مرة أخرى… نفس الشعور الغريب الذي يراودها دائمًا، وكأن وعيها محاصر داخل مشهد لا تتحكم به. كانت هناك، داخل جسد طفلة صغيرة، يديها ممتلئتين، شعرها الأسود الطويل معقود للخلف، والغرة المزعجة تسقط على عينيها، تحجب عنها الرؤية أو ربما تحجب رؤية الطفلة نفسها، أيًا يكن… الفستان القصير المنفوش الذي ترتديه كان مزعجًا للغاية، يصعّب حركتها ويجعلها تشعر بأنها محبوسة في قفص من القماش.

أخذت تحرك يديها ورجليها بتفحص، محاولة استيعاب إحساسها الغريب بهذا الجسد.

فجأة، قطع شرودها صوت أجش مألوف، يضحك خلفها:

— ما بال ابنتي؟ هل علقت حشرة في ثيابك؟

تجمدت للحظة، ثم التفتت لتجد الرجل الذي يظهر دائمًا في أحلامها… الأب.

اقترب منها، وانحنى ليزيل شيئًا وهميًا عن فستانها، حركاته كانت مفعمة بالدفء… شعور لا تستطيع وصفه. كان جسد الطفلة يستجيب له بعفوية، يحتضنه بفرح، يضحك بحماس، يطلب منه أن يأخذها إلى الشلال.

حملها الأب بين ذراعيه، فالتف جسدها الصغير حوله، شعرها الحريري تطاير مع الهواء، وملأ المكان بضحكاتها البريئة.

يا لهذا الشعور… إنه يدغدغ حقًا!

شدت ذراعيها حول عنقه بقوة، كأنها تخشى أن يختفي. أحاطها بذراعيه بلطف، مداعبًا رأسها:

— ما بكِ، عزيزتي؟ هل تشعرين بتوعك؟

لم ترد، فقط دفنت رأسها في كتفه، تحاول حفظ هذا الإحساس قدر المستطاع.

— هل تريدين رؤية أمك؟ والدك سيكون دائمًا معك، حتى في غيابها…

رفعت عينيها لتنظر مباشرة في عينيه… كانت تتوقع أن ترى انعكاسًا لروحه، شيئًا يخبرها بما يخفيه، لكنها لم تجد شيئًا!

عيناه… كانتا فارغتين.

لا بياض، لا حدقة… لا شيء سوى ظلام دامس، كأن قطعًا من الليل تسكن مقلتيه.

تراجع جسد الطفلة برعب، تعثرت، وسقطت…

لكنها لم تسقط على الأرض، بل سقطت في هوة بيضاء لا نهاية لها، كأن كل شيء حولها قد تلاشى، وكأن الحلم نفسه يُمحى من الوجود!

ثم جاء الصوت…

صرخة مكتومة، لكنها لم تكن صرختها، بل صوت آخر… صوت تعرفه، لكنه كان مألوفًا بشكل مرعب.

---

رنّ هاتفها بصوت مزعج، أعقبه صوت والدتها ترد على المكالمة:

— نعم، نعم… أنا بخير. آه، حسنًا… سأخبرها، اعتنِ بنفسك.

ثم صرخت من خارج الغرفة:

— إنجيييييييييي!!!

طبعًا… إيريك اتصل بها ليجبرها على الذهاب إلى الجامعة… رائع!

ظلت إنجي في سريرها، مغطاة بالبطانية، تعلم تمامًا أن والدتها على وشك أن تلقي عليها محاضرة أسطورية عن المسؤولية والكسل.

وبالفعل، بعد لحظات، جردتها والدتها من البطانية وقالت بنفاد صبر:

— إلى متى ستبقين متكورة مثل قطة؟ انهضي فورًا، البروفيسور يريدك لأمر عاجل.

— أمر عاجل، هاه…؟ تبًا لك، إيريك!

لكنها لم تكن في مزاج يسمح لها بالمجادلة، لذا نهضت بتكاسل، متذمرة، ثم خرجت من الغرفة وهي تفرك ذراعها لتخفيف الألم الذي شعرت به في مختلف أنحاء جسدها.

عندما مرت بجانب المرآة، لاحظت شيئًا جعلها تتوقف فجأة.

انعكاسها… كان مبتسمًا.

لكنها لم تكن تبتسم!

تراجعت خطوة، أغمضت عينيها، ثم فتحتهما مجددًا… لا شيء. كان مجرد خيال.

ربما مجرد وهم بسبب الأحلام الغريبة… لا بأس، فقط تجاهلي الأمر.

لكنها لم تستطع تجاهله عندما شعرت بيد تمسكها من الخلف…

— أمي!! لقد أفزعتني!

