توقف الهاتف عن الرنين فجأة، ترك يوليوس هارو متنهدا الصعداء وكأن حملا ما قد انزاح على كاهله، جلس جانيا شابكا يديه مستغرقا في التفكير.
بينما هزه هارو محاولا لفت انتباهه بينما لم ينظر له بل أستمر بالتحديق خلف يوليوس للهاتف قائلا:
-كان الوضع مخيفا لاستمرار ذلك الهاتف العتيق بالرنين ولكن بعد أن توقف أصبح الوضع أكثر رعبا ~هاي يولي أجبني
أبعد يوليوس يد هارو بانزعاج قائلا:
-فقط تجاهله وسنكون بخير.
عادة هانا لغرفة الجلوس موجهة نظرها للهاتف:
-يبدو أنه توقف عن الرنين، هل لا بأس إن أجاب أحد ما. -أردفت بصوت منخفض- ألن يكون من الوقح عدم الرد
أجاب كل من يوليوس وهارو بنفس الوقت مفزوعين: لا
ثم نظر كل منهما للثاني في حيرة بينما أردف يوليوس مصححا الوضع بعد أن بدت علامات التعجب على هانا لرد فعلهم الغريب:
-دعيها وشأنها إن أرادت أن ترد فسترد لوحدها
أكمل هارو مساندا صديقه رفع يديه ثم استدار متقدما بضع خطوات:
-نعم نعم وما شأننا بهاتفها الذي يرن.
لم يكد يكمل كلامه حتى دخلت إنجي وبين يديها علب عصير وبسكويت مع مكسرات مشكلة
رفع يوليوس نظره إليها بينهما شبك يديه أمام وجهه ناظرا بكل جدية *تبدو لطيفة وهي تحاول أن لا تسقط العلب*
تلقى ضربة لمؤخرة رأسه ليلتف بغضب إلا أن صديقه لم يأبه بنظراته الساخطة قائلا:
-لابد أنك تفكر بشىء ك "إنها تبدو لطيفة" -ثم ابتسم بمكر وأكمل- أليس كذلك
وضعت إنجي ما كانت تحمله على المائدة بعشوائية دون أن تكلف نفسها عناء ترتيبهم.
تأمل هارو المنظر لثوان ثم قال متناسيا خوفه:
-هاي هل تحسبيننا قطط ضالة لتقدمي لنا الطعام بهذا الشكل، ثم ما قصة علب العصير هذه هل نحن أطفال بالروضة ام ماذا؟ بدون ذكر كوكتيل الوجبات الخفيفة لديك حقا ذوق شيطاني ..
تجاهلت هانا تذمره ثم تقدمت بخطوات ثابة ناحية الهاتف لترفع السماعة قائلة:
- نعم.. اممم حسنا، كم بقي لوصولكما... لدينا بعض الضيوف هنا ..-ثم قطبت حاجبيها وأغلقت الخط بانزعاج-
اتسعت حدقتا عيني هارو في استغراب بالغ
*كيف ترد على هاتف لم يرن أصلا* ثم استدار ليواري ملامحه المرتعبة في حين تبادل نظرات مع صديقه الذي يبدو وكأنه يهدده بتمالك نفسه حتى لا يورطهم في ما لا تحمد عقباه.
هانا في العالم الموازي سألت إنجي بكل براءة:
-من القادم إنجي
صفع هارو جبينه بخفة مستسلما من غباء أخته تمتم بعبارات يابانية غير مفهومة.
لم يأبه يوليوس لأي من الأخوين بل استدار بكامل جسمه ليرى تعابير وجه إنجي، داعيا أن لا تنزعج من سؤال هانا الغبي.
وعلى الجانب الاخر من الأريكة وقفت إنجي وقالت بملامح منزعجة وكأن شيئا ما عكر مزاجها:
-أمي وأريج سيصلان بعد قليل.. -ثم أردف- مع الأحمق رون...
بدت الفكرة لوحدها مزعجة جدا بالنسبة لإنجي وكأنه لا يكفيها من صداع الرأس وجود هذه الشلة هنا، إنجي اعتادت على نكد أمها وطفولية أريج لكن رون مستوى الوحش فالإزعاج هارو بالنسبة له مجرد غر صغير...
قطع حبل أفكارها صوت هانا التي كالعادة تتكلم بكل حماس متقدمة نحو أخيها لتمسكه من طرف قميصة قائلة: -أخي أخي لا أصدق أننا سنقابل عائلة إنجي شخصيا.
ثم وضعت كفيها على خديها مكملة: -أريج كم عمره هل هو أصغر من رون... كيااااا ماذا عن رون هل سيكون وسيما بالنظر لوجه إنجي بالتأكيد سيكون تحفة فنية..
زمت إنجي شفتها وضربت علبة العصير على وجه هارو: -نعم تحفة من القمامة
مسح هارو العصير من على وجهه صارخا: وما دخلي أنا بك وبأخيك
نظرت إنجي بسخرية لهارو: - آرا آرا حسبتك كيس القمامة.
ابستم يوليوس نصف ابتسامة ثم نظر للأعلى: -بالتفكير في ذلك أنت تنفع ككيس قمامة أكثر منه ككيس ملاكمة.
اكملت هانا حديثها غير منتبهة للإهاناات التي يتعرض لها أخيها:
-والدة إنجي يا إلهي ماذا سأفعل إن لم يعجبها منظري ماذا لو منعتني من رؤية إنجي ...
دخلت إنجي لغرفتها ثم أغلقت الباب على نفسها تاركة المنزل للأخوين ويوليوس.
