1...نوفمبر، 2024م
إنها الأيام المنتظرة والأحب إلى قلبي في حياتي الأيام التي أشعر فيها وكأن الدنيا تحولت إلى جنة، عندما أشعر بأن كل شيء في نظري مهما كان بشعاً يصبح جميلاً، هذا الشهر خصوصاً في كل سنة عندما يبدأ الشتاء بدايته المهيمنة عندما يغطي بساط الثلج الأبيض على سواد الحياة ويصبح يشع بمنظر نظيف نقي صاف، عندما تتطاير حبات الثلج في الهواء كالريش وتتبعها خيوط أشعة الشمس متسللة من بين الغيوم لم يأت أي يوم من أيام السنة بهذه الروعة ولكن الأكثر جمالاً من ذلك في هذا الشهر الذي ينافس جمال الشتاء،
هو عندما تتحول المدينة والشوارع إلى عالم من الكتب وكل شيء يخص الكتب فعالية القراءة التي تجدها في كل زاوية، متاجر الكتب المقاهي معارض الكتب توقيعات المؤلفين لكتبهم القراء الذين يصطفون طوابير لا تنتهي من أجل الحصول على الكتب
من أجل الحصول على التوقيع من الكاتب، رائحة الكتب مع رائحة القهوة مع رائحة الشتاء لا شيء يمكنه أن يكون أكثر جمالاً من جمال شهر نوفمبر إنه
الشهر العالمي للكتابة والمؤلفين..
هذا الشهر من كل سنة تبدأ معه تحديات الكتابة ومعارض الكتب وإطلاق الكتب الجديدة وحفلات التوقيع وفعاليات دور النشر والمكتبات ومجتمع القراءة، كل شيء يصبح مثالياً ويصبح العالم وكأنه قطعة من الجنة ....
كان اليوم هو الأول من نوفمبر استيقظت في الصباح الساعة السادسة صباحاً بنشاط أستقبل أهم شهر في السنة ذهبت إلى الحمام وملأت حوض الاستحمام بماء ساخن بالطبع لأننا في فصل الشتاء، انتهيت من الاستحمام وبدأت أجفف نفسي وشعري جهزت ملابسي التي سأرتديها في هذا اليوم الحافل، سرحت شعري ووضعت مكياجاً خفيفاً يناسب المكان الذي سأذهب إليه، رن هاتفي وأنا ما زلت أتألق أمام المرآة
تناولت الهاتف ورأيت أن الساعة أصبحت السابعة والنصف، كان المتصل مديرة أعمالي
"لانا"
لكي أكون صادقة اسمها أطول من عدد صفحات كتاب كلاسيكي لكن نقوم باختصاره بـ "لانا"
- صباح الخير لانا بانفعال غير مبرر كالعادة - كم عدد المرات التي يتوجب علي الاتصال بك لكي تجيبي ؟ ؟
- ما خطبك لم أنت متوترة وكأنها المرة الأولى التي سادشن فيها كتابي الجديد ؟!! لست متوترة بشأن الرواية التي ستدشن بعد ثلاث ساعات، أنا متوترة بشأن الرواية الأخرى لقد تواصل معي المحرر الخاص بك ولا أستطيع أن أعطيهم موعداً محدداً بشأن اجتماعك معهم هذا ليس مهنياً !!
- لابأس اهدئي الآن وأخبريني هل كل شيء جاهز هناك في منصة التوقيع ؟ أجبت ببرود ...
- قالت متنهدة أنت غير معقولة تماماً حسن سنناقش هذا الأمر عندما أراك ....
- نعم هذا ما أقصده من الجيد أنك تفهمينني، قلت بسخرية ثم أكملت حديثي :
- كما أخبرتك سابقاً ذلك الصحفي التافه من صحيفة سلامنقو" لا أرغب في أن يكون موجوداً أنت تعلمين مقدار المشكلات والإشاعات التي تسببها لي ....
- نعم نعم أعلم لا تقلقي لن يخطو خطوة واحدة نحو منصة توقيعك ....
