🌿 تنبيه وإهداء قبل القراءة 🌿
📿 اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
🕌 هذه الرواية للتسلية، فلا تجعلها تشغلك عن الصلاة
🕊️ اللهم انصر أهلنا في غزة، وفرّج كربهم، وداوِ جراحهم، وارفع عنهم الظلم
📖 "وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ ۚ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا — الإسراء: 81"
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
كان الغابة صامتةً، وأشجارُ التنوب الباردة واقفةً كالأعمدة
حتى عند الظهيرة عجز ضوء الشمس عن اختراق الأغصان والأوراق، فلم يبلغ أعماقَ هذه الغابة الكثيفة الخالية من الحياة
شعر الفرسان الذين دخلوا هذا المكان كأنهم وطِئوا مقبرةً عتيقةً نائمة
لقد ظلّوا يفتّشون هذه المنطقة من الغابة قرابة نصف شهر
ومع ذلك لم يجدوا شيئًا
لكن لم يتذمّر أحد بسبب ذلك، ولم يشكّك أحدٌ في قائدهم، فقد وثقوا به بنسبة مئة بالمئة
إذ كان يسير أمامهم مباشرةً "نصل الشمال السريع" فيك غرانثام
كان درعه الفضيّ العميق يلمع ببرودة، ويتبعه بصمتٍ 20 من نخبة فرسان الشمال، يشقّون الغابة القاحلة
كانت هذه الفِرقة الصغيرة مختارةً ومدرّبة ومقودةً شخصيًا من فيك
ولم يعتمدوا قطّ على أعينهم في العثور على الأعداء، بل على قدرة فيك الإدراكية في قراءة ساحة القتال، وقد حقّقوا بالفعل مآثر كبيرة عدة
لكن فيك وحده كان يعلم أنّ الوتر المشدود في قلبه منذ زمنٍ بدأ يرتجف بخفّة
لقد نُظِّفت الخيوط بإفراطٍ غير طبيعي
بدت الأحراج كأن شيئًا ما قد "غسلها" ومحا كل الشذوذات المحسوسة، فلم يُبقِ سوى الفراغ
وحتى هو، من غير أن يستهلك قوته القتالية، لم يستطع إلا الاعتماد على دلائل طفيفة، يتتبّع بها أضعفَ الروائح والآثار ليستطلع الأمام
لم يكن بلا قلق
فكلما طال الزمن ازدادت صعوبة العثور
كان فيك يدرك ذلك، لكنه لم يكن يملك سوى كبت الاضطراب في قلبه والتقدّم، مواصلًا المراهنة على صواب تلك الحدس الغائم
غير أنّ هذا اليوم كان مختلفًا أخيرًا
لقد وجد قطعةً صغيرة من بقايا بنية داكنة في شقّ جذع شجرة
رفع فيك طرف إصبعه ولمس الأثر اللزج برفق، ثم قرّبه من أنفه وشمّه، فتبدّل وجهه فجأة
"ابقوا قريبين مني ولا تتخلّفوا"
"أمرُك يا سيّد" أجاب فارسٌ شاب بصوتٍ ثابتٍ لا يخلو من التوتّر
أطرق فيك قليلًا، ونقرَ مفاصلُ يده اليمنى برفقٍ على درع عنقه
"تفعيل"
جرت قوّةٌ فضيّة مزرقة خافتة في عروقه، وظهرت تحت جلده نقوشٌ حمراء كأنها شقوق متّقدة
تبدّلت الدنيا في عينيه فجأة، فبهتت الألوان وحلّ محلّها تداخل الرمادي والأبيض والظلال
وصار يلتقط بدقّة تموّجات الهواء، وآثارَ الحرارة المتبقّية على الأرض، وأصداءَ رجوع الطاقة السحرية
مسح الغابة بعينيه، يخطو خطوةً خطوةً إلى ذاك الموضع الصامت الذي يسميه الناس العاديون "بلا أثرٍ البتّة"
"لقد كان هنا مدٌّ للحشرات" قالها بخفضٍ بلا زخرفةٍ زائدة
كان السطح أعلاه يبدو سليمًا تمامًا، لكنه في الحقيقة مختلّ البنية الحرارية
