تلك الفتاة الصغيرة التي تنظر عبر زجاج باب السيارة تبدو متحمسة جدا، لا أعلم مالذي تنظر إليه لكن من الواضح أنه شيئ فائق الجمال حتى جعلها تقف علر ركبتيها وترتسم علامات البهجة والسرور على محياها.. نوعا ما أريد أن أرى ذلك أيضا، أو ربما كان مجرد منظر اعتيادي الأطفال يتحمسون لأبسط الأشياء.

وكأن المشهد يصبح أوضح أستطيع فجأة أن أرى ما يوجد خارج السيارة وكأنني أرى بعيون تلك الطفلة، إنه مجرد مجرى مائي يبدو أنه مجرى فرعي للشلال، ها شلال أي شلال؟ من أين علمت أنه يوجد شلال بالقرب؟ يبدو مألوفا نوعا ما لكن لا أستطيع التذكر ثم ما هذا الموقف وعيي في مكان ما أين أنا؟ من هذه الطفلة؟ لمن السيارة؟؟

التفت لأتفحص المكان طبعا اذا كنت في سيارة فمن السائق السائق، رجل في الأربعينات تقريبا عيون خضراء مثل الزيتون الشامي أهداب طويلة ومضاعفة اثنان؟ بعد تركيز تبدو ثلاث صفوف.. سوف تموت النساء قهرا من جمال عينيه بدون ماسكارا.. لنرى شعر اسود مصفف للخلف شعره جميل يعطي انطباعا لطيفا رغم أنه يبدو تافها.

فجأة ترك مقود السيارة ونظر لي يبدو أنه لاحظ نظراتي الفاحصة له.. هذا محرج قليلا.. تسللت يد الرجل من أمام وجههي كنت مرعوبة جدا لكن يبدو أن جسد الطفلة ووعيي منفصلا لا تبدو متوترة وكأنها تعرفه جيدا تستمر بالابتسام مثل البلهاء.. اوه فالواقع كان يريد ربط حزام الأمان طبعا لا يوجد سبب مريب لحركاته المفاجأة. فتح بيده الثانية درج السيارة الذي أمامي وأخرج منه علبة عصير وحلوى قدمها إلي.. شكرا ولكن أليس من الأفضل أن تركز على القيادة بدل تدليل هذه الطفلة أفضل العيش لمدة أطول على أن أعيش بسعادة للحظات قبل أن أموت في حادث مريع مع رجل أربعيني وسيم لا أعرفه حتى.

انقطع سيل أفكاري بصوته الأجش المبحوح:

-ابنتي تشبه أباها حقا.

................

-استيقظِ أيتها الكسول الساعة تجاوزت العاشرة صباحا بالفعل، كل ما تفعلينه هو النوم الناس خلفوا بنات وانا خلفت سحلية...

أسمع صوت أمي التي تفتح الستائر ثم تسير بوتيرة سريعة تلتقط جهاز التحك لترفع صوت التلفاز مرددة أصطوانة النكد الرتيبة التي لم تغير محتواها منذ بدأت أع معنى الكلمات، حسنا أعلم يقينا أن الساعة لم تتجاوز السابعة والنصف إحساس أمي بالوقت مختلف تماما. في الواقع أرغب أن أسألها سؤالا لطالما جال ببالي: هو احنا فعطلة هعمل ايه لما اقوم سبعة صبح أحلب الدجاج مثلا؟

مع أنني متأكدة يقينا أنني لو نطقت فلن أسلم من نكدها لأسبوع على الأقل، يكفيني القدر الحالي.

إذن صباح جديد في بيتنا الرتيب.

