🌿 تنبيه وإهداء قبل القراءة 🌿
📿 اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
🕌 هذه الرواية للتسلية، فلا تجعلها تشغلك عن الصلاة
🕊️ اللهم انصر أهلنا في غزة، وفرّج كربهم، وداوِ جراحهم، وارفع عنهم الظلم
📖 "وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ" (سورة التوبة، آية 105)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
هبّت ريحٌ شمالية من نهر الضباب البارد، فاجتاحت السورَ الخشبي المؤقّت خارج المعسكر، وبعثت قشعريرةً في الأجساد
وقف بال كالفن فوق تلٍّ صخري مكسوٍّ بالجليد، برداءٍ طويلٍ محلاًّ بحوافّ فضية، ووجهٌ متجهّم
حدّق بعيدًا نحو منجم الحديد المغمور بالثلج وغير المستصلح، حيث كان ينبغي أن تنهض بلدةُ تعدينٍ مزدهرة
لكن الواقع كان بعيدًا جدًا عن الخطط التي رسمها
الأرض المتجمّدة تحت قدميه صلبة كأنها الحديد، والخيام مزّقتها الرياح العاتية ثلاث مرات، واحتطاب النار نفد منذ زمن، وحتى الفحم صار يُقنَّن ليلًا
قبل يومين تجمّد صانعٌ في الليل لقلة الوقود، وعلى شفتيه ابتسامةٌ كأنه «رأى جدته»
وبالطبع كانت الكارثة الأسوأ مطاردة الشهر الماضي
في تلك الليلة شقّ هديرٌ خفيض صمتَ غابة الثلج عند الحد الجنوبي للمعسكر
خانت الخيلُ الحربية صهيلًا وجفلت، ولم يكد الحارس الليلي يهتف «شيءٌ هنا» حتى تمزّق إلى ضباب دمٍ
ارتدى بال درعه وقاد الرجال بنفسه للتطويق، ولم يُعِر الأمر كبير شأنٍ وقتها، ظنّه «طاغيةَ الثلج الشمالي» المألوف، لكنّه ما إن وطئ الغابة حتى انقضّ ظلٌّ قاتم يكتنفه ضبابُ بردٍ فوق حيدٍ ثلجيّ بخفّةٍ أسرع من الريح
صاح: بسرعة، اصطفّوا، لكن سرعةُ المخلوق كانت أسرع من أن تُدرَك
انخَسفت الثلوج تحت الأشجار أخاديدَ عميقة، وتطاير بعض الجنود بضربةِ ذيله فتهشّمت عظامهم على جذوعٍ يابسة
ارتجفت المشاعل في الريح القوية فأضاءت نصف وجه الوحش، إنّه «سحلية الثلج ذات السنّ المشقوق» البالغة
لم يكن ينبغي أن تظهر في الربيع، ولا في منطقةٍ آهلةٍ كهذه
لكنها ظهرت وكانت ماكرةً على نحوٍ استثنائي
أمر بال بالتطويق واندفع بنفسه يضرب بالسيف، فاشتعلت «طاقةُ القتال الحمراء» ولم يقطع سوى حراشفٍ جانبية، فزمجر الوحش وقفز
جرف ذيله فارسَين، ثم وثب إلى أخدودٍ جليديّ في جوف الجبل وتلاشى على الفور
وعلى كثرة فرسانه الأقوياء كانت سرعة الوحش تفوق الملاحقة
استغرقت المطاردة كلها أقلَّ من ربع ساعة، وحين أُعيد إشعال المشاعل تفرّقت الجثث على الثلج المخضّب، وامتلأ الهواء برائحة حريقٍ ممزوجةٍ بالدم
قُتل 27 رجلًا، وأصيب 3 بإصاباتٍ بالغة، وتحطّمت 5 خيولٍ حربية برؤوسها على الجدران الصخرية وهي تهرب
صمت بال طويلًا
وقف عند فُوّهة الأخدود الجليدي، يحملق في جهة فرار السحلية بعينين محمرّتَين
تمتم: مجرّدُ سحلية… وتمزّق فرساني هكذا
ليلةَ عودته إلى المعسكر لم يرجع إلى خيمته، بل جلس وحده عند الكانون حتى الفجر، يتحسّس حرشفةَ السنّ المشقوق في يده طوال الليل، ولم يُغمِض عينيه إلا مع الصبح
عاد بال إلى واقعه وقبض على مسوّدة الرق في يده، تخشخش في الريح فأفاق من ذكرياته
قطّب حاجبَيه وطواها بعناية في ردائه
كانت رسالته إلى الدوق كالفن
ولم تكن تقريرَ صعوبات، بل برقيةَ نصرٍ تقول: «إقليم الضباب البارد قد تبلور، ولا يحتاج إلا قليلَ مؤنٍ لدفع المخطط الكبير»
زفر باستخفاف: أتهزمني نفحةُ بردٍ تافهة؟ إنه الشمال فحسب في نهاية الأمر
