الفصل 27: الشرير الثانوي النمطي [2]
--------
لم يكن جيك ميل فليزر شخصية رئيسية في اللعبة.
من بين جميع أفراد مجموعتهم القديمة في المدرسة الثانوية، لم يصل إلى أكاديمية أبيكس(القمة) سوى هو و سمائيل.
بسبب هذا، ولكونهما صديقي طفولة، كانا دائمًا يُرى معًا.
كلما ظهر سمائيل على الشاشة، كان جيك هناك خلفه مباشرة، يبتسم بسخرية ويضحك على الناس كرفيق مثالي لشرير من الدرجة الثالثة.
لكنه لم يفعل الكثير لدفع الحبكة قدمًا.
على الرغم من إمتلاكه إحدى بطاقات الأصل القتالية الأقوى، لم يكن حتى جيدًا في القتال.
كان أكثر إزعاجًا من كونه تهديدًا حقيقيًا. كان دوره الوحيد في القصة أن يكون مصدرًا للإضحاك.
وبعد موت سمائيل، إختفى من القصة تمامًا. أصبح وقته على الشاشة معدومًا.
كان تخميني أنه مات خلال قوس رحلة الفصل أو ربما في غزو الصعود، حيث كانت هاتان الحادثتان الأعلى في عدد القتلى.
لكن في الحقيقة، لم يكن ذلك مهمًا.
مصيره في اللعبة كان غير ذي صلة.
ما كان مهمًا هو ما سيحدث في هذا الواقع.
"إذن؟" قاطعني صوت جيك المتعجل أفكاري. "كيف تخطط للإيقاع بذلك الوغد؟"
أومأت، وتعمقت إبتسامتي.
كانت "خطتي" بسيطة.
أخبرته أننا سنبحث عن مايكل، لكننا لن نهاجمه على الفور.
سنتركه يقاتل الطلاب الآخرين أولًا. سنتركه يُرهق نفسه، يستنزف جوهره. وعندما يحين الوقت المناسب، سنضرب بدقة متناهية.
إستراتيجية أساسية للإستنزاف. بسيطة، لكنها لا تقل فعالية.
"لكن ماذا لو هاجمنا أولًا؟" سأل جيك، بدا أكثر قلقًا مما كان يود الإعتراف به.
هززت كتفيّ، مشيرًا نحو جوليانا بجانبي. "سنضطر حينها إلى التضحية بها. "
ألقت الفتاة ذات الشعر الأبيض نظرة متفاجئة قليلًا لكنها بقيت صامتة.
جيك، مع ذلك، إلتفت إليها كما لو لم يكن يتفحصها منذ اللحظة التي وصل فيها.
تفحصها من رأسها إلى أخمص قدميها بنظرة شهوانية في عينيه، و إبتسامة ملتوية تنمو عبر وجهه الشبيه بالخنزير وهو يلعق شفتيه.
نادرًا ما أظهرت جوليانا مشاعرها، وحتى عندما فعلت، كانت دائمًا خفية ومكبوتة. كما لو كانت منفصلة دائمًا عن العالم، باردة وقاسية.
لكن في تلك اللحظة، تحت نظرة جيك، بدت وكأنها على وشك التقيؤ.
بنظرة من الإشمئزاز التام، إتخذت نصف خطوة للخلف بعيدًا عنه وتحركت خلفي، مما بدا أنه أثار إستمتاع جيك أكثر.
آه، تأوهت داخليًا. حتى أنا شعرت بقشعريرة تجري في عمودي الفقري. ولم أكن حتى الهدف البصري له.
كانت جوليانا معتادة على تلقي النظرات العاطفية من كل أنواع الناس، لكن كان هناك شيء في جيك يثير إشمئزازها دائمًا مثل سائر الفتيات الحيات في العالم.
"نعم، نعم، هذا يبدو جيدًا،" أومأ، عائدًا إليّ. "إذن، هل نبدأ بالبحث عنه؟"
"ليس معًا،" هززت رأسي. "لننقسم. بهذه الطريقة سنغطي مساحة أكبر، و الإله وحده الذي يعلم كم هذا المكان ضخم. "
كان كذلك حقًا.
فتح جيك فمه للرد.
ربما حتى هو، بغبائه، شعر برهبة من فكرة البحث عن مايكل بمفرده.
إلى جانب ذلك، كانت المجموعات تتشكل بالفعل بين الناس هنا.
لم يكن أحد يعرف ما سيكون إختبار التقييم لهذا العام — إذ كان كل عام مختلفًا عن الذي قبله — لكن الجميع فهموا شيئًا واحدًا:
التعاون يمنح فرصة أفضل للنجاح.
يا للسذاجة.
