الفصل 22

وصل غابرييل إلى قسم الشرطة، وكان الجو داخل المبنى متوتراً بشكل غير مريح. لم يكن هذا التوتر جديدًا عليه، لكنه هذه المرة كان موجّهًا نحوه. كان بإمكانه الشعور بنظرات رجال الشرطة المثقلة بالشكوك، وكان بعضهم يتهامسون كما لو كانوا يتحدثون عن شبح يسير بينهم.

وقف لوكاس غراي بالقرب من المدخل، منتظرًا إياه. لم يكن بحاجة للكلام، نظرة واحدة كانت كافية لإيصال رسالته: "احذر".

تجاهل غابرييل كل ذلك وتوجه مباشرة إلى مكتب الضابط الجديد، طرق الباب، ثم فتحه دون انتظار الإذن.

الضابط الجديد كان يجلس خلف مكتبه، يراقب دخوله كما لو كان يتوقعه تمامًا.

كان رجلاً في أواخر الثلاثينات، بملامح محايدة إلى درجة مريبة، شعره الأسود ممشط بدقة، وعيناه الحادتان تعكسان ذكاءً متقدًا. لم يكن هناك أي تردد في نظرته، بل نوع من الثقة المستفزة التي لا تنتمي لضابط شرطة عادي.

الضابط: "المحقق غابرييل، تفضل بالجلوس."

جلس غابرييل دون أن يرد، بينما وضع الضابط ملف التحقيق أمامه، فتحه ببطء كمن يستعد لعرض مسرحيته، ثم بدأ الكلام بلهجة هادئة ولكن مشحونة بالمعاني المخفية:

"أنت آخر شخص شوهد مع المدير قبل مقتله. هناك شهود رأوا المشادة التي حصلت بينكما. هذا يجعلك المشتبه الرئيسي، هل لديك ما تقوله؟"

لم يغير غابرييل تعابيره، أخذ الملف من أمامه وبدأ بتقليب صفحاته بهدوء. كانت هذه مجرد لعبة أخرى، لعبة ذهنية بين اثنين من المحققين، لكنه كان يعلم أن خصمه هذه المرة ليس مجرد شرطي، بل شيء أخطر بكثير.

أغلق الملف برفق وأعاد وضعه على المكتب، ثم رفع عينيه مباشرة إلى الضابط وقال بنبرة ثابتة:

"متى كان الجدال دليلاً على القتل؟"

ابتسم الضابط ابتسامة خفيفة، كما لو كان يستمتع بالمبارزة الكلامية.

"ليس دليلًا قاطعًا، لكنه كافٍ لاستدعائك."

ساد صمت متوتر، قبل أن يميل الضابط للأمام واضعًا مرفقيه على المكتب، وقال ببطء متعمد:

: "حسنًا، لنقل أنك كنت شديد الحدة... والكاميرات تؤكد وجودك في المبنى خلال الفترة الزمنية التي يقدر فيها وقوع الجريمة. ألا تجد ذلك مثيرًا للاهتمام؟"

أسند غابرييل ظهره للكرسي، ورفع حاجبًا باستخفاف.

غابرييل: "كاميرات؟ أي كاميرات؟ لأنني إن لم أكن مخطئًا، معظم الكاميرات في ذلك الطابق لم تكن تعمل منذ شهر."

ارتسمت على شفتي الضابط ابتسامة طفيفة، لكنها لم تصل إلى عينيه.

الضابط: "تبدو مطّلعًا جيدًا، لكننا حصلنا على بعض اللقطات من الكاميرات القريبة، ولم نرَ أي شخص آخر يدخل أو يخرج خلال الفترة الزمنية المقدرة للوفاة."

غابرييل: "بعبارة أخرى، لا دليل على أنني فعلتها... لكن لا دليل على أنني لم أفعلها أيضًا، أليس كذلك؟"

أومأ الضابط ببطء، وكأنه يقدّر ذكاء خصمه.

