الفصل 141:
🌿 تنبيه وإهداء قبل القراءة 🌿
📿 اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
🕌 هذه الرواية للتسلية، فلا تجعلها تشغلك عن الصلاة
🕊️ اللهم انصر أهلنا في غزة، وفرّج كربهم، وداوِ جراحهم، وارفع عنهم الظلم
📖 "رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي" (سورة طه، آية 25)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
اختُتم مهرجان الرياضة لنصف اليوم بنجاح وسط الهتاف والضحك
وعلى الفور بدأ الحدث الختامي ليوم الربيع، وليمة بداية الربيع
لم يعد إقليم المدّ الأحمر ذلك الثغر المقفر كما كان من قبل
مع عودة اللاجئين واستقرار الحدود تجاوز عدد السكان 3000
ولم يعد من العملي أن يجتمع الجميع في ساحةٍ صغيرة لتناول الطعام كما في البداية
لذا قُسمت الوليمة العامة للإقليم إلى جزءين
في وسط الساحة جلس معظم السكان جماعات، والنيران موقدة، وطاولاتٌ خشبية مصطفة في صفوف
قُدمت أطعمة وفيرة: يخنات، وعصائد ساخنة، ولحومٌ مشوية، وخبز، بل وحتى فطائر صغيرة نادرة في الأيام العادية
غنى بعضهم، ورقص آخرون رقصاتٍ جماعية بسيطة، وركض الأطفال يلهون حول النار، وكانت البهجة تملأ الجو
وسط هذا الزحام سار شخصٌ شاب بخطى هادئة
إنه لورد إقليم المدّ الأحمر، لويس
"إنه اللورد لويس"
"انظروا، اللورد هنا"
نهض الناس بدهشة، والحماس على وجوههم كأنهم رأوا عظيمًا
لا، بل كأنهم رأوا الشمس
كانوا ينظرون إليه كقومٍ طال انتظارهم للفجر في ليلٍ بارد، ثم أبصروا ضوء الصباح أخيرًا
ذلك النور وتلك الدفأة كانا كافيين لإشعال الجذوة التي خمدت طويلًا في الصدور
مشى لويس بين الطاولات، يحني رأسه تحيةً
لم يكن متعاليًا، بل يبتسم برفق قائلًا: "هل الطعام اليوم على هواكم؟ هل شبع الصغار؟ المطر قبل أيام لم يؤثر في الورشة والموقع، صحيح"
مجرد كلماتٍ قليلة أو إيماءةٍ صغيرة كانت كالشمس الأولى في الشتاء، تتسلل إلى القلوب وتبدد سنين البرد
وقف شيخٌ مستندًا إلى عصاه، وما زال يقبض على يد لويس بقوة، ويختنق صوته بالدمع: "يا لورد، بفضلك ما زلنا نجلس اليوم حول مائدةٍ واحدة نأكل... شكرًا لك، حقًا شكرًا"
وجرّ صوته موافقاتٍ من مزيدٍ من الناس
تلك النظرات وتلك الدموع وتلك الابتسامات كانت كلها تشير إلى شخصٍ واحد، لويس
لم يقل الكثير، كان يصغي ويرد بجدية كعادته، لكن الناس شعروا أنهم أمسكوا الأمل أخيرًا
لأنهم كانوا يعلمون أنه معه لن يبرد المدّ الأحمر
وفي الأثناء كان في قاعة البرج العالي بقلعة المدّ الأحمر مأدبةٌ أخرى أكثر وقارًا تجري بهدوء
لا زينة ذهبية ولا فضية مبالغ فيها، ولا مجاملات سطحية على طريقة مجتمع النبلاء، بل موائد سنديان مصقولة مصطفة بإتقان بين جدران الحجر التي تتراقص عليها ألسنة اللهب
من يدخل هذه القاعة هم الأعمدة الحقيقية للإقليم كله
ومن يجلس في هذا البرج العلوي إما فرسان نظاميون أو فرسان نخبة في المدّ الأحمر
أو مدراء شؤونٍ يومية: مايك المشرف الزراعي، ولوك مسؤول المصايد، ورئيس الورشة، ومهندس البناء، ومشرفة المخزن
بل كان هناك أيضًا بضعة ممثلين للعمال ما زالوا يرتدون ثياب العمل الخشنة وعلى وجوههم توترٌ خفيف
كانوا فلاحين أو حرفيين، بل وعبدًا أو اثنين
ومن خلال عملهم الدؤوب نالوا الاعتراف كممثلين للعبيد للمشاركة في هذه الوليمة
لكنهم سيُعتقون قريبًا ويصبحون أحرارًا
