في المطار

وقف الثلاثي -هانا، إنجي وإيريك- أمام بوابة الوصول في المطار، حيث كان صوت الإعلانات يتداخل مع ضجيج المسافرين وصوت عجلات الحقائب وهي تُجرّ على الأرضية اللامعة. كانت هانا تتابع الشاشة الكبيرة بحماس، تتفقد الرحلات القادمة كل بضع ثوانٍ، بينما وقفت إنجي بلا مبالاة، ووقف إيريك بجوارها، يضع يده فوق رأسها من حين لآخر، كما لو كان يختبر صبرها.

هانا (بحماسة): أخيرًا، ستصل أختك! أشعر وكأنني سأقابل شخصية أسطورية!

إنجي (بفتور): شخصية أسطورية؟ إن كنتِ تتوقعين فارسًا نبيلاً، فسوف تُصابين بخيبة أمل.

إيريك (وهو يضع يده مجددًا على رأسها): إذن، ليست مثلكِ؟

إنجي (تزحزح يده بلا اكتراث): لسنا متشابهتين على الإطلاق.تماما كالليل والنهار.

هانا: من منكما الليل ومن منكما النهار؟

إيريك (بابتسامة ساخرة): إنجي، بالطبع. إنجي تشبه الليل، ولكن ليس الليل الهادئ الرومانسي، بل الليل الذي تسوده العواصف والانفجارات.

إنجي (تنظر إليه بطرف عينها): وما شأنك أنت؟

إيريك (يضع يده على رأسها مجددًا): لا شيء، مجرد أُقيّمكِ أكاديميًا.

هانا (تضحك): وأيّ درجة ستمنحها لها؟

إيريك (ببرود): مرتفعة في الكفاءة، منخفضة في التفاعل الاجتماعي.

إنجي (تتمتم بلا مبالاة): عظيم، تقييم رسمي من أستاذ جامعي.

تغيرت ملامح إنجي قليلًا وهي تتذكر أمرًا آخر، ثم التفتت إليهما قائلة:

إنجي: بالمناسبة، ماذا عن يوليوس؟ أهو ما زال في المشفى؟

هانا: نعم، وهارو قرر البقاء معه.

إيريك (بابتسامة جانبية ساخرة): قرر البقاء معه؟ بل قرر تحويل حياته إلى جحيم صغير داخل غرفة المشفى.

إنجي (تبتسم بخبث): أشعر بالشفقة على الأطباء والممرضين أكثر من شعوري بالشفقة على يوليوس.

إيريك: المشفى بأكملها ستُصاب بالاضطراب بسببهما، أتصور أن المرضى الآخرين يتضرعون لنقلهم إلى طوابق أخرى.

هانا: لا بأس، إنهما ينسجمان جيدا معا.

في تلك اللحظة، انفتح باب الوصول، وبدأ الركاب بالخروج تباعًا. عينا هانا اتسعتا حماسًا وهي تبحث بين الحشد عن وجه مألوف. لم يمر وقت طويل حتى ظهرت امرأة ذات قوام ممشوق وبطن منتفخ قليلًا، مما يدل على حملها. كانت ترتدي ملابس مريحة، وذراعاها خاليتان من أي حمل، بينما زوجها هو من كان يحمل طفلة صغيرة بين يديه. كان طويل القامة، قوي البنية، بشرته برونزية وشعره الداكن مُسرّح بعناية، وكانت عضلاته واضحة تحت قميصه. بدا كأحد أولئك الممثلين.. وكأنه خارج من إعلان رياضي للتو.

هانا (بهمس لإنجي، وهي تنظر إليه باندهاش): زوج أختك… حسنًا، لم أتوقع هذا.

إيريك (بنبرة هادئة وهو يراقب الرجل باهتمام): يبدو أنه رجل ذو خبرة… في أشياء كثيرة.

إنجي (تتمتم بلا اكتراث): لا بأس به.

هانا (تحدّق بها مستنكرة): "لا بأس به"؟ لو كان زوجي، لما كنتُ حملتُ حقيبتي بيدي أبدًا.

إيريك: أتساءل ما نوع العمل الذي يجعله مضطرًا إلى ترك زوجته وحدها وهي على وشك الولادة.

اقتربت لورين، وعندما رأت إنجي، ابتسمت بحرارة وقالت:

لورين: مضت فترة طويلة!

إنجي (بهدوء): هذا صحيح، اختفيتِ لعامين كاملين.

أخت إنجي (بمرح): يسمونه "الحياة"، يا صغيرة.

