الفصل 80: التذكر
-------
كانت ثاليا تجلس بهدوء على الأريكة.
كانت غرفتها مظلمة في الغالب، مع مصدر الضوء الخافت الوحيد القادم من العرض الهولوغرافي أمامها.
بدا أنها مصابة بجروح بالغة.
ذراعها اليمنى كانت مغلفة بجبيرة جبسية، وضمادة ملفوفة حول رأسها.
على الرغم من أن بشرتها البيضاء النقية كانت مشوهة بعدة كدمات سوداء وزرقاء، إلا أن جمالها الساحر ظل غير متأثر إلى حد كبير.
كانت قد خرجت من العيادة منذ وقت ليس ببعيد بعد أن تلقت العلاج من المسعفين لما يقرب من يوم كامل.
عندما وجدها الطاقم بعد انتهاء اختبار الفريق، كانت مدفونة تحت كومة من الأنقاض.
أصيبت بجروح متعددة وفقدت الوعي بسبب نقص الأكسجين.
لحسن الحظ، لم تُحاصر في ذلك الكهف لفترة طويلة وتم إنقاذها في الوقت المناسب.
لكن مزاجها لم يكن مرحًا على الإطلاق.
لم يكن هناك شيء لتكون سعيدة به. لقد أُهينت — من قبل أكثر شخص تكرهه في العالم.
في الواقع، كانت ستفضل الموت على هذا الموقف.
ما سيكون رد فعل والدها عندما يسمع هذا الخبر — كان كل ما تستطيع التفكير فيه.
حسنًا، بجانب — كيف هزمني؟
بالفعل. كيف هزمها أخوها؟
كانت تتبارز مع سمائيل منذ أن كانا في السادسة. ولم تخسر أبدًا أمامه. أبدًا.
حسنًا، كان ذلك في الغالب بسبب غباء سمائيل نفسه.
كان دائمًا يؤمن كثيرًا بقوته الخاصة، لم يتعلم شيئًا من خسائره، وكان متعجرفًا جدًا ليضع كبرياءه جانبًا ويحلل خصمه تكتيكيًا.
كلما قاتلا، كان يعتمد دائمًا على القوة الغاشمة ليغلبها ويحاول إجبارها على الإستسلام.
بالطبع، لم ينجح ذلك أبدًا.
كانت تقنيتها مثالية للغاية. كانت تكسر هجومه بسهولة بقراءته ككتاب مفتوح في كل مرة.
كان يمكن التنبؤ به.
وهذا جعله ضعيفًا.
...لكن هذه المرة، تمكن بطريقة ما من قلب الطاولة عليها.
ولم تستطع إلا أن تلاحظ أن هناك شيئًا مختلفًا في سمائيل — شيئًا مقلقًا.
هذه المرة، قاتلها بدقة هادئة. بحدة باردة وحسابية لم ترَ مثلها فيه من قبل.
كان الأمر وكأن كل شيء تحت سيطرته منذ بداية معركتهما.
لماذا؟
لماذا كان هادئًا جدًا؟
لم تعرف ثاليا. وهذا أغضبها.
على الرغم من أنها لم تخسر أمامه تقنيًا، كانت النتيجة النهائية أن سمائيل فاز.
أيضًا، لم تنسَ كيف أعلن بثقة. صوته لا يزال يتردد في أذنيها، يتردد داخل عقلها، ويجعل دمها يغلي.
" لن تصبحي الآس أبدًا، ليا. ستخسرين. أي شخص يحاول أن يتحداني على لقبي سيخسر. قد لا أكون الأقوى أو الأذكى في دفعتننا... لكنني سأحظى دائمًا بالضحكة الأخيرة. سأفوز دائمًا. "
ستخسر.
سيفوز دائمًا.
قال تلك الأشياء في وجهها مباشرة، قبل لحظات من تنفيذ وعده وإظهار مدى جديته.
