الفصل 28: البدء

--------

ظل وجه فيريشيا موريجان يعلو الشاشات.

عمّ الصمت الثقيل المشحون بالترقب في المدرج، إذ وقف كل طالب جديد متجمدًا، ينتظر كلماتها التالية.

" كثير منكم متوترون، وربما خائفون حتى. "

تردد صوتها عبر الساحة الشاسعة.

"ويجب أن تكونوا كذلك. هذه أكاديمية أبيكس — أرفع مؤسسة في العالم. مكان يُطرد منه الضعف، وتُكرَّم فيه القوة. "

إزداد توتر الجو كما لو أن خيوطًا خفية شدّته.

شعرت بالقلق يتردد بين الطلاب من حولي. تحرك بعضهم بتوتر، بينما حدّق آخرون في الشاشات المرئية الضخمة المحيطة بنا.

إنحنت فيريشيا قليلًا إلى الأمام، أصابعها متشابكة تحت ذقنها.

" إختبار الدخول عملية بسيطة. إبقَ على قيد الحياة. تنافس. تفوّق. وربما — إن كنت بارعًا بما يكفي — ستُكرَّم. ستُذكر. ستُكافأ. "

كانت كلماتها كنغمة مهدئة مصنوعة من سكاكين حادة، كل مقطع يحمل حدًا.

" والآن، دعوني أشرح القواعد. "

مع حديثها، تلألأت الشاشات، فعرضت نموذجًا ثلاثي الأبعاد للمدرج.

" إختبار هذا العام واضح. " توقفت للتأكيد. "لديكم ثلاث كرات متصلة بالحزام الذي قدمناه لكم. تمتص هذه الكرات قدرًا معينًا من الضرر الواقع على حاملها. بمجرد الوصول إلى هذا الحد، تنكسر الكرات. مهمتكم هي تدمير أكبر عدد ممكن من كرات خصومكم مع الدفاع عن كراتكم. "

توقف آخر.

"كلما دمرتم كرات أكثر، زادت نقاطكم. ستُعرض نقاطكم على السوار الذي قدمناه لكم. لكن إن خسرتم كرة من كراتكم، سيُخصم ربع مجموع نقاطكم. ونعم، يمكن أن تصبح نقاطكم سالبة. "

أقسم أنه عندما تكلمت مجددًا، كان في صوتها لمحة خفيفة من التسلية.

"لجعل الأمور أكثر إثارة، ستتغير التضاريس كل ثلاثين دقيقة. غابات، جبال، أنهار — أي شيء قد يظهر في أي وقت. لذا، استعدوا للمفاجآت."

بينما سردت الإحتمالات، تحول نموذج الساحة ثلاثي الأبعاد على الشاشات بسلاسة، إذ تغيرت أرضه إلى مناظر طبيعية متنوعة.

سخرت في داخلي.

كان هذا سيكون ممتعًا.

"سيستمر الإختبار إثنتي عشرة ساعة. بلا إستراحات. ولا تعتقدوا أن قبولكم في الأكاديمية يضمن بقاءكم هنا. في الواقع، إن خسرتم كراتكم الثلاث خلال الساعات الأربع الأولى، ستُطردون. "

إنتشرت همهمة من الذعر بين الحشد عند هذا التحذير.

أربع ساعات؟ كان عليهم القتال أربع ساعات متواصلة؟ وكان الاختبار بأكمله سيستمر إثنتي عشرة ساعة؟

بدا الأمر قاسيًا إلى حد مستحيل!

كيف يمكن للأكاديمية أن تتوقع منهم تحمل مثل هذه المحنة؟! كان هذا مجرد ظلم!

لكن الأكاديمية لم تكترث، مثل فيريشيا التي واصلت الحديث.

"يمكنكم إستخدام أي بطاقات لديكم في ترسانتكم. وجهوا أكبر قدر ممكن من الضرر. إبذلوا كل جهدكم. لدينا أفضل الأطباء والكيميائيين في العالم على أهبة الإستعداد. لن نسمح لكم بالموت. لذا لا تخافوا، ولا... تُخيبوا... ظننا. "

تلاشى النموذج ثلاثي الأبعاد على الشاشات، وحلّ مكانه مجددًا وجه فيريشيا بعينيها القرمزيتين النافذتين، كما لو كانت ترى وتقيس كل واحد منا من خلف الشاشات.