إنجي (بفتور): تسمّينه "الحياة"، وأسميه "الإهمال".

إيريك باستهزاء: انظر من يتكلم عن الإهمال

تجاهلته إنجي ثم التفتت إلى الطفلة التي كانت تتشبث بوالدها، تنظر إليها بعينين واسعتين.

إنجي (تنظر إليها برفع حاجب): إذن، هذه الصغيرة هي إيف؟

الطفلة (تتمسك بوالدها بخجل): …

لورين (تضحك): لا تخافي، إنها ليست مخيفة كما تبدو.

الطفلة (بهمس خجول): خالة… إنجي؟

إنجي (تنزل إلى مستواها، مبتسمة قليلًا): نعم، هل قالوا لكِ إنني وحش؟

الطفلة (تهز رأسها بسرعة): ماما قالت إنكِ رائعة.

هانا (بابتسامة مشرقة): وهي صادقة تمامًا. -اكملت حديثها ناظرة إلى زوج لورين- لابد أنك زوجها -صافحته- أنا هانا صديقة إنجي

زوج الأخت بابتسامة هوليودية: سمعت عنك الكثير من زوجتي.. أنا دييغو كارفالهو

ثم صافح ايريك بحرارة: لابد أنك البروفيسور المشهور.. أليس من الرائع أن تملك كلا من المظهر الجيد والعقل المنير!

ايريك بتهكم: هذا ليس بالكثير !

بعد لحظات، تنحنح الرجل وقال بصوت هادئ:

دييغو: آسف، ولكن عليّ الذهاب، طائرتي إلى جنوب أفريقيا ستقلع خلال ساعتين.

هانا (تتنهد بأسف): يا للخسارة، كنت أريد معرفة المزيد عن عملك.

إيريك (يتأمل الرجل بنظرة ثاقبة): جنوب أفريقيا؟ وما هو نوع العمل الذي يستدعي تنقلًا دائمًا وترك زوجتك في هذه الحالة؟

التفت إليه دييغو، بدا للحظة وكأنه يقيس كلماته قبل أن يجيب:

دييغو: أعمال التنقيب، نحن نعمل في مواقع أثرية… هناك اكتشافات مهمة مؤخرًا، والأمر يستلزم وجودي شخصيًا.

إيريك (بابتسامة خفيفة تخفي حدة كلماته): التنقيب، إذن؟ مجال مليء بالمفاجآت.

دييغو (يرد الابتسامة): بالفعل، لا يمكن توقع ما قد تجده تحت الأرض.

ساد الصمت لوهلة قصيرة، قبل أن ينظر الرجل إلى زوجته قائلاً:

دييغو: سأكون على اتصال دائم، واعتني بنفسكِ جيدًا.

ثم ودعهم وغادر، تاركًا البقية يتوجهون إلى السيارة. أثناء الطريق، التفتت أخت إنجي إلى إيريك، ونظرت إليه بفضول.

لورين: إذن، ما علاقتك بإنجي؟

إيريك (بهدوء وهو يضع يده على رأس إنجي مجددًا وكأنه يحللها أكاديميًا): أنا أقدّر الكفاءات وأحفظ القدرات المعرفية.

إنجي (تبعد يده دون أن ترد): …

هانا (بهدوء واحترام): الأستاذ إيريك أستاذنا في الجامعة، وهو شخص شديد الحرص على قدرات طلبته.

لورين (تبتسم): فهمت، إذن إنجي طالبة مجتهدة؟

إيريك (ينظر إليها بإعجاب خفي): يمكنني القول إنها متميزة بطريقتها الخاصة.

إنجي (تشيح بنظرها وكأنها لم تسمع شيئًا): كم تبقى لنصل؟

هانا (تبتسم لنفسها، بينما تراقب المشهد بصمت): …

***********

عند وصولهم إلى المنزل، كانت والدة إنجي تنتظرهم عند الباب، وما إن رأت ابنتها حتى أسرعت نحوها، تعانقها بحرارة، ثم أبعدتها قليلًا لتتفحص وجهها بعينين ممتلئتين بالحنان.

الأم (بفرح مشوب بقلق): "أخيرًا! تبدين متعبة… كيف حال صغيرنا؟ هل يرهقكِ كثيرًا؟"

ابتسمت شقيقتها بهدوء وهي تضع يدها على بطنها المنتفخة، حيث بدا الحمل جليًا عليها.

لورين: "إنه مشاغب بعض الشيء، لكني بخير… زوجي يعتني بي جيدا."

