🌿 تنبيه وإهداء قبل القراءة 🌿
📿 اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
🕌 هذه الرواية للتسلية، فلا تجعلها تشغلك عن الصلاة
🕊️ اللهم انصر أهلنا في غزة، وفرّج كربهم، وداوِ جراحهم، وارفع عنهم الظلم
📖 "وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً" (سورة الروم، الآية 21)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لم تكن تباشير الفجر قد استيقظت بعد، وغطّى ضبابٌ خفيف عوارض قلعة المدّ الأحمر، وتدلّت قطرات الندى بين حجارة الفناء وأوراق الكرمة كأن العالم قد فتح عينًا واحدة للتو
لكن هذا اليوم لم يكن عاديًا
إنه يوم زفاف السيد العظيم لويس كالفن
كان الأفق ما يزال معتمًا، غير أن الساحة خارج القلعة كانت تضجّ بالناس
تجمّع الناس في جماعات صغيرة تلقائيًا، يكاد لا يحمل أحدهم سلاحًا، ولا يعلو صخب
ارتدى كثيرون أفضل ما لديهم من ثياب، وربط بعضهم «كتافات شمسٍ حمراء الظهر» التي طرزتها أيديهم بأنفسهم، وهي ألوان راية المدّ الأحمر
لا يُعرَف من بدأ ذلك، لكن العائلات أخذت تتقاطر بطعام «المباركة»
وضِعت قدورٌ من حساء السمك الطازج على أقمشةٍ ممدودة، وفي المرق يغلي الزنجبيل البري والفجل، تفوح منهما نكهةٌ طازجة
وبالقرب خبز قمحٍ خشن مجفف، وإلى جواره أطفالٌ يضمّون بقوة جرار نبيذ التوت، تعبق في الهواء حلاوةٌ برية ممزوجة بحموضةٍ خفيفة
لا صخب في الساحة كلها ولا استعجال
جلس الجمع في هدوء، بعضهم يتهامس، وبعضهم يحدّق serenely بنظراتٍ وادعة نحو قلعة المدّ الأحمر الشامخة
القلعة التي طالما رفعوا إليها أعينهم في أبرد ليالي الشتاء
لقد أشبعنا بطوننا في الشتاء وطرد البرابرة
إنه يتزوّج اليوم، لا بد أن نجيء لنبارك
كانت الأصوات خافتة، لكنها بدت كأنها تثير ألف موجة، تستدرّ إيماءاتٍ صامتة من الجميع
وكان ثمة من مسح دموعه خفية، امرأةٌ عجوز تلتحف شالًا خشنًا قديمًا، في وجهها أثرُ ريحٍ وصقيع
ابني—لو لم يقتله أهل الثلج العام الماضي لربما عاش ليرى هذا اليوم شبعان دافئًا. السيد العظيم أنقذنا
لم تُقلق كلماتها الكثيرين، ومن سمع جذب شالها برفق، وقدّم أحدهم حساءً ساخنًا، وساعدها آخر على الجلوس
ولكيلا يزعجوا السيد لم يصرخ أحد بصوت عالٍ، ولم يُنشِد أحد بصوت مرتفع
ومع ذلك بدا كأن كل المشاعر متكثفة في هذه النسمة الصيفية التي لم تستيقظ بعد
لم تكن الشمس قد طلعت، لكن «شمس» إقليم المدّ الأحمر كانت منذ زمنٍ قد اتخذت مكانها في قلوب الناس
خفَتت أجراس القلعة بعد الرنّة السابعة شيئًا فشيئًا
وأُغلِقت أبوابُ قاعة الوليمة المزدوجة في عمق البرج الرئيسي لقلعة المدّ الأحمر بهدوء، لتحجب ضجيج الخارج ودعوات الناس
كان النظر من العتبة إلى الداخل كأنك تخطو إلى عالمٍ آخر
على السقف العالي المقبّب لوّح علمان كبيران مع النسيم
يتوهّج هلال أسرة كالفن بحرارةٍ متقدة، فيما يبدو نسر أسرة إدموند الفضي كأنّه يوشك أن يطير، يتجاوب أحدهما مع الآخر، وينسجان على سقف القاعة ضياءً مجيدًا لتحالفٍ نبيل
