🌿 تنبيه وإهداء قبل القراءة 🌿
📿 اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
🕌 هذه الرواية للتسلية، فلا تجعلها تشغلك عن الصلاة
🕊️ اللهم انصر أهلنا في غزة، وفرّج كربهم، وداوِ جراحهم، وارفع عنهم الظلم
📖 ﴿إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا﴾ — سورة الشرح، الآية 6
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
كانت إميلي في حيرة تامة تحاول أن ترسم صورة في ذهنها لكنها لم تستطع تخيّل شكل ما سمّته المرأة بـ"مسابقة شدّ الحبل"
قالت المرأة مبتسمة وهي تلوّح بيدها ثم عادت إلى نقطة التجميع وهي تحمل وعاءً فارغًا "سترين ذلك حين يحين الوقت"
حلّ الصباح بسرعة
غدت ساحة تدريب فرسان وجنود إقليم المدّ الأحمر نابضة بالحياة
تحوّلت إلى ميدان رياضي مؤقت، نُصبت فيه مقصورة مدرّجة من الخشب تعلوها راية إقليم المدّ الأحمر
ثُبّتت في المقدمة لوحة يدوية لجدول الفعاليات، برسمات وخط مائل قليلًا، تُدرج "شدّ الحبل" و"سباق التتابع" و"مسابقة رمي الحجارة" و"تتابع الحطب"
ليست فاخرة لكنها تبث بساطة دافئة من روح الحياة اليومية
كانت نية إميلي أولًا "أن تلقي نظرة وتمضي"، فمكانتها لا تسمح لها بالاختلاط طويلًا وسط الحشود
لكنها عندما بلغت طرف الميدان أبطأت خطاها
تعالت الضحكات والهتافات في موجات متتابعة
ركض الأطفال فرحين وهم يلوّحون بأعلام صغيرة صنعوها بأنفسهم ويشقّون طريقهم بين الكبار
جذبتها هذه المشاهد الحارة المليئة بالحياة
فكّرت لحظة ثم قرّرت ألّا تغادر، وجلست على درجة خشبية عند حافة الساحة
في البداية تماسكت قليلًا وخافت أن تُعرَف، ثم سرعان ما أدركت أنّ أحدًا لا يلتفت إليها
كانت عيون الجميع مشدودة نحو المنافسات في وسط الميدان، ومشاعرهم تعلو وتهبط مع الفوز والخسارة كقدر ماء يغلي
قعد إلى جوارها صبي صغير قابضًا نصف قطعة من كعكة سكر ويتمتم "في منطقتنا السكنية عندنا كول طويل الساقين، سنفوز حتمًا"
ولما علم أنّ إميلي ضيفة من الخارج، شرح لها القواعد بحماس
شدّ الحبل بحبل من القنّب، عشرة أشخاص في كل طرف بلا تمييز بين الذكور والإناث
و"سباق الأكياس" يتطلّب الجري دورة كاملة حول الساحة، وأسرع فريق يفوز بقطع فضية
وهناك ما يسمّى "تتابع الحطب"، حيث يجب تمرير حزمة حطب حول الدائرة لمعرفة أيّ فريق أكثر ثباتًا
هذه المنافسات غير معقّدة، بل تبدو ساذجة قليلًا، لكن لهذا السبب بالذات يستطيع الجميع المشاركة
سواء كانوا فلاحين أو خدماً، رجالًا ونساءً وأطفالًا، يشدّون على أسنانهم ويركضون ويجذبون الحبال ويرمون الحجارة بكل ما أوتوا من قوة
لا أحد يهتم بالمكانة، ولا أحد يهتم بالأصل
كل ما هناك أن يُري الواحد أهله وجيرانه وأصدقاءه جهده، فيشجّعوه