في تلك اللحظة، كانت هانا تحدّق بها بانبهار، وهي تراقب الأم الحامل التي لم تكن تحمل شيئًا على الإطلاق، بينما كانت والدة إنجي تتولى حمل حقيبتها، وطفلتها الصغيرة تستقر بين ذراعي أحد العاملين في المنزل، كأن الجميع اتفقوا على منعها من بذل أي مجهود.

هانا (بإعجاب وهي تهمس لإنجي): "زوجها كنز حقيقي! هل رأيتِ كيف لم يسمح لها حتى بحمل حقيبتها؟"

لم تجب إنجي، فقط زفرت بصمت بينما تتجه نحو الداخل.

الأم (بتنهيدة خفيفة): "كنت أتمنى لو تمكن من البقاء معنا قليلًا… لكني أعلم أن عمله يأخذه بعيدًا دائمًا."

هنا، رفع إيريك حاجبًا وهو يضع إحدى الحقائب جانبًا، ثم قال بنبرة هادئة لكنها محملة بالفضول:

إيريك: "من المؤسف أن يكون والد الطفل غائبا في أول لحظات حياته"

التفتت إليه شقيقة إنجي، مترددة للحظة قبل أن تجيب بابتسامة باهتة:

شقيقة إنجي: "لا بأس، ستكون فرصة سانحة لأبقى مع عائلتي... فقد طال غيابي."

ظل إيريك يحدّق بها للحظة، كأنه يحاول تحليل ما قالته، لكنه لم يعلق أكثر.

في هذه الأثناء، كانت هانا قد بدأت تلعب مع الطفلة الصغيرة، تضحك وهي تحاول شدّ وجنتيها الممتلئتين، بينما الصغيرة تتململ بين يديها محاولة الهرب.

مرّت لحظات من الدفء العائلي، حتى قطعت هانا الصمت بسؤال عفوي:

هانا: "أين أريج؟ ألم تأتِ لاستقبالكم؟"

ساد الصمت للحظة، قبل أن ترد والدة إنجي بابتسامة باهتة:

الأم: "خرجت البارحة... لديها عمل طارئ."

عند سماع تلك الجملة، أحسّت إنجي بوخزة حادة في رأسها، وكأن شيئًا ما ضرب عقلها فجأة. نبض مؤلم اشتد في جانبها الأيسر، حتى شعرت كأن الطاولة التي تستند إليها تهتز تحت يدها. رفعت أصابعها إلى صدغها محاولة كتم أنين خافت، لكن الألم كان يزداد سوءًا.

لاحظ إيريك ذلك فورًا، وبحركة سريعة اقترب منها وأمسك بذراعها قبل أن تفقد توازنها.

إيريك (بقلق واضح): "إنجي؟ ماذا هناك؟"

لم تستطع الرد، فقط أغلقت عينيها بقوة وكأنها تحاول صدّ الألم. دون أن يتردد، تركها للحظة واتجه مباشرة إلى طاولة قريبة حيث كانت هناك مزهرية وهاتف عتيق. فتح أحد الأدراج بسرعة، وكأنه يعرف مسبقًا أين يجد ما يريد، ثم عاد إليها بعلبة دواء، فتحها وسحب قرصًا قبل أن يمده إليها مع كأس ماء.

إيريك (بصوت حازم لكنه هادئ): "خذي هذا."

تناولت الحبة وشربت الماء بصمت، لا تزال تشعر بوخز خفيف، لكنه بدأ يخف تدريجيًا. جلس بجانبها، لم يقل شيئًا، فقط راقبها بعينين يقظتين، كأنه يحاول التأكد من أنها بخير.

لم ينتبه أحد لما حدث، الجميع منشغلون في الحديث، وهانا كانت لا تزال تلاعب الطفلة.

مرت لحظات صامتة، قبل أن يقول إيريك بنبرة خافتة لكنها محملة بالريبة:

إيريك: "ما قصة هذه العائلة… كل شخص لديه عمل 'مهم' وطارئ يجعله يختفي فجأة؟"

لم تجبه إنجي، فقط نظرت إلى الطاولة بصمت، وعقلها غارق في دوامة من الأفكار الغامضة.

*******

في الصباح الباكر – منزل غابرييل

في غرفة شبه معتمة، كان ضوء خافت يتسلل عبر النافذة المغطاة بستائر مهترئة، ملقيًا بظلال باهتة على الأثاث الفوضوي. طاولة تتناثر فوقها أوراق قديمة، ملفات مفتوحة على صفحات مليئة بالملاحظات بخط غير مرتب، وكؤوس قهوة فارغة تُظهر أثر ليالٍ طويلة بلا نوم.

