. في مقهى قريب من كلية الطب التقى يوليوس وهارو بهانا وانجي جلسوا جميعا قرب النافذة المطلة على الشرفة، الجو جميل رغم البرودة الشديدة.
تقدم هارو وهو يحمل ثلاثة أكواب من الشوكولا الساخنة وكوبا واحدا من العصير المجمد، وضعها بسرعة على الطاولة قائلا:
-كنت اسمع بالتناقض ولكنني الآن اعيشه فعليا!! يدي تجمدت والأخرى احترقت!! -أردف ناظرا إلى إنجي- ثم من المخلوق العاقل الذي يطلب عصيرا مجمدا في عز الشتاء؟
رشفت إنجي من عصيرها دون أن تعيره أي اهتمام ما أثار حنقه أكثر وما زاده إحراجا هو شماتة أخته وصديقه المقرب..
هانا: إذن يوليوس ما الذي أردت مناقشته هنا؟
يوليوس: ؟؟؟؟؟؟؟ ثم نظر لهارو نظرة ذات معنى
هارو بارتباك: ااااااا كان لا بد من الحيلة يا صديقي
هانا: أخي ليس عليك أن تكذب حتى تطلبني
إنجي بلامبالاة: فالواقع يجب عليه ذلك
هارو: .......
هارو: حسنا فالواقع ... اممممم.... الأمر وما فيه... ااااااا كيف اصيغ الأمر ...
إنجي: هل تم تسريب فضائحك للعلن؟ أم أن إحدى الفتيات رفضتك مجددا؟
هارو محرجا: اوي اوووي رويدك لا تقفزي للاستنتاجات، ثم من تجرأ على رفض هذا الوسيم الجذاب العبقري
إنجي بشفقة: تسك تسك
تنحنح هارو مداريا إحراجه ثم أكمل: في الواقع لقد اشتقت لرون وأريد...
قاطعته إنجي: يععععع
هارو: $@^#
@
رمقه يوليوس بنظرة ثاقبة جعلته يبتلع ريقه ويقول محتجا: هاااي لم أفعل شيئا هي من تستمر باستفزازي
يوليوس: هذا طبيعي .. أنت لم نقل جملة مفيدة منذ اجتمعنا.
هارو: لتتكلم أنت إذن أيها الفصيح
يوليوس: إنجي فالواقع هارو يريد خدمة من أخيك رون، فيما يتعلق ببرمجة موقع إلكتروني خاص بمشروع للكلية، وهو يتساءل ان كان بإمكانك أن تطلبي ذلك من أخاك ...... -سكت قليلا ثم أكمل- إذا كان هناك أي مشكل أو حرج فلا تكلميه ، يستطيع هارو تدبر أمره وحده.
سكن هارو في مكانه متعجبا من صديقه.. ما بال هذا الوغد؟ لماذا يتحدث وكأن المشروع مشروعي وحدي؟ ثم ما سر هذه اللباقة والايتيكيت وأنا لا يستعمل معي سوى لغة الركلات واللكمات؟ هل أنا كيس ملاكمة مثلا؟ أيا يكن لنتحمل ثقل دمه حاليا.. لا أريد أن أخسر الصفقة بسبب انفعال لا داعي له.
إنجي -بمكر-: همممممم ماالذي سأحصل عليه في المقابل ؟
هارو: على كبدي سأعطيك قلبي أو دمي ايا يكن .. فقط هذه المرة ولن أجرأ على ذكر اسمك حتى.
إنحي: لنرى سعر الأعضاء الداخلية أولا ثم نختر اثنين فقط، أحتاج لأن أدع البعض لك.
هارو: يا لكرمك
إنجي: من يدري ربما أقع في أزمة مالية مستقبلا
هانا: لا تقلقي سأكون بجانبك وسأدعمك دائما
هارو: أنا مش زعلان لا كده كده أنا حيوان
يوليوس: لا تهن الحيوانات ..
إنجي: في الواقع رون سيسافر هذه الأيام لذا لن يستطيع أن يساعدك .
هارو: اه أرى ذلك ..
ثم استوعب فجأة ما قالته ، اشاح بنظره مصدوما وقال:
-هاااا كيف؟ ثم ماذا نفعل يوليوس ؟
يوليوس: لماذا أنت يائس لهذه الدرجة، ليس سوى مشروع واحد بعد كل شيء
هارو: اللعنة عليك وعلى إهمالك.. أتساءل كيف نجحت بالضبط.
يوليوس: للأسف أنا من أوائل الدفعة..
