🌿 تنبيه وإهداء قبل القراءة 🌿
📿 اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
🕌 هذه الرواية للتسلية، فلا تجعلها تشغلك عن الصلاة
🕊️ اللهم انصر أهلنا في غزة، وفرّج كربهم، وداوِ جراحهم، وارفع عنهم الظلم
📖 "إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا" (الشرح 6)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بدأت وليمةُ تنصيبِ لويس رسميًا وسط ريحٍ باردة تقصُّ العظام
وصل النبلاءُ من أنحاء الشمال تباعًا، يحدّقون في القلعة الغريبة أمامهم وهم يتبادلون الهمس
هذه القلعة المشيَّدة قبل أشهر قليلة لم تكن جميلة، بل بدت قاسية الملامح
هي هيئة أسطوانية بسيطة لا يزيّنها سوى نقوش صغيرة، وكأنها حصنٌ عسكريٌّ شُيِّد على عجل من الثلج
لكن ما إن دخلوا قاعة الوليمة حتى تغيّرت الانطباعات رأسًا على عقب
كانت قاعةً فسيحةً بقبة عالية، أرضُها مرصوفة بألواح حمراء مائلة إلى الذهبي مصقولة اللمعان، ونيرانُ المواقد المحيطة تُذيب بردَ ليلٍ ثلجيٍّ خارج الجدران
تدلّت من السقف ثريّات حديدية مصنوعة يدويًا، وزيتُ مصابيحها ممزوج بمسحوقٍ سحريٍّ يشعُّ ضوءًا وديعًا غير مؤذٍ للعين، كضوء الشمس على الثلج
امتدَّ بساطٌ أحمر ذهبي على الممر الرئيس، وعلى الجدران راياتُ أراضي المدّ الأحمر وشعاراتُ عائلة كالفين، ألوانٌ رصينةٌ تنضحُ وقارًا
والأعجب أنّ الدفء يغمر القاعة؛ فالريحُ في الخارج كالسكاكين، والداخل دافئٌ كربيعٍ باكر
خلع النبلاءُ معاطفهم وهم يتهامسون سرًا: كيف صُنِع هذا الدفء هنا
وقف جوزيف بين الناس، يرفع رأسه قليلًا صوب السقف، يتفحّص تصميم فتحات التهوية، ثم يرمق حوافَّ البُسُط لعلّه يعثر على موضع مصدر الحرارة، غير أنّ الأمر بدا أبعد من مواقد عادية
قال في نفسه متبسّمًا ابتسامةً غامضة: يبدو أنّ هذا الشاب يبذل جهدًا حقيقيًا، حين أبني قلعتِي لاحقًا سأقتبسُ هذا النهج
في القاعة أخذ الخدمُ يقدّمون الأطباق تباعًا
تلألأت الأواني الذهبية والفضية، وأمامهم ألوانٌ من اللحوم والخمور، بل وحتى لحمُ وحشٍ سحريٍّ أيضًا
لم يكن لحمًا نفيسًا، لكنه كافٍ ليُظهر قدرًا كبيرًا من الكرم
همسَ أحد النبلاء متعجّبًا: كيف حصلوا على لحم وحشٍ سحري
وقال آخر: كم كلف هذا كله، كانوا يمدحون بالطعام بألسنتهم، لكن القلوب ازدادت حيرةً واضطرابًا
فالوليمة عرضٌ صريح للثراء والموارد والقدرة
وصاحبُ الدار، لويس، لم يظهر بعد
تبدّلت وجوه بعض النبلاء الكبار خفيةً: هذا الفتى يجهل آداب المجالس، أيتركنا معلّقين هكذا
هتف آخر ساخرًا: لعلّه ظنّ أنّ انتصاراتٍ قليلة تكفي ليصير شريك سيادةٍ على الشمال
كانت تلك فرصة جوزيف
انساب بين الحضور كالسّمك في الماء، يتبادل التحيات والنظرات، فبدأ المتردّدون يميلون نحوه رويدًا رويدًا
قال بعضهم: على الأقل يفهمُ أصول المجاملة
وأضاف آخر: مقارنةً بحاكم المقاطعة، السيد جوزيف أشبه بالنبلاء حقًا