أحاطت الهتافات بالفائزين، وكانت ميدالياتهم ألواحًا حديدية دائرية، والجوائز قطعًا فضية وأكياس طعام مصفوفة على الطاولات، أما الخاسرون فسقطوا على الأرض لاهثين بوجوه متعبة، لكن كلًّا منهم نال قطعة خبز صغيرة أو حلوى، وربت أحدهم على كتفه مبتسمًا مشجّعًا
في البداية جلست إميلي بهدوء وعيناها فيهما ظلال حيرة
تأمّلت الفلاحين والحدادين والصيادين في قلب الساحة وهم يركضون ويسقطون ثم ينهضون من جديد ضاحكين ويساعد بعضهم بعضًا
كانت حركاتهم خرقاء، والمشهد ليس أنيقًا، وفيه مسحة طرافة تدعو للابتسام
"ما معنى كل هذا" همست إميلي لنفسها
لكنها بدأت تدريجيًا تلتقط تفاصيل صغيرة
الوميض في عيونهم حين يصرخون وتزهر ابتساماتهم كان حقيقيًا
لم تكن تلك ابتسامات الأقنعة في ولائم النبلاء، ولا تصنّع الرقصات في حفلاتهم
كان فرحًا صادقًا نابعًا من قلوب الناس العاديين
ركض الأطفال في غبار أطراف الساحة، يحملون الحلوى والميداليات ويبتسمون على اتساع وجوههم
الكبار يتصبّبون عرقًا ويصفّقون لبعضهم بكفّ على كفّ، وحتى من خسر مضى مبتسمًا
حتى حين حُسمت النتائج، لم يتذمّر أحد ولم يجادل، بل تعالت الضحكات وتصفيق لا ينقطع
كان صفاء هذا الجو من النقاء بحيث كاد يجعل إميلي تنسى أين هي ولماذا جاءت
كانت هذه فسحة ترفيه نادرة لأهل هذه الأرض
وأخيرًا جاء الدور على الفعالية الأخيرة—الختام الكبير لشدّ الحبل
اهتزّ الميدان في لحظة بضجيج يصمّ القلب
تزاحم الناس عند حافة الساحة، وتطاول الأطفال فوق أكتاف البالغين، وحتى بائع الحلوى نسي بضاعته وهو يدفع سلّته الصغيرة بين الحشد
جثا الفريقان قابضين على حبل قنّب غليظ
كان المشتركون وجوهًا بسيطة بالعشرات: حدّادون سمر، قاطعو حطب عراض، وفتيان نحاف
لكن ليس فيهم نبيل واحد، ولا دم فارس واحد
ومع ذلك كانت نظراتهم كلها على القدر نفسه من الثبات
رفع الحكم ذراعه، وكأن الهواء تجمّد في الحال
"ابدأوا"
مع الإشارة انفجر الميدان كله
"اسحبوا اسحبوا"
"لا تفلتوا تمسّكوا"
"قاربنا قاربنا شدّة أخيرة"
امتزجت الصيحات والتصفيق والهتاف في هدير واحد
زأر الناس على الجانبين في وقت واحد، وغرسوا أقدامهم في الأرض، وأطبقت أيديهم حتى انتفخت عروقهم واحمرّت وجوههم، كأنهم يحاولون ليّ العالم كله في ذلك الحبل
حبست إميلي أنفاسها تحدّق في المجموعة وهي تجذب بجنون في التراب
وقع أحدهم فجرّه رفاقه نهوضًا، وآخر كاد يستسلم لكنه عضّ على أسنانه وصبر
امتزج العرق بالغبار والصيحات، وارتفعت الحرارة كأنها توشك أن تشعل المكان
حتى حرسها نسوا واجبهم، ولوّحوا بقبضاتهم يشجّعون الغرباء "هيا اسحبوا"
تحرّك حبل القنّب ببطء بوصة بعد بوصة، وتشّدّد الحشد كله حتى صار تنفّسهم ثقيلًا