متى تغير كثيرًا؟!
لم يكن لديه الجرأة حتى لينظر إليها مباشرة في عينيها من قبل. والآن لديه الجرأة لتحديها بمثل هذه الصراحة؟
شدت ثاليا قبضتها لحظة تذكرها ذلك، أصابعها المصابة ترتجف في مزيج من الغضب وعدم التصديق.
لكن عينيها ظلت مثبتة على الشاشة الهولوغرافية أمامها حيث كان يُعرض فيديو إمتحان التقييم.
كانت تشاهد اللقطات لترى كيف فاز أخوها بلقب الآس بالضبط.
ماذا فعل؟
كيف تغلب على جميع طلاب السنة الأولى الآخرين؟
كانت ثاليا تعلم أن سمائيل تغير بعد قدومه إلى الأكاديمية. لا، ربما حتى قبل ذلك — منذ أن تبارز مع والدهما في طقس الشجاعة.
كانت بحاجة إلى دراسة سمائيل الجديد هذا. كان عليها أن تفهم عقلية أخيها الحالية. كيف يقاتل، في ماذا يفكر — كل شيء.
لذا، هذا ما كانت تفعله.
تحليل.
وبينما كانت في منتصف ذلك، إنفتح الباب ودخل شخص ما إلى الغرفة حيث كانت تجلس.
عندما أُضيئت الأنوار، تمكنت من رؤية من هو.
فتاة، جميلة بشكل يفوق الوصف، بشعر أحمر طويل، عيون قرمزية مدهشة، وابتسامة ساحرة على شفتيها.
كانت ترتدي ملابس غير رسمية، شورت بخصر عالٍ وقميصًا فضفاضًا.
دخل خلفها شاب طويل القامة، ساحر كأمير من قصص الفانتازيا القديمة، يحمل تشابهًا غريبًا تقريبًا مع الفتاة أمامه.
كان يرتدي بنطال رياضي فضفاض وقميصًا، يبدو مستمتعًا كالعادة كما لو كان يعرف نكتة لا يعرفها أحد غيره.
على الرغم من أن لا شيء فيهما يصرخ بأنهما ورثة ملكيين، إلا أنهما كانا يحملان هالة ملكية خفية تجعل مكانتهما واضحة دون الحاجة إلى أي تيجان.
كانا الأميرة أليس و الأمير ويليم.
...ولسبب ما، دعيا نفسيهما إلى منزل ثاليا.
والأسوأ أنهما لم يستطيعا إستيعاب أنهما غير مرحب بهما هنا!
لن يغادرا!
[المترجم: ساورون/sauron]
خشيت ثاليا أن يبقيا هنا الليلة... وربما لبضع ليالٍ أخرى بعد ذلك، بناءً على الأمتعة التي جلباها معهما.
تساقطت أليس على الأريكة بجانب ثاليا ودفعت الفتاة ذات العينين الذهبيتين برفق بقدمها. "ماذا تشاهدين؟"
في هذه الأثناء، تجول ويليم نحو الثلاجة وفتحها دون أن يطلب الإذن حتى. " هل لديك أي وجبات خفيفة؟ أنا جائع. "
صرّت ثاليا على أسنانها، بذلت جهدًا رائعًا لتجاهلهما بينما ظلت عيناها ملتصقتين بالشاشة.
تبعت أليس نظرة ثاليا وعبست قليلاً عند رؤية الفيديو الذي يعمل على العرض الهولوغرافي. "كنت دائمًا أشك أن لديك عقدة أخ، لكن أليس تتبعه مبالغًا فيه قليلاً، ليا؟"
ضربت ثاليا وجهها بيدها، مقاومة الرغبة الشديدة في لكم أليس. " أنا أحلل قتالاته الأخيرة. لقد كان يتصرف بشكل مختلف. أحتاج إلى فهم نهجه الجديد في القتال. "
تعمق عبوس أليس. "ألم يكن عليكِ إجراء كل هذا البحث... قبل أن تخسري أمامه؟"
"لم أخسر!" إنفجرت ثاليا، نبرتها حادة بما يكفي لتقطيع الفولاذ.