بعد ذلك، واصلت شرح الإختبار بالتفصيل، لكن إنتباهي كان قد بدأ يتشتت. مهلاً، ليس خطأي أنني أعاني من اضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه! اللوم عليّ!

كتمت تثاؤبًا ونظرت حولي بكسل، لم أعد أهتم بالشاشات.

حينها، من بعيد، لمحت بعض الأشكال واقفة فوق جدران المدرج، تراقبنا من الأعلى.

كانوا فرق الإسعاف والكيميائيين والموظفين الذين ذكرتهم فيريشيا.

كانت مهمتهم مراقبة الاختبار بأمان والتدخل فقط عندما تكون حياة أحدهم في خطر.

"أوه؟"

فجأة، لفتت عيناي شيئًا مثيرًا للاهتمام.

كان رجل يقف بعفوية على جدار، يطل على حشد الطلاب، بدا في منتصف العشرينيات من عمره.

كان شعره الأسود ينسدل بأناقة حول وجهه، وعيناه العسليتان الفاتحتان تبدوان متلألئتين بحيوية مشرقة.

كل ذلك، مع ملامحه الناعمة، منحه سحرًا شابًا لا يُنكر وسامته.

كان يرتدي رداءً ذهبيًا وأبيض متدفقًا، وعلى الرغم من أنه لم يكن طويلًا بشكل خاص، فقد كان يحمل نفسه بأناقة جعلته بارزًا.

ذلك الرداء... وذلك الوجه! لا شك في الأمر. تعرفت عليه على الفور.

كان الكيميائي، أحد ألمع الكيميائيين الأحياء اليوم.

إمتدت إبتسامة عريضة على وجهي وأنا ألتفت إلى جوليانا. كانت تقف بجانبي مباشرة.

دفعتها برفق، محتفظًا بحماسي بالكاد.

"جولي! جولي!" همست، مشيرًا إلى الأعلى. "انظري!"

ألقت إليّ نظرة غريبة ثم تتبعت إصبعي إلى حيث كنت أشير أعلى الجدار. بوضوح، لم تتعرف عليه، فبقيت غير متأثرة.

"ماذا؟" سألت، صوتها بارد ومسطح.

"هذا الكيميائي!" قلت، عاجزًا عن إخفاء حماسي.

أطلقت إليّ نظرة عبوس لا تزال بطريقة ما تبدو مهذبة ومحترمة. "من؟"

نظرت إليها، شبه مصدوم. "ألا تعرفينه؟ الكيميائي! ريكسيرد كرونويل!"

"هل يفترض بي أن أعرفه؟" سألت، وكدت أشهق.

"نعم!" صرخت بمبالغة. "إنه من صنع شراب ريكسيرد، وأتقن صيغة عقار المشهد العقلي، وخلق عددًا لا يحصى من جرعات تنقية الجوهر."

كانت جوليانا تفقد إهتمامها بسرعة بهرائي المتحمس.

كانت عيناها تعودان إلى الشاشات، حيث كانت فيريشيا تشرح ما يهم فعلًا — الاختبار القادم.

لكنني لم أنتهِ، "والأهم من ذلك، إنه أعلم شخص في موضوع الأرواح والبوابات! لديه أكثر من ثلاث درجات دكتوراه في الدراسات الغامضة(الروحية). بصراحة، لا أحد يعرف عن الأرواح أكثر منه."

جذب ذلك إنتباهها. كقطة استُنفرت فجأة، انتصبت أذناها.

لم أكن أكذب هناك. في اللعبة، كان ريكسيرد كرونويل، الأستاذ المساعد للكيمياء، كنزًا من المعرفة عندما يتعلق الأمر بالأرواح.

كان حليفًا لا يُقدَّر بثمن للشخصيات الرئيسية وساعدهم على تجاوز العديد من المواقف الخطيرة.

لولاه، لكان الأبطال قد ماتوا عندما تقطعت بهم السبل في عالم الأرواح في الفصل الأول.

لذا، نعم. كان مساعدًا كبيرًا... حتى قتله مايكل، بطل اللعبة.

لماذا قتله مايكل؟ لا أستطيع قول ذلك. سيكون هذا كشفًا للأحداث.

كانت جوليانا تحاول إخفاء فضولها، لكنني رأيت من خلال قناعها. كانت مهتمة بالتأكيد الآن.

