2014م
"المراقب"
مرحباً اسمي "كولين" لدينا في ديننا غير ضروري أن
أذكره عادات كثيرة منها الطبيعية ومنها الغريبة جداً،
وأغربها هي عندما يموت أحد لا نعترف بثلاجات الموتى
نحن لسنا مثل الناس الطبيعيين الميت لا نذهب به إلى
المستشفى لعمل إجراءات الدفن وهكذا لا بل يبقى في
المنزل يوماً كاملاً ولا يبقى معه أحد من أهله سوى شخص
واحد وهو مختص اسمه "المراقب" يراقب الجثة على مدار
أربع وعشرين ساعة حسن ستسألون ما السبب؟ بالطبع
هناك معتقد في ديننا أنه عندما يموت سيأتي "سارق جثث
الموتى" وهو شيطان يقال إنه لا يظهر بوجهه الحقيقي ويقال
بأن رأسه دائماً ما يكون ملفوفاً إلى الخلف، وأيضاً يتغذى
على جسد الميت لذلك هناك أشخاص عدة موظفون بهذه
الوظيفة مراقب يراقب ويحرس الجثة حتى يحل الصباح
بعدها يصبح الميت بأمان ويستطيعون دفنه بسلام....
كما أخبرتك سابقاً عن اسمي وعمري 30 عاماً، بالنسبة لعمري صغير جداً على هذه الوظيفة لأن المراقبين عادة تكون أعمارهم من 50 عاماً إلى 80 عاماً، يتمتعون بالخبرة والشجاعة والصبر والحنكة، لكن أنا كنت محتاجاً وبشدة
إلى مبلغ من المال خصوصاً أن أجر مراقبة واحدة فقط عال جداً وكنت محتاجاً هذه المراقبة فقط وقلت لنفسي بالطبع ستكون الأولى والأخيرة وهي بالطبع كذلك وأيضاً استخدمت واسطة صديقي فجده يعمل في هذه المهنة أخبرته أن يجعلني مراقباً ليوم واحد لأنني أحتاج المبلغ وبشدة، لذلك أتى اليوم المنتظر اتصل بي صديقي وأخبرني أن غداً يوجد ميت وجده مريض والمراقب الاحتياطي الآخر
مسافر لذلك صديقي خدع جده وقال إن لديه الشخص المناسب وهو أحب صديق له عمره 60 عاماً ولديه خبرة في المراقبة ....
قال لي يجب أن أكون هناك في الساعة التاسعة مساء وأعطاني العنوان كما قال لي يجب أن أقول هذه الكذبة أنني أعرف جده وهو من وكلني وأيضاً أخبرني أن الميت رجل في الثمانين من عمره ولديه زوجة فقط وهي في المنزل معه لذلك سيكون الأمر سهلاً للكذب ....
أتى يوم المراقبة وكان يوم السبت من الأسبوع، ارتديت ملابس جيدة ونظيفة سوداء اللون وحلقت ذقني وشعري
لكي أكون أكثر ترتيباً ولياقة، أخذت معي ما يأخذه معه المراقب وهو كتاب مدينتنا به بعض الأدعية والصلوات والتراتيل التي لا أعرف ولا أحفظ منها شيئاً لأنني لست متديناً
توجهت للعنوان الذي أرسله صديقي كان في بلدة أخرى غير مدينتي يبعد عن مدينتي تقريبا ساعة، وصلت إلى هناك الساعة الثامنة والخمسين دقيقة، كانت البلدة أو القرية مثل كل القرى مظلمة كثيبة موحشة لم أستطع تحديد العنوان أو المنزل بشكل دقيق لذا تهت قليلاً حتى وجدت محطة وسألته عن اسم صاحب المنزل فأرشدني إليه وصلت أخيراً إلى المنزل، كان منزلاً قديماً خشبياً يتكون من طابقين صعدت الدرج المتهالك المؤدي إلى باب المنزل طرقت الباب بدقات متوسطة الصوت، لكن لم يجبني أحد لذا؛ طرقت مرة أخرى بشكل أقوى حتى سمعت صوت صرير الباب وهو ينفتح عدت للخلف وتصنعت الابتسامة لأنني كنت متوتراً قليلاً بحكم أن هذه أول مرة لي في مراقبة جثة - مرحباً : قلت بتوتر
فتحت السيدة العجوز الباب كانت سيدة كبيرة في السن عن عمر يناهز تقريباً الثمانين عاماً، ترتدي لباساً أسود
بالطبع لباس العزاء وشعرها أبيض كبياض الثلج أما تجاعيد وجهها ويديها فكأنها شجرة هزيلة مزروعة من مئتي عام ....