في هذه القاعة لا أحد أعلى من أحد، ولا أحد مضطر لخفض رأسه
ففي المدّ الأحمر، ما دام المرء يجتهد ويعاون غيره، فإنه يستحق أن يجلس في هذا المكان الكبير ويشرب مع اللورد
هذه حقوقٌ منحهم إياها لويس
وإميلي، ضيفةٌ ودودة من مدينة رمح الجليد، جرى على نحوٍ مفاجئ ترتيب حضورها هذه الوليمة الرسمية
وبوصفها "تاجرةً جوّالة" شعرت ببعض الدهشة
وما أدهشها أكثر أن من حولها لم يكونوا "نبلاء" بالمعنى التقليدي
لباسهم منسق لكنه ليس رسميًا، بل ثياب عملٍ عملية، وتحت الكتّ الخشن بشرةٌ لفحتها الشمس وكفوفٌ قستها مقابض المطارق
ضحكاتهم وحديثهم خاليان من تكلف سيدات النبلاء، دافئان صادقان
"مايك، كيف استعدادات حراثة الربيع"
"لا بأس، صنع لي مك محراثًا ثقيلًا، وفعاليته ممتازة"
كان هؤلاء "الضيوف المرموقون" يضحكون ويرفعون الأنخاب بصوت عالٍ عند المائدة الرئيسية، يتبادلون خبراتهم في الزراعة والصيد وصيانة الآبار والقنوات، ويتحدثون عن صعوبات العمل الأخيرة
وكانت ملامحهم مفعمة بالشرف والعفوية
لا خنوع ولا انقباض
راقبتهم إميلي بحيرة، لا تفهم لماذا يفعل لويس ذلك
ثم اتجه بصرها بلا قصد إلى المقعد العالي
توقعت أن ترى اللورد الشاب، فلم تجده؛ كان لويس غائبًا
ولم تملك إلا أن تسأل بخفوتٍ عاملةً تجلس بقربها: "من فضلك، متى سيصل اللورد لويس"
ابتسمت العاملة وكانت تفكر كيف تجعل اللحم المشوي أطيب وقالت: "اللورد ما زال يحيّي السكان في الساحة، سيعود بعد قليل"
كان في نبرتها ارتخاء، ومعه كبرياءٌ خفي
كأنها تقول: إنه لوردنا، وكلنا نعرف ما الذي سيفعله
وفي تلك اللحظة أدركت إميلي شيئًا فجأة
فهمت لماذا تشع هذه الأرض جوًا مختلفًا
فهمت لماذا ترتسم على وجوه هؤلاء الذين كانوا من أسفل السلم مسحةُ كرامةٍ لا تشبه ما لغيرهم
نال لويس مكانه في البداية بحكم الأصل والسلطة
لكن في حكم الإقليم لم يستغل سلطته على هؤلاء السكان
لم يجلس لويس على عرشٍ عالٍ، بل مشى بين الناس
وبالنظام الذي أنشأه بيديه كسب ولاءهم
عندها أطرقت إميلي برأسها قليلًا، ولم تعد في عينيها حيرة، بل احترامٌ صادق
وبينما هي شاردة، خيّم السكون فجأة عند مدخل القاعة
كان سكونًا طبيعيًا، إذ وضع الجميع أكوابهم بلا ترتيبٍ مسبق، واستداروا برؤوسهم
كان أول من وقف صانعًا عجوزًا، وتلاه آخرون، ودوّى صرير المقاعد، ثم اندفع التصفيق والنداء موجةً بعد موجة
"اللورد لويس"
"لقد جاء لوردنا"
امتلأت العيون بالاحترام والامتنان كأنهم يستقبلون حارسًا حقيقيًا
رفعت إميلي بصرها فورًا؛ لقد وصل
لورد المدّ الأحمر الأسطوري، الفيكونت الشاب، خطيبها
دخل لويس دخولًا مهيبًا
يرتدي زيًا أسود مذهّبًا مُفصّلًا بإتقان، ألوانه هادئة لكنها وقرٌ خالص
حدّقت إميلي في اللورد الشاب وهو يدخل القاعة الرئيسية، فتلبّث خاطرها لحظة
كان لويس مختلفًا تمامًا عن صورة "بطل ساحة القتال" التي رسمتها
فحين طالعت في مدينة رمح الجليد تقارير معركة حافة تشينغيو، وقرأت عباراتٍ مثل "هزم ألفًا بمئة" و"سحق نخبة المحلفين للثلج"
رسم خيالها هيئةَ قائدٍ فتيٍ متينٍ خشن الملامح
وربما كأبيها، وجهه مخدوشٌ بندوب، تكسوه مهابةٌ مخيفة
فكيف يبرز رجلٌ في زمنٍ مضطربٍ كهذا من غير أن يكون وحشًا هادرًا
لكن لويس الواقف أمامها الآن قلب تصوّرها رأسًا على عقب