اصطفت الشمعدانات في كل مكان، وهي جميعًا من برونز الشمال التقليدي المرتفع القوائم، تلظى نيرانها بلطفٍ وثبات، تمتزج بضوء الصباح المتسلّل من النوافذ، فتلقي على الجدران والأعلام سكينةً مكرّمة
أما نرجس الجرس الأزرق واللويزة البيضاء وورود الجليد—التي اختيرت في ثلاث جولاتٍ برعاية نقابة التجار النبلاء—فقد نُسجت بمهارة في قواعد الزهور وزينة الموائد
تتهدّل الجلاجل الزرقاء كأنها نسيم الصباح، وتنتصب اللويزة البيضاء، وتتألّق ورود الجليد كأنها صقيع وثلج انصهر للتو؛ لم تُختر للتفاخر، بل للتذكير—بالوفاء والثبات والشرف
كل ذلك، من الأعلام المتدلّية من علياء السقف إلى تخطيط كل شبر من الرُّقُم الكلسية على السجادة الحمراء
ومن انتقاء الزهور إلى ارتفاع الشمعدانات ومواضعها، وحتى زاوية الضوء الداخل إلى القاعة
وليس هذا فحسب، فكل تفصيلةٍ في المكان تُظهِر احترام أسرة كالفن للتقاليد من غير إسراف
هذه الترتيبات جعلت الضيوف يُخفون أنفاسهم ويُلينون خُطاهم ما إن يعبروا المدخل
وكل ذلك بفضل تصميم برادلي وترتيبه بنفسه
هذا الشيخ كبيرُ خدم أسرة كالفن، ومدير شؤون البرج الرئيسي للمدّ الأحمر، ظلّ منهمكًا لأكثر من شهر
كل ذلك من أجل إتمام هذه اللحظة على أكمل وجه
لم يكن في صدر القاعة، ولا تحت الأضواء
لكن أنفاس هذا الزفاف وإيقاعه في كل تفصيل تحمل لمساته وإيمانه
كان الضيوف قد أخذوا أماكنهم، وخيّم الصمت على قاعة الزفاف
وفي المقعدين الأماميين جلس رجلٌ وامرأة باستقامة
الأول حاكم الإقليم الشمالي، الوزير الإمبراطوري الرفيع، الدوق إدموند
يرتدي عباءةً احتفالية سوداء وفضية، وتنسدل على كتفيه رداءُ نسرٍ فضي، عيناه كعيني نسرٍ نصف مغمضتين، ووجهه صارم مهيب كتمثالٍ من حجر
وقد ترك اليوم كل مهامه ليأتي إلى المدّ الأحمر بنفسه، أبًا
فتح إدموند عينيه على مهل، ولمع في نظر النسر تلك لمحة رقيقة تكاد لا تُرى
وذاك التعبير يشدّ الزمن إلى ما قبل أكثر من عشر سنوات
في ذلك الوقت كانت إميلي إدموند الصغيرة ترتدي رداءً أصفرَ بلون الإوز، تطارد النسور في الثلج جاريةً ساقطةً ثم تصرخ: «أبي انظر ماذا أمسكت»
وها هي في طرفة عين تتزوّج، ما ملأه بمشاعر شتّى
المرأة إلى جواره هي الدوقة إلينا، زوجة الأب لإميلي إدموند
طالما كانت وقورة هادئة، بطبعٍ نبيلٍ فِطري، لكنها في هذه اللحظة كانت تقبض بشدة على منديلٍ أبيض مطرّز، وقد شحبت عقد أصابعها قليلًا
حدّقت إلينا في الشابة التي ستظهر عند نهاية السجادة الحمراء، واحمرّت عيناها وارتجفت شفتاها كأنها تكبح دفقًا من الشعور
تذكّرت صوت الصغيرة حين نادتها أول مرة «أمي»
وتذكّرتها حين لفّها الحمى في منتصف الليل، وهي تمسك يدها الصغيرة وتُسقيها الدواء ملعقةً ملعقة
وتذكّرت كيف علّمتها ارتداء الثوب، وكيف لقّنتها أول رقصة، وتذكّرت ابتسامتها تحت الشمس
وها هي تتزوّج الآن
أخذت إلينا نفسًا عميقًا وخفضت رأسها لتخفي رطوبة العينين
ولم تكن تدري أنّ إميلي كانت قد اختلست إليها نظرةً من النافذة
تلك النظرة حوت إلى جانب الامتنان شعورًا عميقًا بصعوبة الفراق