قلت لها :
- مساء الخير سيدة "داغ لوس" أنا المراقب الذي ...
- ادخل قاطعتني وهي تسبقني إلى الداخل،
فهمت أن صديقي شرح لها كل شيء، دخلت خلفها وأغلقت الباب، كان المنزل يتكون من رواق طويل ضيق سرنا فيه حتى وصلنا إلى المنتصف أو تقاطع طرق طريق به صالة جلوس واستقبال وطريق به سلالم تؤدي إلى الأعلى الطابق الثاني، ويوجد مدخل صغير إلى ما يبدو مطبخاً ....
- تفضل يا سيد كوفي أليس هذا اسمك ؟؟
- بلى ... بلی
قمت بالطبع بتزوير اسمي ....
- هنا صالة المعيشة وهذا الميت زوجي السيد "ديفيد داغ لوس"
نظرت إلى الجثة القابعة في نهاية صالة المعيشة بجانب النافذة كانت جثة العجوز ترقد بشكل مستقيم على سرير
أبيض والجثة مغطاة بالكامل بكفن أبيض صحيح أنه جثة لكن وضح لي من هيئته أنه طويل القامة ضخم البنية وكأنه عملاق يرقد على فراش، شعرت بقشعريرة تسري في جسدي لأن هذه أول مرة في حياتي أرى فيها جثة وسأبقى معها في الغرفة نفسها، قاطعت تفكيري السيدة داغ لوس قائلة :
- ستبدأ مراقبتك بعد دقيقتين يمكنك أن تذهب إلى المطبخ إن شئت وتصنع لك قهوة وتشرب ماء إذا أردت أيضاً هناك في آخر الرواق يقبع الحمام إن أردت، وبالنسبة لي أنا متعبة جداً من طقوس العزاء واستقبال المعزين
سأذهب إلى غرفتي في الطابق الثاني وأخلد إلى النوم وإن احتجت إلى شيء فاتصل بي من الهاتف الثابت الذي في حائط غرفة الجلوس اضغط فقط على الرقم واحد وسآتي طابت ليلتك يا بني أتمنى أن تحظى بليلة مريحة ...
مريحة قلت في نفسي كيف ستكون مريحة وأنا أشرب القهوة بجانب جثة ؟
حسناً لا بأس شكراً لك سيدتي يمكنك أن تذهبي وترتاحي سنلتقي غداً صباحاً ...
راقبت السيدة العجوز وهي تصعد السلالم بتعب وثقل حتى اختفت على أنظاري، بعد ذهاب العجوز إلى غرفتها لتنعم براحة ونوم بعد يوم متعب تركتني وحدي مع جثة زوجها لكي أراقبها حتى لا يختطفها الشيطان، أعلم بأن هذه الخزعبلات مضحكة جداً ومن يريد أن يخطف جثة ؟
وماذا سأفعل وكيف أمنعه أصلاً إذا أتى شيطان واختطف الجثة؟ لديهم معتقدات غريبة لكن لا بأس في مجاراتهم من أجل الحصول على مبلغ مالي كبير من أجل ساعات قليلة إنها كالجائزة وضربة الحظ
تفحصت بعيني المنزل والجدران واضح أن المنزل قديم من الصور التي وضعت على الحائط صور للسيدة وزوجها الميت بالطبع ولديهما طفل وكل الصور التقطوها في هذا المنزل تساءلت: أين أولادها ؟ لكن على ما يبدو لا يعيشون هنا بالطبع الشباب لا يستطيعون أن يحبسوا نفسهم في قرية مظلمة ....
