داخل السيارة، إنجي تجلس في المقعد الأمامي، ساقها مسندة على لوحة القيادة بينما تتصفح هاتفها بلا مبالاة. أختها تجلس في الخلف، تنظر إلى الطريق بتأمل، بينما إيريك يقود بهدوء، ولكن مع لمحة واضحة من الاستفزاز الطفيف في ملامحه.
أريج: (بصوت يحمل لمحة من المزاح)
"هل أصبح هذا عملك الجديد؟ الاستجوابات والتحقيقات؟ أم أنك قررتِ التفرغ لكونك هدفاً دائماً للملاحقة؟"
إنجي: (تنظر إلى شاشتها دون اكتراث)
"ما زلت على قيد الحياة، وهذا يكفي."
أريج: (تتنهد)
"إنه لشيء رائع أن تملكي هذه النظرة المتفائلة للحياة."
إيريك: (يبتسم بسخرية وهو يركز على الطريق)
"هي تنظر للحياة وكأنها تقرير يجب مراجعته ثم تمزيقه."
إنجي: (تلتفت إليه ببطء)
"على الأقل أنا أقرأ التقارير، عكسك."
إيريك: (يضع يده على صدره بتمثيل مسرحي)
"لقد أصبتني في أعماق قلبي."
أريج: (تنظر إليهما بين الضحك والاستغراب)
"أنتما ثنائي غريب حقاً."
إيريك: (بابتسامة جانبية)
"أعلم ذلك، لكنني الشخص الطبيعي هنا."
إنجي: (ببرود)
"إذا كنتَ الطبيعي، فأشفق على بقية العالم.
************
يدخل الثلاثة إلى المنزل، رائحة الطعام تنتشر في المكان. تجلس والدة إنجي على الطاولة، تضع الأطباق ببطء وكأنها تحمل على عاتقها عبئًا ثقيلاً. لكن ما إن ترى إيريك، حتى تتغير ملامحها، ويظهر في عينيها شيء من اللطف النادر.
الأم: (بابتسامة خفيفة)
"أهلاً بك، إيريك. تفضل، الطعام جاهز."
إيريك: (يجلس بهدوء)
"أشكركِ، يبدو شهيًا."
إنجي: (تنظر إليه بفتور)
"ألم تأكل قبل قليل؟"
إيريك: (يرد بمرح)
"أستطيع الأكل في أي وقت، إنها إحدى مهاراتي."
الأم: (تنظر إلى إنجي بحدة)
"ليس كما تفعلين أنتِ، تجلسين دون أن تتحدثي أو تتفاعلِي. على الأقل تعلّمي منه بعض الذوق."
إيريك يخفي ابتسامة بينما يأخذ لقمة. بعد لحظة، ينظر إلى طبق معين على الطاولة، مزيج من اللحم المشوي مع صلصة غير مألوفة.
إيريك: (يرفع حاجبه)
"ما هذا؟"
الأم: (بهدوء لكن بفخر)
"إنجي تحب هذا الطبق. إنه طعام من المطبخ الكندي، ولكنني أضفت إليه بعض اللمسات الخاصة. لمسات من الأصول"
إيريك ينقل نظره بين إنجي والطبق، وكأنه يحاول تحليل الموقف، في قرارة نفسه كان سعيدا، ابتسم بمكر.
إيريك:
"أحببتِ هذا الطعام، إذًا؟ مثير للاهتمام."
إنجي: (ترفع كتفيها بلا اكتراث)
"أنا فقط أحب الأكل، لا تحاول تفسير الأمر بأكثر مما يستحق."
الأم تتنهد، وكأنها فقدت الأمل في تغيير ابنتها، ثم تغير الموضوع فجأة.
الأم:
"أختك الكبرى ستصل غداً، ستقيم هنا لبعض الوقت حتى موعد ولادتها."
إنجي: (تمسح فمها بمنديل)
"هذا جيد، مرحبًا بها."
الأم: (بصوت جاد)
"ولكن عليكِ الذهاب إلى المطار لاستقبالها، أنا وأريج لدينا عمل للقيام به."
إيريك يضع شوكته وينظر إليها بابتسامة جانبية، ثم يقول بنبرة غير مبالية ولكنها تحمل معنى خفيًا:
إيريك:
"بالطبع سنذهب لاستقبالها."
إنجي تضيق عينيها، تفهم تمامًا أنه يقحم نفسه في الأمر عمدًا. أما الأم، فتبدو راضية تمامًا عن موقف إيريك، وكأنها ترى فيه شخصًا جديرًا بالاحترام.
الأم: (تنظر إلى إيريك بلطف نادر)
"أنت شاب مهذب ومتعامل. ليس كالبعض الذين لا يعرفون سوى الردود الباردة."
إنجي: (ترمي الملعقة في الطبق)
"أنا هنا، يمكنكم التحدث إلي مباشرة."
إيريك يضحك بخفّة وهو ينهي طعامه، بينما إنجي تنظر إليه بشك… تعرف أنه سعيد لأنه "ورطها" في مشوار المطار، لكنها لن تدعه يخرج منتصرًا بهذه السهولة.
**************
في مكتب ضيق، تكدست الأوراق على الطاولة، بينما وقف رجل في منتصف العمر، بزيه الرسمي المرتب، يحدق في المحقق غابرييل بنظرة غاضبة. صوته القوي يصدح في الغرفة، ممتلئًا بالغضب والانفعال.
