......... في الجامعة ....... قسم الهندسة .....

سار هارو بخمول يقدم قدما ويؤخر أخرى وهو يفكر كيف سيتدبر أمر المشروع، أخرج هاتفه من جيب بنطاله الخلفي وقال وهو يعض أنامله بتوتر:

-أرجوك أجب عن هاتفك.. أرجوووك!!

ثم أطلق بضع شتائم بعد أن انتهت مدة رنين المكالمة ساخطا على إنجي ..

ما كاد أن يرفع ناظريه عن هاتفه حتى بدت له فتاة حسناء ممشوقة القوام بشعر أسود حريري طويل يصل إلى وسط ظهرها مع ملامح آسيوية حادة، هي ليست بريئة كما عهد عن الوجوه الآسيوية ذات الطابع الطفولي، ترتدي ثياب بسيطة لكنها أنيقة في نفس الوقت مع حذاء بكعب عالي..

بسطت يدها لتصافحه قائلة:

-أهلا.. أنت ساساكي أليس كذلك؟

رد هارو ببلادة:

-اه نعم أنا ساساكي هارو -ثم انتبه ليدها الممدودة للتحية فأسرع بمصافحتها -

ابتسمت ابتسامة عصبية وقالت:

-أنت أخ هانا.. ربما لا تتذكرني.. لكن والدي يعمل عند الرئيس.

تجمد الدم في عروق هارو ثم اعتلت وجهه نظرة جادة في حين تبخرت كل معالم البلاهة المعهودة عنه وقال بصيغة آمرة:

-ماذا عنه؟! ألن يدعني وشأني!!

أجابت الفتاة بلهجة المرؤوسين:

-حسنا الرئيس قل بشأن الوريث.. لكن لا علاقة لوجودي هنا اليوم بذلك..

هارو: -ثم ماذا؟

الفتاة بآلية وكأنها روبوت: -إنه بشأن المشروع.. -سكتت قليلا ثم أضافت- ألم تطلب من هانا أن أنجزه بدلا عنك؟

تذكر هارو محادثته مع أخته ثم قال وكأنه أحصى شيئا بصعوبة:

-ااا أنت ذلك اليوكي الذي تحدثت عنه أختي -سرعان ما اعتلت وجهه ملامح ودية وأكمل كلامه- كان عليك أن تقولي هذا من البداية...

الفتاة:

- إنه كيوكو ... ناتسكي كيوكو ... حسبت أنك تعلم...

هارو: -أختي أخبرتني أن سنباي من نوع ما سيتكفل بالمشروع .. ااا في الواقع ظننت أنك شاب ... لم أتوقع أبدا أن تكوني فتاة من مرؤوسي والدي.

ردت كيوكو بامتعاض:

-شاب؟؟ -ثم عادت لنبرتها الآلية المعهودة- لا تقلق فهانا تدعم قرارك، وقد طلبت مساعدتي بحسن نية فقط لأننا في نفس التخصص.

قال هارو مستفزا كيوكو:

-وهل قدمت للدراسة هنا لسبب ما.. مثلا لأنك معجبة بي -رفع شعره ليدخل أصابعه فيه متفاخرا-

كيوكو ببرود: - هل تظن أنك محور الكون أو شيئ من هذا القبيل... كيف أتبعك إلى هنا بينما أكون قد تخرجت بالفعل..

فغر هارو فاه من الصدمة قائلا:

-م..م..ماذا؟ تخرج!! تخرج ماذا!!! لابد أنك تقصدين الثانوية..

تمتمت كيوكو: -مسكينة هانا مضطرة للعيش معه حتى هنا..

هارو: -هاااي هل نسيتي أخلاق.. أنا عمليا ابن رئيسك أي رئيسك القادم.

كيوكو بنفاذ صبر: -نعم نعم الرئيس الذي تخلى عن منصبه وفر هاربا... ثم ماذا عن أخلاقك في احترام السينباي الخاصين بك..

ضغط هارو على أسنانه بغضب لكن يبدو أنها محقة في ما قالته، ثم برقت في عقله فكرة أنها سينباي قد تخرجت بالفعل... هو يحتاجها بصفه ولا طائل من التجادل معها .. فكر *حسنا لنكن وديعين.. على الأقل حتى تشرح لي المشروع*

-حسنا اعتذر.. إذن ماذا عن المشروع؟

كيوكو: -إنه جاهز بالطبع، أين صديقك؟

سؤال كيوكو أخرج الأفكار التي كان هارو يتجاهلها وبين فينة وأخرى اكتأب!!

قال بحزن: -أي صديق أنا لم أحض بصديق أبدا

كيوكو: ؟؟؟ خطأي إذن لنعدلها أين زميلك في المشروع؟

رغم أن كيوكو تعمل حاليا في كندا، ورغم أنها ابتعدت عن اليابان إلا أن طبيعتها المتحجرة وردود فعلها الآلية لم تختف لمجرد تغيير بيئتها، من الصعب تغيير ما كبرت عليه.. وهي كبرت كمرؤوس بارد مما جعلها معتادة على التعامل مع مزاجية أطفال الرئيس المدللين..

وقفت الفتاة باستقامة أمام هارو منتظرة انتهاء فترة اكتآبه.. ثم قالت:

-هارو أتعلم... في الشركة التي أعمل بها هناك الكثير من المعجبات بك ..

حدق هارو بها بدون تعابير فأكملت:

-هل تعلم ما يتحدثن به عنك؟

لم يستطع أن يخفي فضوله وكذا آذانه وأنفه التي طالت فخرا وتفاخرا:

-لا أهتم

تجاهلت كيوكو كلامه وأكملت:

-يقولون أنك فتى وسيم قوي وشجاع ولد بملعقة ألماسية وليس ذهبية فقط -ثم قالت بحماس مصطنع لن ينخدع له إلا معتوه- ومع هذا..