كان هذا الزفاف بالنسبة إلى إميلي إدموند ليس شرفًا وعائلةً فحسب، بل أحد أهم وداعات حياتها
جلست سائرُ أفراد أسرة إدموند وأتباعها في الصفوف الخلفية وفق النسب والآداب
كونتات وبارونات ونبلاء إقطاعيون، ربما لم يعرفوا أسرة كالفن جيدًا ولا لويس
لكنهم اليوم، بوصفهم من آل إدموند، لا بد أن يشهدوا هذا التحالف الذي قرره ربُّهم بنفسه
لم ترسل أسرة كالفن وفدًا كبيرًا إلى الشمال البعيد، فالمقاطعة الجنوبية الشرقية والمدّ الأحمر تفصل بينهما آلاف الأميال
وفي النهاية حضر الأخوان الأكبران، بال وويلِس، وقد أصبحا نبلاء مُقدِّمين في الشمال، ومعهما الأخ الثالث إدواردو ممثلًا عن أبيهم
كان إدواردو متماسك الملامح، مستقيم الهيئة، كأنه ضيفٌ يتأمل الطقس فحسب
يبتسم ظاهرًا، لكن باله كان قد فارق مراسم الزفاف
لقد أثار ذكر لويس ليلة أمس لـ «مدّ الحشرات» اهتمامه وأيقظ حذره بوصفه مبعوثَ كنيسة، وربما كان ذلك ذا صلة بمهمته. أما بال فكان أكثر تعقيدًا، يحمل نظرُه دومًا غيرةً ونفورًا
غار من مجد لويس اليوم، ولم يجد في نفسه كلامًا عن خسارته وتراجع سلطته
وعلى النقيض بدا ويلِس أكثر راحة
لقد فرح حقًا لأجل لويس، فالأخ الأصغر أغاثه مرارًا بعونٍ ملموس
وساعد إقطاعه كذلك على أن يثبت أقدامه في الشمال
وأُرسل بعض النبلاء ذوي القرابة الجانبية لأسرة كالفن في الشمال «لملء المقاعد»، ومعظمهم وجوهٌ ثانوية
كانوا مُجِلّين ظاهرًا، لكن لكلٍّ حساباته في داخله
فكلما علا مجد لويس ممثل أسرة كالفن في الشمال زادت مكاسبهم في الغد
كانت المراسم على وشك البدء، ووقف كاهنٌ برداءٍ احتفالي مُطرّز بخيوط الذهب ساكنًا أمام المنصة
إنه أحد أعلى الكهنة رتبةً في الإقليم الشمالي، ملامحه وقورة، ويداه مشبوكتان أمامه، كأنه عهدٌ قديم مختومٌ في تمثالٍ مكرّم
لم يجسر أحد على إصدار صوت، حتى سقوط دبوسٍ يمكن أن يُسمع واضحًا في هذا السكون
وتدفّقت الموسيقى بهدوء
خرجت أنغامٌ رقيقة من القاعة الجانبية، أولًا بضعُ نقراتٍ واطئة على الأوتار، كأول آثارِ قدمٍ على الثلج
ثم انضمّ مزمار القبائل ذوات القمر الجليدي بنبرته الموغلة في القدم، كريح الشمال تدور حول القمم
كانت تلك فرقةً مشتركة بين قلعة المدّ الأحمر وقبيلة القمر الجليدي، تقدّم مقطوعة احتفاء أُعدّت خصيصًا لليوم
وقيل إنهم قضوا شهرين كاملين في التدريبات لمزج هذا «اللحن بين الجنوب والشمال»
والآن، وبينما يُعزفون، بدت القاعة كلها كأن شقًّا في الزمان والمكان قد شطرها، فالتقت أمواج الجنوب وصقيع الشمال لحظاتٍ في النغم
فتح الكاهن عينَيه ورفع نظره نحو الباب الكبير
لقد آن لبطلي الحفل أن يدخلا
توقّفت الموسيقى رويدًا رويدًا، كسكون كل الأصوات في عاصفة ثلجية
ثم علت من جانبي القاعة أصوات الأبواق العذبة كأجراس صباح ومساء
وكانت العروس أول الظهور
دخلت إميلي إدموند القاعة ببطء، ترتدي ثوب زفافٍ أبيض عاجي، تلامس ذيلَه الأرض كموجةِ ثلجٍ وديعة، وكل خطوة كأنها تمشي على ضوء الصباح
كانت عباءتها المطرّزة بخيوطٍ منسوجة في الشمال تشعّ بلمعانٍ فضي، كأن مجرى نهرٍ نجميٍّ ينسدل على كتفيها، يهتزّ مع خطاها، حتى إن النسيم بدا كأنه يحبس أنفاسه