نظرت إليها والدتها باستغراب:

— وهل من الغريب أن أفحص ابنتي؟ من أين جاءت هذه الكدمات؟

رفعت قميصها، تتفحص ظهرها وبطنها…

— أين؟ لا أعلم…

توقفت للحظة، ثم نظرت إلى المرآة مجددًا قبل أن تكذب ببرود:

— آه… نعم، بالأمس سقطت من على الدرج، وإيريك هو من أحضرني للمنزل بعد أن أغمي عليّ.

لكن انعكاسها في المرآة… لا يزال يبتسم.

والدتها لم تلاحظ ذلك، أمسكت وجهها بين يديها وقالت ببطء وحذر:

— هل عادت النوبات؟

ردت إنجي بلامبالاة:

— لا، أمي… فقط لم أتناول الطعام منذ فترة، وانخفض سكري قليلًا. لا شيء يدعو للقلق.

صمتت والدتها للحظة، ثم زفرت باستسلام:

— حسنًا، استحمي، وتناولي الإفطار، ثم اذهبي إلى الجامعة.

---

في طريق الجامعة – اللقاء مع إيريك

كان إيريك ينتظرها بجانب سيارته. عندما رآها تقترب، ترجل من السيارة، مراقبًا مظهرها بعينين ثاقبتين.

كانت إنجي تمشي غير مكترثة بنظرات العابرين. سترتها الواسعة بلون البيج الفاتح تتدلى على كتفيها، أطراف الأكمام تغطي جزءًا من يديها النحيلتين، وكأنها درع خفيف يفصلها عن العالم. التيشيرت الأبيض البسيط تحتها كان فضفاضًا بما يكفي ليعكس ارتياحها الدائم في الملابس العريضة.

سروال الجينز الواسع يتمايل مع خطواتها الهادئة، لا ضيق، لا تفاصيل مبالغ فيها، مجرد قطعة عملية لا تشد الانتباه. حقيبة كتف بلون بني معلّقة بإهمال على أحد جانبيها، وحبل سماعات الهيدفون يختفي في طيات ملابسها. العقد الذهبي الصغير على عنقها كان الشيء الوحيد الذي يبدو عليه بعض الاهتمام، لكنه لم يكن سوى قطعة مألوفة ترافقها منذ فترة طويلة.

لا شيء في مظهرها يصرخ بالغرابة، لا شيء يوحي بشيء غير اعتيادي… لكن هذا ما كان يخيف حقًا.

وقفت أمامه، متأففة:

— لماذا أنت هنا؟

فتح باب السيارة دون أن يشيح بنظره عنها:

— لاصطحابك.

رفعت حاجبها:

— إلى أين؟ وكيف عرفت أنني سأسلك هذا الطريق؟

نظر مباشرة في عينيها، ببرود معتاد:

— لا يوجد شيء واحد لا أعرفه عنك.

تجاهلت تعليقه، وركبت السيارة.

بينما كان يقود، تحدث بصوت هادئ:

— بالأمس… كنتِ مع يوليوس في المطعم.

— يا من يعرف كل شيء عني، لماذا تسأل إذن؟

— أجيبي.

زفرت بضجر:

— نعم، هارو أراد خدمة مني.

— متى غادرتِ؟

أحست إنجي بصداع غريب، فحدقت في انعكاسها في مرآة السيارة قبل أن تجيب بهدوء:

— خرجتُ قبلهم…

أشار نحو صندوق السيارة:

— هناك أقراص للصداع، خذي واحدة… وعندما نصل إلى المشفى، سنجري فحصًا كاملًا لجسمك.

توقفت عن محاولة فتح العلبة، وحدقت به بحدة:

— كيف علمت؟

ابتسم بتعجرف:

— أخبرتك… لا يوجد شيء لا أعلمه عنك.

لم تجبه، فقط تناولت القرص بصمت.

— بالمناسبة… انفجر المطعم بعد مغادرتك مباشرة.

رفعت عينيها إليه، متفاجئة للحظة، قبل أن تعود لبرودها المعتاد:

— أرى ذلك… مثل هذه الحوادث تحدث.

نظر إليها بطرف عينه، كأنه يتفحص رد فعلها، ثم قال بصوت خافت:

— الشرطة فتحت تحقيقًا جادًا… أخبرك احتياطًا فقط.

أغمضت إنجي عينيها، قبل أن تتمتم بلامبالاة:

— اهتم بشؤونك.

ابتسم إيريك ابتسامة جانبية:

— هذا ما أفعله بالضبط.