رمشت أليس، مندهشة من الانفجار المفاجئ.
قبل أن تتمكن من صياغة رد، تدخل ويليم بلا مبالاة، " تقنيًا، لقد خسرتِ. لو كانت معركة حياة أو موت، لكنتِ ميتة. "
أدارت ثاليا رأسها لترمق ويليم بنظرة نارية، عيناها تلتمعان بتهديدات غير معلنة.
أوه، لو كانت النظرات قادرة على القتل.
"حسنًا، حسنًا! خطأي!" رفع ويليم يديه في إستسلام زائف وتراجع، متجهًا إلى منضدة المطبخ ليصنع لنفسه شطيرة.
تمتمت ثاليا بشيء غير لائق تحت أنفاسها وإستدارت إلى أليس.
لم تكن الأميرة دراكن تبدو في حالة أفضل بكثير. كان لديها عين سوداء متورمة وكتفها الأيسر بدا مصابًا بإصابة خفيفة.
حتى ويليم كان لديه عرج ملحوظ وهو يسير.
"وماذا حدث لكما؟" سألت.
هزت أليس كتفيها. " قاتل ويليم تلك الفتاة — ما إسمها؟ السيدة أليكسيا؟ إبنة الدوق زينكس التي تستمر في الهروب من المنزل كما لو كانت هواية. سمعت أن والدها يكاد ينتف شعره بسبب ذلك. "
تأوه ويليم وهو يعدل وزنه على ساقه السليمة. " كانت كارثة متنقلة. كيف يمكن لشخص صغير جدًا أن يكون بهذه الوحشية؟ دفعتني للخلف كما لو كنت طفلاً. أقسم، كنت على وشك البكاء. "
ضحكت أليس. " في هذه الأثناء، كنت أقاتل ذلك العامي. إسمه مايكل، أعتقد؟ تمكن من خلع كتفي وأصابني بلكمة جيدة. فن سيفه كان هائلاً أيضًا. لكن ذلك لم يكن كافيًا. جعلته يركع. ومع ذلك، إنتهى الإختبار قبل أن نتمكن من المتابعة. "
تنفست ثاليا بعمق وأعادت تركيزها إلى الشاشة.
لبضع لحظات، غطى الصمت الكامل الغرفة — بإستثناء صوت ويليم وهو يمضغ شطيرته المعدة بشكل سيء.
ثم، همست وريثة ثيوسباين بشيء بنبرة خافتة. " إنه نفس الشيء. "
سأل كل من أليس و ويليم في إنسجام. "ماهو؟"
لم تجب ثاليا على الفور. فركت وجهها عدة مرات وزفرت قبل أن تشير نحو الفيديو الذي يعرض.
فيه، كان أخوها قد أقصى أليكسيا للتو، وكان يتحرك ليقاتل مايكل بعد ذلك.
" أنظروا. كان سمائيل يخطط مسبقًا طوال الوقت الذي كان يقاتل فيه أليكسيا فون زينكس وذلك العامي، مايكل. صرف إنتباه أليكسيا، أوقعها في شعور زائف بالأمان، جعلها تعتقد أنها فازت بالفعل. ثم ماذا؟ حرفيًا حطم الأرض تحت قدميها. "
إحترقت عيناها الذهبيتان بحدة وهي تشير نحو لحظة مختلفة في اللقطات.
" و أنظروا كيف يقصي مايكل. يبقي تركيز عدوه بالكامل عليه، بينما ظله يرمي بالأحمق المسكين مباشرة إلى الحمم. "
غيرت الفيديو و وضعت مبارزة سمائيل ضد الدوق الذهبي.