حاولت الحفاظ على نبرتها الهادئة عندما تكلمت، لكن صوتها حمل شرارة من الاهتمام، "حقًا؟"

"نعم!" أومأت، متحمسًا. "تذكرين تلك النظرية التي قدمتها للأساتذة الكبار عن البوابات؟ حسنًا، كانت مستوحاة إلى حد كبير من أبحاث ريكسيرد. فقط عدّلت بعض الأشياء. "

كان ذلك كذبًا محضًا.

لكنني شككت أن جوليانا كانت تركز على ما كنت أقوله بعد الآن — ربما كان عقلها يتسابق بأفكارها الخاصة. أراهن أن التروس كانت تدور في رأسها بالفعل.

"أهكذا؟" همهمت بغياب ذهني. لكن بعد ذلك، كما لو تذكرت شيئًا فجأة، "انتظر، كيف تعرف كل هذا حتى، سيدي الشاب؟"

هذه المرة، عبست لها. "ماذا تقصدين بكيف؟ أحب الكيمياء. بالطبع، سأعرف بعض الأشياء عن المجال. "

"أنت لا تحب الكيمياء،" ردت بنبرة إتهامية تقطر شكًا.

"ماذا؟! بالطبع أحبها! تذكرين، أخذت دروس كيمياء الصيف الماضي؟"

" أخذت درسًا واحدًا. واحدًا. "

قلبت عينيّ. "حسنًا، حسنًا. إستلهمت من السيد ريكسيرد لدراسة الكيمياء، لكن بعد درس واحد فقط، أدركت أنه ليس شيئي. "

ألقت إليّ نظرة جانبية، ثم أومأت لنفسها، بدت راضية عن هذا التفسير.

في هذه الأثناء، لم أستطع إلا أن أبتسم.

وهكذا، تبدأ الخطوة الأولى من خطتي.

•••

أمضت فيريشيا بضع دقائق أخرى تشرح كل شيء عن الاختبار بتفصيل دقيق — القواعد، المكافآت، أسباب الاختبار.

كان كل ذلك مجرد معلومات مملة كنت أشعر بالضجر من التركيز عليها.

أخيرًا، اتكأت في كرسيها، عيناها القرمزيتان حادتان كشفرة تتلألأ في ضوء القمر.

"أخيرًا، إذا أردتم الانسحاب أو إذا دُمرت كل كراتكم، ستحتاجون إلى مغادرة الأرض. بمجرد زوال كراتكم الثلاث، تنتهي مشاركتكم. هذا كل شيء."

احتبس نفس المدرج بأكمله، ينتظر كلماتها الأخيرة أن تهبط. ينتظرها لتبدأ كل شيء.

"ومع ذلك... فليبدأ الاختبار!"

تلألأت الشاشات الضخمة المحيطة بالساحة للحظة. قُطع البث، وحل محله عداد تنازلي:

[11:59:59]

اثنتا عشرة ساعة. هكذا سيستمر الاختبار. اثنتا عشرة ساعة للقتال، للبقاء، لإثبات أننا نستحق أن نكون هنا في الأكاديمية.

لبضع دقات قلب، لم يتحرك أحد.

كان الجو كثيفًا، شبه خانق، إذ سيطر التوتر علينا جميعًا. وقف الجميع متجذرين في أماكنهم، عقولهم ممزقة بين الأسئلة ذاتها.

هل يجب أن يضربوا أولًا؟

أم ينتظروا شخصًا آخر ليبدأ؟

لأنه إن خسرت كراتك الثلاث خلال الساعات الأربع الأولى، انتهى الأمر. ستُطرد — تُزال قبل حتى أن تطأ قدميك فصلًا دراسيًا.

ذلك الخوف، تلك الحيرة، منعا الجميع من الحركة.

كانت المخاطر عالية جدًا للتصرف بتهور.

لكن كان هناك ثغرة واضحة هنا.

إن وقفنا جميعًا في أماكننا للساعات الأربع الأولى ولم نفعل شيئًا، لن يُقصى أحد. لن يُطرد أحد.

العب بأمان، انتظر فترة المخاطرة، ومن ثم ابدأ القتال.

نظريًا، يمكننا جميعًا النجاة. كل ما تطلبه الأمر هو الصبر.

وللحظة وجيزة، بدا أن الجميع يشاركون الفكرة ذاتها.

سقطت الساحة في سكون غريب، مخيف.

كان نوع الصمت الذي تسمع فيه دقات قلبك تتردد في أذنيك.

نوع الصمت الذي يضغط على جلدك كالدخان، ينتظر حتى أخف صوت ليمزقه.