وأيضاً لا تنسي أن تجهزي قهوتي
- بالفعل هذا الروتين أنا أحفظه أكثر من اسمي قلت ضاحكة - بالطبع بسبب طول اسمك لا يستطيع أحد تذكره إذا أراك بعد ساعتين وداعاً ....
ارتديت ملابسي كانت ذات تفاصيل أنيقة وشتوية في الوقت نفسه بنطال جينز أسود مع خطوط بيضاء على الجانبين، وقميص داخلي أسود قطني وجاكيت منقط بالأسود والأبيض ومعطف طويل أبيض صوفي مع شالي المحبب الذي يوجد به إحدى رسومات فان جوخ رسمة ليلة النجوم وموقع باسمي وقفازات سوداء، نظرت إلى الساعة وأصبحت الساعة الثامنة والنصف تماماً هل من المعقول استغرقت كل هذا الوقت لكي أضع مساحيق التجميل؟
لا بأس تناولت حقيبتي وهواتفي وقلمي المفضل للتوقيع، خرجت من غرفتي ونزلت إلى الطابق الأرضي كنت الابنة الأصغر في العائلة عائلتنا التي تتكون من أمي وأبي وأخي الذي يكبرني بسبعة أعوام مع زوجته وولديه الاثنين وابنتهما الثالثة، استقبلتني أمي كالعادة حتى تجبرني على تناول الفطور معهم لكنني رفضت بحجة أنني متعجلة لكني أكذب كالعادة:
- ولو مرة واحدة هل من الممكن أن تتناولي الإفطار معنا ؟ أمي متذمرة
- أنت تعلمين جيداً يا أمي أن اليوم مهم لدي وسأضطر للذهاب بسرعة أو أنك لا تعرفين أنت وأبي كالعادة من يهتم ؟
أمي : - تعلمين أن والدك دائماً ما يكون مشغولاً لكن عندما تحين له الفرصة يأتي إلى تدشين كتبك
- مرة واحدة فقط هي التي أتى فيها وبعدها حدثت تلك المشكلة لا داعي لسردها فأنت تعلمين جيداً، لذلك سأذهب الآن وداعاً ....
طبعت قبلة على جبين أمي وخرجت من المنزل، كانت علاقتي مع والدي متوترة طوال الحياة من الممكن أو لأقل الأسباب حدثت معنا في الطفولة، أما أخي "سامويل" فكانت علاقتنا أكثر من ممتازة أخي رسام كبير له شأن في المجتمع في هذا المجال رغم ذلك فهو يعمل رغماً عنه في مجال لا يحبه في مجال الإدارة في شركة والدي الذي يحب أن يجبرنا ويفرض سلطته علينا أن نعمل وندرس ونفعل الأشياء التي يحبها هو وليس نحن تحت قانون "من أجل مصلحتكم " ....
لن أذكر كل مشكلات العائلة لأن هذا ليس محور حديثنا محور حديثنا هنا هو الكتابة والكتب، كنت أنظر من نافذة السيارة وأراقب تساقط حبات الثلج التي كانت تبدو كالقطن الأبيض في منظر منعش وجميل مع الشمس التي كانت تحاول أن تتجنب الغيوم وتخرج من خلفها لكنها تفشل الناس في هذه المدينة مهووسون بكل شيء يتعلق بالكتب والقراءة والمكتبات والكتابة تجد متاجر الكتب في كل
مكان وفي كل زاوية، تجد بسطات الكتب العشوائية بمنظر جميل تسيطر على أرصفة المدينة، لم يكن معرض الكتاب بعيداً عن منزلي لذلك مع الازدحام أخيراً وصلت في عشرين دقيقة، أصبحت الساعة التاسعة وكان توقيعي وتدشيني للكتاب الساعة العاشرة والنصف إذا الحمد لله ما زال هناك وقت لمحت التجمهر المعتاد على المعرض الشيء الجميل في هذه الثقافة أنها للجميع من كل جنس ومن كل مكان تجد الطفل والصغير والمراهق والشاب والعجوز تجد الرجل والمرأة هي ليست حكراً على أحد أبداً القراءة والكتب للأبد للجميع وهذا أجمل شيء وأفضل شيء، نزلت من السيارة وقبل أن أدخل من البوابة الخاصة للمؤلفين لمحت ورقة أو إعلاناً بالأحرى معلقاً في أرجاء المدينة كتب عليه:
"لويس أدرين" رجل في الأربعين من عمره كاتب أشهر الروايات المرعبة، ما زال مفقوداً اختفى في نوفمبر الماضي 2023م.