لم يكن ضخم الجثة، بل طويلًا قوي البنية، ملامح خطوطه محددة غير مبالغ فيها، كأنه سيفٌ في غمد
تلمع بشرته وئيدًا في ضوء الشموع، ووجهه مصقولٌ وسيم
ولم تستطع إلا أن تضيف في سرها: "وسيمٌ أكثر مما ينبغي"
وما لم تستطع تجاهله كانت نظرته، كبحرٍ عميقٍ ليلًا، هادئةٌ ثابتة، وفي عمقها عاصفة
لم يكن هذا قائدًا يزأر ويذبح في ساحة الوغى، بل ملكًا يستطيع أن يجلس على قمة جبلٍ ويراقب المشهد كله
أزاحت إميلي بصرها، وخفضت رأسها تخفي خجلًا رقيقًا
"إذًا خطيبي من هذا النوع"
ارتسمت على شفتيها ابتسامةٌ مبهمة المعنى، لكن قلبها خفق نصف دقّةٍ أسرع بلا قصد
ولم يكن السبب أنه وسيم فحسب، بل ما رأته وسمعته خلال اليومين الماضيين
هتافاتُ مهرجان الرياضة، وصيحاتُ الساحة
فخرٌ غير مكتومٍ في عيون السكان، وأُناسٌ كانوا صامتين عادوا يرفعون رؤوسهم
هذه الصورة الحقيقية للورد الذي نال ثقة الناس ودعمهم
وهذا أكثر ما شدّ إميلي، وطبعًا كان كل ذلك مشفوعًا بكونه وسيمًا
دخل لويس أخيرًا القاعة الرئيسية لقلعة المدّ الأحمر
اندفع التصفيق والتحيات والوقوف موجًا بعد موجٍ، واكتفى بإيماءةٍ خفيفة شكرًا، ومسح بنظره ركنًا محددًا من مقاعد الضيوف قبل أن يجلس
وتوقفت نظرته هناك نصف لحظة
امرأةٌ تجلس مطأطئة الرأس، ووقفتها متحفظة حتى تكاد تكون ظلًا
وعلى وجهها ندبةٌ قديمة مائلة تمتد من حاجبها إلى فكّها، كأثر نصلٍ حاد
كانت الندبة باهتة واضحة معًا، لافتة، تكاد تصنّفها فورًا "امرأة نجت من الحرب"
لكن عين لويس لم تلبث على وجهها إلا لحظة ثم عاد، كأنه غير مكترث
"حرفةُ التنكر جيدة، الألوان ممزوجة بإتقان، وحتى الظلال مضبوطة، لكنّ ذلك لا يخدعني"
"طالما أنها لا تريد إظهار وجهها الحقيقي فسأنتظر أن تتكلم أولًا"
"لا استعجال"
سحب لويس نظره بلا إطالة، وسار دون توقف إلى المقعد العالي، وظلُّ زيه الأسود المذهّب يرسم حافةً حادّة في ضوء الشموع
صعد وجلس في صدر المجلس، ورفع كأسه إلى الحضور
سكنت القاعة، والجميع ينتظر صوته
"يا رفاق، هذا العام اجتزنا أقسى شتاءٍ معًا" وجال ببصره ببطء في القاعة "إن صبركم وعملكم هو ما أبقى نار الدفء مشتعلةً في هذا الإقليم
أخص بالشكر عاملات ورشة السمك المدخن، وحملةَ الحبوب في المحطة، وحرفيي فرقة النجارة، فجهودكم هي التي أبقت المخزن قائمًا وأسكنت الناس تحت أسقفٍ هذا الشتاء"
ثم ابتسم ورفع كأسه للجميع: "والآن جاء الربيع. في العام القادم سنواصل شقّ الطرق وبناء البيوت وزراعة الحقول وصيد الأسماك لنصنع بيتًا أجمل
اليوم لا تفريق بين نبيلٍ وعامي، ولا فرق في المنصب، سواء كنت فارسًا يقف على الأسوار أو فلاحًا يفلح الأرض، فهذا عيدُ كل واحدٍ من أهل المدّ الأحمر
كلوا طيبًا واشربوا هنيئًا واضحكوا من القلب، هذه اللحظة ملكٌ لكم"
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
انتهى الفصل
تذكير مهم: هذه الرواية خيالية للتسلية فقط، فلا تجعل أحداثها أو مصطلحاتها تؤثر على عقيدتك أو إيمانك
أنا بريء من محتوى القصة وما فيها من خيال، وقد بذلت جهدي لتغيير كل المصطلحات المخالفة، فاعذرني إن بقيت كلمة لم أنتبه إليها
المرجو الدعاء لي، والدعاء بالرحمة لوالدي، وبالشفاء العاجل لوالدتي، فهذا سيكون جزائي على الساعات التي قضيتها في ترجمة هذا الفصل وتنقيته من المخالفات الإسلامية
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