وحين راحت الأجواء تميلُ شيئًا فشيئًا، وتشرُدُ الأفكار
ابتهج جوزيف في سرّه: ما يزال هذا الشاب صغيرًا في النهاية
رفع كأسه، يستقبل أول انتصارٍ في هذه المنازلة السياسية
وما إن خفتت الأحاديث قليلًا، وكثرت النظرات إلى صدر القاعة، حتى انفتحت الأبواب المزدوجة في نهايتها بصمت
حُجبت نفحةُ بردٍ عند العتبة، ودخلت تحت ضوء المصابيح الدافئ هيئةٌ واحدةٌ تمشي بخطى واثقة
كان شابًا طويل القامة، رزين الخطوات
شَعرُه الأسودُ ينسدل بخفة، وعيناه ساكنتان كليلٍ صافٍ، يرتدي سترةً داكنة أنيقة بلا تكلّف، وأكتافه ومشابكه المعدنية تلمع لمعةً خفيفة
لا يحمل على وجهه زيادةَ تعبير، كأنّ الوليمة لم تُقام لأجله
وفي قاعةٍ دافئة كأوّل الصيف، جاء وفيه نسمةٌ من برودة الليل تجعل تجاهله صعبًا
هذا هو حاكمُ مقاطعة ذروة الثلج الجديد، لويس كالفين
خلفه فارسان مدرّعان، أحدُهما عن يساره والآخر عن يمينه
كانا صامتَين جليلَين كحارسين حجريين، أجسادٌ مُحكمة ونظراتٌ حادّة، لا زينةً للعرض
ساد الصمت بضع ثوانٍ
همس بعض النبلاء بدهشةٍ متحفظة: ما أصغره سنًا، أهو لويس، له حضورٌ يُجبر المرءَ على احترامه، يشبه الضباط في الميدان لا أبناء السادة المترفين
كان بعضهم قد ظنه متهوّرًا لمع نجمُه بالمعارك، لكنهم لم يتوقعوا هذا السكون المتيقّن الذي قبض على القاعة كلها، فاستقامَت الظهور وانكمشت الهمسات
نظر إليه جوزيف أيضًا
تجمّدت كأْسُه لحظةً في الهواء، وانكمشت عيناه قليلًا، وعلى شفتيه ابتسامةٌ لم تذبل بعد، لكن جرس إنذارٍ دقّ في صدره
قال في نفسه: هذا سيئ
غمرته فجأةً ريبةٌ لا تُوصف، فهذا الشابُّ هادئٌ أكثر من اللازم، لا تمهيد زائد، فقط وقف في موضعه الطبيعي سيدًا للمجلس
وهمس لنفسه يحاول التماسك: الصِّغرُ صِغَر، وما السكينةُ إلا قشرة، لكنه شعر بخرزة عرقٍ باردة تزحف على صدغه في قاعةٍ دافئة
صعد لويس المنصّة في وسط القاعة بخطى مطمئنة، وتوقّف الفارسان عند أسفل الدرج يحرسَان بصمتٍ مستقيمين كالرماح
لم يحمل ورقةً ولا أعدَّ خطبةً طويلة، اكتفى بأن يقف، يومئ إيماءةً خفيفة، ثم يطوف ببصره على الوجوه كلها
وقعت نظراتُه على كل وجه، لا قسوةَ فيها ولا مداراة، إنما تواصلٌ هادئٌ ثابت، كأنّه يثبت لكل واحدٍ أنه يعرفه ويقرأ ما يدور في رأسه الآن
سكنت القاعة لحظة
قال بصوتٍ غير مرتفع لكنه واضح: شكرًا لحضوركم رغم شواغلكم، وأعتذر لأنني أخّرتكم قليلًا
كنتُ أعالج أمرًا عاجلًا في الحكم فتأخرتُ بعض الشيء
كان صوته متزنًا بلا إسهاب في الاعتذار، فمال بعض من ضاقوا في البداية إلى الرضا سرًا
ثم مازحهم بخفة: أعلم أنّ قصر عائلة كالفين في أراضي المدّ الأحمر ليس متقَن الصنعة، وبعضه قد يُسمى خشنًا
ضحك نبيلٌ بخجلٍ خفيف، وتبادل آخرون نظراتٍ متحرّجة
قال: لكنني أتمنى أن تأكلوا وتشربوا طيّبًا الليلة