على الأريكة الجلدية الممزقة، كان المحقق غابرييل ممددًا بإهمال، قميصه غير مرتب وربطة عنقه محلولة كليًا، رأسه يستند على ذراعه بينما يرتفع صدره ويهبط بأنفاس ثقيلة. عيناه مغمضتان، لكنهما لا تعكسان نوماً هانئًا بل إرهاقًا متراكماً.

رنين الهاتف

اهتز الهاتف الموضوع على الطاولة الجانبية، يصدر نغمة حادة قطعت سكون المكان. تحرك غابرييل ببطء، متململاً بضجر قبل أن يمد يده بتكاسل، يلتقط الهاتف دون حتى أن ينظر إلى هوية المتصل.

غابرييل (بصوت مبحوح ونصف نائم): "ماذا هناك؟"

كان ينوي إنهاء المكالمة بأسرع وقت، لكن الصوت القادم من الطرف الآخر أيقظه تمامًا.

الشرطي (بصوت ملهوف ومتفاجئ): "المـ.. المدير!!"

حدّق غابرييل في الظلام، كأنه يحاول أن يستوعب ما سمعه. لكنه لم يكن بحاجة لكلمات أخرى ليدرك أن هذا الصوت ليس نداءً معتادًا، بل صوت مشبع بالصدمة. زفر بضيق، ثم استقام جالسًا وهو يمرر يده على وجهه بإرهاق.

غابرييل (بنفاد صبر): "إذا كنت تحاول إقناعي باعتزال التحقيقات، فأقترح عليك أن توفر جهدك وترحل من أمامي."

الشرطي (مقاطعًا، صوته يزداد اضطرابًا): "لا… المدير قُتل!!"

في تلك اللحظة، اختفى كل أثر للنعاس من ملامح غابرييل. اتسعت عيناه فجأة، واستقام جالسًا بكل انتباه، كأن جسده تلقى صدمة كهربائية.

غابرييل (بصدمة حادة): "ماذا قلت؟ قُتل؟!"

لكن الشرطي لم يترك له وقتًا لاستيعاب الصدمة. تابع بصوت مرتجف:

الشرطي: "أين كنت البارحة؟"

نظر غابرييل حوله، كأنه يرى المكان لأول مرة. الغرفة الفوضوية، الأوراق المبعثرة، كوب القهوة الذي لم يُنهه… لحظة، كيف انتهى به المطاف هنا؟ رفع يده ليمرر أصابعه بين خصلات شعره الفوضوي، يحاول تجميع أفكاره المتشابكة، لكن عقله لم يمنحه ترف التفكير.

استعاد رباطة جأشه سريعًا، وعاد صوته إلى نبرته المعتادة، الجادة والحادة:

غابرييل: "سأتوجه إلى المكتب حالًا."

لكن ردّ الشرطي جاء سريعًا وقاطعًا، أشبه بصوت رصاصة أُطلقت في الظلام:

الشرطي (بحدة وتحذير): "هل تمزح؟ الجميع يبحث عنك! أنت المشتبه به الأول في القضية!"

تجمدت أنفاس غابرييل للحظة، قبل أن يكرر السؤال كأنه لم يسمع جيدًا:

غابرييل: "… ماذا؟"

الشرطي: "التقِ بي في ذلك المكان… سأخبرك بكل شيء هناك."

ثم… انقطع الاتصال.

جلس غابرييل في مكانه للحظات، الهاتف لا يزال في يده، وعيناه معلقتان بالشاشة كأنه ينتظر أن يرن مجددًا ويخبره أحدهم أن كل هذا مجرد كابوس سخيف. لكن الصمت المخيف الذي خيّم على المكان كان أكثر واقعية من أن يكون حلمًا.

نهض من مكانه بسرعة، قلبه ينبض بعنف وهو يحاول استيعاب ما سمعه للتو. المدير… الرجل الذي عمل تحت إمرته لسنوات… قُتل. والأدهى من ذلك، أنه االفصل العشرون – المشهد الأول

وقف الثلاثي -هانا، إنجي وإيريك- أمام بوابة الوصول في المطار، حيث كان صوت الإعلانات يتداخل مع ضجيج المسافرين وصوت عجلات الحقائب وهي تُجرّ على الأرضية اللامعة. كانت هانا تتابع الشاشة الكبيرة بحماس، تتفقد الرحلات القادمة كل بضع ثوانٍ، بينما وقفت إنجي بلا مبالاة، ووقف إيريك بجوارها، يضع يده فوق رأسها من حين لآخر، كما لو كان يختبر صبرها.