"السحبة الأخيرة معًا آااه"
أخيرًا، مع انفجار من الصرخات، اجتاز الحبل الخطّ المحدد فجأة
"لقد فزنا"
انفجرت التصفيقات كالرعد وارتفعت الهتافات
انهار القوم على الأرض يلهثون بابتسامات عريضة، وجوههم اتّسخت حتى صاروا بالكاد يُعرَفون، لكن عيونهم مليئة بالضوء
صفّقت نورا بحماس "ما أمتعها هذه أول مرة أرى فيها منافسة كهذه"
لم تردّ إميلي، فهي ابنة نبيل تلقت تربية صارمة منذ الصغر، وإلى جانب المتعة رأت أكثر من ذلك
ضحك الناس في الميدان وهتفوا وغنّوا
لم تكن تلك مجرد ابتسامة فوز، بل إحساس لا يوصف بالشرف
بل قل شعور بالانتماء والوحدة
كان حبّ الناس الصادق لهذه الأرض
لو كان الأمر من أجل جوائز قليلة لتسكين الجوع، لما التفّوا حول الفرق بعد انتهاء المنافسة يغنّون حتى بُحّت أصواتهم وهم لا يريدون التوقف
لقد قاتلوا بكل ما لديهم من أجل "إقليمنا المدّ الأحمر"
وهذا ليس نتيجة تصنعها بضع سياسات، بل شعور ترسّخ في القلوب
علّم لويس أهل هذا المكان أن يفخروا بأنفسهم وبِه
شعرت إميلي بقشعريرة تسري في قلبها، ومعها رجفة خفيفة، وخطيبها الذي ظنّت أنه صعد بفضل معارك خاطفة، ها هو يزرع بهدوء بذورًا لم تعرفها هذه الأرض اليانعة القاسية من قبل
"لويس، كيف فعلت ذلك"
سافرت أفكارها إلى مدينة فروست هالبرد، مكان تعرفه حتى يمكنها أن تمشي كل شارع فيه مغمضة العينين
إنه أغنى إقليم في الشمال بلا نزاع
لكن ماذا عن الناس هناك
دائمًا يسيرون ورؤوسهم مطأطأة، ودائمًا يعيشون بحذر
يشبعون بطونهم ويلبسون الدفء، لكنهم لا يبتسمون
حتى في الأيام الاحتفالية يُؤمَرون بالاصطفاف للمشاهدة، يرقبون احتفالات النبلاء كأنهم مجرد زينة
أدركت فجأة أن تلك المدينة لم تسمح للناس قط أن "يحيوا" حقًّا
بل سُمِح لهم فقط "أن يبقوا أحياء"
"لماذا يحدث هذا" تمتمت إميلي لنفسها
وأخذت تتخيّل لو استطاعت أن تعود بهذا الجو، بهذه المنافسة، بهذا الاتصال الحقيقي بين الناس
هل سيأتي يوم يركض فيه أطفال مدينة فروست هالبرد فوق الثلج مبتسمين وهم يمسكون بأيدي آبائهم ويسعون بكل طاقتهم من أجل ميدالية صغيرة
لكنها فهمت سريعًا أنه ليس أمر أنظمة، ولا شيء يُستنسخ بمرسوم أو فعالية
لم ينجح لويس لأنه وزّع كثيرًا من الغلال أو بنى كثيرًا من البيوت
بل لأنه دخل هذه الأرض بنفسه، ومنح الناس ثقة وصبرًا وأملًا
أما في إقليم أبيها فقد قُطع الرباط بين الناس والأرض بأعباء الحياة منذ زمن، ولم يبقَ إلا صمت بارد وبقاء مخدّر
خطر ببالها أنّ خطيبها ربما يستطيع تغيير الشمال كله
في الحقيقة كان حدس إميلي صائبًا
فـ"ألعاب المدّ الأحمر" الصاخبة هذه، حيث يصعد حتى الأطفال إلى المنصّة لتسلّم الجوائز، ليست نزوة عابرة ولا تسلية خطرت لسكان على حين فكرة
