أشعر بالاختناق أنفاسي تنسحب تدريجياً من روحي لا أستطيع أن أفتح عيني أشعر بأن جسدي يتعرق وأشعر بأنني سأغرق بعرقي الجو ساخن وحار جداً وكأنني أبدو في محرقة ما، أشم رائحة شيء يحترق لا ورق لأنني أعرف رائحة الورق جيداً، ولا خردوات أو خشب، رائحة غريبة شيء غريب محترق لكنني لا أستطيع تمييزها ؟ لا أستطيع التحرك وكأن شيئاً أو أحدهم فوقي هل هو الجاثوم؟؟

لا لكنه ليس الجاثوم أنا واثقة ...

ماذا يكون إذاً ؟ ؟

فتحت عيني أخيراً بصعوبة رأيت نفسي مستلقية على سريري في غرفتي وضوء الشمس يحاول أن يتسلل من باطن ستائري، علمت بأنه كان كابوساً غريباً نهضت بتكاسل وثقل بعد ليلة أمس أو اليوم الطويل لتدشين روايتي واشتعل الرأس رعباً

أمسكت بهاتفي لأرى كمية الرسائل التي أمطرت علي كالعادة، بعدها انتقلت إلى صفحات المعجبين لأرى ردة فعلهم الأولية عن الرواية وكانوا مذهولين ومرعوبين ومصدومين، لا شيء جديد فهذه هي كتاباتي تسبب صدمات نفسية للقراء، لا أعرف هل أصبت بصدمة نفسية في طفولتي لكي أعذب القراء هكذا ؟؟

الصدمة النفسية الحقيقية لا أعلم بأنها ستأتي لي قريباً جداً نهضت من السرير متخطية كمية الهدايا والزهور على الأرض التي تلقيتها من المعجبين ليلة أمس، ملأت حوض الاستحمام بمياه دافئة، كان الجو بارداً ودرجة الحرارة ثلاث فقط برد الشتاء القارس بدأ يتغلغل ويتعمق أكثر، الأرصاد تحذر أنه من الممكن أن تكون هناك عاصفة ثلجية ستضرب المدينة

انتهيت من الاستحمام وارتديت المنشفة على جسدي جففت شعري وعندما رفعت رأسي إلى المرأة صعقت قفز قلبي من مكانها عندما شاهدت أحدهم يقف في المرآة لكن عندما التفت خلفي كان لا يوجد أي أحد ؟

الحمام فارغ تماماً لكن أنا متيقنة بأنني رأيته رأيت الرجل نفسه الذي كان يقف بالأمس في قاعة الحوار بين الحشود كان وجهه غريباً لا أعرف حقاً ؟

هل أتخيل؟ هل أنا متعبة لهذه الدرجة ؟؟

على ما يبدو بالفعل أنا كذلك، كانت الأيام الأخيرة متعبة لي نفسياً وجسدياً لقد كتبت الكثير ولم أنم وأعاني من الأرق والكوابيس، دائماً لدي مبدأ أن الكتابة علاج لكن ما أكتبه هل هو علاج أم مرض ؟؟

خرجت من الحمام فتحت الستائر لكن اختفت الشمس تماماً كان الجو مظلماً بشدة من شدة البرودة وتلبد الغيوم السوداء نعم إنها أجواء الشتاء المفضلة لي، أغلب رواياتي القاسية والجافة والعنيفة والسوداوية والمرعبة أحب أن أكتبها في ظلام وبرودة الشتاء

مشاعر الشتاء تذكرني تماماً بالمشاعر القاسية التي أخلقها في رواياتي بعدها روتيني المفضل العناية ببشرتي وبعدها تماريني الرياضية، وبعدها توجهت إلى مكتبي الذي كان يطل على منظر الغابة المقابلة لمنزلنا تلك الغابة التي يستمتع فيها السكان كثيراً بالتخييم والشي فيها واللعب وغيرها، وعندما يأتي فصل الشتاء تصبح خالية ومهجورة وبعدها يطلقون عليها الإشاعات بأنها مسكونة مضحكون

هؤلاء الناس لكن كنتم قبل أيام تستمتعون فيها ما الذي حدث الآن؟

من الغريب أن أغلب البشر يحبون هذه الأجواء الغريبة التي تتحدث عن الجن والأشباح والشياطين والأماكن المسكونة يخافون المجهول كثيراً لكنهم لا يخافون بعضهم من بعض والحقيقة أن بعضهم هم أشد رعباً من الوحوش ....

قررت أن أشاهد القليل من فيديوهات حفل توقيعي كنت مبتسمة وسعيدة حتى رأيت مشهد ذلك الشاب الذي كان كالنقطة السوداء في اليوم الأبيض وأفسد كل شيء، أغلقت مواقع التواصل الاجتماعي لأنني لا أرغب برؤية المقالات التي تتحدث عن هذا الحادث يكفي أنني سأتهرب اليوم كاملاً من والدي، لذا بما أن اليوم سيعتبر إجازة لي سأذهب للسير قليلاً في الخارج وأقوم بشراء الكريون المفضل لي وقهوة، ارتديت معطفي وقفازاتي والسماعات التي كانت تناسب أجواء الشتاء لتدفئة أذني

نزلت بسرعة البرق حتى لا يلمحني أحد من عائلتي، فنحن نعيش على هذه الرام كل منا يتجنب الآخر ولا أعرف السبب؟ أو أنني أنا من أتصرف وحدي هكذا، رغم أن أخي قريب مني جداً لكن أستمر في أن أبتعد عنه جداً وهكذا أعلم بأن المشكلة تكمن في رأسي لكن أقوم بالمكابرة دائماً،