ردد هارو وراءها: ومع هذا!!

أكملت: ومع هذا اخترت طريقك الخاص.. متخليا عن جبال مكدسة من الأموال.. الفتيات يرين هذا جذابا جدا *في الواقع هو أمر طفولي جدا*

استعاد هارو نشاطه في لمح البصر قائلا:

-بالضبط، لن أدع الشيطانة ومنزل اليوكاي يفسدان حياتي -نظر للأعلى بشموخ- أنا هنا لأكتب مجدي

صفقت كيوكو برتابة: ياااي هذه هي الروح الرياضية

تساءلت *ما الذي يقصده باليوكاي.. أليس هذا محرجا.. لكن من الجيد أن الأجانب لا يعلمون أن اليوكاي في اليابانية هي الأشباح من الأساطير*

كيوكو: -على كل حال، هذا القرص يحتوي المشروع، راجعه من فضلك ... ثم حدد موعدا معي عندما تجد صديقك الضائع.

هارو: -ااه طبعا شكرا سينباي ناتسكي.

ابتسمت لأول مرة بلطف ثم قالت وهي تتراجع إلى الخلف:

-لقد تأخرت عن عملي حسنا إذن أراك لاحقا ..

أضفت وهي تهرول مبتعدة: -أوصل سلامي لهانا وأخبرها أنني ممتنة للهدية.

لوح هارو بيده مودعا إياها

-أي هدية هذه؟!

..........في الحديقة أمام المشفى.........

جلس يوليوس في مقعد تحت شجرة قيقب عتيقة تنتشر أوراقها كبساط برتقالي وبني وفير... تأمل يوليوس المنظر محدقا لباب المشفى، فقد كان ينتظر أحدهم وهو غارق تماما في أفكاره ...

ظهر الشخص الموعود، خرج من الباب وفي يده كوب قهوة مثلج، مشى بخطوات سريعة مرحة مسلما على هذا وذاك..

فقط النظر لوجهه يسبب ألما في الجهاز الهضمي ليوليوس.. يوليوس يمقت إيريك أكثر من أي شيئ على وجه البسيطة، يتمنى لو أنه ينهض صباحا في يوم صحو مشرق ليجد أن ذلك الشاب المتعجرف اختفى.. لا هو لا يريد حتى أن يتذكر وجوده....

جلس إيريك بجانب يوليوس متململا على الكرسي أخفض نظاراته قليلا ثم قال:

-الجو جميل حقا... لنقل كان الجو جميلا جدا حتى رأيا وجهك الذي يسد النفس على قول أم إنجي

يوليوس *صدقني شعور متبادل*

أكمل إيريك دون حتى أن يلتفت إلى جانب يوليوس:

-ما الذي تفعله بالجلوس هنا؟ هل أذنت لك أن تجلس؟ لا أتذكر أنني فعلت!!

نهض يوليوس على مضض ثم وقف على جانب لا يراه فيه إيريك إلا أنه ورغم محاولاته الجاهدة -لكبح جماح استياؤه وغضبه المتراكم من عائلة إنجي وصداع الرأس إيريك- إلا أنه أطلق صوتا استهجانيا: -تسك

إيريك: -تسك؟؟ تسككك؟؟؟؟

قفز إيريك من مكانه ثم مد ذراعيه وخصره وقف لثواني ثم أخذ كوب القهوة وأفرغه على رأس يوليوس حتى آخر قطرة.

القهوة الباردة التي انسكبت على جسد يوليوس جعلته يحس بأن الدخان يخرج من أذنيه غضبا.. كان حرفيا يستشيط غضبا ومع هذا أرخى جسده وكتم غضبه.. عض لسانه حتى سأل دمه وشد قبضيته حلف ظهره حتى أوشكت عروق يده على الانفجار.

ابتسم إيريك بسخرية قائلا:

-يجب أن تتذكر دائما مكانتك... تماما هكذا ك@$%@ لعينة...

ثم أضاف: -ما الذي حدث البارحة

شرح يوليوس كل ما حدث بكلمات دقيقة وكأنه يقدم تقريرا موضوعيا لرئيس عمله، كان ايريك مصغيا لكل حرف يقوله الآخر.

-هل أنت متأكد أنها ردت على الهاتف بعد أن توقف عن الرنين؟

يوليوس: -نعم هارو أيضا سمعه.

برزت العروق بجبين إيريك ليصرخ: -كيف سمحت له بذلك..

يوليوس: -وكيف أمنع ذلك

سحب إيريك يوليوس من ياقة قميصه غاضبا:

-تركت هارو ينتبه للهاتف.. ثم جعلت إنجي تفقد الوعي .. والآن تقول متبجحا "كيف أمنع ذلك"

بدى وكأن يوليوس يتنفس بصعوبة فطرحه إيريك أرضا ثم أكمل:

-إن لم ترد استبدالك فقم بعملك بدقة.. أيها النسخة الرخيصة.

التقط يوليوس أنفاسه بصعوبة قائلا:

-ماذا عن إنجي؟

رد ايريك دون أن يلتفت ثم ألقى المنديل الذي مسح يده على وجه يوليوس:

-نظف المكان.. لا أريد أن أرى قطرة واحدة على الأوراق .. -ثم ابتسم بمكر- ألقها بعيدا كما سأفعل بك.

2024/09/08 · 10 مشاهدة · 1149 كلمة
Moon light
نادي الروايات - 2024