هارو: شكرا على المعلومة التي لا يريد أحد معرفتها
هانا: امممم إنجي يمكنك مساعدته صحيح؟
هارو: توقفوا عن استخدام الضمير المخاطب المفرد .. مساعدتنا.. تنااااا... أنا لم أجنِ على نفسي وحدي.. مستر كاريزما معي أيضا
إنجي: لا بأس هذا مجرد لعب أطفال لنرى .. ما هو الموضوع؟
ترقرقت عينا هارو بالدموع فرحا ورغم أنه استغرب اطلاع إنجي على مجال البرمجة إلا أنه تفادى سؤالها خوفا من أن تغير رأيها، وقام يشرح المشروع مباشرة..
ظن يوليوس وهارو أنها ستنجزه في ما بعد إلا أنها رفضت إلا أن تنجزه في الساعة والحين وعلى غير المتوقع لم يؤخذ وقتا طويلا حتى أنهته ..
صدم الجميع لمدى إتقان إنجي.. من يراها يحسب أنها متخصصة فالمجال من سنين طويلة.. فهذا ليس شغل هاو أو متمرس مبتدأ
هارو: واو من أين لك بهذا؟
إنجي: كنت أشعر بالملل فتعلمتها.
هانا: أنت حقا عبقرية إنجي.. كيف يمكن لشخص أن يصل لهذا المستوى لمجرد المتعة .. أليس كذلك يوليوس؟
يوليوس: .......... *
بل لأي مرحلة من الملل وصلت حتى تتقن هذا المجال بهذا الشكل الأسطوري .. ما مقدار الوحدة التي عانت منها
يوليوس: هذا متوقع منها
إنجي: هممم ليس بالشيء الكبير .. هذه مجرد مبادئ
هارو: حسنا حسنا يا شلة العباقرة، انا الحمار الوحيد بينكم
يوليوس: توقف عن اهانة الحيوانات وإلا ستقاضيك يوما ما.
هارو متجاهلا تنمر صديقه: إذن بما أن المسألة حلت أدعوكم للعشاء على حسابي تدااااااا
على عكس هارو لم يبد أي من الحضور حماسه لفكرة العشاء بينما قالت هانا:
لدي فكرة أفضل يا أخي، ما رأيك أن نسطحب يوليوس وانجي لبيتنا في اليابان .. كما تعلم اقترب المهرجان وسيكون من الرائع تواجدهم هناك ..
زم هارو شفتيه بامتعاض ثم بسرعة استعاد روحه المرحة وقال: أفضل العشاء فهو أقل تكلفة وقهقه بقوة محاولا اضفاء جو كوميدي على ارتباكه-
صمت ثقيل ما جعله يردف قائلا: أختي لا رغبة لي في العودة الآن.. -أضاف بحنان بالغ- أظن أن الوقت لا زال مبكرا
ابتسمت هانا مدارية حزنها وقالت: لا بأس كما تريد .. خذ وقتك أخي.
إنجي: سيكون ذلك أفضل .. من يريد أن يكون الكلاون معه في رحلة ترفيهية استجمامية... كما أنه ينتابني الفضول نوعا ما عن البيئة التي كبرتِ فيها
نطت هانا فرحا من كلام صديقتها الذي يدل على موافقتها ... رغم أنها توقعت الرفض القاطع من إنجي...
قالت بحماس بالغ: سأريك كل شيء بالتفصيل .. أتحرق شوقا للرحلة ..
ابتسم يوليوس وهو يعي تماما أن هذا لطف بالغ من إنجي ... ثم ما لبث أن اجتاحه خاطر سيء .. إنجي؟؟ إنجي؟؟؟؟؟؟؟؟؟ كيف قبلت ؟؟ ماذا عن.....؟؟
هل علي أن أخبر إيريك؟؟ ماذا أفعل؟؟ ماذا لو؟؟
في هذه اللحظة فقط انتبه إلى الجو الغريب الذي يسود المطعم .. أين خدم المطعم؟ السيدة في الزاوية لم تلمس كوبها ثم إن عربة الطفل بجانبها ليس فيها طفل أساسا.. الكهل على الجانب المقابل لم يغير صفحة الجريدة التي يقرأها مذ دخلنا؟ كل شيء غريب ومريب ... ماذا يحدث؟ لا أصدق أنني انشغلت بالتفاهات وتراخيت عن دفاعاتي ...
حسنا حسنا لا تقلق هم لم يفعلوا أي شيء لحد الآن .. لا أظن أنهم هنا لأذيتنا .. ربما المراقبة؟ .. هل يجب أن اتظاهر أنني لم أدرك شيئا؟ ... علي أن اتواصل مع إيريك لكن كيف؟؟
لحظة لحظة لحظة من الذي اختار المطعم أصلا!!!
ثم صوت رنين هاتف عتيق يدوي من مكان ما!