" أنظروا، يفعل الشيء نفسه في هذه المعركة أيضًا. يصرف إنتباه والدنا، يغلق الفجوة بينما يخفي نواياه الحقيقية، وينقض ليوجه ضربة كان من الممكن أن تكون قاسية. لم تنجح، بالطبع، لأنه كان متفوقًا عليه بشكل ميؤوس منه. لكن... "
شدت قبضتا ثاليا مرة أخرى وهي تتكئ للخلف، محدقة في الشاشة كما لو أنها أساءت إليها.
" هذا ليس نفس الأحمق المندفع الذي نشأت معه. إنه دقيق الآن. حسابي. "
تأملت أليس لثوانٍ قليلة حتى لم تستطع إلا أن تسأل. "إذن، ماذا تقولين؟"
"التضليل،" ردت ثاليا بكلمة واحدة.
"...ها؟" سأل ويليم بحيرة، مما دفع ثاليا للتوضيح أكثر.
كانت نبرتها أنعم من المعتاد عندما تحدثت مجددًا. " عندما كنا أطفالاً، علمنا والدنا كيف نلعب الشطرنج. لم تكن مجرد لعبة بالنسبة له — كانت حربًا مصغرة، أداة لتعليمنا دروسًا كان يعتقد أنها أهم من مجرد إستراتيجية. "
رفعت أليس حاجبًا، مفتونة رغمًا عنها.
إتكأ ويليم على المنضدة، ناسيًا شطيرته للحظة.
واصلت ثاليا، عيناها الذهبيتان بعيدتان، كما لو كانت تتذكر زمنًا مضى. " قال لنا إن اللوحة مجرد وهم. اللعبة الحقيقية لم تكن بين القطع بل بين العقول. لم يكن يريدنا أن نلعب الشطرنج. كان يريدنا أن نلعب الشخص الجالس مقابلنا. "
أخذت نفسًا بطيئًا وثابتًا، أصابعها ترسم أنماطًا خفية على مسند الأريكة. " كان سمائيل يكره ذلك. لم يكن يعرف ماذا يفعل. كان يتسرع في حركاته، يرمي كل ما لديه في هجمات متهورة. أما أنا، فقد أتقنتها بطبيعتي. كنت أتغلب عليه في كل مرة، ليس لأنني كنت أفضل في اللعبة، بل لأنني كنت أفضل في قراءته. "
تحولت شفتاها إلى تجهم. " كان والدنا يقول، لوحة الشطرنج مرآة. خصمك سيظهر لك روحه إذا كنت تعرف أين تنظر. مخاوفهم، طموحاتهم — كلها موجودة، مختبئة خلف حركاتهم. "
عبست أليس. "وسامي لم يكتشف ذلك أبدًا؟"
هزت ثاليا رأسها. " ليس في ذلك الوقت. لم يكن لديه الصبر، أو ضبط النفس. لكن الآن... "
تلاشت نبرتها وهي تشير نحو الشاشة. " الآن يبدو أنه يفهم. إنه يلعب الشخص، وليس اللعبة. "
فكرت أليس في الأمر للحظة وعلقت، " يبدو أنكِ معجبة تقريبًا. "
تحول وجه ثاليا إلى غضب. "معجبة؟ أريد أن أقطع رأسه! كيف يجرؤ على إستخدام دروس والدنا ضدي — دروس لم يكن يهتم بها حتى عندما كنا صغارًا؟! و إستخدم نفس التكتيك تقريبًا ليهزمني الذي إستخدمه للقضاء على فتاة عمياء؟! الوقاحة بعينها!"
أعلن سمائيل أنه سيفوز دائمًا، هاه؟
أوه، سترغب في رؤية ذلك.
إمتد صمت سطحي آخر.
أخيرًا، بعد بضع دقائق قصيرة، كسر ويليم السكون عندما إنتهى من الأكل. "انتظر! أليكسيا فون زينكس... إنها عمياء؟!"