هانا (بحماسة): أخيرًا، ستصل أختك! أشعر وكأنني سأقابل شخصية أسطورية!

إنجي (بفتور): شخصية أسطورية؟ إن كنتِ تتوقعين فارسًا نبيلاً، فسوف تُصابين بخيبة أمل.

إيريك (وهو يضع يده مجددًا على رأسها): إذن، ليست مثلكِ؟

إنجي (تزحزح يده بلا اكتراث): لسنا متشابهتين على الإطلاق.تماما كالليل والنهار.

هانا: من منكما الليل ومن منكما النهار؟

إيريك (بابتسامة ساخرة): إنجي، بالطبع. إنجي تشبه الليل، ولكن ليس الليل الهادئ الرومانسي، بل الليل الذي تسوده العواصف والانفجارات.

إنجي (تنظر إليه بطرف عينها): وما شأنك أنت؟

إيريك (يضع يده على رأسها مجددًا): لا شيء، مجرد أُقيّمكِ أكاديميًا.

هانا (تضحك): وأيّ درجة ستمنحها لها؟

إيريك (ببرود): مرتفعة في الكفاءة، منخفضة في التفاعل الاجتماعي.

إنجي (تتمتم بلا مبالاة): عظيم، تقييم رسمي من أستاذ جامعي.

تغيرت ملامح إنجي قليلًا وهي تتذكر أمرًا آخر، ثم التفتت إليهما قائلة:

إنجي: بالمناسبة، ماذا عن يوليوس؟ أهو ما زال في المشفى؟

هانا: نعم، وهارو قرر البقاء معه.

إيريك (بابتسامة جانبية ساخرة): قرر البقاء معه؟ بل قرر تحويل حياته إلى جحيم صغير داخل غرفة المشفى.

إنجي (تبتسم بخبث): أشعر بالشفقة على الأطباء والممرضين أكثر من شعوري بالشفقة على يوليوس.

إيريك: المشفى بأكملها ستُصاب بالاضطراب بسببهما، أتصور أن المرضى الآخرين يتضرعون لنقلهم إلى طوابق أخرى.

هانا: لا بأس، إنهما ينسجمان جيدا معا.

في تلك اللحظة، انفتح باب الوصول، وبدأ الركاب بالخروج تباعًا. عينا هانا اتسعتا حماسًا وهي تبحث بين الحشد عن وجه مألوف. لم يمر وقت طويل حتى ظهرت امرأة ذات قوام ممشوق وبطن منتفخ قليلًا، مما يدل على حملها. كانت ترتدي ملابس مريحة، وذراعاها خاليتان من أي حمل، بينما زوجها هو من كان يحمل طفلة صغيرة بين يديه. كان طويل القامة، قوي البنية، بشرته برونزية وشعره الداكن مُسرّح بعناية، وكانت عضلاته واضحة تحت قميصه. بدا كأحد أولئك الممثلين.. وكأنه خارج من إعلان رياضي للتو.

هانا (بهمس لإنجي، وهي تنظر إليه باندهاش): زوج أختك… حسنًا، لم أتوقع هذا.

إيريك (بنبرة هادئة وهو يراقب الرجل باهتمام): يبدو أنه رجل ذو خبرة… في أشياء كثيرة.

إنجي (تتمتم بلا اكتراث): لا بأس به.

هانا (تحدّق بها مستنكرة): "لا بأس به"؟ لو كان زوجي، لما كنتُ حملتُ حقيبتي بيدي أبدًا.

إيريك: أتساءل ما نوع العمل الذي يجعله مضطرًا إلى ترك زوجته وحدها وهي على وشك الولادة.

اقتربت المرأة، وعندما رأت إنجي، ابتسمت بحرارة وقالت:

أخت إنجي: مضت فترة طويلة!

إنجي (بهدوء): هذا صحيح، اختفيتِ لعامين كاملين.

أخت إنجي (بمرح): يسمونه "الحياة"، يا صغيرة.

إنجي (بفتور): تسمّينه "الحياة"، وأسميه "الإهمال".

إيريك باستهزاء: انظر من يتكلم عن الإهمال

تجاهلته إنجي ثم التفتت إلى الطفلة التي كانت تتشبث بوالدها، تنظر إليها بعينين واسعتين.

إنجي (تنظر إليها برفع حاجب): إذن، هذه الصغيرة ابنة أختي؟

الطفلة (تتمسك بوالدها بخجل): …

أخت إنجي (تضحك): لا تخافي، إنها ليست مخيفة كما تبدو.