وتنتشر أصداءٌ تآكليةٌ واهنةٌ ومنتظمة، كأنّ جموعًا لا تُحصى قد مرّت من هنا، لكنّها دفنت بالقوة كلَّ أثر
"لقد نُظِّف عمدًا" جثا فيك وضغط بكفّه على التربة الرطبة تحت الأوراق الذابلة
ولم يملك فارسٌ شاب انضمّ حديثًا إلا أن قال: "لكن يا قائد، لا نرى خيوطًا قابلةً للتتبّع أبدًا"
"طبيعيّ ألا تراها" نهض فيك ببطءٍ وحدّق أمامه مباشرة "لقد تعلّموا إخفاء أنفسهم
لا يقتصر الأمر على التآكل، بل يشمل التحكّمَ في انتشار آثاره التآكلية"
التفت ينظر إلى الشمال الشمالي الغربي
وفي العالم الرمادي الأبيض كانت ذبذبةُ مصدر حرارةٍ خافتة أشبهَ بجمرٍ يحتضر، تعبث به الريح، يوشك أن ينطفئ ولا ينطفئ
"من هناك" قالها ثم مضى، وتبعه الفرسانُ ذوو الدروع الفضية بصمتٍ ومن غير تردّد
لم يشكّك أحدٌ فيه
وتبعوا فيك، يسيرون في أرضٍ بلا أثر، ويمضون نحو أعماقٍ مجهولةٍ من الغابة الكثيفة
اسودّ الليلُ عميقًا، وبدا الضبابُ في أغوار الغابة كأن قوةً خفيةً تحرّكه فلا يكفّ عن الغليان
تحرّك الفرسانُ المدجّجون بالفضة في هدوء، وأقدامهم تطأ الأوراقَ المتساقطة والدُّبالَ من غير صوت، كأنهم ظلالٌ تعبر الغابة
توقّف فيك فجأة ورفع يده إشارةً بالتوقّف فورًا
لقد تغيّر الهواء
داهم أنوفَهم نتنٌ دبِقٌ خانقٌ من الجُثث، لا يشبه عفنًا عاديًا، بل عفنًا اسودّ بمرور الزمن
امتزج بصدأ دمٍ يابس، وبزُفارةٍ مُرّةٍ لأحشاءٍ ممزّقة، وبسائلٍ باردٍ لزجٍ لا ينتمي للأحياء
وكأنه إصبعٌ باردٌ أُدخل في التجويف الأنفي، يُحرّك الأعصاب ببطء، فيدفعُ للغثيان من غير مهرب
ولم يشعر به فيك وحده، بل شمّه الجميع
"الرائحة تشتدّ" همس فارس، ونبرةُ التوتّر في صوته لا تخطئها الأذن
وبناءً على ذلك تقلّصت الفِرقة سرًّا، وحبسوا أنفاسهم وهم يتقدّمون، يتّبعون الرائحة المتعاظمة لنتن الجُثث
داروا حول كتلة صخرية بارزة وشجرةٍ عتيقةٍ منهارة، وبلغوا فتحةً ضيّقةً في قاع الوادي
وكان المنظر أمامهم كفيلًا بأن يجعل بعض الفرسان المخضرمين يقبضون على أسلحتهم تلقائيًا
كان هناك عشّ
بل معبدٌ للحكام الشريرين من أعماق كابوس
كان ذلك العشّ الهائل كخليةِ نحلٍ حيّة، تتقاطعُ فيها بنى راتنجية، وتتشابكُ فيها ممرّاتٌ وغُرفٌ لا تُحصى، كمسكنِ ملكِ حشراتٍ لا يمكن النطق باسمه
كأنه شرنقةُ بيضةٍ لملكةٍ لم تُفْقس بعد، وفي الوقت نفسه يملك خصائصَ رحمٍ يُربّي جحافلَ من الجُثث
كان رماديًا مائلًا إلى البياض، سطحُه رطبٌ وطريّ كجلدٍ نُزِف منه كل الدم، يختلجُ بلا انقطاعٍ في الريح الباردة، يتمدّد ويقبض بإيقاعٍ منتظم
ويتسرّب من سطحه دائمًا مُخاطٌ لزجّ، يملأ الفتحاتِ الأنبوبيةَ المتموّجة ببطء، كأنّ مدًّا آخر من الحشرات يتخلّق في أحشائه
وكانت البنية كلها مكوّنةً من راتنجٍ مجهول، قوامُه نصفُ صلبٍ نصفُ شفّاف، كأنه يتنفّس ببطء
كانوا مدّ الحشرات الجيف
أولئك البشر الذين ينبغي أن يركنوا إلى السكينة أُعيدوا قسرًا إلى "ضبط المصنع"
نُزعت الإرادةُ منهم ومُحيَت الفرادة، ولم يبقَ سوى أغلفةٍ تتحكّم فيها طاقةٌ نفسية