وأشار بيديه في سعةٍ وثبات: لحم الوحش السحري، والحساء المتبّل، ونبيذ نسر الثلج أُعدّت كلها بأمري قبل ثلاثة أشهر، لهذا اليوم، من أجلكم، فإن وقعَ تقصير، فسامحونا
جلس لويس، فعادت الموسيقى هادئةً تحت وهج الشموع، وارتفعت الكؤوس، وخفَّ التوتر زمنًا
قبل أكثر الحضور عذره في التأخر، فشؤون الحكم في الشمال الآن كثيرة بالفعل
ثم إنّ بهاء الوليمة لا يُنازَع: عبيرُ التوابل في الجو، لحم الوحش مشويٌّ حتى القرمشة، والنبيذ جُلب من الجنوب البعيد خصيصًا لهذه الليلة
استرخى كثيرون مع الطيب والشراب، بل وداخلهم شيءٌ من الإعجاب بهذا الحاكم الشابّ
شابُّ السنّ، لكنه متماسكُ الطبع، وقورٌ كريمُ الاستضافة، فتردّد بعضُهم في مواقفهم
غير أنّ بين الحضور من لم يأتِ للأكل والشرب
ظلّ جوزيف ممسكًا بالكأس مبتسمًا، لكن عينيه بردتا، ثم أرسل إشارةً صغيرة لا تحتاج إلى كلام
فتحرك بعضُ النبلاء الذين كانوا يدفنون وجوههم في الصحون منذ قليل
قال أحدهم ساخرًا: شغلتهُ شؤون الحكم، ما أرهقها، فنحن إذن خدَمٌ ننتظر الطعام
وأضاف آخر: لا نلومُ الحاكم، إنه شابٌّ، وحسنٌ أن ينشغل، لكن ليت شعري، بِنفعِ من ينشغل
تعالت سخريةٌ تكسرُ سطحَ الودّ
وضعَ نبيلٌ مسنٌّ قرب المنصّة كأسه ببطء وقال بصوتٍ مسموعٍ بنبرة باسمةٍ مقصودة: ما دام الحاكم مرهقًا، فلِمَ لا نتقاسمُ عنه الأعباء
قال آخر في ثياب رمادية زرقاء: إنّ أمور أراضي المدّ الأحمر تزداد تعقيدًا، لِمَ لا نفكر في مجلسٍ للنبلاء، يتناوبُ أعضاؤه على الرئاسة، يُعينون الحاكم ويخفّفون عنه، أليس ذلك أصلح
كانت الكلمات لينةَ الغلاف، حادّةَ النصل
سكنت القاعة، وارتفعت الأبصار نحو المنصّة
طأطأ جوزيف عينيه وارتسمت على فمه قوسةٌ خفيفة، فهذا هو «الطعنة» التي أعدّها منذ أيام
كان قد دبّر أن تُطرح هذه الفكرة «العادلة» في اللحظة المناسبة، حتى التفاصيل كتبها مُسبقًا، لتُعلَن علنًا
والمقصود حاكمٌ شابٌّ جديد؛ إن سكتَ كان ضعفًا، وإن ردَّ كان تعاليًا، وفي الحالتين ينكسر حكمُه المنفرد بعد الليلة، وهو يتصدّر مجلس «الأعيان»
رفع كأسه مبتسمًا، ينتظر أن يرى الشابَّ في مأزقٍ تكسوه الغبرة
لكن لويس لم يلتفت إلى الطعون
ابتسم قليلًا ورفع كأسه وقال: أيها السادة، حديث الحكم غدًا، أما الليلة فأريد كأسًا معكم أحتفل بتثبيتي حاكمًا لمقاطعة ذروة الثلج، كلوا واشربوا، ولنترك الشؤون للغد
بدت سكينته لبعضهم تهرّبًا ومُداراةً، فتبادل نفرٌ نظراتٍ مُشمئِزة: يكتسب وقتًا، أهو يكسب وقتًا
ازدادت الكلمات حدّةً ولم تُقل صراحةً، لكن المعنى وخزٌ ساخر، فتوتّرت الأجواء أكثر فأكثر
لم يملك جوزيف نفسه أخيرًا فقال بصوتٍ غير عالٍ لكنه نافذٌ كالسكين: يبدو أن فهم حاكمنا الجديد لأمور المقاطعة بقدر حماسته للولائم
سكنَ المكانُ مرّةً أخرى
كانت جملةً لا تطعن في سلطة لويس فحسب، بل تشكّك علنًا في كفاءته
ارتسمت على فم جوزيف ابتسامةُ انتصارٍ طافح، فهذه الشبكة نسجها منذ البدء