جلست على المقعد المجاور والمقابل للجثة لكن لم أقو على مقابلته لذا أدرت المقعد وأعطيت الجثة ظهري
أخرجت رواية أحضرتها معي قررت أن أقرأها كي يمشي الوقت بسرعة، بدأت بالقراءة مندمجاً مع أحداث الرواية تقريباً نصف ساعة دون حدوث أي شيء أغلقت مضت الكتاب بعد أن سمعت صوت نغمة رسالة جديدة على
هاتفي أخرجت الهاتف من جيبي رأيت على الشاشة رسالة جديدة من صديقتي كتبت لي:
- مرحباً يا كولين هل أنت وحدك اليوم؟ أم لديك رفقة ؟
كتبت لها مازحاً وأنا أعلم بأنها لن تصدق:
- لا لست وحدي أنا برفقة جثة ...
ردت بضحكة طويلة قائلة:
- توقف عن المزاح أين أنت سنذهب جميعاً إلى السينما هل تريد مرافقتنا ؟
كتبت لها :
- لا أنا لدي عمل مهم أقوم به اذهبوا أنتم واستمتعوا أراكم غداً
- حسن إذا تصبح على خير ....
ختمت المحادثة بعدها انتقلت إلى التطبيقات الأخرى وقررت أن أشاهد مقاطع في اليوتيوب لكن الشبكة كانت معدومة جداً، توقعت ذلك بما أنني في قرية نائية، فجأة بدأت أضواء غرفة المعيشة ترمش أي تنطفئ وتضيء بشكل سريع، توقعت بالطبع لأن المنزل قديم فأكيد أن الأضواء لديها مشكلة على ما يبدو لا أحد يهتم هنا بكبار السن هل تخلى عنهما أولادهما ؟ حسن ها قد عادت الأضواء طبيعية.
عدت وأمسكت بهاتفي ووضعت السماعات على أذني وقمت بتشغيل بعض الموسيقى بأعلى صوت على أمل أن يمضي الوقت بسرعة غير مبال لشيء حتى لو أتى الشيطان كما يزعمون وسرق الجثة فأنا بالطبع لن أمنعه لأنني لا أستطيع، بقيت أستمع للموسيقى دون أن أشعر بالوقت ساعة كاملة وأصبحت الساعة العاشرة مساء، حتى سمعت صوت صرخة اخترقت أذني والسماعة والموسيقى أبعدت السماعات بسرعة من أذني والتفت للخلف كان
كل شيء كما كان الجثة والمكان خال ظننت أنني أتوهم من شدة صوت الموسيقى قررت النهوض بعد أن رأيت شاحن هاتفي على وشك النفاد، أين يمكنني أن أعيد شحنه ؟ بحثت بعيني عن مقبس لكن لم أجد شيئاً، لذا؛ قررت أن أذهب إلى المطبخ القريب مني وقالت السيدة بأنني أستطيع استخدام أي شيء بالتأكيد يوجد في المطبخ مقبس كهربائي، وأنا في طريقي للمطبخ سمعت صوتاً غريباً وكأنه أحد يخدش شيئاً ما كان الصوت صادراً من المطبخ ظننت أنه فأر على الأغلب، فتحت باب المطبخ بحذر أصدر صريراً خفيفاً، كان المطبخ صغيراً جداً مع طاولة طعام صغيرة في المنتصف تكفي شخصين، ودولاب مطبخ يتكون من جهتين فقط وثلاجة صغيرة، كان ضوء المطبخ خافتاً جداً، أولجت رأسي من باب المطبخ لكي أشاهد مصدر الصوت حتى وقعت عيني على هذا المشهد:
كان في الأرض أقدام لشخص واقع على الأرض كل ما أستطيع رؤيته هي أقدامه ونصفه الآخر خلف الحائط كانت أظافر أقدامه تخدش باستمرار على أرضية المطبخ تخدش بقوة حتى انخلع ظفر أحد أصابعه ومن بعده انسحب الشخص الواقع على الأرض لا أعلم إلى أين ؟
كل هذا المشهد حصل في ست ثوان تقريباً، لم أستوعب ما رأيته؟ بقيت متسمراً في مكاني عند مدخل المطبخ هل أتخيل؟ بالطبع أتخيل
لا يمكنني استيعاب ما حدث قبل قليل، أنا واثق بأنني أتخيل دقات قلبي أصبحت سريعة حاولت أن آخذ نفساً عميقاً وقلت في نفسي: يبدو لأن المنزل مظلم لذلك أصبحت أتخيل أشياء دخلت إلى المطبخ بخطوات بطيئة وحذرة، بحثت عن مفاتيح الإضاءة حتى وجدتها، كبست على الأزرار لكن لم تشتغل أي إضاءة سوى هذه الإضاءة الخافتة اكتفيت من هذا المطبخ عدت إلى مكاني صالة
المعيشة، ووجدت الجثة على حالها قلت في نفسي ضاحكاً : بالطبع لن تختفي ...