هرول وكيلٌ لاهثًا يصعد التلّ بوجهٍ مذعور: سموّك، هاجم وحشٌ من جديد جانبَ المعسكر الجنوبي، فقدنا 3 خيول وكيسَ دقيق
ارتجفت عينُ بال قليلًا ثم أومأ ببطء: هكذا إذن، هذا… تقصيرُ حرس الرصد، هذا ليس مشكلة
قال الوكيل: لكنه خرج من تحت الأخدود الجليدي، وسورُ المعسكر لم يردّه أصلًا
قاطعه بصوتٍ أبرد من الريح: ليست مشكلة، هذا يثبت أن التضاريس معقّدة، وقد اخترت هذا الموضع لأنه يحوي ما يكفي من «التغيّر»، والتغيّر يعني الإمكان
خفض الوكيل رأسه بوجهٍ حائر ثم انسحب بهدوء، وبقي بال وحيدًا على ذروة التلّ الصخري
رمق صفوفَ الخيام المعوجّة في المعسكر، وبعضُها انقلبته الرياح قبل أن تُنصَب، ممدّدةً على الأرض كالأجساد
أما نهر الضباب البارد الذي كان ينبغي أن يذوب فما زال متجمّدًا
ومعه تجمّدت خارج الربيع أحلامُ «مركز التجارة» الذي تخيّله
تمتم يوكّد ويعزّي نفسه معًا: حين يرسل أخي الثاني المؤن… سيتغيّر كل شيء
لكنّ ظلَّ شخصٍ ما كان يخرج من أعماق قلبه رغمًا عنه — لويس كالفن
هزّ رأسه بحدة ورمى الثلج المتراكم عن كمه: لم يَنل إلا حظًّا، أما أنا فأنا من يوسّع الأرض حقًا في الشمال
كان يكرّرها على نفسه المرة تلو الأخرى
لكن كلّما ضربت الريحُ والثلج ليلًا، وزمجرت الوحوش، وترنّحت الخيام، كان ينكمش بردائه عند الكانون، ويزحف بردٌ في قلبه اسمه «الواقع» في سكون
لعلّ الشمال أصعب قليلًا مما تصوّرت
ثم يهمس: لا، ليست مشكلتي
في أوّل الربيع بقي الثلج عالقًا صقيعًا رقيقًا في عمق غابة الصنوبر، لكن الشمس كانت قد دخلت ساحةَ فِناء إقليمِ ويلس
وعلى خلاف أرض بال المتجمّدة «المليئة بالطموح الخاوية» كان إقليم ويلس شيئًا آخر تمامًا
أرضٌ محكمة الرصّ محوّطةٌ بأسوارٍ جديدة، وبيوتٌ شبهُ تحت أرضيةٍ تعلو حافّاتِها ألواحٌ خشبية رمادية، يتصاعد منها دخانُ الطهو برفق
قال عاملٌ قويّ يحمل حطبًا وهو يمسح جبينه ويبتسم: صباح الخير يا حاكم
أومأ ويلس بلطف: عملٌ طيّب، ولا تنسَ معاينة براميل الماء في نقطة الحراسة الحدودية مساءً من جديد
ومن يظن أنه قبل شهرٍ ونصف كان واقفًا في الثلج حائرًا لا يدري من أين يبدأ حفر «الأرض المتجمّدة»
كان معه موظفو العائلة وصنّاعٌ وبعض المؤن
لكن لو اكتفى بذلك لبقي اليوم تائهًا يخاصم على ثخانة العوارض الخشبية أو يتجادل «أين يُثبَّت الوتد للخيمة»
أما الآن فلم يكتمل أساسُ البيت الرئيس فحسب، بل اعتمد هيكلًا جماعيًا شبه تحت أرضي على طريقة أراضي المدّ الأحمر، بأسسٍ غائرةٍ وجدرانٍ مطموسةٍ بالطين وسقوفٍ مغطّاة بالأرض، دافئًا شتاءً لطيفًا صيفًا واقتصاديًا في الطاقة
واكتمل بناءُ قاعة الطعام المشتركة ونقطة المرصد، وزُرعت عند «الساحة» الصغيرة شتلاتُ صنوبر قزم جِيء بها من أراضي المدّ الأحمر
يركض الأطفال تحتها يتعاقبون، وضحكاتهم صافيةٌ في صباحٍ ما زال يحمل مسحة ثلج
كان ويلس أعلم الناس أن هذا التحوّل من صنع معونةِ أخيه الأصغر لويس
20 صانعًا يكاد كلٌّ منهم يعمل مستقلًا، و3 موظفين دائمين للتمريض يحلّون مشكلات العجزة والمرضى بين المرافقين، و10 موظفين في اللوجستيات ينظّمون كل شيءٍ بأحسن مما في قصر العائلة
والكاتبُ الشاب من أراضي المدّ الأحمر كان كأنه نصفُ معلّم، يشرح «دليل تأسيس المدّ الأحمر» صفحةً صفحة، من لوائح المدنيين وتوزيع الطعام إلى جداول الدوريات، يعلم بندًا بندًا حتى يفهم
حفظ ويلس هذا الجميل في قلبه
حين أرخى الليل سدوله هدأ المعسكر
وفي البيت الرئيس كان الكانون دافئًا، ينسكب ضوؤه على رسالةٍ غير مختومة فوق المكتب