حتى اليوم نوفمبر 2024 م...
أكمل عاماً بشكل رسمي رجاء أي شخص يشاهده أو لديه معلومات يقوم بالاتصال بعائلته ...
هذا لم يكن الإعلان الأول ولا الأخير منذ السنوات السابقة اختفى الكثير من المؤلفين وكاتبي روايات وقصص الرعب اختفوا فحسب في ظروف غامضة هناك أقوال تقول بأن قاتلاً متسلسلاً يستهدف هذه الفئة وحتى أنه لا يترك أي جثث خلفه وهناك أقاويل تقول بأنه إشاعة وكذب لكن لا أحد يعرف ما خلف هذا الاختفاء الغامض لمؤلفي روايات الرعب ؟؟
دخلت إلى معرض الكتاب لعام 2024 م...
استقبلتني المشاعر المريحة والهواء البارد المنعش رائحة الكتب والقهوة والأقلام رائحة محبي الكتب نعم حتى للقراء رائحة مميزة مثل المؤلفين أيضاً لهم رائحة مميزة كان شعار معرض الكتاب هذا العام متزامناً مع الكاتب
ريتشارد" كان من أشهر مؤلفي روايات الرعب في العالم وليس في البلد فقط، كانت تترجم رواياته بكل اللغات، وتباع بملايين النسخ، لكن في بداية هذا العام اختفى بظروف غامضة وبعدها تم إيجاد جثته في مكان ما، طريقة موته كانت فظيعة حيث وجدته الشرطة كان جسده سليماً تماماً من التشوهات والكدمات وأي شيء لكن رأسه كان فارغا أقصد تم إخراج منه بطريقة أكثر ما يقال عنها ازدواجية ومميزة كان الرجل دون مخ تم تفريغ مخه بالكامل حيرت قضيته العامة والشرطة وانطلقت الأقاويل والإشاعات لم تربطها الشرطة بقضية اختفاء المؤلفين الآخرين لأنهم يختفون نهائياً دون أي أثر أو جثث، لكن كان ريتشارد الوحيد الذي وجدوا جثته ؟
لهذا خمنوا أنهما قضيتان منفصلتان بعضهما عن بعض، وبسبب المحبة الكبيرة لهذا الكاتب من العامة تم اليوم تسمية معرض الكتاب باسمه تكريماً له ...
قبل أن أدخل أشعلت سيجارة لأن التدخين ممنوع بالداخل وبعد أن نفثت آخر قطرة بها دخلت ....
كان المعرض كالقبة الدائرية الضخمة وفي حوافها جميع دور النشر تنتشر في كل أرجاء القبة، القاعات التي تقام فيها الحوارات والفعاليات والأمسيات بكل مكان، المقاهي التي تضع لنفسها مكاناً مهماً في هذا المكان الذي يبدو وكانه جنة، استقبلني مدير التسويق والنشر لدى الدار التي قامت بالفوز بكتابي وأعمالي وكانت داراً لها مكانتها في البلاد وخارج البلاد بابتسامة حماس مد يده إلي مصافحاً :
- أهلاً بك أستاذة ماريانا تشرفنا بحضورك هنا وتوقيع الكتاب الجديد بين أحضان دارنا..
- من الجميل أن يكون الشرف لك سيد "ستيفين" لأن هذا العمل تقاتل عليه الكثير من دور النشر وكنت محظوظاً جداً بأنك فزت به ...
بعد الانتهاء من مدح نفسي والتصرف كالعادة بجنون العظمة والغرور مددت يدي له لكي أصافحه ....
