عادت أريج إلى غرفة الجلوس المقابلة لغرفة إنجي وقالت مشيرة بسبابتها للغرفة:
-إنجي تغير ثيابها هي حقا تأخذ وقتا طويلا في ذلك، -ثم صفقت يديها بمرح مردفة- عزيزتي قد دعتكم للمبيت اليوم.
نظر هارو ليوليوس باستغراب، تأخذ وقتا لتجهيز نفسها؟ تدعونا للمبيت؟ عزيزتي؟؟؟
نطق هارو بدون وعي منه: -يبدو أن نهاية العالم تقترب.
يوليوس بنظرة حادة كالعادة: -ابق هادئا
بينما قفزت هانا من الفرحة: واااااو ليلة مبيت هذه أول ليلة لنا معا.
خرجت إنجي ببجامة أخرى وقد تركت شعرها ينسدل على ظهرها النحيل كخيوط حريرية تهتز بخفة مع كل حركة بسيطة لجسمها تلك الخصلات التي تستمر بمداعبة وجهها الجميل جعلت يوليوس تائها في تفاصيلها الصغيرة، من حاجبها الذي ترفعه بانزعاج إلى قدميها الحافيتين إلى بيجامتها البسيطة السوداء التي طبعت علبها جملة "ضوء القمر في الليالي الداكنة" ورغم بساطة ملابسها إلا أنها تبدو أجمل يوليوس كان مغرما بكل ذلك.
أفاق يوليوس من شروده ثم قال متحاشيا التحديق بإنجي: أريج ... -أكمل مترددا- ماذا عن موضوع أريج؟
أبعدت إنجي خلاصت شعرها المترامية على وجهها بانزعاج : -اه نعم ستبقون هنا الليلة.
قال هارو بعناد: -هل هذا أمر أم طلب
ردت إنجي: -أتمنى أن تختفي إلى الجحيم لكن -قطعت جملتها ثم توجهت إلى المطبخ-
تبعتها هانا : -سأساعدك
والدة إنجي: -سأبذل جهدي لإعداد عشاء يليق بأصدقاء ابنتي المتوحدة
هانا: -سيدتي أرجوك لا تضغطي على نفسك سأكون هنا لمساعدتك
نظرت والدة إنجي لابنتها نظرة ذات مغزى وقالت: -هانا حبيبتي أنت تمتلكين الجمال والأخلاق وحتى مهارات في الطبخ، يجب على أحدهم أن يتعلم منك
تجاهلت إنجي عبارات أمها سكبت لنفسها مياه ثم تركتها وخرجت.
انتبهت أريج لما فعلته إنجي وضعت يدها على خدها مفكرة ثم نظرت للأعلى والأسفل وكأنها تتذكر شيئا ما ثم وأخيرا يبدو أنها فهمت.
جلست انجي بجانب يوليوس ثم قالت: -بما انكم نظفتهم معي فأنتم تعرفون مكان الحمام والغرف، من يحتاج ملابس ليطلب فقط ستصل بحلول نصف ساعة أو خذوا من ملابس رون وراون...
قال هارو: لا أصدق أنه تم جري إلى هنا والآن أنا مجبر حتى المبيت بين أحضان الشيطان -جالت بخاطره ضحكة أريج فابتسم ببلاهة- حسنا ربما لا يبدو الوضع بهذا السوء ما دامت هانا متحمسة.
حدق به يوليوس ثم قال بسخرية: إذن من أجل هانا.
هارو: هااي
أكمل يوليوس: ماذا عن المبيت؟ أين سننام.
إنجي: بالطبع مكان جلوسك سيكون مكان نومك
هارو بنفاذ صبر: -هل ستجبريننا على النوم هنا حقا؟ ثم أشار إلى الأريكة: على هذه الأريكة.. -بامتعاض- لا يمكن حتى لكلب النوم هنا.
قالت إنجي: -لا تهن الكلاب على الأقل هي شجاعة ووفية.
قالت أريج التي كانت تتابع الحديث من باب المطبخ:
- طبعا الفتيان سينامون مع بعض والفيات مع بعض.
ثم أضافت رون سيصل بعد قليل يمكنكم النوم في غرفته لدينا غرف شاغرة أيضا إذا أردتم النوم بشكل منفصل.
إنجي -معترضة- : من الذي سينام نع من؟ أنا سأنام وحدي، يمكنك النوم مع هانا بعد كل شيئ هي تروق لك.