قـبـل أن يـتـمـكـن جيك من الكلام، واصـلـت، "سأتـصـل بك إذا وجـدتـه أولًا. إفـعـل الشـيء نفسه. "
كانت نبرتي ناعمة لكنها حازمة، لا تترك مجالًا لمزيد من النقاش وأنا أضع سماعة لاسلكية في أذني.
تردد جيك في البداية، لكنه أومأ أخيرًا وأخرج جهازه اللاسلكي الخاص.
إبتسمت مجددًا. "جيد. هذا يذكرني، ليس لدي أي بطاقات إكتساب. هل تمانع في إعارتي واحـدة أو إثـنـتـيـن؟ شيء يمكن أن يساعدني في قتال. "
"آه،" خدش جيك مؤخرة رأسه، كان تردده واضحًا.
كانت بطاقات الإكتساب باهظة الثمن، حتى بالنسبة للنبلاء.
في الواقع، معظم النبلاء لا يستطيعون شراء أكثر من أربع عشرة إلى خمس عشرة بطاقة قبل استنفاد جزء كبير من موارد عائلاتهم.
لكنني كنت أعلم أن لدى جيك أكثر من ذلك – حوالي عشرين، إذا كان عليّ التخمين.
كيف؟ لأنني أعطيته بعض البطاقات من خزينة عشيرتي. لقد شاركتها مع الجميع في مجموعتنا، على أي حال. نعم، كنت كريمًا.
لذا، لم يكن أمام جيك خيار سوى الإمتثال. لم أكن آخذ شيئًا منه. كنت فقط أطلب منه إعادة ما كان لي بالفعل.
حسنًا، تقنيًا، لعشيرتي.
"بالتأكيد، يا رجل،" قال، إبتسامته متوترة وهو يستخرج بطاقتين من ترسانة روحه. "خذ هاتين – بطاقة مهارة وبطاقة تعويذة. "
"همم. كنت سأفضل بطاقة أداة أيضًا. لكن هذا رائع. شكرًا، جاي. أنت صديق حقيقي، تعلم ذلك؟" إبتسمت مشرقًا، مقبلًا البطاقات منه.
إبتسم، مرتبكًا من مديحي وأنا أجهز البطاقات في ترسانتي. تفككت إلى جزيئات ضوئية متدفقة، متحدة مع جسدي، داخلة إلى روحي.
ثم، متذكرًا شيئًا، صفقت يديّ معًا.
"أوه، وأمر أخير. هل يمكنك تخصيص بعض الإعتمادات لي؟ لنقل، حوالي خمسين ألفًا؟"
•••
بعد إفتراقي عن "أفضل صديق" لي تحت ذريعة البحث عن مايكل، تجولت في ساحة المعركة القادمة.
كانت خطواتي عابرة، لكن أفكاري لم تكن كذلك.
تبعتني جوليانا على بعد خطوات، نظرتها تخترق مؤخرة رأسي كإبرة.
تنهدت. " كفي عن التحديق بي. "
لم تفعل.
بالطبع، لم تفعل.
"ما الأمر، جولي؟" سألت، عارفًا بالفعل ما يدور في ذهنها.
"ألم تعد ترغب في الإرتباط به؟" كان صوتها يحمل لامبالاته المعتادة، لكن كانت هناك لمحة من الفضول تحته.
رفعت حاجبًا. "لماذا تقولين ذلك؟"
"أنت تعلم لماذا،" أطالت الكلمات بتلك الطريقة البطيئة المتعمدة التي تميزها. "من الواضح أنك لا تنوي ملاحقة مايكل مجددًا، أليس كذلك؟"
ضحكت بهدوء. دقيقة كالعادة.
"أنتِ محقة،" إعترفت. " إنه أحمق. وقال أحدهم ذات مرة، من الأفضل أن يكون لك عدو ذكي على حليف أحمق. "
بقيت جوليانا صامتة لبضع لحظات. ثم، "هل حاولت للتو تمرير مقولتك الخاصة على أنها حكمة قديمة؟"
"مـ-ماذا؟" شهقت. "لا! إنها مقولة فعلية! ربما خلطت بضع كلمات، لكنها مقولة. "
أومأت. " بالتأكيد، بالتأكيد. فقط لا أتذكر سماعها في أي مكان. "
"تسك،" صفرت بلساني، معيدًا المحادثة إلى مسارها. "على أي حال، لا أحتاج إلى شخص يكون عائقًا أكثر من كونه مساعدًا. سآخذ منه ما يستحق، ثم أتخلص منه. "
إستمر صمتها هذه المرة أطول.
فهمت لماذا.
كان هذا شيئًا غير معتاد أن أقوله. كانت تعرفني جيدًا بما يكفي لتتوقع المشاكل، لكن ليس هذا المستوى من الحساب.