بالطبع أنا أعامل كتابك كالجائزة التي فزت بها ...
قال بابتسامة مصطنعة يبدو أنه تضايق من كلماتي قليلاً فدائماً ما أضع من حولي تحت الضغط النفسي بسبب أخلاقي الوقحة نعم أنا أملك أخلاقاً وقحة وجنون عظمة بالنفس
" وغروراً غير منته ولست آسفة على ذلك، لدي موهبة خاصة وهي تنفير الناس مني بشكل استفزازي لا أعتقد أن أحداً يتحملني سوى عائلتي، حتى أصدقاء مقربين لا أملك أبداً. مديرات أعمالي يتغيرن سريعاً بسبب معاملتي معهن كانت
"لانا" أكثرهن صموداً فهي ستكمل الآن معي سنتين وهذا إنجاز يحدث لأول مرة، دعوني أحدثكم عن نفسي قليلاً بحكم أنني في هذا المجال وأكتب من عشر سنوات تقريباً لم تكن لدي مؤلفات ذات صيت وشهرة إلا بعد الكتاب السادس
وكانت سلسلة من ثلاثة أجزاء اسم العمل
"ماريانا"
ماريانا كانت ساحرة وآكلة لحوم بشر تقوم بالتهام الرجال فقط، تستمر جرائمها البشعة ما يقارب عشرين عاماً وبعد أن يتم اكتشافها يقوم عائلات الضحايا بحرقها في قدر عملاق بالماء المغلي، بعدها يظن العامة أنهم ارتاحوا من شرها لكنهم لا يعلمون بأنها ستعود أشد شراً وهذه المرة تأكل الرجال والنساء وحتى الأطفال،
سلسلة ما بين الرعب النفسي الدموي الذي تقشعر له الأبدان، أصبح العالم مهووساً بهذه الأسطورة أسطورة ماريانا، خلال كتابتي لهذه السلسلة كانت أشعر بتقزز لكن بعد فترة أصبحت أشعر بمشاعر جميلة مشاعر سعيدة وأنا أتخيل وأكتب هذه المناظر،
تعلقت بهذه القاتلة وكانت من أحب الشخصيات إلى قلبي لذلك قمت بتسميتها باسمي نفسه كنت تارة بجنون أشعر بأنها أنا وتارة أقول لنفسي:
هل علي أن أزور طبيباً نفسياً ؟ ؟
وفي عام 2020 قمت بإنهاء السلسلة رغم أن النهاية كانت غير مرضية لأغلب الناس لكن لم أهتم لأنني شعرت بأني إذا جعلتها تتمادى أكثر ستصبح بداخلي من الممكن أن تقولوا عني مجنونة لكن هذه المشاعر التي أشعر بها مع كل شخصية أختلقها، وعن مشاعر الكاتب أتحدث عندما يتقمص أدواراً عديدة مع شخصياته التي يصنعها فهو مجبر على ذلك وإلا فلن يكون كاتباً أبداً .
بعد إنهائي لسلسلة ماريانا كتبت رواية أشد رعباً وغرابة و ضربت في أرجاء العالم لم أكن أعلم في ماذا أفكر عندما كتبتها لكنني كنت مستمتعة فأنا أحب الحبكات الغريبة غير المألوفة كانت بعنوان
"في أحضان الوحش"
كانت تتحدث عن زوجة مهروسة ومحبة جداً لزوجها الذي لم يكن إنساناً بل كان زومبي أكل لحوم البشر، كانت الزوجة لا تؤيد هذا الشيء لكن في الوقت نفسه لا ترغب بترك زوجها لأنها ستموت من دونه مضحك وهل الحب أعمى لهذه الدرجة؟
تتحدث الرواية عن المذكرات المرعبة التي تكتبها الزوجة عن طريقة عيشها مع ذلك الوحش حيث إنها تمنعه من الخروج ليس لمصلحة الناس لا بل لمصلحته حتى لا يقوموا بالقبض عليه إذا انكشف أمره، لذلك تبدأ بجذب الناس سواء رجال أو نساء في مطعمها الصغير الذي