ابتسمت أريج قائلة: -كنت أود ذلك لكن مايكل قادم وسأعود معه للمنزل الليلة.
نزلت تلك الكلمات كالصاعقة على هارو العاشق الولهان
ثم تمتم: ماذا عن الحب من أول نظرة ماذا عن ساكورا وآدم..
قالت إنجي: -متخلف معاق، من ساكورا وآدم
هارو: أطفالي أقصد أطفالنا
يوليوس بتقزز: -هل أنت أعمى لدرجة أنك لم تلاحظ خاتم الزواج على إصبعها.
هارو: ها أي خاتم..
أريج مقهقهة: -أنتم أصدقاء مقربون حقا.. هارو عزيزي لو لم يكن مايكل في طريقنا لتزوجتك... -ثم أضافت بتأثر مصطنع- ربما في حياتي القادمة أو العالم الموازي.
سمع الحضور صوت المفتاح على الباب ليدخل شاب فارع الطول، طويل لدرجة أنه اضطر لإنزال رأسه حتى يدخل، عيون كحلية زادت جمال حدقتيه البندقيتين مع شعر اسود فاحم يرجعه إلى الخلف كاشفا عن جبهته البيضاء إلا من جانبي وجهه حيث انسدلت خصلتين مزينة وجهه الوسيم ذو الفك الحاد، وفمه الواسع مع ابتسامة عريضة تكشف عن أسنانه البيضاء كاللؤلؤ ابتسامة المشاهير التي لطالما أسقطت ضحايا كثرا من النساء، أنفه الحاد وبشرته الفاتحة أعطته مظهرا رائعا متناسبا مع جسمه الرياضي وطوله. يرتدي قميصا أبيضا مزررا ضيق يكشف عن عضلات صدره وظهره المشدود مع بنطال بذلة كلاسيكي، وحذاء أديداس أبيض، في يده يحمل نظاراته الذهبية.
رمى المفتاح على الطاولة ثم ألقى بنفسه على الأريكة وقبل أن يفتح فمه قالت إنجي:
-كيس القمامة توقف عن التصرف وكأنك مشهور ما أيها الفاشل اللعين..
تبدلت ملامح رون الجدية إلى ملامح طفل كشفت خدعته: -إنجي دعيني وشأني هذه أول مرة أرى فبها أصدقائك، دعيني أتصرف كأخ كبير مثالي.
إنجي: مثالية @$$&@@ أين فتياتك، أين الخمور وعلب السجائر
رون محاولا إغلاق فمها: - ما الذي تقولينه الآن هاا إذن عرفوني بأنفسكم
أبعدت إنجي يده بعنف ثم قالت: -كيس القمامة سيبيت معك الليلة اما يوليوس فسيبقى في غرفة راون لا أريد أن يتلوث بعقلية القمامة.
يوليوس: -سيكون هذا جيدا
رون محتضنا هارو: نحن على نفس الكفة.
اجتمع الأربعة إضافة إلى هانا التي كانت في المطبخ وأريج ووالدتها سار الوقت بسرعة وهم يتجاذبون أطراف الحديث بعد أن تعرفوا على بعضهم ومجالات دراستهم وعملهم، قاد رون الحديث فهو متكلم جيد تحت إهانات إنجي وحماس هانا بينما لم يتحدث يوليوس كثيرا إلا للضرورة.
تناولوا العشاء ثم شاركوا جميعا في التنظيف عدى إنجي طبعا التي اختفت تماما أثناء وقت التظيف، ثم ذهب كل واحد منهم إلى غرفته لينام.
...............
أين أنا؟ أرى مساحة خضراء واسعة تغطيها ورود من أنواع مختلفة مشكلة لوحة بألوان بهية عند إعادة النظر أليس هذا سفح جبل؟ على بعد أمتار قليلة تبدأ تظهر الأشجار المتصافة جنبا إلى جنب كبنيان مرصوص... أغمضت عيني ثم ملأت صدري برائحة الزهور الزكية .. هذه هي رائحة الربيع المنعشة... الهدوء يعم المكان ولدي رغبة بأن أجري وألعب أن أستلقي على العشب بلامبالاة وكأنني لم أحمل هما من قبل، أشعر بالراحة هنا أريد أن أبقى... مهلا مهلا... فجأة أتذكر أشياء ذكريات أم أفكار لا أعلم من أنا؟ ما الذي يحدث هنا؟ أين أنا؟ ما هذا المكان وكيف وصلت ..