طوال حياتي، كنت أعتز بالأصدقاء القليلين الذين أمتلكتهم – أساسًا لأنني لم يكن لدي الكثير أثناء نشأتي.
بالتأكيد، كنت أدرك أن معظمهم لم ينجذبوا إليّ، بل إلى ما إمتلكت: مكانتي، ثروتي، مزايا الإقتراب من نبيل رفيع مثلي.
لكنني لم أهتم حقًا. فماذا إذا كانوا سطحيين؟ فماذا إذا كانوا متعجرفين متدللين؟
هكذا تعمل الأمور في العالم الحقيقي.
كل علاقة هي معاملة. تعطي و تأخذ.
حتى الصداقات.
خاصة الصداقات.
فكرة الروابط الحقيقية مبالغ فيها ومُصوَّرة بمثالية مفرطة.
ومع ذلك، كنت أحب أصدقائي.
حسنًا، ربما ليس هم بل فكرة الأصدقاء، أن أكون حول أناس يحبونني، أشعر وكأنني مرغوب، حتى لو لم يكن ذلك حقيقيًا.
لذا، لم تكن لتتخيل في مئة عام أنني سأتحدث بلا مبالاة عن "التخلص" من صديق، كما لو كان أداة مستنفدة.
لكن هذا بالضبط ما هم عليه الأصدقاء، أليس كذلك؟
تعلمت ذلك في حياتي السابقة.
كل علاقة، حتى الأبوية، هي معاملة بالفعل.
الحب، في أنقى صوره، قد يكون غير مشروط، لكن الصداقات؟ أبدًا.
يصنع الناس أصدقاء لأسباب أنانية — لبناء علاقات، لمشاركة الأعباء، لملء فراغ التفاعل البشري.
الأسباب قد تختلف، لكنها دائمًا تبادل. تعطي شيئًا، تحصل على شيء.
ربما هذه نظرة باردة. ربما ساخرة.
لكن — إسمحوا لي أن أبدو متمردًا — إنها الحقيقة.
لذا لا، لم أكن بلا قلب. لقد أعطيت جيك الكثير من الأشياء – المال، البطاقات، تذكرات دخول مميزة لنوادٍ يموت معظم النخبة للوصول إليها، أفضل الخمور التي يمكن للمال شراؤها، سيارات فاخرة في أعياد الميلاد، وأكثر من ذلك بكثير.
كنت كريمًا لسنوات. الآن حان دوره. حان الوقت ليدفع نصيبه، لتسوية الدين.
كنت ثيوسباين، على أي حال.
كنا معروفين بتسوية الديون.
"سامحني، سيدي الشاب، لكن هل يمكنني سؤال شيء، إن لم يكن خارجًا عن المألوف؟"
ألقيت نظرة سريعة فوق كتفي. "ماذا؟"
كان صوتها حذرًا عندما تكلمت.
"لماذا لا تلاحق مايكل؟ ليس من طبعك أن تتخلى عن ضغينة. خاصة واحدة كنت مفتونًا بها لهذه الدرجة. هل لا تستطيع حقًا هزيمته في قتال؟"
نفثت. لم يسمح لي كبريائي بالإعتراف بالحقيقة، لكنني في أعماقي كنت أعرفها.
لم تكن جوليانا هناك عندما قاتلني مايكل ومجموعتي في ذلك الزقاق خلف مدرستنا.
كانت قد وصلت فقط في الوقت المناسب لرؤية النهاية — الجزء حيث زرع البطل ضربة قوية في أحشائي، مرسلًا إياي متدحرجًا للخلف وأنا أسقط وأضرب رأسي بحجر.
لو كانت قد شهدت القتال بأكمله، لرأت كيف أسقط أكثر من عشرة مستيقظين بيديه العاريتين، دون أي بطاقات أخرى لمساعدته، لما كانت تسأل مثل هذا السؤال.
"كل شخص في مجموعتنا على الأقل كسر طرفًا، أو أصيب بكسور في العظام، أو عانى من نوع من الصدمات الحادة،" سردت بنبرة متزنة. "كنت في غيبوبة ليوم واحد. كنا أقوياء — جميعنا على وشك اختراق [الرتبة-C]. لقد رأيتني أقاتل. تعرفين ما يتطلبه الأمر لإسقاطي. لكن لم يكن لذلك أي أثر. "
إلتفت لملاقاة نظرتها.
"لا،" إعترفت. " لا أعتقد أنني أستطيع هزيمته في قتال واحد لواحد. "
...ليس الآن، على الأقل.
لكن كان لدي فكرة عن كيفية التفوق عليه.