الضابط: "تمامًا... وهذا يجعل موقفك معقدًا، أليس كذلك؟"

ساد الصمت للحظات، ثم مال الضابط للأمام مستندًا على مرفقيه، وصوته بات أكثر هدوءًا ولكن محملًا بمعانٍ خفية:

"دعني أسألك سؤالًا، غابرييل... إن لم تكن أنت، فمن تعتقد أنه فعلها؟"

لم يرد غابرييل على الفور، بل تأمل ملامح الضابط بتمعن، باحثًا عن أي شقوق في قناعه المحترف. ثم قال بنبرة باردة:

"لو كنت أعرف، لما كنا هنا الآن."

ضحك الضابط بخفة، ثم قال بصوت منخفض:

"أنت بارع في التهرب... لكن هل ستكون بارعًا في تبرئة نفسك؟"

نظر إليه غابرييل نظرة طويلة، قبل أن يقول بهدوء متزن:

"إن كنت تظن أنني القاتل، فلماذا لا تحتجزني؟"

صمت الضابط لثوانٍ، وكأنه يستمتع بإطالة اللعبة، ثم مال للخلف في كرسيه وقال بابتسامة صغيرة ولهجة أكثر استفزازًا:

"بما أنك متأكد من أنك لست القاتل، فلنضع الأمور في نصابها الصحيح... تولَّ التحقيق بنفسك. برّئ نفسك بنفسك. سأتركك تعمل بحرية، وسأراقب الوضع... وأعدك، لن يتدخل أحد."

نظر إليه غابرييل ببرود، ثم نهض ببطء، التقط معطفه من الكرسي، وقبل أن يستدير للخروج، قال بصوت هادئ ولكنه محمّل بالتحذير:

"لعبتك واضحة، لكنني لن أكون بيادقك."

غادر المكتب، تاركًا خلفه الضابط الذي كان لا يزال يحتفظ بتلك الابتسامة الغامضة.

الآن، في وضع غير مألوف، المشتبه به الأول... أصبح هو المحقق.

كان الوضع خارج مكتب الضابط الجديد صاخبًا، وغابرييل، كعادته، لم يكن يعير الضوضاء أدنى اهتمام. تقدم إلى مكتبه بخطوات ثابتة، محاطًا بنظرات مشحونة بالتوتر والريبة. بدأ بإعطاء تعليماته للضباط وكأن شيئًا لم يحدث، لكن الجو المشحون كان كفيلاً بتفجير الموقف.

صوت خشن قاطع الصمت، متحدثًا بسخرية واضحة:

"ما الذي تحسب نفسك عليه يا سيد المحقق؟ تظن أن بإمكانك إعطاء الأوامر بينما أنت المشتبه به الأول؟!"

رجل آخر، كان يعبث بقلمه بعصبية، قفز في الحديث مستنكرًا:

"لديك الجرأة للعودة إلى هنا والتصرف وكأنك المسؤول؟ المفترض أن تكون خلف القضبان!"

"أو ربما تنتظر أن نساعدك في طمس الأدلة، أليس كذلك؟" قالها ضابط ثالث بنبرة حادة، وسط تأييد من بعض زملائه.

توقف غابرييل، رفع عينيه ببرود نحو المتحدثين، لكن قبل أن ينبس بكلمة، دوى صوت مألوف بثقة:

"كفى، أيها السادة."

كان لوكاس غراي، يقف هناك بذراعيه المتقاطعتين، بنظرته الجادة المعتادة. تابع بصوت واضح، موجّهًا كلامه للجميع:

"المحقق غابرييل ليس مذنبًا، ولا يوجد دليل ضده. لا تتسرعوا في إصدار الأحكام قبل أن تظهر الحقيقة."

ساد الصمت للحظة، عكس غابرييل المكروه كان لوكاس يتمتع باحترام جميل زملاءه...

