الفصل 19: المقابلة [1]
--------
بعد مغامرتي الصغيرة مع ثلاثي فروستبورن، إستقر في نفسي شعور غريب بالرضا، كدفء البرندي القديم الذي طال عهده.
كانت إثارة الخدعة مسكرة—ناعمة وقوية وخطيرة.
كان من السهل خداع تلك الشخصيات الثانوية. سهل للغاية، كما لو كنت أقود الحملان إلى حظيرة الجزار.
تلك كانت قوة النفوذ.
كان النبلاء يسودون في هذا العالم. كلما علت رتبتك، قلّ عدد من يعارضونك.
الدوقات، على هذا النحو، كانوا يُعتبرون من النبلاء الرفيعي المستوى.
كان أي سليل من بيت دوقي لا يُمس، محميًا بموارد عشيرته اللانهائية ونفوذها.
محميًا بسمعة هائلة لدرجة أن أكثر الجرأة تهورًا لن يتجرأ على تحديها.
إهانة أو تحدي لي كان بمثابة إستدعاء لغضب عشيرتي.
ومن في عقله السليم يرغب في ذلك؟
أي إساءة ضدي يمكن أن تنعكس بسهولة على والدي. كنت أعرف أكثر من غيري ما قد يعنيه ذلك.
فبعد كل شيء، كنت قد نجوت من جرائم مستخدمًا اسمه—جرائم كانت كفيلة بأن تسجن حتى نبيلًا أقل شأنًا في السجن الإصلاحي لسنوات.
بالطبع، لم يعد لدي حمايته أو ثقل لقبي كإبنه الأصغر الآن...
لكن ذلك لم يعنِ أنني لا أستطيع إستخدام إسمه للمرة الأخيرة، منتزعًا المال من بعض الحمقى السذج.
هل سأواجه عواقب أفعالي لاحقًا؟ بالتأكيد. لكنني سأترك ذلك لنفسي المستقبلية لتقلق بشأنه.
في الوقت الحالي، كنت أصفّر لحنًا مرحًا تحت أنفاسي وأنا أتجول في حرم الأكاديمية.
في الحقيقة، وصفها بحرم كان بمثابة إهانة.
كانت الجزيرة الرئيسية بحجم مدينة مترامية الأطراف، مكرسة بالكامل للأكاديمية. لذا، كانت تُعرف بمدينة الأكاديمية.
لتوضيح مدى ضخامتها—كان من المستحيل عليّ تجول المدينة بأكملها في يوم واحد حتى مع استخدام سيارات الأجرة والقطارات التي تجوب الجزيرة.
لحسن الحظ، كان المبنى الرئيسي—برج القمة—على مسافة قصيرة سيرًا على الأقدام من حيث كنت في السوق الصاخب.
كنت أتمشى بهدوء، متأملًا المشاهد من حولي.
كانت الأشجار المترامية تحيط بالممرات الحجرية، ملقية ظلالًا باردة على الشارع أدناه.
كانت أعمدة الإنارة الأنيقة تقف على طول الطريق، وكان الهواء مملوءًا بأصوات الناس الحيوية.
مررت بمقاهٍ، ومررت بأكشاك.
مررت بمجموعة صغيرة من الأصدقاء بدوا سعداء جدًا بوجودهم هنا، ومررت بشاب يبكي بهدوء على الرصيف المرصوف—على الأرجح رُفض في المقابلة.
عبرت الحشود كورقة في عاصفة، متابعًا المشاهد من حولي بدهشة.
كان هذا المكان المسرح الرئيسي للفصول الثلاثة الأولى من اللعبة. والآن أنا هنا.
كان شعورًا غريبًا.
غريبًا معرفة ما سيحدث في المستقبل. ما يُخبئه القدر لهذا العالم.
غريبًا إدراك أن أكثر من نصف هؤلاء الناس لن ينجوا خلال السنوات الثلاث القادمة.
كان شعورًا مخيفًا أيضًا.
أبقيت رأسي منخفضًا وسِرت حتى وصلت إلى قلب مدينة الأكاديمية. حتى وصلت إلى برج القمة.
كان البرج يلمع تحت أشعة الشمس، وكانت تعلوه رونات وأحرف متلألئة على سطحه الفضي، متوهجة بألوان متغيرة.