أنا أنجي ..مجرد فتاة جامعية عادية بعمر 22 سنة أعيش حاليا في تورنتو في كندا مع عائلتي العادية. أمي التي تنحدر من بلد عربي في آسيا يسمى بالعراق التقاها أبي في بعثة ما وتقدم لخطبتها ثم عادا إلى مسقط رأسه في نوفا سكوتيا على الحدود الريفية. هناك حيث تزوجا وأنجبا أختي الكبرى ليليا ثم أختي سارا ثم التوأم الغبي راون ورون ثم أريج وأنا آخر العنقود أسينا. أبي وأمي يحبان إنجاب الأطفال حقا.

بعد أن أنجب أبي أختي الأولى رأى أنه من الأفضل الانتقال إلى مدينة أكبر حتى يوفر فرصا أفضل لمستقبل أبنائه، مع أنني أتمنى لو بقينا فالريف تورنتو مكتضة لدرجة الاختناق وبسبب بصيرة أبي أصبحت محط الأنظار وانخرطت في عديد من النشاطات التي أنا في غنى عنها.. من السهل كشف الأطفال الأذكياء في مناطق متحضرة مثل هذه. كنت حقا لأفضل العيش كطفلة عادية بمؤهلات عادية فالريف، من الصعب حقا أن تكون ذكيا فلا ينتهي الأمر بحصولك على علامة كاملة في اختبار تافه أو حصولك على تقدير ممتاز بالصدفة في مجال ما، صدقني هنا تأكد أنك دخلت في دوامة لن تنتهي إلا بانتهاء حياتك.

-توجهت للحمام استحممت على استعجال ثم خرجت إلى صالة البيت لأتفاجئ بالمنظر كل شيئ مقلوب رأسا على عقب ما هذه الفوضى؟ هل تحولت صالة المنزل لحضيرة حيوانات الليلة الماضية؟ لابد ان ذلك الأحمق راون قدم إلى المنزل مع أصدقائه التافهين مرة أخرى..

نظفت المكان على مضض ثم أخذت كيس القمامة لأفرغه طبعا في القمامة (رأس راون) فتحت باب غرفته لأكب القمامة إلا أنني لم أجده، لابد أنه هرب في وقت مبكر قبل أن أستيقظ.. أحمق سأحاسبه في ما بعد..

-ترنننننن ترنننننن

صوت هاتف المنزل .. لدي إحساس مشؤوم حول هذا ومع ذلك يجب أن أرد لو كانت أحدى صديقات أمي فسأعاني حقا لو جاءت، لأتدارك الوضع وأخبرها أن لا أحد بالبيت.

رفعت السماعة: نعم؟؟ عائلة دايموند من معي؟؟

-أنجييييييي، حمدا لله أجبتِ

تعرفت على صوت الفتاة فورنا هانا تبدو على حافة الانهيار حقا. قاطعتها بنبرة حادة.

-هل أنت مجنونة كم مرة أخبرتك أن لا تتصل بهاتف المنزل هل تريدين أن انهي حياتك اليوم.

ردت هانا متوسلة ومعاتبة:

-كيف اصل إليك اذن؟ عبر التخاطر مثلا، هل تفقدت هاتفك حتى.. -بنبرة ساخرة- اووو نسيت أن الملكة لا تحب الإزعاج ولابد أن هاتفها على الوضع الصامت وحتى الإشعارات مغلقة.. لنرى اذن اليوم امتحان والدكتور إيريك أخبرني ان لم تأتي فأنا أيضا سيتم إقصائي.. -تحولت نبرة صوتها للغضب فجأة ممزوجة بقلة الحيلة واليأس- لا يهمني ان كنت تريدين أن ترسبي لكن أبي سيقتلني إن لم أنجح .. تعال بسرعة أيتها الحمقاء... ثم أقفلت الخط

هانا يبدو أن لسانك قط طال قليلا بغيابي سأتأكد من قصه بعد الامتحان. وذلك الايريك من يحسب نفسه ليستخدم مثل هذه الحيل الرخيصة.

ارتديت ثيابي على عجل ثم توجهت إلى الجامعة.

2024/09/05 · 54 مشاهدة · 821 كلمة
Moon light
نادي الروايات - 2024