كان نصف وجهها محجوبًا بطرحة، ومن خلال القماش الخفيف تُرى عيناها ترتجفان كتموّج لطيف على صفحة بحيرة، تُخفيان بعض التوتر وفرحًا لا يُقال
وعلى عنقها قلادةٌ فضية قديمة الطراز مصقولة اللمعان، آخر جُمانٍ خلّفته أمّها
تستقر على بشرتها كحارسٍ صامت
رفعت عينيها على سجيةٍ إلى الحضور
جلس الدوق إدموند في مقعده بملامح ثابتة لا تضطرب
ومسحت الدوقة إلينا دموعها برفق، ونظرتها مفعمة بالحنان
توقفت نظرة إميلي عندهما لحظةً، وفاضت الدموع في عينيها على غير إرادة
عضّت شفتها السفلى، تحاول ألا تدع الدمع ينحدر
فاليوم يوم زفافها، وليس يوم حنينٍ ولا وداع
ثم فُتِح الباب الكبير في الطرف الآخر من القاعة على مهل
وتحت أنظار الجميع دخل لويس كالفن القاعة
كان يرتدي بزةً احتفالية شمالية معدَّلة، سوادُها العميق هادئٌ كتووم يجعل قامته أمتن
وعلى صدره شارتان فضيتان، هلال أسرة كالفن، وشمس المدّ الأحمر المميَّزة، علامة على مكانته ممثلًا تامّ الصلاحية لأسرة كالفن في شمال الإمبراطورية
ونسج على كتفيه رداءٌ أحمر وذهبي، ومن غير سيفٍ، ومع ذلك يشعّ منه وقعٌ قارس
لا جواهر فاخرة، ولا زخارف ذهبية مزركشة
غير أنه بنفسه كالسيف الطويل المغمود، قائمٌ ساكن، حدّتُه غيرُ ظاهرة، ولا أحد يجرؤ على الاستهانة به
كانت خطى لويس ثابتة رزينة، وجال بصره على ضيوف القاعة، لكنه لما وقع على العروس في الطرف الآخر توقّف لا شعوريًا
بدا ثوب الزفاف كأنه صيغ لها خصيصًا
وتلك العينان، وذلك الوقوف، كضوءٍ دافئٍ يزهر فجأة في ليلٍ مثلّج
ومزيجُ الابتسامة والدموع خلف الطرحة جعله يتيه للحظة
جميلة حقًا قالها في نفسه
وعلى الجانب الآخر شقّت نظرةُ إميلي الزحام وحطّت على الرجل في البزة الاحتفالية السائر نحوها، فارتجف قلبها رجفةً وادعة
رداءٌ أسود، وزيٌّ منضبط، وعينان حازمتان كأنهما تخترقان الريح والثلج
منذ لقائها الأول بلويس شعرت أنه ليس وسيمًا فحسب، بل فيه سحرٌ لا يوصف
كضوءٍ لا يُبهِر
كالشمس، حضورٌ يبعث الطمأنينة
يا للمفاجأة، هو أوْسَم مما تخيلت همست لنفسها، وفرّت ابتسامةٌ بطيئة على شفتيها
بإشارةٍ من الكاهن، مشى الاثنان أحدهما نحو الآخر خطوةً بعد خطوة، حتى التقيا ببطءٍ في وسط القاعة، واقفين متقابلين
وفي هذه اللحظة بدت الموسيقى والبركات كأنها توقفت بينهما، وباتت القاعة كلها لا تحتفظ إلا بهذين الاثنين. لقد أوشكت المراسم على البدء
وبإيماءةٍ أخرى من الكاهن سار لويس كالفن وإميلي إدموند جنبًا إلى جنب نحو وسط القاعة
وقع خطواتهما متناظر، كأنهما صورتان في مرآة، تنزل كل خطوةٍ على إيقاع الموسيقى، بوقارٍ وسكينة
وحين التقيا أخيرًا ووقفا متقابلين خيّم هدوءٌ مفاجئ
سواء الموسيقى أو البخور أو الضيوف أو الأضواء الملونة الدائرة فوق الرؤوس، كل ذلك بدا كأنه توقف برفقٍ بقوةٍ لا تُرى
وبقي الاثنان وحدهما
رفع الكاهن صولجانًا منقوشًا بنقش التنين، وجهر صوته العريق الوقور في القاعة العالية
بشهادة سلف التنين، وأمام الجميع، سيؤدي العروسان ثلاثة عهود