تحجر الثلاثة مستغربين أفعال إنجي، هانا كانت قلقة حيال اول انطباع لعائلة صديقتها مما دفعها لتطرق باب إنجي بيأس
-إنجي إنجي هل يمكنك أن تعيريني مكياجك وبعض الملابس اللائقة.
هارو: وكأنك تطلبين الضباع إعارتك المسك، كيف لشخص مختل أن يمتلك أشياءا كهذه يمكنني أن أأكد أن تلك الشيطان ليست أنثى -أردف مستنكرا وكأنه تذكر شيئا للتو- حتى تكون إنسانا قبل..
قال يوليوس بدون أن ينظر إليه: -اخرس
تجمد الدم في عروق هارو قائلا: -حسنا
ثم نظر بجدية: -هل تعتقد أنهم قادمون حقا
يوليوس: -هل تظن أنهم أشباح أو شيء من هذا القبيل، التقيت بعائلتها من قبل بالفعل وهم أناس حقيقيون
شهق هارو بفزع واضعا يده على فمه والصدمة بادية على وجهه.
مما جعل يوليوس ينهض من مكانه قائلا باستنكار:
-هل كنت تظن أنهم أشباح بالفعل؟¡¡¡
أشاح هارو بعينيه متفاديا نظرات يوليوس التي تخترقه بدون أن يرد
ما هي إلا لحظات حتى فتح الباب لتدخل امرأة فالخمسينات من عمرها تبدو محافظة على جمالها رغم تقدم عمرها.. لابد أنها كانت من بين الحسناوات في شبابها، ملامحها مميزة فك حاد وعيون زرجدية جميلة لا تزال تلمع ببهاء مع أهداب طويلة داكنة السواد كقطع الليل مما أضاف لعينيها لمسة من الجمال المتوحش. كورت ذلك شعره الأسود الفاحم الذي يبدو الشيب فيه وكأنه شهب وسط ليال شتوية حالكة السواد للخلف بأناقة إلا من خصل تمردت لتسقط على جبينها وطرفي وجهها. خلفها تسير فتاة، هي قصيرة وممتلئة نوعا ما بشرتها ناصعة البياض كأرنب ثلجي، شعرها بندقي الون طويل مموج يصل لركبتها مع غرة جميلة تغطي أغلب ملامحها مما يعطي إنطباعا بأنها كرة من الفرو جرو لطيف، عيناها كبيرتان لوزيتا الشكل بلون عسلي جميل تناسب مع وجهها الطفولي وفمها الصغير مع غمازتان تزينان خديها الممتلئين، كانت تحمل العديد من أكياس البقالة واكياس أخرى بحيث تبدو وكأنها تعاني حتى تحافظ على توازنها بينما تقف المرأة الثانية بشموخ حاملة كيسا كبيرا من ماركة فاخرة بكل أناقة وايتيكيت.
انبهر الأخوان بجمال الأم والابنة الأخاذ، بينما تقدم هارو مسرعا وبدون وعي منه إلى الباب ليساعد الحسناء في حمل الأكياس وكأنه صاحب المنزل..
تلعثم قائلا: -دعيني أساعدك آنستي.. سأضع هذا جانبا.
ضحكت أريج بخفة قائلة: -وأين ستضعه أيها السيد المحترم..
أحس هارو بالحرارة ترتفع في خديه وأذنيه وأكمل بإحراج: -ااا عذرا آنستي أردت أن أساعد فقط دعيني أقدم نفسي أولا.
أكمل بعد أن حمل الحقائب متبعا خطواتها:
-أنا هارو ساساكي وتلك أختي هانا ساساكي نحن أصدقاء إنجي ~غمز أخته لتلقي التحية بأدب مفكرا بأنها هي أكثرهم حماسا لم تنبس ببنت شفة منذ دخولهم~
بينما هانا لم تتخطى صدمة أن أريج فتاة وليس فتى!!
تداركت الوضع وتقدمت بهدوء ورزانة: -أنا هانا صديقة إنجي ورفيقتها فالفصل.
التفتت والدة إنجي إليها قائلة: -كيف لتلك المتوحدة أن تمتلك صديقة بلطافتك -ثم مسحت خدها بحنان قائلة- عزيزتي هل أنت بخير مع طباعها الخشنة؟
ردت هانا بتوتر بالغ: -لا لا إنجي لطيفة معي
مما جعل هارو يتمتم: -لطيفة مؤخرتي
سمعته أريج فضحكت بصوت شبه مسموع قائلة: -أنت ممتع حقا.
طأطأ رأسع من الإحراج نادما على ما قاله.
نظرت والدة إنجي للخلف مكلمة يوليوس: اوه يوليوس هنا أيضا مرحبا بك ولدي
تشنجت ملامح هارو وهانا متسائلين *لأي مدى هو قريب من إنجي*
بعد أن عادوا إلى غرفة الجلوس أخذت أريج مفتاحا ما ثم توجهت لغرفة إنجي لتعاتبها:
-إنجي ليس من اللباقة أن تدعي أصدقائك لوحدهم بالبيت وتغلقين على نفسك في غرفته.
لم ترد إنجي واكتفت بتغطية وجهها ببطانيتها.
تقدمت أريج وأزالت البطانية عن وجهها قائلة بابتسامة ماكرة:
-انهض أو أفتح ذلك.
كشرت إنجي عن أنيابها بغضب وهي تقول:
-هل أنت تهددينني الآن
ابتسمت أريج ابتسامة عريضة وقالت:
-لا عزيزتي نحن هنا لنتفادى أسوء السيناريوهات ثم رجعت للخلف وأكملت : هيا بنا لنجلس مع أصدقائك ...كعائلة عادية.