بدت البنية وكأنها مصنوعة بالكامل من المعدن، دون أي درز أو وصلة.
كما لو أن هذا الصرح الضخم قد صيغ من كتلة معدنية غير مقطوعة بحجم لا يمكن تصوره.
كانت النوافذ المقوسة تزين واجهته، وكانت قمته تمتد نحو السماء، كما لو كانت تحاول لمس السماوات ذاتها.
مررت بالحراس عند المدخل، غير متفاجئ بأن الجزء الداخلي للمبنى لم يكن أقل إثارة للإعجاب.
كانت قاعة المدخل فضاءً شاسعًا، دعمت سقوفه العالية بأعمدة شاهقة. كانت الثريات القديمة معلقة من العوارض، متلألئة كنجوم بعيدة.
كان الأرضية تحت قدمي فسيفساء عظيمة من البلاط الداكن الغني.
كانت الجدران الرخامية المصقولة مزينة بالمفروشات الجدارية والإضاءة المدمجة، مع شاشات عرض أنيقة هنا وهناك تعرض جدول اليوم.
على الرغم من ضخامته، شعرت القاعة بالازدحام. كان هناك بحر من الناس، بعضهم يبدو تائهًا بينما ينظر آخرون حولهم في دهشة.
أخذت نفسًا عميقًا، وتنقلت عبر الزحام، وجدت أخيرًا مصعدًا ليأخذني إلى الطابق الثاني.
كانت جوليانا قد أرسلت لي موقع المقابلة عبر رسالة نصية.
الغرفة 42، قاعة المحاضرات B.
هناك حيث إستدعينا.
كانت الممرات في الطابق الثاني تتلوى وتدور وأنا أشق طريقي، مرورًا بصفوف من الأبواب الخشبية، كل منها موسوم بلوحة نحاسية مصقولة.
كانت رائحة الورنيش والحمضيات الخافتة تملأ الممرات، ممتعة ومريحة في الأجواء المكيفة الباردة.
كان الناس هنا يتحركون بسرعة، أعينهم تبحث حولهم بقلق، تعابيرهم متوترة.
كان هناك توتر في الهواء، كوتر مشدود إلى أقصاه، جاهز للإنقطاع في أي لحظة.
أخيرًا، وصلت إلى مدخل قاعة المحاضرات التي كنت أبحث عنها. بدفعة قوية، فتحت أبوابها ودخلت.
كانت الغرفة تمتد واسعة وعميقة، مرتبة على طراز المدرج، مع صفوف من المقاعد تنحدر نحو منصة مركزية.
كانت معظم المقاعد مشغولة بمتدربين محتملين، بعضهم يمسك بأوراق تسجيلهم بعصبية، وآخرون يتهامسون بهدوء.
كانت قاعة المحاضرات تهتز بالترقب، متأججة بنوع من الطاقة التي تأتي فقط عندما يتجمع الكثير من الناس في مكان محدود.
كلهم يأملون في ترك إنطباع جيد، كلهم يتساءلون عما إذا كانوا قد فعلوا ما فيه الكفاية، كلهم يصلون أن يكون اليوم هو يوم حظهم.
جالت عيناي عبر الغرفة، بحثًا عن وجه مألوف. لم يستغرق الأمر طويلًا لأجدها.
كانت جوليانا تجلس بالقرب من الخلف، وحيدة، بوضعية مريحة وهادئة. كانت تطرق بإصبعها على منحنى الطاولة الطويلة بنغمة ثابتة، تعبيرها بعيد.
كان هناك بضعة أشخاص يتسكعون بالقرب، منجذبين إليها كالفراش إلى اللهب، لكنهم يحافظون على مسافة حذرة، كما لو كانوا يخشون الحرق إذا إقتربوا أكثر من اللازم.
قرار ذكي.
شققت طريقي نحوها، متعرجًا بين صفوف الكراسي.
لم ترفع جوليانا نظرها عندما إقتربت منها، لكنني علمت أنها شعرت بوجودي.
كانت نادرًا ما تخفض حذرها.
كان هناك دائمًا تحول خفي في الهواء عندما كنت بالقرب منها، توتر يمكن أن يجعل شعر مؤخرة العنق يقف.