يبدو أن الجزء الأخير لم يُنسخ بالكامل، لكن لا بأس، سأعيد صياغة المشهد وسأوسع فيه ليكون أكثر عمقًا ووضوحًا.

---

داخل المشفى

دخلت إنجي وإيريك إلى الغرفة حيث كان يوليوس مستلقيًا على السرير، جسده مغطى بالضمادات حول صدره وذراعيه، ووجهه يحمل آثار الجروح. بجانبه، كان هارو شبه جالس، يتناول بعض الفاكهة بلا اكتراث، بينما جلست هانا في زاوية الغرفة، تغطي وجهها بين يديها، وكأنها لا تزال غير قادرة على استيعاب ما حدث.

تقدمت إنجي بخطوات هادئة نحو السرير، سحبت كرسيًا وجلست بالقرب من يوليوس، نظرت إليه دون تعبير واضح على وجهها قبل أن تسأله بصوت منخفض:

"هل تشعر بتحسن؟"

نظر إليها يوليوس بابتسامة خافتة، رغم الألم الذي كان يعتصره، ثم قال:

"أنا بخير، لا تقلقي... ماذا عنك؟ سمعت أنك كنت هناك قبل الانفجار."

قبل أن تتمكن من الرد، قاطع إيريك الحديث بتعجرف واضح وهو يقف عند طرف السرير:

"هذا المنظر يناسبك يا يوليوس، استغل هذه الفرصة كي لا تظهر أمامي لفترة."

رمقته إنجي بنظرة حادة، ثم قالت ببرود:

"أنت فعلًا بلا أخلاق."

ردّ إيريك بنبرة ساخرة:

"وأنتِ آخر من يمكنه الحديث عن الأخلاق."

تدخل هارو بغضب، وهو يلوح بيده ليجذب انتباههم:

"هاي، نحن هنا! لو نسيتم وجودنا! أم هل ياترى متنا وصرنا أشباحًا؟!"

تمتمت هانا وهي تضغط على يديها بتوتر:

"أخي، لا تقل أشياء مرعبة هكذا!"

رفع هارو حاجبيه باستنكار، ثم التفت إلى إنجي وسألها مباشرة:

"إنجي، أين كنتِ أثناء الانفجار؟"

حاول يوليوس أن ينهض ليوقفه، لكن الألم منعه، فزفر بانزعاج وقال بصوت متألم:

"هارو، لا تتحدث هكذا."

مدّت إنجي يدها بخفة وأرجعته إلى وسادته بلطف قائلة:

"لا تُجهد نفسك، يولي."

ثم التفتت إلى هارو، نظرتها كانت باردة كعادتها، وردّت بلهجة محايدة:

"غادرت فورًا بعد أن دخلتم إلى المطبخ."

عقد هارو حاجبيه، بدا وكأنه لم يقتنع بإجابتها، ثم سأل بصوت أعلى:

"وكيف غادرتِ؟"

رفعت إنجي كتفيها بلا مبالاة وردّت:

"من الباب، فتحت الباب... ثم خرجت بكل بساطة."

ضرب هارو كفيه معًا بانفعال وهو يقول:

"حقًا؟ بينما نحن في الداخل ننفجر، أنتِ تخرجين بكل بساطة؟"

يوليوس: "قلت توقف!!"

انجي: "كيف فجرتم المكان بالضبط"

رمقه هارو بغضب، لكنه لم يكمل، اكتفى بالنظر إلى إنجي بتمعّن قبل أن يشيح بوجهه، وكأن شيئًا ما كان يزعجه لكنه لا يريد التصريح به.

في تلك اللحظة، كانت هانا تراقب إنجي بصمت، وكأنها تحاول قول شيء لكنها مترددة. وأخيرًا، وبعد لحظة صمت، همست بخفوت:

"في الواقع.. السمااا...."

قاطعها ايريك بسرعة قائلا: "هيا يا أطفال توقفوا عن الدردشة حول الانفجار.. الشرطة ستتكفل بالتحقيق..-ثم اضاف- ذلك العجوز بارع فب عمله ..

سحب انجي من ذراعها قائلا: "انتهى وقت الزيارة.. بالمناسبة كل النفقات مدفوعة احرصوا على أن ترتاحوا جيدا واطلبوا ما تريدون"

انتشلت انجي نفسها من يده بعنف قائلة: "أعرف كيف امشي لوحدي!"

عم الهدوء بعد خروجهم ليكسره هارو قائلا: يوليوس أتساءل إن كان المشفى يقدم الكافيار الأسود!

---

انتهى الفصل.

2025/03/15 · 18 مشاهدة · 1359 كلمة
Moon light
نادي الروايات - 2025