جلست على الأريكة التي بجانب الجثة أردت أن أوفر بطارية هاتفي لأنني لم أجد مقبساً في هذا المنزل اللعين، لذلك أطفأت الهاتف ووضعته في جيبي، شعرت بملل شديد وهدوء قاتل لدرجة أنني أسمع أنفاسي، بسبب الملل شعرت بنعاس شديد ولا أعلم كيف غفت عيناي دون أن أشعر
استيقظت على صوت ارتطام قوي قادم من الطابق الثاني نهضت من على الأريكة وقعت عيناي على ساعة الحائط وكان الوقت قد أصبح الساعة الثانية عشرة في منتصف الليل هذا يعني أنني نمت ساعة كاملة، تقدمت نحو السلالم التي تؤدي إلى الطابق العلوي لكنني لم أصعد كان الظلام دامساً في الأعلى لذلك خمنت أنه من الممكن أن الصوت قادم من غرفة السيدة العجوز عدت أدراجي وجلست على الأريكة وأنا أتجاهل النظر إلى الجثة، أخرجت هاتفي من جيبي وأعدت تشغيله، شعرت بأنه ساخن غريب أن يكون ساخناً وهو كان مطفأ رأيت نسبة الشحن أصبحت 30%
وأنا واثق بأنني أطفأته وهو 50%11 دخلت إلى استديو الصور والفيديوهات وكانت الصدمة
وجدت فيديو لنفسي وأنا نائم أي هناك من صورني في هاتفي قبل قليل حيث كنت نائماً هنا تجمد الدم في عروقي بدأت أرجف بشدة، نظرت من حولي في جميع أنحاء المنزل لا يوجد أحد غيري أنا والظلام والجثة
هل من المعقول السيدة العجوز من فعلت ذلك؟
بالطبع من غيرها هنا ؟ يبدو أنها عجوز تعاني من الخرافة والجنون حسناً يجب أن أهدأ الآن بقي ساعات
قليلة فقط وستنتهي هذه الليلة ...
ذهبت إلى المطبخ حتى أشرب بعض الماء، تناولت كأساً من الدولاب المتهالك وفتحت الثلاجة كانت فارغة تماماً
وكأن هذا المنزل لا يوجد به أحياء أغلقت الثلاجة، وقررت أن أشرب من صنبور المغسلة ولله الحمد ما أن أدرت المقبض حتى نزلت المياه شعرت بسعادة أنني وجدت مياهاً في هذا المنزل،
شربت المياه وشعرت بأن روحي انتعشت لأنني كنت عطشان وبشدة، فجاءة أوقعت الكأس على الأرض وتحطم إلى أشلاء بعد أن رأيت أن المياه أصبحت سوداء نعم أصبحت سوداء رغم أنها كانت قبل قليل طبيعية ونظيفة، شعرت بشيء داخل حلقي شيء يسد التنفس عني شعرت بالاختناق أدخلت أصابعي بداخل فمي زحفت بها إلى داخل حلقي حتى سحبت ما كان عالقاً به سحبت
وسحبت ودموعي تنهمر من عيني دقات قلبي تتسارع حدقتا عيني تتسعان روحي على وشك الخروج مع ذلك الشيء الذي أخرجته من حنجرتي كان كومة شعر أسود!!!