تركَ المستعجلين يختبرون ويضغطون ويُسخّنون الجوَّ أولًا، وبقي هو ينتظر كصيادٍ صبور حتى تظهر الثغرة
ها قد ظهرت
اختار لويس الابتسام ورفعَ الكأس بدل المواجهة، وهذا عنده إقرارٌ بالضعف والعجز، ثم إن نبرته خفيفةٌ تُشبه مَنْ تكلّم مُكرهًا «للصالح العام»، فتستميل الأسماع
أراد الليلة أن يفهم الجميع: الحاكم الجديد لا يؤتمن على السلطة، وأنّ من يستحق الإمساك بها حاضرٌ في المجلس، يعرف شؤون المقاطعة ويجهرُ بالحقّ ولا يخشى أحدًا، مثله هو، البارون جوزيف كالادي
تنفّس لويس ببطء، ثم وضع كأسه وقال بنبرةٍ فيها مسحةُ أسف: لم أرد هذا الآن، كنتُ أفضّل تأجيله إلى الغد لتسعدوا الليلة بشربٍ طيّب
ثم ضحك فجأةً، وحدّق في جوزيف: لكن ما دمتَ مستعجلًا، فلنبدأ الآن
فاض قلبُ جوزيف فرحًا وكاد استهزاؤه يطفح، فالشبابُ تسرّعٌ يُستفَزّ بسهولة
وما إن همّ بالرد حتى رأى لويس يرفع يده ويصفّق تصفيقتين خفيفتين
طَق طَق
رنتا في القاعة، فانفتحت الأبواب الجانبية الكبرى ببطء
دخلت فرقٌ من الفرسان المدرّعين بالسيوف بخطواتٍ متناسقةٍ وهيبةٍ جاهرة
وقف أكثر من عشرين فارسًا في القاعة، يسدّون المداخل والمخارج بصمتٍ صارم
ارتفع لَغطٌ مضطرب، وتبادل الناسُ النظرات حائرين: ما الذي ينوي لويس فعلَه
لبرهةٍ لم يجرؤ أحدٌ على الكلام
تيبّس جوزيف في مكانه
أراد أن ينهض زاجرًا، لكنه أحسّ كرسيَّه مُثبّتًا بالأرض، وعشرات العيون مسلّطة عليه، فرمشَ يمنةً ويسرةً فدبَّ فيه بردٌ مفاجئ
دون أن يشعر أحاطت به طبقاتٌ من فرسانٍ باردين كالفولاذ
قال بصوتٍ اختلّ ثباتُه: لويس، ماذا تريد أن تفعل
حاول أن يضغط نبرته بسلطانٍ زائف، لكن رجفةً دقيقة خذلت صلابته
التفت إليه لويس بهدوء، بلا غضب، بل ببرودٍ مطمئن، واختفت ابتسامتُه الوادعة
قال ببرود: خذوه
قبل أن يستوعب جوزيف، تقدّم فارسان بسرعة، أحدهما عن كل جانب، فأطبقا على كتفيه بإحكام
قبضت يدٌ على ذراعه، والثانية ضغطت ظهره
صرخ وهو يتخبّط: تجرؤون على لمسي، أنا نبيل، أنا
ارتفع صوته وهو يحاول الإفلات، وكان فارسًا متمرّسًا بالفعل، لكن الذي أمسكه فارسٌ متفوّق، فصار يتخبط كوحشٍ في قفص بلا جدوى
تورّد وجهه، وانتفخت عروق جبينه، وصرخ بعينين مذعورتين: لا حقَّ لك في هذا، هذا إسرافٌ في السلطة، هذا دهسٌ لمدوّنة النبلاء الإمبراطورية، هذا
انفلتت منه الكلمات وهو يزبد، فتهدّلت هيئته الراقية، وتكسّر هندامه وسمتُه في لحظة، وبقي خوفٌ فاقعٌ ومهانة
واصل يلهث: أنا نبيلٌ مُستكشِفٌ بمرسوم الإمبراطور، إن مددتَ يدك نحوي فأنت
قال قائد الفرسان ببرود: صه
رفع يده وضربه ضربةً دقيقة على عنقِه من موضع الشريان
أخرج جوزيف صوتًا غريبًا بين الأنين والاختناق، وانقلبت عيناه، وبرز لسانه قليلًا، وانقطعَ نفسه ثم خمد فجأة ككيس دقيقٍ مثقوبٍ هوى على الأرض
قال القائد: خذوه