"ها أنتِ ذا،" قلت، وأنا أنزلق إلى المقعد الفارغ بجانبها.
استدارت إليّ أخيرًا، عيناها الزرقاوان الجليديتان تضيقان قليلًا وهي تخفض رأسها في محاولة لتقديم تعظيم محترم.
"تأخرتَ، سيدي الشاب،" قالت، صوتها قاطع لكنه منخفض، حاد لكنه خاضع.
"كنت مشغولًا،" أجبت بإبتسامة صغيرة، لا أزعج نفسي لإخفاء التسلية في صوتي. " أعتقد أنني سأستمتع بوقتي هنا. "
إمتد صمت قصير بيننا.
ثم، عندما لم تتمكن من كبح فضولها، سألت جوليانا بمزيج من اللامبالاة والحماس، "هل نجحتَ في جمع المال؟"
"بالطبع،" قلت بنفخة. " وجدت بعض النبلاء الأقل شأنًا من الشمال. كانوا أكثر من راغبين في إعطائي أموالهم... بمجرد أن علموا بخلفيتي. "
إلتفتت جوليانا نحوي برأسها، عيناها تتسعان في عدم تصديق. "إستخدمتَ اسم والدك؟"
هززت كتفيّ.
لن أكذب. في تلك اللحظة، بدت جوليانا وكأنها قد تخنقني.
كادت أن ترفع يديها لكنها تمكنت بطريقة ما من تهدئة نفسها في النهاية.
بعد لحظة، هزت رأسها بتعبير متضايق.
ثم بدأت تتحدث ببطء وصبر، ممدة كل كلمة كما لو كانت تشرح شيئًا لطفل بطيء الفهم:
"سيدي الشاب. ما الذي تعتقد أنه سيحدث عندما يكتشف هؤلاء النبلاء الشماليون أنك لم تعد تحت حماية عشيرتك؟ وأختك. إنها تبدأ عامها الأكاديمي معك. ما الذي تعتقد أنه سيحدث عندما تسمع بهذا؟"
"آه،" قلبت عينيّ، مطلقًا همهمة محبطة. "لديك موهبة خاصة في إفساد كل شيء ممتع، أتعلمين؟"
هل كانت حقًا تعتقد أنني لم أفكر في العواقب؟
لقد فعلت. لكنني دائمًا كنت الشخص الذي يتصرف أولًا ويفكر لاحقًا. التخطيط المسبق للأمور يجرد الحياة من متعتها.
في هذه الأثناء، قاومت جوليانا رغبتها في وضع يدها على وجهها وكانت على وشك إلقاء محاضرة أخرى بوجه خالٍ من التعبير.
لحسن الحظ، قبل أن تتمكن من مواصلة خطبتها، إنفتحت أبواب قاعة المحاضرات بقوة ودخلت إمرأة.
تحولت كل الأعين في الغرفة نحوها، وصمتت أصواتهم عندما رأوها، غارقين في هيبتها.
بدت في أوائل الثلاثينيات من عمرها، تتحرك بثقة شخص يعرف مكانته في العالم.
كان شعرها، أسود كالسماء في ليلة بلا قمر، يتدفق إلى كتفيها في موجات ناعمة.
كان وجهها حادًا، لكن ليس بدون دفء معين—مزيج جذاب من الجمال والسلطة.
كان العيب الوحيد في مظهرها هو الهالات المنتفخة تحت عينيها، كما لو كانت قد مرت شهور منذ أن نامت بسلام آخر مرة.
كان رداء داكن كشعرها ملفوفًا حول قوامها بشكل فضفاض، حافته تتدفق بلطف خلفها عندما مشت. بدا وكأنها مغطاة بوشاح من الظلال.
كان هناك شيء فيها يذكرني بالساحرات الشريرات الداكنات من قصص الخيال القديمة. كانت تمتلك تلك الهالة ذاتها.
عندما خطت إلى المنصة، بدا أن الغرفة خفتت.
كان الضوء ينجذب إلى الداخل كما لو كان يمتصه شيء ما، تاركًا إياها الشخصية الواضحة الوحيدة في الفضاء.
لم أكن أبالغ.