بل هي فعالية صادق عليها اللورد لويس بنفسه، وصمّم تفاصيلها كذلك
وليس هدفها مجرد "إسعاد الجميع"
في مطلع هذا الربيع البارد، ومع شحّ الموارد قليلًا وظلّ الحرب الذي لم يختفِ تمامًا، تبدو مثل هذه المنافسة الجامعة للجميع أشدّ لزومًا
بالتنافس في القوة والسرعة والتفاهم، ينال الناس جوائز وتصفيقًا، والأهم إحساس "المجد الجماعي"—انتصار ليس لفرد بل لـ"نحن أهل المدّ الأحمر"
بالنسبة للورد لويس كانت هذه خطة مدروسة بعناية
أراد أن يصنع بالمنافسة جوًا من التحدّي الودّي، فيتقارب الناس في سعيهم نحو الإتقان
أرادهم أن يجدوا وسط الضحكات والهتافات شعور الانتماء والهوية بهذا المكان
والأهم أن لحظات التدريب معًا وتكوين الفرق وتشجيع بعضهم ستزرع ببطء شيئًا في القلوب
"فخر الإقليم"
ما دام الناس يهتفون للفريق نفسه في الساحة
وما داموا يأسفون عند الخسارة ويدرّفون الدموع عند الفوز، فإن تغييرًا ما يحدث بصمت
لا يعرفون له اسمًا، لأنه مسار خفيّ يتقدّم خطوة خطوة
يجعل السكان أكثر من مجرّد مُدارين، بل يمنحهم إحساسًا بالملكية تجاه إقليم المدّ الأحمر
وكان اللورد لويس يعلم أنه بهذا، إذا واجه الإقليم أزمة عظيمة، فسيقدرون على التكاتف وتجاوز الشدائد معًا
وما إن انتهت منافسات العامة حتى دوّى رجع جديد، تقوده نفخة بوق عمّت الساحة كلها
"التالي مباراة عرض الفرسان"
خفت المشهد لحظات ثم انفجر مرة أخرى بهتافات الصغار والشباب
ظهرت صفوف الفرسان المصفّحين تحت الشمس، وأرديتهم السوداء والحمراء المميّزة لإقليم المدّ الأحمر تخفق في الريح كأنها لهب مشتعل مهيب وحار
يرتدون دروعًا ثقيلة، والسيوف إلى خواصرهم، وخطاهم منضبطة كلّ الانضباط
وحين مرّوا أمام الجمهور بدت كل حركة كأنها شعيرة مُتمرَّن عليها بإتقان، بلا زيادة ولا تراخٍ
ومع بريق الشمس على صدور دروعهم الرمادية اللامعة، بدا إيقاع حوافر خيولهم كقرع طبول حرب يخبط قلوب الجميع في الساحة الفسيحة
فأمسك الناس أنفاسهم دون وعي واستقاموا كأن كلًّا منهم جزء صغير من هذا السيل الحديدي
سلب المشهد لُبّ إميلي
وهي ابنة نبيل اعتادت التعامل مع فرسان النخبة تحت إمرة أبيها، رجال يفاخرون بالتدريب والانضباط، لكنها اعترفت لنفسها بأن انضباط المجموعة أمامها وروحها المعنوية لا تقلّ عنهم كثيرًا
بل إنهم، من دون مقارنة مراتب الزراعة الروحية، كانوا أرفع في مواضع
ذلك الإيقاع الموحد، وذلك التفاهم الصامت في العمل معًا، وذلك الإخلاص الذي لا يتزعزع حتى أثناء العرض—لم ترَ مثله في فرسان أبيها
وشعرت حتى أنّ هذه القوة لو سارت إلى ساحة القتال فلن تخسر أمام فرق الفرسان المخضرمة في الشمال ضمن المرتبة نفسها
ثم بدأت مباراة العرض الرسمية