ومئاتٌ بل آلافٌ من المُنتجات التامّة تزحف ببطءٍ على سطح العش، وحركاتها منسّقةٌ لدرجةٍ تبعث على القشعريرة، لا حياة فيها ولا تيبّس، أشبهُ بجماعةِ عمّالِ طقسٍ، غُرست فيهم أوامر، يؤدّون طقسًا قديمًا غامضًا
مدّ الحشرات الجيف — من بشرٍ ووحوشٍ وحتى بقايا فرسانٍ في دروعٍ محطّمة
تُنقَلُ جماعاتٍ جماعات، تصطفّ بهدوء، وتُلقى في النهاية داخل "شقّ" فاغرٍ عند أسفل البنية الراتنجية
وفوق هذا العشّ مباشرةً كيسٌ لحميٌّ ضخمٌ معلّق — تلك هي الأم الحاضنة
وكان يُوصل الكيسُ اللحمي بجسد العشّ بأليافٍ لحميّةٍ متلوّيةٍ عدّة، تنقل ببطء "القرابين" الملقاةَ في الفتحة إلى أعلى
ومع كل تموّجٍ يطلق العشّ كله صوتًا خفيضًا كنبضِ قلب
ويبدو الهواء يهتزّ معه، كمنفاخِ جحيمٍ يتنفّس، يزفرُ موتًا وميلادًا
لكن المرعب أكثر كان الوجوهَ البشرية التي تظهر تحت سطحه
لم يكن ذلك وَهْمًا
وجهٌ إثر وجه، كأرواحٍ مُعلّقةٍ مضغوطةٍ تحت الراتنج الشفّاف، تطفو ببطءٍ، وتكابد، ثم تنزلق
بعضها ممتلئٌ ألمًا ومحاجرُ عيونٍ متفجّرة، وبعضها أجوفُ النظرات، تتحرّك شِفاهُها قليلًا كأنها تهمس
وواحدٌ منها، على نحوٍ لافت، كان يكشف ابتسامةً شاذة
ارتفع طرفا فمه، وانفتحت حدقتاه ببطء، تواجهان اتجاهَ فيك مباشرة
في تلك اللحظة كاد دمُ فيك يتجمّد كله، وجفّ حلقُه، وبالكاد استطاع أن يلفظ صوتًا خفيضًا: "ذلك..."
لقد عرف ذلك الوجه
إنه البارون هالدر بلوكس
نبيلٌ من الشمال رآه مرارًا في ولائم مدينة الحربة الجليدية، دائمُ الابتسام في كلامه، رصينُ السلوك
لكنه اختفى لغزًا بعد حرب العام الماضي، وسُجّل رسميًا "قتيلَ معركةٍ لم يُعثر على جثته"
والآن، ذلك الوجه المألوف مطبوعٌ على سطح الأم الحاضنة كأنه نقشٌ بارز، بابتسامةٍ جامدةٍ وعينين دامعتين قليلًا، كأنه يستغيث في حلم... أو يسخر منه
"ذلك الشيء..." خرج صوتُ فيك كأنه يتسرّب من عمق حلقه
وسكت الفرسانُ العشرون من النخبة خلفه تمامًا في هذه اللحظة
إنهم أقوى محاربي الشمال، وكلٌّ منهم خبرَ المعارك الدامية، وقد نُقشت السيوفُ والنيرانُ في عظامهم
لكنهم الآن لاذوا بالصمت، وتراجع بعضهم نصفَ خطوة، وانكمشت حدقاتُ بعضهم، وابيضّت مفاصلُ آخرين من شدّة القبض على الرماح الطويلة
"مستحيل — هذا —" تمتم فارسٌ شاب كأنه يحاول سدّ شقّ الخوف بالعقل "هذا مقزّزٌ للغاية" وقد رشح جبينُ المُلازم عرقًا باردًا، فكأن مجرّد رؤية الأم الحاضنة لوّث ذهنه
قمع فيك بقوةٍ رغبةً صاعدةً إلى حلقه في القيء، وتشنّفت كتفاه، وظهرت تحت جلد محجريه نقوشٌ قتاليةٌ حمراء قليلة
كانت تلك استجابةَ ضغطٍ من كبح إدراكه بإفراط
لكن فيك بقي هادئًا
وأصدر أمرًا قصيرًا خافتًا: "عوّلوا الإحداثيات، انسحبوا جميعًا، لا قِبَل لنا بها، يجب طلبُ الدعم"
أومأ المُلازم لمجرد سماع أمر فيك، وبدأ ينظّم الانسحاب
مسح فيكُ الفِرقةَ بعينيه وتأكد أن الجميع بدأوا التراجع، وهمّ بالانسحاب هو أيضًا
لكنّ الطارئ وقع في اللحظة التالية
توقّف مدّ الحشرات فجأةً دفعةً واحدة، كأن خيطًا خفيًا قد شُدّ فجأة