بدت الغرفة فعلًا أكثر خفوتًا. أصبح الضوء باهتًا وتضاعفت الظلال. لكن التغيير كان خفيفًا. يكاد لا يُلاحظ.
في أقصى الحدود كان الأمر يبدو وكأن العالم يسلط الضوء الطبيعي عليها.
كان الجميع ينظرون إليها بترقب وهي تضع حاسوبًا محمولًا أنيقًا على المنصة، حركاتها غير متعجلة وأنيقة.
ثم حركت معصمها وظهرت بطاقة بجانبها، تتكون في وجودها بانفجار من الشرر السوداء.
"سأنادي بأسمائكم. عندما أفعل، أحضروا وثائق تسجيلكم إلى الأسفل،" قالت دون مقدمات، صوتها منخفض ودخاني و واضح.
كان هناك يقين في نبرتها لا يترك مجالًا للشك أو التأخير.
تبادل بعض النخبويين المغرورين في الصف أمامي نظرات متجهمة متضايقة، متمتمين تحت أنفاسهم عن وقاحتها الفظة.
كان بإمكانها على الأقل أن تعرف بنفسها أو تخبرنا قليلًا عن المقابلة—سمعتُهم يهمسون.
لكنني فهمتها.
لم تكن بحاجة لإضاعة الوقت في الرسميات—لم يكن هذا مكانًا يتم فيه تدليلك أو طمأنتك.
أكثر من نصف الناس هنا لن يتجاوزوا المقابلة.
فلماذا تتكبد عناء التعارف عندما ستُنسى معظم هذه الوجوه بحلول نهاية اليوم؟
علاوة على ذلك، كنت أعرف بالضبط من كانت.
كانت تُدعى زاري أناش، لقب يُترجم تقريبًا إلى...
الليلة الأولى.
كانت قد إكتسبت هذا اللقب بغزوها لمنطقة في عالم الأرواح حيث كانت الشمس القاسية تحرق كل شيء إلى رماد متوهج.
أحضرت هدية الليل إلى تلك الأرض، ومعها، أحضرت الحياة هناك.
كان إسمها سيلين فالكرين.
كانت بلا شك واحدة من أقوى الصيادين في عالمين.
•••
بعد بضع دقائق من التمرير في شيء ما على حاسوبها المحمول، نادت سيلين باسم.
نهض الفتى الذي نُودي بإسمه ومشى نحو السيدة المحرومة من النوم ليقف أمامها.
وضعت سيلين يدها على كتف الفتى، وفي اللحظة التالية... إختفى.
هكذا ببساطة!
في لحظة كان يقف هناك، وفي اللحظة التالية، لم يعد موجودًا.
ذُهل الجميع.
إجتاحت موجة من الهمسات الهادئة الغرفة، لكن أحدًا لم يعرف ماذا يقول.
على الأرجح لم يرَ معظمهم شيئًا كهذا من قبل.
كان هناك المستيقظون الذين يستطيعون نقل الآخرين، نعم—لكن ليس بهذه الطريقة. ليس بهذه السرعة المرعبة، ليس قبل أن تتمكن من ومضة عين.
حتى أنا لم أستطع إلا أن أوسع عينيّ في دهشة.
كنت أعرف عن سيلين. كنت أعرف قواها. كنت أعرف شخصيتها.
في اللعبة، كانت تعمل كحليفة ومرشدة للأبطال الرئيسيين. ولاحقًا، تحولت إلى عدوهم.
كانت واحدة من الأعداء الرئيسيين خلال قوس ملكة التعفن الأسود.
لم يتمكن جميع الشخصيات الرئيسية مجتمعة من إيقافها.
وهذا يعني شيئًا عندما تعتبر أن كل شخصية رئيسية بحلول ذلك الوقت كانت أبطالًا مشهورين بحق.
كنت أعرف ما كانت قادرة عليه. لكن رؤيتها تعرض حتى جزءًا من تلك القوة... كان شيئًا آخر.
نظرت إلى جانبي، أرغب في مشاركة دهشتي مع جوليانا، لكنني قوبلت بخيبة أمل.
كانت تجلس هناك بهدوء، عيناها نصف مغلقتين كما لو كانت تشعر بالملل، ظهرها مستقيم ووجهها محايد كما لو كانت لا تستطيع الإنتظار حتى ينتهي كل شيء.