لم أتحرك أنا أيضًا، لكن ابتسامة صغيرة شدت شفتيّ كما لو كنت أعرف نكتة لا يعرفها الآخرون.

لأنني كنت كذلك.

لم تُترك تلك الثغرة هناك بالصدفة — كانت متعمدة. لأن استغلالها يتطلب أن نثق ببعضنا البعض. ثقة تامة. بلا شروط.

كان علينا أن نؤمن، بلا شك، أن أحدًا لن يتحرك خلال هذه الساعات الأربع الأولى.

كان علينا أن نثق بغرباء.

لم يكن هذا مجرد معركة قوة. كان اختبارًا للإرادة. محنة نفسية بقدر ما هي جسدية.

أرادت الأكاديمية أن ترى من سيتصدع تحت الضغط ومن سيحافظ على أعصابه.

كان الإجهاد الذهني سيصبح هائلًا في مثل هذا السيناريو.

كان الخوف من اتخاذ الخطوة الأولى المتهورة مشلًا. لم يرد أحد أن يهاجم أولًا ويجذب الانتباه إلى نفسه.

لأنه بمجرد أن تهاجم، ستعرض نفسك.

ستظهر يدك وتجعل نفسك معروفًا.

قد تجمع بعض النقاط، لكنك أيضًا سترسم هدفًا على ظهرك ليراه الجميع.

هل كان ذلك يستحق المخاطرة؟

ليس بالنسبة لي. ولا للأغلبية.

لكن الانتظار بصمت له مخاطره الخاصة.

كلما ترددت أكثر، تسلل الشك أكثر: ماذا لو كنت أضيع فرصتي؟ ماذا لو هاجمني شخص آخر؟ ماذا لو كنت أستطيع الفوز بهذا الاختبار؟

لأنه إن لعب الجميع بأمان...

إن انتظر الجميع فقط، فإن أول من يضرب سيحصل على الميزة. سيكسر الهدوء ويجبر الجميع على الرد.

سيسيطر على تدفق ساحة المعركة ويملي إيقاع الفوضى.

الهجوم أولًا كان متهورًا، نعم — لكنه أيضًا منحك قوة. قوة تحديد الإيقاع.

وكانت قوة تستحق استغلالها إن كنت تعرف كيف.

لكن مجددًا، في اللحظة التي تضرب فيها، تصبح مرئيًا.

تتوقف عن كونك مجرد منافس آخر وتصبح من يجب الحذر منه. من يجب القضاء عليه.

كان خيارًا صعبًا. كان معظم الناس متجمدين بالخوف، عالقين في مأزق التردد.

كلما طال الصمت، أصبح أكثر إزعاجًا.

بدا المدرج ساكنًا على السطح، لكن تحت ذلك الهدوء كانت عاصفة من الأعصاب والتخمينات.

كان كل شخص يقيّم الآخر، يحاول قراءة من قد ينهار أولًا أو من كان الأسهل للتعامل معه.

في النهاية، لم يكن الجميع يريدون الانتظار.

بعض الناس يزدهرون في الفوضى.

بعض الناس فهموا أن التردد يولد الضعف.

بعض الناس كانوا مستعدين لتحمل المخاطرة الأولى وتعطيل التوازن، عالمين أنهم إن انتظروا طويلًا، قد ينتهي بهم الأمر فريسة بدلاً من صياد.

بعض الناس آمنوا بقوتهم الخاصة وقللوا من شأن قوة الآخرين.

...ثم كان هناك أناس مثلي.

الانتهازيون — الذين لن يهاجموا أولًا وكانوا ينتظرون أن يُكسر الصمت من قبل شخص آخر.

كانوا سيتحركون في اللحظة التي تسود فيها الفوضى، مستفيدين من الذعر والارتباك.

هؤلاء الناس لم يريدوا إشعال النار، لكنهم بالتأكيد سيستفيدون منها بمجرد اشتعالها.

هذا ما كنت أفعله.

كنت أنتظر شخصًا آخر ليبدأ.

ولم أضطر للانتظار طويلًا.

—بوووم!!

لم تمر عشرون دقيقة حتى هز انفجار مدوٍّ في البعيد السكون.

بدأت اللعبة.

في الحال، انقطع التوتر، وانفجر المدرج في فوضى.

تحرك الجميع، بعضهم اندفع نحو الضجيج، وآخرون تدافعهم بحثًا عن الأمان.

2025/04/12 · 174 مشاهدة · 1715 كلمة
نادي الروايات - 2025