون حقًا

كي تبلغ هذا المدى بعد عام واحد فقط في الشمال

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

انتهى الفصل

تذكير مهم: هذه الرواية خيالية للتسلية فقط، فلا تجعل أحداثها أو مصطلحاتها تؤثر على عقيدتك أو إيمانك

أنا بريء من محتوى القصة وما فيها من خيال، وقد بذلت جهدي لتغيير كل المصطلحات المخالفة، فاعذرني إن بقيت كلمة لم أنتبه إليها

المرجو الدعاء لي، والدعاء بالرحمة لوالدي، وبالشفاء العاجل لوالدتي، فهذا سيكون جزائي على الساعات التي قضيتها في ترجمة هذا الفصل وتنقيته من المخالفات الإسلامية

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

2025/08/28 · 186 مشاهدة · 1381 كلمة
AHMED JB
نادي الروايات - 2025