أحسست بأنني على وشك التقيؤ، خرجت من المطبخ أركض حتى اصطدمت بالسيدة العجوز قالت باستغراب:
- ما خطبك يا بني ؟
قلت بتلعثم وترددت أن أخبرها عما رأيت:
- حسناً صراحة لا أعلم ما الذي أقوله؟ لكن تعالي معي إلى المطبخ.
أخذتها إلى المطبخ وكان كل شيء طبيعياً المياه نظيفة الكأس مكسور لأنني أوقعته لا وجود للشعر الذي أخرجته من حنجرتي عرفت وقتها أنني على ما يبدو أتوهم بسبب التعب والأرق...
قاطع أفكاري صوت العجوز قائلة:
- إنها المرة الأولى لك أليس كذلك ؟
حسناً يبدو أنها عرفت من توتري الزائد أنني لست مراقباً
قالت:
- هذا واضح عليك أساساً علمت منذ دخولك إلى هنا لكنني تجاهلت ذلك، لا بأس يبدو أنك بحاجة إلى المال باقي ساعات قليلة أتمم عملك على أكمل وجه ولن أخبر أحداً ...
قلت بخجل:
- أنا أعتذر حسناً شكراً لك ...
صعدت العجوز إلى غرفتها، وأنا توجهت إلى المغسلة وقمت بغسل وجهي على أمل أن أعود إلى رشدي، عدت إلى غرفة المعيشة التي بها الجثة تجمدت في مكاني اتسعت حدقتا عيني كانت الجثة غير موجودة لقد اختفت الجثة مستحيل!!
سمعت صوت أحدهم ينزل السلالم نبضات قلبي أصبحت سريعة أنفاسي أصبحت بطيئة ذهبت باتجاه السلالم مع أقدام ترتعش حتى رأيت هذا المنظر المرعب:
كانت السيدة العجوز تصعد السلالم بالمقلوب بشكل سريع حتى دخلت في الظلام
تجمدت في مكاني لم أعد أعرف ما الذي أفعله كل ما شعرت به هو الخوف ولا شيء غير الخوف سمعت صوت
صرير باب ينفتح التفت خلفي لارى باب القبو انفتح وحده كنت أسمع صوتاً منه صوت رجل يتحدث ورأيت ضوءاً أزرق خافتاً يخرج منه؟
كان بإمكاني أن أتجاهل وأخرج من المنزل لكن كما قالت المقولة: الفضول يقتل صاحبه، دخلت إلى القبو نزلت السلالم إلى الأسفل بحذر، كان القبو واسعاً نوعاً ما به أريكة في المنتصف والجدران امتلأت بالصور الغريبة والعبارات غير المفهومة كان أمامي عرض الشاشة البروجكتور به السيد الميت صاحب المنزل وخلفه زوجته
60
تجلس كان السيد يتحدث كلاماً غير مفهوم لم أستطع أن أفهم اللغة ولكن لفت انتباهي السيدة من خلفه وهي تهمس بكلمات اقتربت من الشاشة كانت وكأنها تنظر إلى وكأنها تتحدث وتهمس لي عندما اقتربت أكثر عرفت ما الذي تقوله وهي كلمة واحدة ترددها :
"خلفك"
ما أن استوعبت الكلمة حتى التفت خلفي وهذا ما كان خلفي:
مخلوق هجم علي وكأنه إنسان ولكنه ليس إنساناً، كان رأسه ملفوفاً أي وكأنه مقلوب وجهه في ظهره ومؤخرة رأسه أو شعره في الأمام ضخم البنية لديه يدان لكن بدون أصابع رائحته محترقة
لم أستوعب ما حدث كل ذلك كان سريعاً صرخت صرخة لأول مرة في حياتي أطلقها، أحسست من شدة الرعب بأن قلبي توقف وانتهى الأمر لكنني نهضت أركض بكل ما لدي صعدت السلالم وخرجت من القبو وأغلقت خلفي الباب، عدت إلى غرفة المعيشة وكانت الجثة موجودة كما هي حسناً الآن لم أعد أهتم أنا سأخرج من المنزل أخذت
هاتفي وارتديت معطفي
- إلى أين تذهب يا بني ؟!