الطفلة (بهمس خجول): خالة… إنجي؟

إنجي (تنزل إلى مستواها، مبتسمة قليلًا): نعم، هل قالوا لكِ إنني وحش؟

الطفلة (تهز رأسها بسرعة): ماما قالت إنكِ رائعة.

هانا (بابتسامة مشرقة): وهي صادقة تمامًا. -اكملت حديثها ناظرة إلى زوج الأخت- لابد أنك زوجها -صافحته- أنا هانا صديقة إنجي

زوج الأخت بابتسامة هوليودية: سمعت عنك الكثير من زوجتي

ثم صافح ايريك بحرارة: لابد أنك البروفيسور المشهور.. أليس من الرائع أن تملك كلا من المظهر الجيد والعقل المنير!

ايريك بتهكم: هذا ليس بالكثير

بعد لحظات، تنحنح الرجل وقال بصوت هادئ:

زوج الأخت: آسف، ولكن عليّ الذهاب، طائرتي إلى جنوب أفريقيا ستقلع خلال ساعتين.

هانا (تتنهد بأسف): يا للخسارة، كنت أريد معرفة المزيد عن عملك.

إيريك (يتأمل الرجل بنظرة ثاقبة): جنوب أفريقيا؟ وما هو نوع العمل الذي يستدعي تنقلًا دائمًا وترك زوجتك في هذه الحالة؟

التفت إليه الرجل، بدا للحظة وكأنه يقيس كلماته قبل أن يجيب:

زوج الأخت: أعمال التنقيب، نحن نعمل في مواقع أثرية… هناك اكتشافات مهمة مؤخرًا، والأمر يستلزم وجودي شخصيًا.

إيريك (بابتسامة خفيفة تخفي حدة كلماته): التنقيب، إذن؟ مجال مليء بالمفاجآت.

زوج الأخت (يرد الابتسامة): بالفعل، لا يمكن توقع ما قد تجده تحت الأرض.

ساد الصمت لوهلة قصيرة، قبل أن ينظر الرجل إلى زوجته قائلاً:

زوج الأخت: سأكون على اتصال دائم، واعتني بنفسكِ جيدًا.

ثم ودعهم وغادر، تاركًا البقية يتوجهون إلى السيارة. أثناء الطريق، التفتت أخت إنجي إلى إيريك، ونظرت إليه بفضول.

أخت إنجي: إذن، ما علاقتك بإنجي؟

إيريك (بهدوء وهو يضع يده على رأس إنجي مجددًا وكأنه يحللها أكاديميًا): أنا أقدّر الكفاءات وأحفظ القدرات المعرفية.

إنجي (تبعد يده دون أن ترد): …

هانا (بهدوء واحترام): الأستاذ إيريك أستاذنا في الجامعة، وهو شخص شديد الحرص على قدرات طلبته.

أخت إنجي (تبتسم): فهمت، إذن إنجي طالبة مجتهدة؟

إيريك (ينظر إليها بإعجاب خفي): يمكنني القول إنها متميزة بطريقتها الخاصة.

إنجي (تشيح بنظرها وكأنها لم تسمع شيئًا): كم تبقى لنصل؟

هانا (تبتسم لنفسها، بينما تراقب المشهد بصمت): …

***********

عند وصولهم إلى المنزل، كانت والدة إنجي تنتظرهم عند الباب، وما إن رأت ابنتها حتى أسرعت نحوها، تعانقها بحرارة، ثم أبعدتها قليلًا لتتفحص وجهها بعينين ممتلئتين بالحنان.

الأم (بفرح مشوب بقلق): "أخيرًا! تبدين متعبة… كيف حال صغيرنا؟ هل يرهقكِ كثيرًا؟"

ابتسمت شقيقتها بهدوء وهي تضع يدها على بطنها المنتفخة، حيث بدا الحمل جليًا عليها.

شقيقة إنجي: "إنه مشاغب بعض الشيء، لكني بخير… زوجي يعتني بي جيدا."

في تلك اللحظة، كانت هانا تحدّق بها بانبهار، وهي تراقب الأم الحامل التي لم تكن تحمل شيئًا على الإطلاق، بينما كانت والدة إنجي تتولى حمل حقيبتها، وطفلتها الصغيرة تستقر بين ذراعي أحد العاملين في المنزل، كأن الجميع اتفقوا على منعها من بذل أي مجهود.