فتح باب المكتب بقوة، وخرج منه الضابط الجديد، عيناه تتفحصان المشهد أمامه. وقف بثبات، ثم قال بصوت يحمل هيبته:

"أنا من أرسلتني وزارة الداخلية لتولي هذه القضية، وأملك السلطة المطلقة في تسيير التحقيق. أنا من سمحت للمحقق غابرييل باستئناف عمله، لذا... هل لدى أحدكم اعتراض؟"

لم يجرؤ أحد على الرد. تبادل الضباط النظرات، لكن لم ينبس أحد بكلمة.

رفع الضابط حاجبه ساخرًا: "جيد. إذن، كلٌّ يعود إلى عمله."

تحرك الجميع على الفور، متظاهرين بالانشغال، بينما بقي لوكاس واقفًا مكانه. التفت إليه الضابط الجديد وقال بهدوء، لكن بلهجة مدروسة:

"تعال معي، غراي."

في مكتب الضابط الجديد

جلس الضابط خلف مكتبه، متأملًا لوكاس للحظات قبل أن يسأله بنبرة هادئة، لكنها محملة بالاختبار:

"إذن، أخبرني، ما الذي يجعلك واثقًا من براءة المحقق غابرييل؟"

حافظ لوكاس على هدوئه ورد بإصرار:

"لأنه ليس من ذلك النوع من الرجال. صحيح أن أسلوبه قد يبدو حادًا، وأحيانًا غريبًا، لكن ارتكاب جريمة مثل هذه؟ لا، هذا مستحيل."

ابتسم الضابط ابتسامة خفيفة وهو يرد:

"كما هو متوقع من ابن الأمة."

رفع أحد الضباط الجدد حاجبه متسائلًا:

"ابن الأمة؟ ما معنى ذلك؟"

ألقى الضابط نظرة على الشرطي المتحدث، ثم سأله فجأة:

"متى تخرجت من أكاديمية الشرطة؟"

استقام الضابط الجديد في وقفته، ورفع يده بتحية عسكرية:

"قبل عام ونصف، سيدي!"

أومأ الضابط برأسه قبل أن يقول بنبرة خافتة لكن ذات مغزى:

"إذن، لم تكن هنا عندما حدث ذلك قبل ثلاث سنوات... عندما كان لوكاس غراي مجرد شرطي مبتدئ."

نظر الجميع إلى الضابط بترقب، منتظرين سماع القصة...

قبل ثلاث سنوات، كان هناك مجرم خطير يُعرف باسم "الجزار"، قاتل متسلسل استهدف رجال الشرطة وترك جثثهم مشوهة بطريقة وحشية، كأنها رسالة تحذير لكل من يطارده. في إحدى الليالي، وبعد تحقيق طويل، تمكن المحقق غابرييل وفريقه من تعقب الجزار إلى مستودع مهجور في أطراف المدينة.

دخلت الفرقة بهدوء، لكن المجرم كان مستعدًا—فقد نصب لهم فخًا. انفجار مدوٍ هزّ المكان، تلاه وابل من الرصاص من قناص مجهول، ليسقط اثنان من رجال الشرطة فورًا. وسط الفوضى، تمكن لوكاس غراي من التقاط إشارات المجرم، وبينما كان القناص يصوب على المحقق غابرييل، قفز لوكاس أمامه، متلقيًا الرصاصة في كتفه.

رغم الألم والنزيف، لم يتراجع. بل على العكس، استغل لحظة الفوضى وتقدم باندفاع، متجاهلًا إصابته، ونجح في إطلاق النار مباشرة على القناص، مما أتاح لبقية الفريق فرصة للسيطرة على الموقف. وبينما كان الجميع في حالة صدمة، وقف لوكاس، مغطى بالدماء لكنه لا يزال مبتسمًا، قائلاً:

"ليس اليوم... العدالة ما زالت قائمة."

منذ ذلك اليوم، أصبح لوكاس غراي "ابن الأمة" في القسم—الرجل الذي خاطر بحياته لحماية زملائه، الرجل الذي لم يتردد لحظة في مواجهة الموت من أجل العدالة.

يتبع...

2025/03/22 · 11 مشاهدة · 1167 كلمة
Moon light
نادي الروايات - 2025