فجأة صار كل شيء أبيض، رفعت يدي لأتفقد جسمي وملامحي لا أستطيع أن أتذكر أي شيء، ما هذا يدين صغيرتين ممتلئتين .. إنها أيدي طفل رفعت يدي لأتفقد ملامحي ثم تأملت جسمي ومظهري تنورة قصيرة بنفسجية داكنة وجوارب طويلة سوداء كنزة من الصوف بنفسجية، ظهرت أمامي صورة مشوهة لفتاة كهذه أمامي لدي إحساس بأنها ذكرى ما، أعدت النظر ليدي لأجدهما يدي فتاة بالغة يدين نحيفتين ناصعة البياض مع أصابع طويلة وأظافر مقلمة بإتقان... فجأة هناك عند قدمي بركة من الدماء... تفاجأت متراجعة للخلف لأجد أن بركة الدماء هي دماء تلك الطفلة لكن من أين يأتي الدم؟ أستطيع الإحساس بلزوجة الدم في يدي .. ثم ماذا؟ يا إلهي يدي يدي يدي بدون جلد فقط لحم ودماء.. صرخت برعب شديد لكن صوتي لا يخرج أشعر أنني أحترق أريد أن يسمع أحدهم صوتي.. أحد ما ... لينقذني أحد ما..
استيقظت فجأة لأجد نفسي أتصبب عرقا، أستطيع أن أسمع صوت دقات قلبي بوضوح وكأنه سيقفز خارج صدري... اغمضت عيني ثم شهيق وزفير في محاولة لتهدأة نفسي... حسنا حسبت أنني استطعت أن اتعامل نع هذه الكوابيس المزعجة لكن يبدو أنه لا يزال هناك المزيد... بعد أن هدأت الآن سأذهب لأشرب الماء وأتمشى قليلا لا أريد أن أعود للنوم.
فتحت الباب بهدوء ثم توجهت للمطبخ بهدوء حرصا على عدم ايقاظ أي من الحاضرين، شربت الماء وخرجت في الطريق إلى الباب سمعت صوتا ما...
هناك خلف المطبخ فالمساحة الفارغة ما بين المطبخ والفناء ظل لشخص ما يبدو وكأنه مشغول بفعل شيئ ما.. تقدمت لأرى من يكون ... ااا هذه أريج فقط..
-أريج ما الذي تفعلينه في مثل هذا الوقت؟
التفت أريج فزعة محاولة إخفاء شيئ ما:
-ماذا من؟ اه إنجي هل أنت مستيقظة
راودتني بعض الكوابيس أريد أن استنشق بعض الهواء النقي وأسير قليلا هل ستأتين معي؟
نظرت أريج بارتباك وقالت:
-نعم بالطبع سأرافق عزيزتي للتمشي هيا بنا.
إنجي متقدمة نحو باب المطبخ المطل على الفناء : -إذن ما الذي تفعلينه؟ -نظرت بفضول خلف أريج ثم اكملت- في هذا الوقت ...
دفعت أريج إنجي قائلة: -لا أنصحك بالخروج من هناك في الواقع لقد سمعت القطط تتقاتل هنا وعندما خرجت لأرى فوجدت أحدهم ميتا.
إنجي: -هذا سيئ، ليس من العادة أن تؤدي قتالات القطط إلى موت أحدهم.
~في وقت لاحق من الصباح~
استيقظ يوليوس أولا غسل وجهه ثم تفقد هاتفه ليجد رسالة من إنجي تقول فيها:
-أنا مستيقظة بالفعل عندما تستيقظ تعال لغرفتي.
توجه لغرفتها دق الباب بلطف ثم انتظر قليلا ليسمعها تقول: ادخل لا داعي لأن تطرق الباب.
فتح الباب بحذر ثم دخل إلى غرفتها، غرفة بسيطة خالية من الأثاث إلا من سرير ومكتب وبعض الكتب والمجلات.
يوليوس: صباح الخير إنجي
إنجي: صباح الخير اجلس
لم يكن هناك أي كرسي مما جعله يبقى واقفا وهو ينظر باستغراب.