هانا (بإعجاب وهي تهمس لإنجي): "زوجها كنز حقيقي! هل رأيتِ كيف لم يسمح لها حتى بحمل حقيبتها؟"

لم تجب إنجي، فقط زفرت بصمت بينما تتجه نحو الداخل.

الأم (بتنهيدة خفيفة): "كنت أتمنى لو تمكن من البقاء معنا قليلًا… لكني أعلم أن عمله يأخذه بعيدًا دائمًا."

هنا، رفع إيريك حاجبًا وهو يضع إحدى الحقائب جانبًا، ثم قال بنبرة هادئة لكنها محملة بالفضول:

إيريك: "من المؤسف أن يكون والد الطفل غائبا في أول لحظات حياته"

التفتت إليه شقيقة إنجي، مترددة للحظة قبل أن تجيب بابتسامة باهتة:

شقيقة إنجي: "لا بأس، ستكون فرصة سانحة لأبقى مع عائلتي... فقد طال غيابي."

ظل إيريك يحدّق بها للحظة، كأنه يحاول تحليل ما قالته، لكنه لم يعلق أكثر.

في هذه الأثناء، كانت هانا قد بدأت تلعب مع الطفلة الصغيرة، تضحك وهي تحاول شدّ وجنتيها الممتلئتين، بينما الصغيرة تتململ بين يديها محاولة الهرب.

مرّت لحظات من الدفء العائلي، حتى قطعت هانا الصمت بسؤال عفوي:

هانا: "أين أريج؟ ألم تأتِ لاستقبالكم؟"

ساد الصمت للحظة، قبل أن ترد والدة إنجي بابتسامة باهتة:

الأم: "خرجت البارحة... لديها عمل طارئ."

عند سماع تلك الجملة، أحسّت إنجي بوخزة حادة في رأسها، وكأن شيئًا ما ضرب عقلها فجأة. نبض مؤلم اشتد في جانبها الأيسر، حتى شعرت كأن الطاولة التي تستند إليها تهتز تحت يدها. رفعت أصابعها إلى صدغها محاولة كتم أنين خافت، لكن الألم كان يزداد سوءًا.

لاحظ إيريك ذلك فورًا، وبحركة سريعة اقترب منها وأمسك بذراعها قبل أن تفقد توازنها.

إيريك (بقلق واضح): "إنجي؟ ماذا هناك؟"

لم تستطع الرد، فقط أغلقت عينيها بقوة وكأنها تحاول صدّ الألم. دون أن يتردد، تركها للحظة واتجه مباشرة إلى طاولة قريبة حيث كانت هناك مزهرية وهاتف عتيق. فتح أحد الأدراج بسرعة، وكأنه يعرف مسبقًا أين يجد ما يريد، ثم عاد إليها بعلبة دواء، فتحها وسحب قرصًا قبل أن يمده إليها مع كأس ماء.

إيريك (بصوت حازم لكنه هادئ): "خذي هذا."

تناولت الحبة وشربت الماء بصمت، لا تزال تشعر بوخز خفيف، لكنه بدأ يخف تدريجيًا. جلس بجانبها، لم يقل شيئًا، فقط راقبها بعينين يقظتين، كأنه يحاول التأكد من أنها بخير.

لم ينتبه أحد لما حدث، الجميع منشغلون في الحديث، وهانا كانت لا تزال تلاعب الطفلة.

مرت لحظات صامتة، قبل أن يقول إيريك بنبرة خافتة لكنها محملة بالريبة:

إيريك: "ما قصة هذه العائلة… كل شخص لديه عمل 'مهم' وطارئ يجعله يختفي فجأة؟"

لم تجبه إنجي، فقط نظرت إلى الطاولة بصمت، وعقلها غارق في دوامة من الأفكار الغامضة.

*******

في الصباح الباكر – منزل غابرييل

في غرفة شبه معتمة، كان ضوء خافت يتسلل عبر النافذة المغطاة بستائر مهترئة، ملقيًا بظلال باهتة على الأثاث الفوضوي. طاولة تتناثر فوقها أوراق قديمة، ملفات مفتوحة على صفحات مليئة بالملاحظات بخط غير مرتب، وكؤوس قهوة فارغة تُظهر أثر ليالٍ طويلة بلا نوم.

على الأريكة الجلدية الممزقة، كان المحقق غابرييل ممددًا بإهمال، قميصه غير مرتب وربطة عنقه محلولة كليًا، رأسه يستند على ذراعه بينما يرتفع صدره ويهبط بأنفاس ثقيلة. عيناه مغمضتان، لكنهما لا تعكسان نوماً هانئًا بل إرهاقًا متراكماً.