المدير: (يضرب الطاولة بيده)
"كفى عبثًا، غابرييل! توقف عن ملاحقة هذه القضية السخيفة، وركز على المهمة التي أوكلتها إليك! لدينا سرقة كبرى تخص أحد السياسيين المهمين، وهذه أولويتك الآن!"
غابرييل، الذي كان يقف أمامه مكتوف الذراعين، لم يرمش حتى. عيناه الداكنتان كانتا تحملان تحديًا واضحًا.
غابرييل: (بصوت بارد لكنه ثابت)
"لست مهتمًا بالإطاحة بفلان وعلان، ولا أعمل خادمًا لأحد. هذه القضية مهمة، ولن أتوقف عن متابعتها."
المدير يلوّح بيده بغضب، ثم يمسك مجموعة أوراق ويرميها على المكتب، كأنها لا تساوي شيئًا.
المدير: (بتهكم)
"أوه، إذًا أنت البطل الآن؟ المحقق العنيد الذي لا يخضع؟ دعني أذكرك بشيء… أنت ما زلت هنا لأنني سمحت لك بذلك، شفقةً منك، وليس لأنك محقق رائع كما تظن!"
تجمدت ملامح غابرييل للحظة… ثم، وبحركة خاطفة، أمسك بياقة المدير بعنف، ودفعه نحو الجدار. الأوراق تطايرت، وصوت الارتطام جعل الضباط في الخارج يلتفتون نحو المكتب بقلق.
غابرييل: (بصوت منخفض لكنه يحمل تهديدًا قاتلًا)
"إياك… إياك أن تتحدث عن ذلك مجددًا."
عيناه كانتا تشتعلان بالغضب المكبوت، كوحش على وشك أن ينفجر. بدا للحظة وكأنه مستعد لتحطيم كل شيء أمامه، لكن فجأة، ظهر شخص آخر في الغرفة—شرطي شاب ذو ملامح هادئة، يتسم بالولاء والإخلاص.
الشرطي (بصوت هادئ لكنه حازم):
"غابرييل، اهدأ. لا فائدة من هذا."
أمسك الشرطي بذراعه برفق، وكأنه يحاول إعادته إلى الواقع. للحظة، بدا أن غابرييل لا يسمع شيئًا، لكن ببطء، بدأ تنفسه يهدأ، وأرخى قبضته عن المدير الذي كان يحاول التقاط أنفاسه.
المدير: (يتنفس بصعوبة، وهو يعدل بدلته)
"هذا آخر تحذير، غابرييل. تجاوزت حدودك بما يكفي."
لكن غابرييل لم يرد. فقط نظر إليه نظرة باردة، ثم استدار وغادر المكتب، وملامحه لا تزال متوترة. أما الشرطي، فبقي للحظة يراقب المدير بنظرة غير راضية، ثم تبعه إلى الخارج بصمت.
جلس المدير خلف مكتبه، يفرك رقبته بحنق، محاولًا استعادة وتيرة تنفسه العادية. الغرفة كانت مضاءة بإضاءة خافتة، تعكس ظلّه المرتبك على الجدران. الأوراق مبعثرة على سطح المكتب، بعضها منزلق إلى الأرض كما لو أنها شهدت العاصفة التي اندلعت بينه وبين المحقق قبل لحظات. مرّر يده في شعره، في حيرة كيف يمكنه إقناع غابرييل بالتخلي عن القضية.
فجأة، رنّ هاتفه، فانتفض قلبه داخل صدره. نظر إلى الشاشة، ثم ابتلع ريقه ببطء قبل أن يمد يده المرتجفة إليه، يلتقطه كما لو كان يحمل قنبلة موقوتة. ضبط نبرة صوته، محاولًا أن يبدو ثابتًا، لكنه كان يشعر كما لو أن رئيسه يقف أمامه مباشرة.
من خلف السماعة، جاء صوت امرأة شابة، باردٌ وحازم، يحمل نغمة ماكرة خفيّة، وكأنها تخيط كلماتها بخيوط غير مرئية من السيطرة.
قالت بصوت منخفض لكنه نافذ: "إذن، هل أقنعته؟"
ردّ عليها بصوت متوتر، فيه رجاء خفي: "أنتِ تعرفين غابرييل… عنيدٌ كالصخر. لم يرضَ أن يبتعد عن القضية."
ساد صمت قصير، لكنه كان كافياً ليشعر بثقل أنفاسه وهي ترتدّ داخل الغرفة. ثم جاء صوتها مرة أخرى، هذه المرة محمّلًا بتهديد بارد:
"إذا لم تعرف كيف تؤدي عملك، فنحن نعرف كيف نؤدي عملنا."
ازدرد ريقه بسرعة، وقال بتذلل واضح، بينما يتشبث بالهاتف كما لو أنه حبل نجاة: "أرجوكِ، امنحيني قليلًا من الوقت… فقط قليلًا."
لكن صوتها لم يتغير، بقي ثابتًا، غير مكترث بتوسلاته: "لم يعد لديك وقت."
ثم، قُطع الخط.
ظل المدير يحدّق في الشاشة للحظات، يده لا تزال قابضة على الهاتف. ثم، وبحركة مفاجئة، ألقاه بعنف على المكتب، ليرتدّ مصطدمًا ببعض الأوراق المتناثرة. جلس في كرسيه بثقل، يداه تغطيان وجهه، بينما تتردّد كلماتها في ذهنه… لم يعد لديك وقت.