لوّح الفارسُ المتقدم بيده بوجهٍ لا يشي بشيء، فجرّه فارسان خارج القاعة بصمت
انجرّت ثيابه على الأرض، وركلَ حذاؤه كأسًا فسال النبيذُ متبعثرًا، يترك أثرًا فوضويًا مُذلًّا
كان قبل دقائق متبخترًا متعاليًا، فإذا هو الآن منظرٌ عبثيٌّ بشَعرٍ منفوش وثوبٍ ملطّخٍ ولِسانٍ معقود
خَيّم الصمتُ على القاعة حتى بدا فرقعةُ الشعلة أشدَّ حدّة
لم يرفع أحدٌ كأسه، ولم ينبس أحد، وحتى بلعُ الريق بدا نشازًا
ثم انتشر الذهولُ بسرعة، وأدرك النبلاء أنّ ما وقع ليس نزوةً عابرة ولا قرارًا مرتجلًا
لقد نصب لويس فخًّا طويلَ النفس، وصادَ به في اللحظة المناسبة
همس بعضهم: أكان يعلم منذ البداية
وتساءل آخر: إذن ما قلناه لتونا
تمتم ثالث: انتهى الأمر
اندفع خوفٌ وندمٌ كالمدّ، خصوصًا عند من ردّدوا كلمات جوزيف الحادّة قبل قليل، فشحبت وجوههم وضاق نفَسُهم
لم يعودوا يذكرون ما قالوه، وطفرت العرقاتُ على جباههم، يحاولون التواري وسط الناس
وسحب بعضهم مقاعدهم إلى الوراء سنتمترًا واحدًا كأطفالٍ أخطأوا ويخشون أن تُنادى أسماؤهم التالية
أتعسُهم بارونٌ شابٌّ أراد أن «يُظهر الولاء» بكلماتٍ خشنةٍ يقتنص بها نظرةً من جوزيف، فإذا بساقيه ترتجفان حتى أوشك أن يفرّط، وأطرقَ وجهه محمرًّا وأنفاسُه متقطعة
همس أحدهم جملةً كالسيف: هل اخترنا الجانبَ الخطأ
لم يجرؤ أحدٌ على الحركة أو لقاءِ عينَي لويس
جلس الشابّ الوادع في صدر القاعة بملامحَ باردةٍ لا تفضح شيئًا، كأنّ «التنظيف» الذي حدث للتوّ نزهةٌ بعد العشاء لاقتلاع عشبٍ شوكي
أدركوا أخيرًا أنّ هذا الحاكم الأسود العباءة، الباسم الهادئ، ليس «هيكلًا فارغًا سهلًا»
إنه يعرف ماذا يفعل، أكثرَ منهم جميعًا
ولم يأبَه لويس بوجوههم الشاحبة ونظراتهم المذعورة، لم يزِد على أن رفع كأسه في هدوءٍ ببرودٍ مهذّب
وقال بنبرةٍ رخيةٍ كأنّ ما حدث طرفةُ مائدة: أعيدوا الموسيقى، ولتستمرّ الرقصة
فانشطر الجوُّ انشطارًا غريبًا
في ناحيةٍ موسيقى ورقصٌ وكؤوسٌ تتنقَّر، وفي الناحية الأخرى ظلُّ نبيلٍ سِيقَ قبل قليل وصدى أنينه لم يخمد بعد
كان ذلك التنافرُ العبثيُّ ثقيلًا حتى يكاد يخنقُ الصدور
أما لويس فتصرف كأنّ الأمر لم يحدث، ابتسم، وشرب كأسه إلى آخره، ثم وضعها في أناقةٍ هادئةٍ على الطاولة، كأن شيئًا لم يقع
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
انتهى الفصل
تذكير مهم: هذه الرواية خيالية للتسلية فقط، فلا تجعل أحداثها أو مصطلحاتها تؤثر على عقيدتك أو إيمانك
أنا بريء من محتوى القصة وما فيها من خيال، وقد بذلت جهدي لتغيير كل المصطلحات المخالفة، فاعذرني إن بقيت كلمة لم أنتبه إليها
المرجو الدعاء لي، والدعاء بالرحمة لوالدي، وبالشفاء العاجل لوالدتي، فهذا سيكون جزائي على الساعات التي قضيتها في ترجمة هذا الفصل وتنقيته من المخالفات الإسلامية
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