أتى صوت السيدة من خلفي ..
التفت لها وأنا في حالة مزرية العرق يتصبب مني وكأنها مياه جارية وجهي شاحب كالأموات، أحاول التقاط أنفاسي، أتوقع أن هذه الجثة الهامدة هنا حالتها أفضل مني بكثير ...
قلت متلعثماً :
- اسمعيني يا سيدة أنت تعلمين أنني لست مراقباً وأتيت إلى هنا من أجل المال والآن أريد الرحيل لا أرغب في أي
مال حتى الساعات التي قضيتها هنا لا أريد أجرتها أرجوك تفهمي وضعي ...
أنهيت كلامي وبدون أن أنتظر أي رد منها توجهت نحو باب المنزل ما أن وضعت يدي على مقبض الباب حتى سمعت صوتها بكل جدية وخشونة
- توقف أنت لا يمكنك المغادرة
تجمدت في مكاني ويدي على مقبض باب الخروج سمعت خطواتها تقترب مني أكملت:
- لا يمكنك المغادرة بهذه السهولة
جمعت شجاعتي وشتات نفسي والتفت إليها بحزم
- لماذا ؟
- لن يسمح لك!!
- ماذا تقصدين؟ اسمعيني يا سيدة أنا بكل الأحوال سأغادر ولن تستطيعي منعي ...
قالت:
- ومن قال بأنني أنا من سيمنعك؟ بل هو قلت بحزم
- حسناً أنا لا أعرف عم تتحدثين ولا أهتم بحديثك لذا وداعاً ..
نظرت إلي نظرة مخيفة وقالت:
- صدقني ستعود ..
فتحت الباب وخرجت أركض إلى الشارع، كان الظلام في تلك القرية هو سيدها، والبرد والضباب ولا يوجد أي مخلوق غيري التفت يميناً ويساراً لم يكن هناك أي أحد، توجهت إلى سيارتي أدخلت المفتاح في الباب على عجل لكن فجاءة شعرت بألم صاعق في يدي سقط المفتاح أرضاً من شدة الألم نظرت إلى يدي وكانت تدور وحدها
وكأن هناك شخصاً يمسك بها ويريد كسرها فجاءة شعرت بألم أكثر شدة في قدمي صرخت ووقعت على الأرض انتشر الألم في كل مكان بداخل جسدي أشعر بأن عظامي تتحطم كما لو كان
هناك حطاب يحطم الخشب استمررت بالصراخ على أمل أن يأتي أحد ويساعدني لكن لا أحد سوى صدى صراخي والظلام وكأنها مدينة موتى دموعي انهمرت من عيني من شدة الألم بدأت أزحف على الأرض
وقلبي يعتصر رأيت الموت أمام عيني ولكن لم يكن الموت بل كانت السيدة العجوز تقف أمامي وفقدت الوعي من شدة الألم ...
فتحت عيني رأيت أنني عدت إلى هذا المنزل الملعون والعجوز تجلس بجانبي والجثة بجانبنا، نهضت وأنا أمسك برأسي وأشعر بأن مفاصل جسدي متفككة بعضها عن بعض، من دون أن أسألها عن شيء قالت لي:
- إنه يريدك ولن تستطيع الخروج من هنا حتى يأخذك
- عمن تتحدثين ؟ قلت
قالت وهي تقف:
- عن البديل
- ومن هو ؟ ومن يكون؟ وما الذي يريده مني ؟
- للأسف لم أكن أتوقع حضورك حضور صبي شاب مثلك، قلت بتعجب وخوف
- ماذا تقصدين ؟
- زوجي كان يسكنه شيطان طوال خمس وعشرين سنة لم يستطع أن يتخلص منه أبداً لقد عشنا في عذاب لا بل في الجحيم، حتى أولادنا جعلناهم يهربون من هذا الجحيم، لم
يستطع زوجي الصمود كان يأكل منه شيئاً فشيئاً جربنا كل شيء بدون فائدة هذا الشيطان لا يتخلى عن جسد حتى يجد جسداً آخر أي بديلاً مارسنا طقوساً كثيرة حتى إننا
جربنا أن نحضر أشخاصاً لكي نضحي بهم أعلم بأن هذا خطأ لكن لم يكن بيدنا حيلة وفوق هذا كله فشلت خططنا والشخصان اللذان كنا سنضحي بهما ونترك الشيطان يأخذ جسديهما قتلهما لا يريد أن يترك زوجي تربطه علاقة وثيقة به حتى في نهاية الأمر انتحر زوجي لكي يتخلص من العذاب بعد أن انتحر زوجي وجدت طريقة للتخلص منه وهو أثناء الانتقال إلى الشخص الآخر يجب أن أقتله في هذه اللحظة ...