رنين الهاتف

اهتز الهاتف الموضوع على الطاولة الجانبية، يصدر نغمة حادة قطعت سكون المكان. تحرك غابرييل ببطء، متململاً بضجر قبل أن يمد يده بتكاسل، يلتقط الهاتف دون حتى أن ينظر إلى هوية المتصل.

غابرييل (بصوت مبحوح ونصف نائم): "ماذا هناك؟"

كان ينوي إنهاء المكالمة بأسرع وقت، لكن الصوت القادم من الطرف الآخر أيقظه تمامًا.

الشرطي (بصوت ملهوف ومتفاجئ): "المـ.. المدير!!"

حدّق غابرييل في الظلام، كأنه يحاول أن يستوعب ما سمعه. لكنه لم يكن بحاجة لكلمات أخرى ليدرك أن هذا الصوت ليس نداءً معتادًا، بل صوت مشبع بالصدمة. زفر بضيق، ثم استقام جالسًا وهو يمرر يده على وجهه بإرهاق.

غابرييل (بنفاد صبر): "إذا كنت تحاول إقناعي باعتزال التحقيقات، فأقترح عليك أن توفر جهدك وترحل من أمامي."

الشرطي (مقاطعًا، صوته يزداد اضطرابًا): "لا… المدير قُتل!!"

في تلك اللحظة، اختفى كل أثر للنعاس من ملامح غابرييل. اتسعت عيناه فجأة، واستقام جالسًا بكل انتباه، كأن جسده تلقى صدمة كهربائية.

غابرييل (بصدمة حادة): "ماذا قلت؟ قُتل؟!"

لكن الشرطي لم يترك له وقتًا لاستيعاب الصدمة. تابع بصوت مرتجف:

الشرطي: "أين كنت البارحة؟"

نظر غابرييل حوله، كأنه يرى المكان لأول مرة. الغرفة الفوضوية، الأوراق المبعثرة، كوب القهوة الذي لم يُنهه… لحظة، كيف انتهى به المطاف هنا؟ رفع يده ليمرر أصابعه بين خصلات شعره الفوضوي، يحاول تجميع أفكاره المتشابكة، لكن عقله لم يمنحه ترف التفكير.

استعاد رباطة جأشه سريعًا، وعاد صوته إلى نبرته المعتادة، الجادة والحادة:

غابرييل: "سأتوجه إلى المكتب حالًا."

لكن ردّ الشرطي جاء سريعًا وقاطعًا، أشبه بصوت رصاصة أُطلقت في الظلام:

الشرطي (بحدة وتحذير): "هل تمزح؟ الجميع يبحث عنك! أنت المشتبه به الأول في القضية!"

تجمدت أنفاس غابرييل للحظة، قبل أن يكرر السؤال كأنه لم يسمع جيدًا:

غابرييل: "… ماذا؟"

الشرطي: "التقِ بي في ذلك المكان… سأخبرك بكل شيء هناك."

ثم… انقطع الاتصال.

جلس غابرييل في مكانه للحظات، الهاتف لا يزال في يده، وعيناه معلقتان بالشاشة كأنه ينتظر أن يرن مجددًا ويخبره أحدهم أن كل هذا مجرد كابوس سخيف. لكن الصمت المخيف الذي خيّم على المكان كان أكثر واقعية من أن يكون حلمًا.

نهض من مكانه بسرعة، قلبه ينبض بعنف وهو يحاول استيعاب ما سمعه للتو. المدير… الرجل الذي عمل تحت إمرته لسنوات… قُتل. والأدهى من ذلك، أنه المشتبه الأول.

ضاقت عيناه بحدة، قبل أن يهمس لنفسه وهو يتجه إلى خزانته ليلتقط معطفه:

غابرييل (ببرود قاتم): "أروني من يجرؤ على توريطي في هذا."

ثم خرج، تاركًا وراءه غرفة باردة، وفوضى لن تكون شيئًا مقارنة بالفوضى التي تنتظره في الخارج.

لمشتبه الأول.

ضاقت عيناه بحدة، قبل أن يهمس لنفسه وهو يتجه إلى خزانته ليلتقط معطفه:

غابرييل (ببرود قاتم): "أروني من يجرؤ على توريطي في هذا."

ثم خرج، تاركًا وراءه غرفة باردة، وفوضى لن تكون شيئًا مقارنة بالفوضى التي تنتظره في الخارج.

2025/03/21 · 5 مشاهدة · 3484 كلمة
Moon light
نادي الروايات - 2025