أشارت له إنجي بأن يجلس على السرير بجانبها
لم يرفض وجلس بعيدا على الطرف الثاني من السرير، هو فقط لم يتجرأ على الجلوس بجانبها في غرفتها وعلى سريرها، يكفيك أنها سمحت له بدخول منطقة راحتها وحدود مملكتها الجليدية المنعزلة.
إنجي: -كنت أعلم أنك ستكون أول المستيقظين.
يوليوس: -لن أفوت فرصة النظر إلى وجهك بهدوء بدون إزعاج الأخوين.
ابتسمت إنجي قائلة: -أنت صريح جدا -ثم أضافت بداخلها وهذا يعجبني- يمكنك أن تستحم سأحتاجك فيما بعد.
يوليوس: -نعم بالطبع ، عن إذنك
خرجت يوليوس وأنا أتتبع خطواته بعيني، أحب أنه يفهم ما وراء الكلمات ولا يزعجني مثل هارو وهانا بفضولهم أو يجبرني على فعل ما لا أريد كذلك الأحمق...
لم يمض وقت طويل حتى استيقظ هارو وهانا ورون ثم اجتمعوا على مائدة الإفطار التي أعدتها والدتي بمساعدة يوليوس طبعا يوليوس تظاهر بأنني نائمة وفضل مساعدتها على أن يوقظني.
هانا: -اوه إفطار غربي هذا مختلف عن إفطارنا أليس كذلك أخي.
رد هارو بفم ممتلئ: -تحدثي عن نفسك انت ما زلت متمسكة بعادات الآسيويين اما انا فقد تغير نمط حياتي تماما واندمجت مع الحضارة هنا.
هانا بحزن: -ما الذي تقصده بالآسيويين نحن يابانيين
هارو بلامبالاة: اليابانيون آسيويون أيضا.
ضحكت والدتي وقالت: -كلهم يمتلكون عيونا صغيرة مغلقة..
-يوليوس بخصوص ما أخبرتك به صباحا...
قاطعتني والدتي بغضب: -ماذا؟ صباحا؟؟ هل كنت مستيقظة؟؟
قال يوليوس مهدئا أمي: -لا انا أيقضتها بسبب الضوضاء فأخبرتني أنها تود طلب معروف مني إلا أنني اخبرتها بأن تنام أكثر لأنها بدت متعبة.
والدة انجي: -إذن هذا ما كان عليه الأمر
-أريد منك أن تدفن القط النافق الموجود في الفناء قرب باب المطبخ.
بسق رون الطعام من الصدمة بينما قال هارو:
-هل قتلت قطا والآن تطلبين من يوليوس المسكين أن يواري آثار جريمتك.. وأمامنا!!!
بينما هانا قالت ببؤس: -القط المسكين نعم هيا لندفنه لابد أنه مات من البرد..
قال يوليوس: -اه نعم بالطبع سأفعل لا تقلقي.
هانا: -متى وجدت هذا القط لم أرك تتوجهي إلى الفناء اليوم؟
-اسيقظت الثانية صبحا لأتمشى قليلا تحت ضوء القمر فوجدت أريج وأخبرتني أن قطا قد مات جراء قتال بين القطط...
بدت ملامح الصدمة على الجميع وكأنهم رأو شبحا
قالت هانا ببراءة: ألم تذهب أريج مع مايكل قبل غروب الشمس؟ هل عادت فالليل بعد أن نمت؟؟
ساد السكون ولم ينطق أحد بينما اكتفوا بتبادل نظرات الاستغراب فأكملت هانا وكأنها أدركت أنها قالت شيئا لا يجب أن يذكر فأكملت بندم:
-يا إلهي هل تخاصمت مع مايكل.. اووو أريج المسكينة لابد أنها حزينة جدا
رمقها يوليوس بنظرة قاتلة ثم قال: -لو أن شيئا حصل لعلمت والدتها بالأمر -ثم سكن لهنيهة ناظرا لوجه إنجي
قالت والدتي: نعم معك حق، إنجي ربما كان مجرد حلم
-حلم؟؟ متأكدة أنني خرجت معها ومشينا مع بعض في الفناء وتجولنا فالشوارع قليلا
قال رون متفاجأ: - أريج؟؟؟ أريج التي تخاف أن تذهب لدورة المياه لوحدها في الليل تخرج للتمشي في الشوارع المظلمة ليلا!!! هذا ضرب من الخيال!!!
-ها وهل أنا الآن كاذبة أم مجنونة.