كنت مصدوماً كلياً من حديثها وطبعاً لم أنكر أي شيء وصدقتها ثم قلت :
لكن لماذا لم ينتقل إليك ؟
قالت متنهدة
- هذه المصيبة اكتشفتها لاحقاً وهي أنه لا ينتقل إلى شخص كبير في السن متهالك اكتشفنا عندما أحضرنا
رجلين من دار المسنين لأنه لا أحد يبحث عنهما لكنه رفض وقتلهما ولم يخرج من زوجي كما أنه عندما سكن زوجي كان وقتها عمره في بداية الثلاثين إنها السن المناسبة له مثلك تماماً أنت أفسدت خطتي كنت أريد أن يأتي مراقب كبير في السن حتى يعلق ولا يستطيع أن يسكنه ولا يسكنني ولا يعود إلى زوجي بالطبع لأنه جثة هامدة لكنك أفسدت كل شيء هو الآن متحمس وقوي لأن شاباً في السن المناسبة له موجود في المنزل ولن يسمح لك بالمغادرة حتى يأخذك شيئاً فشيئاً ...
أنت علي كلماتها كالصاعقة
- ما هذا الهراء الذي تقولينه أيتها المشعوذة العجوز ؟
قلت بغضب ...
ردت ببرود
- أعلم بأن هذا قاس ولكن هذه هي الحقيقة
قلت وأنا أقف من مكاني:
- سأتصل بالشرطة وهم من سيأتون إلى هنا ليوقفوا كل !
هذه المهزلة
قالت:
- جرب حتى ترتاح
أخرجت هاتفي من جيب معطفي حاولت تشغيله لكنه كان مقفلاً
- حتى لو لم يكن مقفلاً فأنت لن تستطيع الاتصال بالشرطة ولن يتركك تتواصل مع أي أحد اسمعني بقي ساعات قليلة فقط حتى يأتي الصباح وفي هذه الساعات إما سيقضي عليك أو تقضي عليه...
- تعال معي ..
قالت كلماتها ولم تنتظر حتى ردي وصعدت إلى الأعلى، لم يكن لدي أي خيار آخر لذا تبعتها وصعدت خلفها
صعدت عبر السلالم وكان المكان مظلماً في الطابق الثاني، كان شكله مثل أي طابق وأي منزل يتكون من دهليز طویل به تقریباً غرفتان وباب ثالث، دخلت مع العجوز إلى غرفتها كانت الغرفة رائحتها رماد محترق ولديها الكثير من الشموع وأيضاً كثير من ملصقات الشعوذة وأشياء غريبة أخرى
أخرجت العجوز من خزانة كتاباً أسود يحتوي على رسمة شخص لديه قرون ويمسك بكتاب وشمعة ناولتني الكتاب وقالت لي :
خذ هذه الشمعة ...
أخذت الشمعة وأنا مصدوم وخائف ولا أعلم ما الذي يجري هنا سألتها :
- ما الذي سأفعله الآن؟
قالت: - يجب أن تقضى عليه اذا كنت لا تريد الموت لا 65
بل شيء أبشع من ذلك وهو أنك ستحبس معه هنا للأبدا
- وكيف أقضي عليه ؟؟
- أولاً لا تجعله يسيطر على خوفك لأنه يتغذى على المرء من خلال خوفه افعل كل ما بوسعك لتكون شجاعاً سيحاول إخافتك لكن عامل هذا كله على أنه أوهام ثانياً عندما تصل إليه عليك فقط أن تضع الشمعة في وجهه يموت عن طريق إحراق وجهه الحقيقي ..