"تسك،" نقرت بلساني بضجر.
هل يمكنها أن تتصرف بشكل طبيعي لمرة واحدة؟
•••
بعد بضع دقائق، بعد أن نُودي بأكثر من عشرين مراهقًا وتم نقلهم بعيدًا، نادت سيلين أخيرًا بإسمي.
"سمائيل ك. ثيوسبان."
نهضت بسرعة ونزلت الدرجات. تبعتني جوليانا عن قرب، متصرفة كالخادمة الموالية التي كان من المفترض أن تكون.
توقفنا كلانا أمام سيلين.
سلمتها جوليانا جهاز الإتصال، شاشته تعرض وثائق تسجيلنا عبر الإنترنت.
مسحت سيلين الشاشة بعينين متعبتين، حدقتاها تتحركان ببطء.
ثم، دون أن تعطينا لحظة لنحبس أنفاسنا، وضعت يدها علينا كلينا.
كان ذلك كل ما يلزم.
تحول العالم حولنا بعنف.
في لحظة، كنت أقف في قاعة المحاضرات، محاطًا بالمراهقين المتوترين.
في اللحظة التالية، أصبح كل شيء أسود.
أمسكتني دوامة محيرة، تقلب حواسي بطريقة كانت مثيرة ومقززة جدًا في آن واحد.
كما لو كنت قد إنتُزعت من الواقع وأُلقيت في فراغ.
لا رؤية. لا صوت. مجرد ظلام لا نهائي.
ثم، بسرعة كما بدأ، توقف الإحساس. حدث كل ذلك في أقل من الوقت الذي إستغرقته دقات قلبي ثلاث مرات.
وصلنا.
لم ينقشع الظلام بالكامل، لكن الفضاء الذي إحتللناه الآن كان أقل كثافة.
أضاء ضوء خافت شبحي دائرة على الأرض تحت أقدامنا. ما وراء تلك الهالة الصغيرة، بقي كل شيء مغطى بظلام حالك.
لم نكن وحدنا.
على حافة الضوء، كانت منصة مرتفعة تحيط بنا في نصف دائرة، حدودها بالكاد مرئية في الظلام. كان يجلس فوقها سبعة أشكال، أجسادهم مغطاة بالظلال.
لم أستطع رؤية وجوههم، لكنني شعرت بنظراتهم—باردة وثابتة—تثقل علينا كوزن العالم نفسه.
السبعة الموقرون.
كانوا الأقوى والأحكم والأذكى بين جميع الأساتذة في الأكاديمية. في الواقع، كانوا يحملون ألقاب الأساتذة الكبار.
كانت هويتهم مجهولة، حتى بالنسبة لي.
في اللعبة، لم يتمكن أي من الشخصيات القابلة للعب من كشف أي شيء عنهم. كانوا ألغازًا كاملة.
حتى هذا المكان الذي يقيمون فيه—قاعة الإستجواب—كان موقعًا مجهولًا.
كان الجميع يعلم أن قاعة الاستجواب تقع في مكان ما ضمن أراضي مدينة الأكاديمية، لكن لا أحد يعرف أين بالضبط.
كان صمتهم ثقيلًا. كان الهواء كثيفًا بقوتهم، يضغط عليّ من جميع الجوانب، مشعلًا أعصابي.
نظرت إلى جوليانا. كانت ساكنة وصامتة كالأشكال فوقنا، وجهها لا يمكن قراءته، قناع من الهدوء حسدتها عليه في تلك اللحظة.
" يجب أن أتعلم أن أكون غير مبالٍ مثلها. سينفعني ذلك يومًا ما. "
بينما كنت أفكر في ذلك، تحطم السكون.
تدفق صوت عميق ومدوٍ من الظلال، من مركز المنصة نصف الدائرية.
كان نوع الصوت الذي يستحوذ على الإنتباه، الذي لا يقبل الجدال، الذي يمكن أن يجعل الجبال تركع بكلمة واحدة.
"سمائيل ثيوسبان،" نطق الصوت، كل مقطع دقيق ومدروس، يتردد عبر الغرفة المظلمة. "هل نبدأ؟"
عدلت وقفتي وأومأت بنعم.