أولًا مبارزة الفروسية بالرماح على صهوة الخيل
وقف فارسـان عند خطّي الانطلاق المتقابلين، يُمسكان بالرماح وخوذاهما محكمة الإغلاق، ومع الإشارة
"هُوااه"
حوافر كالرعد ورماح كالتنانين
انطلق الفارسان يعصفان، وارتطما في الوسط بوقعٍ مكتوم، فأصابت رؤوس الرماح الأهداف على صدريهما بدقة وتناثرت شررًا
وانفجر الجمهور موجة وراء موجة من الهتاف
"قوي جدًا رائع جدًا"
"هل هو… بخير يا ترى تلك الضربة بدت حقيقية"
"سأصبح فارسًا حين أكبر"
كأن شرارة اشتعلت في عيون الأطفال، وكأنها أمنية العمر
ثم جاء عرض القتال الأعزل
تواجه فارسان بدروع ثقيلة وسيوف تدريب غير حادّة، يتبادلان الجسّ والصدّ والكَسح، وكل حركة ثقيلة قوية
رغم أنها معدات تدريب، إلا أن كل اصطدام كان واقعيًا يهزّ القلوب
تابع الجمهور محتبس الأنفاس، وبعضهم يقلّد الحركات دون وعي
واختُتم عرض الفرسان بالمسك الختامي
"فقرة قتال حقيقي مع وحش سحري"
وحين أعلن المقدّم ذلك بصوت عالٍ، ضجّ الجمهور حماسًا ووقف كثيرون في الحال
أطالوا أعناقهم كأنها أعناق الزرافات خوفًا من فوات ثانية واحدة
ظهر عدة فرسان نخبة، تدور حول سيوفهم الطويلة خيوط من طاقة قتال حمراء كأنها جداول من الضوء
وكان خصمهم خنزيرًا جليديًا
بحجم فيل، جلده سميك ولحمه غليظ وأنيابه طويلة وساقاه سريعتان، وهو وحش سحري منخفض الرتبة مألوف في أراضي الشمال
قد لا يُذكر شأنه في ساحة الحرب، لكنه هنا في الميدان أداة عرض ممتازة
وهؤلاء الفرسان فهموا معنى "العرض" جيدًا
لم يندفعوا ليقتلوه في الحال، بل تبادلوا معه الضربات، تومض طاقة قتالهم كأنها مؤثرات لمسرحية صراع مع وحش تبهج الجمهور
أحيانًا يشنّون هجومًا كاسحًا، وأحيانًا ينزلقون مراوغين عن قصد، وبينما يحافظون على السيطرة العامة، جعلوا الخنزير يدور حول نفسه مرارًا، وفي كل مرة يفلتونه عمدًا في اللحظة الأخيرة
تعالت الهتافات كموجة وراء موجة في المكان كله
قفز بعض المتفرجين بحماسة "أمسكوه اشطروه بضربة واحدة"
وأمسك آخرون بأذرع رفقائهم "يا للعجب هل رأيت اندفاعته قبل قليل"
وقفت إميلي وسط الحشد وابتسمت من غير قصد
لم ترَ مثل هذا من قبل، ليس لأن صيد الوحوش السحرية نادر
لكن هذا الأسلوب من "إبطاء القتال عمدًا ليتابع الجميع" كان أقرب إلى أوبرا ممسرحة بوحش سحري
"إذًا يمكن أن يُشاهَد القتال كعرض أيضًا، إنه مشوّق فعلًا"
انتهى عرض قتال الوحش، وجاء المقطع الأكثر إثارة
ومع نفخ البوق بلحن النصر، اصطفت فرسان المدّ الأحمر في تشكيل أنيق ورفعوا رماحهم معًا فتقارعت صدور الدروع
ودكّت الحوافر الأرض
وصاحوا بصوت واحد "من أجل المدّ الأحمر من أجل اللورد لويس ليحيَ"
كان هذا الهدير كالرعد
وفي تلك اللحظة خُيّل إليك أن الساحة كلها ترنّ في الهواء