العهد الأول، عهد العائلة
هل ترضيان أن تحفظا شرف دمكما، وتُساندا شريككما، وتسعيا معًا لازدهار أسرتكما
مدّ لويس يده اليمنى وأخذ يد إميلي تحت الطرحة، وكانت دِفء راحة يدها مطمئنًا وثابتًا
ونظر في عينيها وقال بصوتٍ راسخ أنا راضٍ
لم يتردّد ولم يتلكأ، وإن لم تثر في داخله عواطف كبيرة
لم يكن يكرهها، لكنه لم يكن يعرفها جيدًا
إميلي إدموند اسمٌ بالغ الأهمية سياسيًا، لكن عاطفيًا هذا لقاؤهما الثاني فقط
إنه زواجٌ سياسي
وقد فهم جوهر هذا الزواج من قبل
ومع ذلك نطق العهد بإيمان
نظرت إليه إميلي وأخذت نفسًا رقيقًا
وأنا راضية
ارتجف صوتها قليلًا لكنه كان واضحًا. لقد استعدّت طويلاً لهذا اليوم
ومنذ أن علمت بأنها ستتزوّج في إقليم المدّ الأحمر أدركت أنها تُرسَل لا بوصفها «ابنة» أو «سيدة نبيلة» فحسب، بل بوصفها «زوجة» و«سيدة الإقليم القادمة»
ولا مجال للضعف
لكن فخر عيني والديها، ووصايا أمها بالتبني الهادئة، وآدابُ السلك التي درستها ليلًا ونهارًا، ثم تصوّراتها عن الغد
في هذه اللحظة هاجت من قلبها كمدٍّ يكاد يغمرها
خفضت رأسها لتُخفي دموعًا تسيل بصمت في طرف العين
العهد الثاني، عهد الإمبراطورية
هل ترضيان الولاء للإمبراطورية، والالتزام بقوانينها، وألا تخوناها
أنا راضٍ قالها لويس من غير تردد
وأنا راضية قبضت إميلي على طرف ثوبها. كانت تعلم أن هذا العهد هو ما يصلها بأسرتها، وهو كذلك العتبة الثانية إلى عالمها الجديد
العهد الثالث، عهد المعتقد
هل ترضيان أن تتخذا سلف التنين هاديًا، وأن تسيرا يدًا بيد في النور والشدة
أنا راضٍ
وأنا راضية
لمع الدمع في عيني إميلي تحت الطرحة بوميضٍ خافت، لكنها لم تعد تتوارى
وهكذا اكتملت العهود الثلاثة
وأعلن الكاهن بوقار
باسم سلف التنين، تتشابك أقدارُكما من هذا اليوم، فقد شدّت سلاسلُ الدم والمعتقد بينكما رباطًا وثيقًا
انطلقت التصفيقات، وتناثرت قصاصاتٌ ملوّنة كأنها ثلج
ولمس الصولجان المنقوش بالتنين بينهما لمسةً خفيفة، فتلألأ الشعار المكرم المتداخل الأبيض الذهبي والأحمر الذهبي وميضًا خافتًا، كأن بركةً عظمى من كائنٍ قديم قد أُسبغت
ارتجفت إميلي قليلًا، شاعرةً بدفءٍ يقع على جبينها كأنه نُقِش في أغوار مصيرها
وفي الصف الأمامي مسحت الدوقة إلينا دموعها بخشوع، وما إن لامست أطراف أصابعها الدمع حتى استعادت بسرعةٍ سكينةَ النبيلة المعهودة
ونظرت إلى ظهر ابنتها وقد غدا كأنه أشد نضجًا، فتسرّب إلى قلبها شعورٌ غريب بخفةٍ في الروح
ليس حزنًا، بل تمامُ أمٍّ تدفع فرخًا قوي الجناحين إلى السماء
جلس الدوق إدموند إلى جانبها بملامح لا تزال راسخة كما هي
حتى في مثل هذا الموقف بقي الوزير الإمبراطوري الرزين الذي لا يضطرب
غير أنه حين أدّت إميلي عهودها رسميًا ومضت في عينيه لمحةُ نورٍ ليّن
وعلى الجانب الآخر اتكأ بال كالفن إلى الخلف وقد أظلم وجهه
عضّ على أضراسه، لكنه أرغم نفسه على الحفاظ على ابتسامةٍ يليق أن يُظهرها النبيل، وإن بدت أقرب إلى سخرية
إنه زواجٌ سياسي لا أكثر، ولن تحبه حقًا تمتم ساخرًا نصفَ سخرية، ونصفَ امتعاض