بدت جوليانا وكأنها تتأمل كلماتي لبضع لحظات قبل أن تسأل، "إذن، ماذا ستفعل إذا إضطررت حقًا لقتاله اليوم؟"
هززت كتفيّ. لم يحدث ذلك في اللعبة.
لم يتقاطع مايكل وسمائيل حتى بداية الفصل الدراسي الأول، عندما تحداه سمائيل — كونه الأحمق الذي كان — لمباراة إعادة وخسر أمام الجميع.
لكن هذا لا يعني أن القصة لا يمكن أن تتغير.
اليوم، كنت أطمح للصدارة، لبدء الفصل كآس السنة الأولى. لم يكن مستحيلًا أن أنتهي وجهًا لوجه مع مايكل.
"إذا حدث ذلك، سأعتمد عليكِ،" كانت على وجهي إبتسامة وقحة. "يمكنكِ رمي معجبيكِ عليه لإعطائي وقتًا للهروب. "
نظرت إليّ جوليانا بشك. " لا أعرف عما تتحدث. "
ضحكت. "أوه، هيا الآن، جولي. هل تعتقدين أنني لا أعرف ما تقومين به؟ يجب أن تظنينني أحمقًا حقًا. "
كان الجميع في السكن مفتونين بها بالفعل. كان لها هذا التأثير على الناس.
كانوا ينجذبون نحوها كما تجذب الأمواج إلى القمر، مدفوعين بجاذبية هادئة لا يستطيعون تفسيرها تمامًا، على الرغم من علمهم أنهم قد لا يصلون إليها أبدًا.
لكن هذه المرة، لم يكن ذلك غير مقصود.
كانت قد صنعت علاقات متعمدة مع كل طالب جديد في سكننا. ولأجل سبب بسيط واحد.
كانت تخطط لإستخدامهم اليوم.
كما قلت، لم يكن أحد يعرف ما سيكون الإختبار، لكنهم كانوا يعرفون أن البقاء معًا سيساعد.
كان هذا أيضًا أحد الأسباب التي جعلت جوليانا ترغب في العيش في مساكن شارع ألارون.
لم يكن بإمكان سوى النخب الأثرياء والأقوياء تحمل تكاليف السكن هناك، وكانت تخطط للإستفادة منهم.
لكن لسوء حظها، قطعت الأوتار قبل أن تجعل دماها ترقص.
جررتها معي إلى زيفيروس.
لذا، إضطرت إلى الإكتفاء بالتلاعب العامة.
أدارت جوليانا نظرتها بعيدًا. لم تكن بحاجة للإجابة. ما تريده غير ذي صلة – فقط ما أفعله أنا.
كانت دماها لي، تمامًا كما هي.
•••
إستغرق الأمر أكثر من ساعة بقليل ليمر جميع الطلاب الجدد عبر الناقل ويتجمعوا في المدرج.
طلب المدربون وأعضاء هيئة التدريس منا تشكيل صفوف منظمة ومرتبة، و إمتثلنا دون كلمة.
ثم جاءت اللحظة التي كان الجميع ينتظرها — بل يخشاها حتى.
كان إختبار التقييم على وشك البدء.
وقفنا في صمت متوتر بينما أضاءت الشاشات المرئية العملاقة على المدرجات حول الساحة دفعة واحدة.
بدأ عرض فيديو، إما مباشر أو مسجل مسبقًا. على الشاشة كانت إمرأة شابة، مذهلة الجمال.
كان شعرها الفضي الطويل يتلألأ كخيوط ضوء القمر في ليلة مظلمة، وعيناها القرمزيتان تبدوان كأنهما تتوهجان بسحر غامض، شبه ساحر.
كانت تجلس خلف مكتب أنيق في مكتب مفروش بذوق. الشيء الوحيد على المكتب كان لوحة ذهبية كتب عليها: الآس.
ساد الهدوء المدرج. بدا كل نفس يتوقف في حضورها. هذه هي — آس السنة الثالثة.
رئيسة مجلس الطلاب. واحدة من أقوى المستيقظين في الأكاديمية بأكملها.
إتكأت في كرسيها بهدوء وضيّقت عينيها. كانت هناك هالة من السلطة تحيط بها، كما لو أن القوة والقيادة كانتا طبيعيتين لها كالتنفس.
عندما تكلمت، كان صوتها كالمخمل المغطى بالفولاذ — ناعم للأذن، لكنه حاد بلا هوادة — يتردد من مكبرات الصوت الكبيرة حول الساحة.
"صباح الخير، أيها الطلاب. أنا فيريشيا موريجان، آس السنة الثالثة. وأرحب بكم جميعًا في إختبار التقييم السنوي الـ385 للدخول إلى أكاديمية أبيكس الموقرة. "