قفز الأطفال بحماس يقلّدون الحركات، وشجّع الكبار بحرارة، بعضهم بعيون دامعة وبعضهم يشدّ قبضته
تعانقت الهتافات طبقة فوق طبقة واجتاحت المكان كمدٍّ جارِف
"ليحيَ المدّ الأحمر"
"ليحيَ اللورد لويس"
وانصهر الجميع في تلك اللحظة في سيل حارّ
وقفت إميلي وسط الحشد كأن الموجة ابتلعتها، حتى أنفاسها تعثّرت
نظرت إلى هؤلاء—المحاربين والعامة والأطفال
وكان الفخر الظاهر غير المتكلّف والإجلال على وجوههم يشعل قلبها نارًا
ليس دمًا ولا نسبًا ولا مجد عائلة
إنهم يعظّمون إنسانًا واحدًا حقًا—اللورد لويس
ليس لأنه نبيل، ولا لأنه الشاب الذي هزم المتعاهدين للثلج
بل لأنه منحهم الأمل
جعلهم يشعرون أنهم أيضًا ينتمون إلى هذه الأرض وإلى هذا الاسم "المدّ الأحمر"
لم يكن سيدهم فحسب، بل شيخهم وشمسهم
ضاق صدر إميلي قليلًا، فلم تشهد مثل هذا قط في إقليم أبيها
أبوها حاكم الشمال كله وسلطته العليا، لكن الناس يخافونه ويطيعونه ولم يؤازروه حقًا
قبضت إميلي قبضتيها، وبلغ فضولها عن لويس ذروته
وما لم تكن تعرفه أنّ لويس كان يطلّ بهدوء من جناح غير بعيد على الساحة المبهجة
وقف خلف الشمس وذراعاه معقودتان وتعابيره هادئة
"همم—الأثر جيّد" تمتم لويس وابتسامة خفيفة على طرف شفتيه "على الأقل سيعرفون أنه حتى لو قامت حرب أخرى، فهناك فيلق فرسان يحميهم في أي لحظة"
لم تكن حماسة الناس وإجلالهم الآن أمرًا غريبًا عليه، ولا مما يُستَرسل فيه
فهو يعلم حقّ العلم أنّ هذه الأرض الشمالية مهدَّدة بلا انقطاع
والسلام الحالي استراحة قصيرة فقط، وهو يدرك بوضوح أنّ كارثة أكبر ستضرب الشمال هذا الشتاء
وعليه أن يحفظ هذا السلام الراهن بنظام واضح وقوي
ولذلك لم يكن عرض الفرسان هذا يومًا من أجل إرضاء أحد
ليس استعراضًا ولا رومانسية
بل الهدف ببساطة أن يظهر قوة الإقليم العسكرية ويمنحهم إحساسًا بالأمان
ثم استدار لويس وسأل "إلى أين وصلت تجهيزات الوليمة"
أومأ برادلي "كادت تجهز، نُقلت كل المكوّنات إلى الساحة، وفرق العرض في تمرينها الأخير، ويمكن البدء بعد قرابة ساعة"
همم
أومأ لويس ورفع عينيه إلى السماء
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
انتهى الفصل
تذكير مهم: هذه الرواية خيالية للتسلية فقط، فلا تجعل أحداثها أو مصطلحاتها تؤثر على عقيدتك أو إيمانك
أنا بريء من محتوى القصة وما فيها من خيال، وقد بذلت جهدي لتغيير كل المصطلحات المخالفة، فاعذرني إن بقيت كلمة لم أنتبه إليها
المرجو الدعاء لي، والدعاء بالرحمة لوالدي، وبالشفاء العاجل لوالدتي، فهذا سيكون جزائي على الساعات التي قضيتها في ترجمة هذا الفصل وتنقيته من المخالفات الإسلامية
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