لم يستسغ أن الأخ الذي كان يُهمَل قد صار اليوم يتزوّج أزهرَ فتيات الشمال
يا لضياع زهرةٍ جميلة واسى نفسه
وباكتمال العهود انتقلت المراسم إلى طور الاحتفال
أولًا «تتويج الشعار»
وضع الكاهن الشعار المزدوج الحلقات، رمز اتحاد الزوجين، على كتفَي العروسين، وقد نُقش عليه جناحا تنين وشمسٌ مشرقة، إشارةً إلى المعتقد والمستقبل
جثا لويس على ركبةٍ واحدة وتسلّم الشعار، ثم نهض وثبّته بنفسه على كتف إميلي إدموند
عندها اتسعت عينا إميلي قليلًا، كانت حركاته خفيفة، وقد مست أطراف أصابعه خصلات الشعر عند عنقها، رقةٌ لا تكاد تُرى أوقفت قلبها لحظة
إنه يؤدي كل تفصيلٍ بعناية
ثم جاء دور «نبيذ العهد»، أمسكا معًا بكأسٍ فضية وقدّم كلٌّ منهما للآخر نبيذًا مختمرًا في موطنه
سكب لها لويس نبيذ إقليم المدّ الأحمر، كان صافياً لكن مذاقه حارٌّ كريحٍ صرصرٍ في ليلةٍ باردة
راقبها وهي تشرب وابتسم قليلًا يمكنكِ أن تستبدليه بالماء إن لم تعتاديه
بل أعجبني قالت إميلي همسًا وقد ضاق حلقها قليلًا
كانت جادّة
النبيذ قوي، لكنه مفعمٌ بوضوحٍ ومباشرةٍ فريدة، من طبع الشمال، يشبهه هو—قليل الكلام، لكنه يترك أثرًا عميقًا دائمًا
ثم عزفت موسيقى البلاط «أنشودة مديح»
تقدّم شاعرُ البلاط إلى وسط القاعة يتلو مختاراتٍ من قصائد تواريخ الإمبراطورية، يثني فيها على مجد سلف التنين وفرح اقتران الزوجين الجديدين
انسابت الأغنية كالماء وتداخلت، كأن التاريخ يتراكب في هذه اللحظة، ويُكتب زواجُ هذه الأسرة النبيلة الجديدة في فصول الإمبراطورية المتصلة
ثم جاء وقت المأدبة
تبدّلت الألوان، ودارت الصحون الفضية، وارتفع بخار العطر. نهض النبلاء واحدًا تلو آخر يرفعون كؤوس التهنئة للعروسين، تعلو التبريكات وتتناثر رنّات الأكواب
وعلى المائدة الطويلة
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
انتهى الفصل
⚠️ تذكير مهم: هذه الرواية خيالية للتسلية فقط، فلا تجعل أحداثها أو مصطلحاتها تؤثر على عقيدتك أو إيمانك 🙏.
أنا بريء من محتوى القصة وما فيها من خيال، وقد بذلت جهدي لتغيير كل المصطلحات المخالفة ✨، فاعذرني إن بقيت كلمة لم أنتبه إليها 🌸.
🤲 المرجو الدعاء لي، والدعاء بالرحمة لوالدي 💐، وبالشفاء العاجل لوالدتي 💖، فهذا سيكون جزائي على الساعات التي قضيتها في ترجمة هذا الفصل وتنقيته من المخالفات الإسلامية 🌙.
📢 ندعو قرّاءنا الكرام القادرين إلى دعمنا ودعم فريق العمل من أجل الاستمرار في ترجمة الروايات بأفضل جودة ممكنة.
📚 بفضل دعمكم، سنواصل نشر 5 فصول يوميًا بشكل ثابت ✨، ومع كل 1 دولار من الدعم 💖 سنضيف فورًا 10 فصول إضافية 📖 إلى الرواية فوق الفصول اليومية المعتادة.
💳 الدعم يتم عبر PayPal للراغبين فقط، وهو غير إلزامي إطلاقًا. 🙏 نحن نبذل قصارى جهدنا لتقديم ترجمات دقيقة، خالية من المصطلحات الغريبة، لتكون مناسبة وملائمة للقراء المسلمين 🌙، وتصل إليكم بأبهى صورة 🌸.
💳 PayPal : https://www.paypal.me/Ahmed0Jebbari
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