ذهبت سيراً على الأقدام في الأجواء شبه العاصفة لا أحد غيري يسير حرفياً في الشارع إلا أنا كنت أهرول بخطوات سريعة حتى وصلت إلى المقهى الذي اعتدت فيه الكتابة من سنوات ألقيت التحية على صاحبة المقهى بشكل سريع وأخبرتها بطلبي المفضل قهوة مثلجة لاتيه مثلج، لا أظن أن الأشخاص الطبيعيين في هذه الأجواء يشربون قهوة مثلجة باستثنائي أنا وأشخاص غير أسوياء مثلي

في حين كنت أنتظر طلبي رأيت على التلفاز ما شل أطرافي شعرت بالبرودة التي لم أشعر بها وأنا أشرب قهوة مثلجة في منتصف الثلج تسري في جسدي كانت البائعة تمد لي القهوة بينما أنا لم أعد أسمعها ولا أسمع أي شيء حولي رأيت على التلفاز هذا الخبر :

شاب في عمر الخامسة والعشرين يدعى "مانويل" وجده والده ليلة أمس في الساعة الثانية عشرة بعد منتصف الليل منتحراً في غرفته" وكانت صورة الشاب في مقدمة الخبر وكان هو نفسه الشاب الذي أتى إلي ليلة البارحة في حفل التوقيع وأفسده وتصرف بجنون وغرابة .....

- ماريانا ... هل أنت بخير ؟؟

أيقظتني كلمات البائعة وهي تهز على كتفي وفي يدها طلبي ...

- نعم أنا بخير شكراً لك.. أخذت الطلب بسرعة من يدها وخرجت من المقهى، كنت أسير عائدة إلى المنزل لكن قدماي فقط من كانتا تحملانني وتسيران بي أما عقلي فكان مشتتاً وتركيزه كله مع ذلك الشاب، أتذكر الكلمات الغريبة التي لم أفهمها أبداً؟ ولا أعرف عمن كان يتحدث ؟؟

لكن فجأة شعرت برياح تسري في جسدي الغريب أنني نظرت من حولي كان لا يوجد رياح الأشجار ثابتة حتى لو كان يثقلها ويغطيها الثلج لكنها تظل تتحرك على الأقل الأوراق المتساقطة منها، لكنني شعرت بأن الرياح فقط في جسدي،

كنت أسير وحدي في الطريق رغم أنني دائماً أفعلها لكن لا أخاف أبداً لأنه لا يوجد شيء مخيف، لكن اليوم أشعر بأن هناك أحداً يراقبني ألتفت للخلف مراراً وتكراراً لكن لا أحد، ولكن في الوقت نفسه أشعر بأنه يسير معي كظلي هذا الشعور بدأ معي منذ الأمس؟ أو كان يلازمني من قبل أسبوع أو أسبوعين لا أعرف لكن الآن أشعر به بشكل قوي وكأنه يلتصق بي أكثر من ظلي ؟

هذا الشعور أسوأ شعور أن تشعر بأن أحدهم ينظر إليك في جميع أحوالك عيناه ملتصقتان بك في كل وقت وزمان ومكان لكنك لا تستطيع أن تراه أبداً أخاف بشدة من هذه المشاعر وهذه اللحظات هي أكثر رعباً لدي

رغم أنني أكتب عن الرعب ولا شيء يخيفني منها سوى أن يراقبك شخص كظلك ولا تستطيع رؤيته ... وصلت أخيراً إلى المنزل بأنفاس متقطعة لأنني ركضت في آخر الطريق لم أعد أحتمل هذه المشاعر المجنونة،

دخلت إلى غرفتي وخلعت المعطف والقفازات، علي أن أفعل شيئاً يلهيني شيئاً يمنعني من التفكير في ذلك الصبي شيئاً يخرجني من هذا العالم وينقلني إلى عالم آخر هي الكتابة بالطبع .. جلست خلف مكتبي وكنت اليوم مقررة أن لا أكتب شيئاً يجب أن يرتاح عقلي من المجزرة التي خلقتها في روايتي الأخيرة "اشتعل الرأس رعباً" أخشى أن رأسي في النهاية هو من سيشتعل ناراً وينفجر من شدة الضغط الذي أشعر به،

ولكن رغم ذلك قررت أن أكتب وأكتب فقط لكي أنسى ما حدث مع ذلك الشاب وأنسى كل هذه الهلاوس التي تحدث معي أخبرت نفسي ربما السبب شعوري المرعب تجاه ذلك الشاب وما حدث معه لذلك أصبحت أعاني من كل هذه الأمور،

حسناً كل شيء سيتحسن مع الكتابة لكن لدي الكثير من المشروعات التي قمت بتجاهلها هل أقوم بإكمالها أو أقوم بكتابة رواية بقصة جديدة؟

لا أعلم فهذه الحيرة هي الأصعب على قلب كل كاتب..

قررت أن أبدأ بكتابة رواية جديدة وكانت بعنوان "وجه الموت" رواية رعب نفسي، تتحدث عن الشخصية الرئيسة وهو قاتل مأجور منذ عشرة أعوام يلقب بوجه الموت، لأنه لا أحد

2024/10/21 · 77 مشاهدة · 1172 كلمة
نادي الروايات - 2025