فرفعت تلك الحشودُ الجيف التي كانت منشغلةً بالنقل رؤوسَها جميعًا في آنٍ واحد
وكان تزامنُ حركاتهم لدرجةٍ تقشعرّ لها الأبدان، من غير أدنى تأخّر، كجيشٍ من الدمى يتحكّم فيه عقلٌ واحد
ثم حرّكوا رؤوسهم معًا وأصدروا أصواتَ احتكاكِ مفاصلَ عظمية، وأداروا نظراتِهم ببطءٍ نحو جهة فيك
في لحظةٍ تجمّد الهواء
لم تكن نيّة قتل
كانت نظرةً تتجاوز الحياة، كأن العشّ كله قد "حدّد" هدفَه
وكان فرسانُ النخبة كلّهم محاربين صقلتهم ساحاتُ القتال
لكن ما إن وقعت عليهم تلك النظراتُ المتزامنة كرقّاص ساعةٍ حتى خفق قلبُ كلٍّ منهم بقوّة، وجرت على ظهورهم عَرَقاتٌ باردة
وفي اللحظة التالية
أطلقت مدّ الحشرات الجيف كلّها طقطقاتٍ غريبة، كخلعِ عظام، أو كصوتِ انفراطِ فَقارٍ في العنق
ثم اندفعوا إلى الأمام
من غير إنذار، ومن غير إعداد
فقد انفصلت حشودُ الجيف المتشبّثة بسطح العشّ كالسيل، كجدارٍ من الجُثث ينهار، يهوي جماعةً بسلطان الجاذبية والإرادة
ثم تدحرجوا بمهارةٍ وقفزوا في الهواء، وانقضّوا على الفِرقة بحركاتٍ لا تنسجم مع بُنية جُثةٍ قط
لقد وقع الفرسان في حِمى صيدِ مدّ الحشرات
"انسحابٌ كامل أخرجوا الرسالة" زمجر فيك، فاهتزّ هواء الغابة الميت
وفي اللحظة التالية انفجرت قوّتُه القتالية
جرفت ألسنةٌ فضيّة رماديّة كلَّ حولها كعاصفة، واضطربت التياراتُ الهوائية، وتناثرت الأوراقُ اليابسة في كل مكان، فتوقّفت مدّ الحشراتِ المقتربة لحظةً
رفَّ جفنُ المُلازم كأنه فهم شيئًا، لكنه آثر الصمت في النهاية
شدّ الأفرادُ أسنانهم واستداروا وتراجعوا سريعًا من غير أن يتردّد أحد
أما الضوءُ الفضيّ من خلفهم فلم يَفِرّ معهم، ولم يُسمع إلا خيطٌ خافتٌ من هسيس الريح كأنه تمزيقُ قماش
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
انتهى الفصل
⚠️ تذكير مهم: هذه الرواية خيالية للتسلية فقط، فلا تجعل أحداثها أو مصطلحاتها تؤثر على عقيدتك أو إيمانك 🙏.
أنا بريء من محتوى القصة وما فيها من خيال، وقد بذلت جهدي لتغيير كل المصطلحات المخالفة ✨، فاعذرني إن بقيت كلمة لم أنتبه إليها 🌸.
🤲 المرجو الدعاء لي، والدعاء بالرحمة لوالدي 💐، وبالشفاء العاجل لوالدتي 💖، فهذا سيكون جزائي على الساعات التي قضيتها في ترجمة هذا الفصل وتنقيته من المخالفات الإسلامية 🌙.
📢 ندعو قرّاءنا الكرام القادرين إلى دعمنا ودعم فريق العمل من أجل الاستمرار في ترجمة الروايات بأفضل جودة ممكنة.
📚 بفضل دعمكم، سنواصل نشر 5 فصول يوميًا بشكل ثابت ✨، ومع كل 1 دولار من الدعم 💖 سنضيف فورًا 10 فصول إضافية 📖 إلى الرواية فوق الفصول اليومية المعتادة.
💳 الدعم يتم عبر PayPal للراغبين فقط، وهو غير إلزامي إطلاقًا. 🙏 نحن نبذل قصارى جهدنا لتقديم ترجمات دقيقة، خالية من المصطلحات الغريبة، لتكون مناسبة وملائمة للقراء المسلمين 🌙، وتصل إليكم بأبهى صورة 🌸.
💳 PayPal : https://www.paypal.me/Ahmed0Jebbari
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