جلس ويلس إلى الطاولة الخشبية التي صنعها أحد صنّاع المدّ الأحمر بيده، وتردّد سنُّ قلمه فوق الورق لحظةً ثم مضى
كان يظن الرسالة تُرسَل إلى أبيه
وفي مسوّدته اصطفّت ألفاظٌ منمّقة اختارها بعناية: تضاريسُ نعمةٍ فريدة، تخطيطٌ منسّق، ناسٌ استقرّوا واطمأنّوا
لكن حين وضع القلم وجد أن ما يريد كتابته حقًا رسالةٌ أخرى تمامًا
كانت لأخيه الأصغر، ذاك الغريب المألوف
سأل نفسه مرارًا: لماذا كانت هذه المعونة
ثم وهو يجلس في البيت الدافئ يسمع ضحكات الأطفال خارج المعسكر أدرك فجأة أن السؤال لا يهم
فمهما كانت الدوافع، لقد أعطاه لويس قوةَ البقاء فعلًا
لم تكن إحسانًا
كانت مهارةً وحكمًا وتنسيقًا، ورحابةَ صدرٍ وروحًا يليقان بنبيلٍ حقيقي
وصف لويس في رسالته إلى أبيه بأنه «نبيلٌ جدير بالاحترام حقًا»
أما رسالته إلى أخيه فكانت أخصّ، لم يزِد فيها زخرفًا، وختمها جادًا: معروفُك لا أستطيع ردّه الآن، لكن صدّق أنني يومًا ما سأردّه، باسمي أو باسم إقليمي
نفخ على الحبر حتى جف، وختم الظرف ووضعه في عربة المؤن الذاهبة غدًا إلى أراضي المدّ الأحمر
في تلك الليلة، في القلعة الرئيسة لأراضي المدّ الأحمر، كان لويس على مكتبه يقلب أطلسَ استعدادٍ عسكريٍّ سميكًا، وعلى جانبه رُزمُ وثائقَ رسمية وصلَت توا، وجمرةُ الكانون تتقافز فترسم حدَّه أكثر صلابة
قدّمت له سيف رسالة وقالت: هذه من الحاكم ويلس، فأومأ لويس قليلًا وأخذها دون أن يتغيّر وجهُه، لكن طرفَ أصابعه توقّف لحظة
تناول سكينًا صغيرة وشقّ الختم
كانت رسالةً قصيرة لا تذكر الأسرة ولا الإنجاز، بل أمرًا واحدًا فقط
الشكر
قرأها ببطء، يزن كل كلمةٍ كأنه يفتّش بين السطور عن شعور ويلس حين كتبها
لم تكن متقنة السبك، بل احتفظت ببعض تصلّبِ النبيل الشاب، لكن صدقًا خفيًا فيها لم يَفُتْه
همس: كما توقّعت إذن
وقع بصره على الجملة الأخيرة «يومًا ما سأردّه»، فمرّت على حاجبيه وعينيه ابتسامةٌ خافتة
لم تكن راحةً ولا فرحًا، بل رضًى هادئ كلعّاب شطرنج يرى قطعةً حاسمة تستقرّ في موضعها
كان ويلس كايروِن حاكمًا صالحًا، ورجلَ وفاء، وذلك يكفي
ولم تكن الرسالة في نظره مجرّد كلمات امتنان، بل كانت دليلًا واضحًا على نجاح خطته ذات الأوجه الثلاثة
سياسيًا، أظهر استقرارُ ويلس السريع أنّ «التيار المؤيّد للمدّ الأحمر» بدأ يجد موطئ قدم له، وسيكون له سندٌ في نقاشات مقاطعة قمة الثلج
عسكريًا، موقعُ إقليم ويلس على الطرف الشمالي بجانب ممر الوادي جعله عقدةً دفاعية طبيعية، وكأنه وتدٌ غُرس بصمت في المنطقة العازلة مع «جماعة الثلج»
أما مؤسسيًا، فقد خرج نموذج أراضي المدّ الأحمر من المعونة ليُجرَّب عمليًا: من البيوت شبه تحت الأرض إلى اللوائح المبسطة وتسجيل الدفاتر. وكل ذلك كان تدريبًا وتمهيدًا لتصدير نظام الحكم مستقبلًا بأفضل سمعة ممكنة
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
انتهى الفصل
تذكير مهم: هذه الرواية خيالية للتسلية فقط، فلا تجعل أحداثها أو مصطلحاتها تؤثر على عقيدتك أو إيمانك
أنا بريء من محتوى القصة وما فيها من خيال، وقد بذلت جهدي لتغيير كل المصطلحات المخالفة، فاعذرني إن بقيت كلمة لم أنتبه إليها
المرجو الدعاء لي، والدعاء بالرحمة لوالدي، وبالشفاء العاجل لوالدتي، فهذا سيكون جزائي على الساعات التي قضيتها في ترجمة هذا الفصل وتنقيته من المخالفات الإسلامية
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