- حسناً ولكن أين سأجده ؟
قالت:
- سيكون بانتظارك في آخر الممر ...
حرفياً خرجت من الغرفة وفي يدي الشمعة والكتاب وأنا لا أعلم إذا كان هذا سينجح أو لا ؟ ولا أعلم إذا كانت تلك
العجوز كلامها صحيح أو لا ؟ ولا أعلم إن كانت هي حقيقية أو لا ؟ ولكن كان هذا هو الخيار الوحيد لدي
كنت أمشي في الممر مثل ما أخبرتني العجوز أن أفعل وجسدي يرتجف خوفاً، هدوء وصمت لدرجة أني أسمع صوت أنفاسي ودقات قلبي هل هي فرصة أم نقمة؟ لا أعلم ولكن سأفعل ذلك وحسب، بدأ الممر يضيق أي مساحته تضيق علي فجأة أنفاسي أشعر بالاختناق لكن يجب أن أصمد، استمررت في المشي هل هذا الممر لن ينتهي سمعت صوتاً لا بل أصواتاً مختلفة، همس قادم من الجدران، أرى جدران الممر تخرج منها أجسام ويدان وكأن الجدران تريد ابتلاعي حاولت أن أصمد حاولت أن أقنع عقلي بأن كل هذه أوهام
استمررت بالمشي حتى أخيراً رأيت شخصاً ضخم البنية طويل القامة يقف في نهاية الممر إنه هو لقد عرفته الذي هاجمني في القبوا كان رأسه مقلوباً إنه لا يظهر وجهه يجب أن أحرق وجهه اقتربت وأنا أشعر بأنني أقترب من ملاك
الموت فتحت الكتاب على الصفحة الخامسة كما قالت لي العجوز وبدأت بقراءة التراتيل أو الطقوس حتى إنني لا أعرف معناها ولكن أفعل فقط ما يجب علي فعلها
استمررت بالقراءة بصوت عال أسمع صرخات وأشعر بأن هناك أيادي تلمس جسدي بدأت دموعي تنزل من شدة الخوف إنها نهايتي هناك رياح لا أعلم من أين أتت ولكن من المؤكد أنها مقصودة لكي يطفئوا الشمعة ولكن سأستمر قرأت حتى أخيراً التفت إلي ما أن وضعت الشمعة قرب وجهه حتى رأيت ملامحه أو كان بدون ملامح بفم مخيط كاد قلبي أن يتوقف ومن الخوف وضعت الشمعة في وجهه بدون تردد واشتعل وجهه وجسده وبدأ بالصراخ بشكل مخيف شعرت بأن المنزل يهتز من تحت أقدامي
لم أحتمل المنظر ولا الصراخ وفقدت الوعي استيقظت على ضوء الشمس، نهضت وأنا أشعر بصداع قوي، نظرت من حولي إذ أرى نفسي على الأريكة في صالة المعيشة وهناك خمسة رجال مع السيدة العجوز يبدو أنهم
موظفو تشيع الجنازات أخذوا جثة السيد ووضعوها في تابوت وأخرجوها من المنزل متوجهين بها إلى المقبرة
نظرت إلي السيدة بابتسامة قائلة:
- لقد نجحت كل شيء انتهى الآن هذه نقودك لقد استطعت أن تقضي على الشيطان تستطيع الآن العودة إلى منزلك
أخذت المال رغم أنني لم أعد أريد شيئاً ولكن كنت تحت تأثير الصدمة، ارتديت معطفي وخرجت أخيراً من هذا المنزل صعدت إلى سيارتي وابتعدت أخيراً من هذه القرية بدون عودة ووعدت نفسي ألا أكون مراقباً مرة أخرى حتى لو كنت سأموت جوعاً .