رفع أخوها الفُستان أمامها كي تفحصه قائلا: "إنه جميل حقًّا. هَلُمي، المسيه، تحسسي النسيج".

مدت داني يدها ومسَّت الفستان فوجدَت قماشه أملس جدا حتى أنه كان يسري بين أصابعها كالماء، ولم تستطع أن تتذكر إن كانت قد ارتدت شيئًا بهذه النعومة من قبل.

أثار الخاطر خوفها، فأزاحت يدها متسائلةً بتردد: "أهو لي حقا؟".

أجابَ فسيرس بابتسامة أفصحت عن مزاجه العالي الليلة: "هدية من الماجستر إليريو، لون الفستان سيُبرز البنفسجي في عينيك وستتزينين بالذهب كذلك، وجواهر من جميع الأصناف إليريو وعد بهذا، الليلة يجب أن تبدي أميرة".

أميرة ... لقد نَسِيَت معنى هذه الكلمة، ولعلها لم تعرفه قط. سألت: "لم يمنحنا كلَّ هذا؟ ما الذي يُريده منا؟".

منذ ما يقرب من نصف عام وهما مقيمان في بيت الماجستر ، يأكلان طعامه وينالان كل أنواع الدليل من خدمه، كانت داني في الثالثة عشر من عُمرها، أي كبيرة بما يكفي لأن تعرف أن هدايا كتلك نادرًا ما تأتي بلا ثَمن كديدن الأشياء هنا في مدينة پنتوس الحُرَّة.

قال فسيرس: "إليريو ليس بأحمق" . كان شابا نحيلا ذا يدين عصبيَّتين ونظرة محمومة في عينيه "الماچستر يعرف أني لن أنسى أصدقائي بمجرد أن أجلس على عرشي" .

*****

لم تُعلِّق داني. كان الماجستر إليريو يُمارس تجارة التوابل والأحجار الكريمة وعظام التنين، وأشياء أخرى أقل استساغةً، ويُقال إنه لديه أصدقاء في جميع المدن الحُرَّة التّسع، بل وحتى في البلاد التي تقع وراءها، في فايس دويراك والأراضي الأسطورية على ساحل بحر اليَشب.

يُقال أيضًا إنه مستعد لبيع أي من أصدقائه مقابل الثَّمن المناسب.

كانت داني تُصغي للكلام في الشوارع فتسمع هذه الأشياء، لكنها كانت تعرف أفضل من أن تُبدي ارتيابها في كلام أخيها وهو ينسج شباك أحلامه.

كانت غضبة فسيرس شنيعة بالفعل، وكان يصفها بأنها كإيقاظ التنين.

علق أخوها الفُستان إلى جوار الباب قائلا: "إليريو سيرسل العبيد ليُحَمِّمُوكِ. تأكَّدي أن تُزيلي عنكِ رائحة الاسطبلات، گال دروجو لديه ألف حصان، لكنه يتطلع إلى امتطاء شيء آخر الليلة" ، ثم رمقها بإمعان وأضاف: "ما زلتِ تقفين تلك الوقفة المترهلة. افردي كتفيك" ، ودفع كتفيها إلى الخلف بيديه مُكمِلًا :" دعيهم يرون أن لديك جسد امرأة الآن" ، ومَسَّ أعلى نهديها الصَّغيرين بأصابعه برفق قبل أن يقبض بها على واحدة من حلمتيها بقسوة ويقول :" لن تخذلينني الليلة... لأنك ستجدين نفسك في موقف سيّئ للغاية إذا فعلتِ أنتِ لا ترغبين في إيقاظ التنين،

أليس كذلك؟.كانت أصابعه تُطبق على الحلمة الآن من فوق قماش سترتها الخشنة وتلويها بقوَّة المتها بشدة وهو يُكَرّر:" أليس كذلك؟".

أجابت داني بخنوع:" بلی".

ابتسم أخوها ومَسَّ شَعرها بنوع من الحنان وقال: "عظيم. عندما يكتبون تاريخ حكمي يا شقيقتي العزيزة، سيقولون إنه بدأ الليلة" .

عمدت داني إلى نافذتها بعد خروجه، وتطلعت إلى مياه الخليج بأسى. كانت أبراج ينتوس المربعة المبنيَّة بالقرميد عبارة عن صُوَرٍ ظِليَّة سوداء حدّدتها الشَّمس الغاربة سمعت داني إنشاد الكهنة الحمر وهُم يُشعلون نارهم ككل ليلة وصياح الأطفال الفقراء وهم يلعبون وراء. أسوار الطيعة، وللحظة تمنت لو أنها كانت هناك بينهم، حافية القدمين متقطعة الأنفاس ترتدي الأسمال بلا ماضي أو مستقبل أو مأدبة تحضرها في إيوان گال دروجو.

في مكانٍ ما وراء غروب الشَّمس، عبر البحر الضيق، تقع أرض حافلة بالتلال الخضراء والسُّهول المفروشة بالزهور والأنهار الواسعة المتدفقة، حيث ترتفع الأبراج المشيَّدة بالحجارة السوداء وسط جبال شاهقة ذات ألوان زرقاء ورماديَّة، ويركب الفرسان مرتدين دروعهم إلى. المعارك تحت رايات سادتهم.

كان الدوثراكي يُطلقون على هذه الأرض اسم "رايش أنداهلي"، أي "أرض الأنداليين" في لغتهم.

في المدن الحُرَّة يتكلمون عن وستروس وممالك غروب الشمس، بينما يُطلق أخوها عليها ببساطة "أرضنا". كانت الكلمة كصلاة بالنسبة إليه، وإذا ردَّدها بما فيه الكفاية فلا بُدَّ أن الآلهة ستسمعه.

أرضنا بحقِّ الدَّم، سُلبت منا بالخيانة، لكنها لا تزال أرضنا إلى الأبد أرضنا لا أحد يسرق من التنين.

ولربما كان التنين يذكر فعلا، لكن أنَّى لداني أن تَذكُر بدورها؟ إنها لم تر تلك الأرض التي يقول أخوها إنها أرضهما قط، تلك البلاد الواقعة وراء. البحر الضيق.

و الأماكن التي كان يتكلم عنها كاسترلي روك و"العش"، هايجاردن ووادي آرن دورن وجزيرة الوجوه - لم تكن بالنسبة إليها أكثر من محض كلماتٍ بلا معنى حقيقي.

كان فسيرس صبيا في الثامنة عندما فرا من كينجز لاندنج للإفلات من جيوش روبرت المغتَصِب التي تزحف على المدينة، بينما كانت دنيرس مجرد جنين في رحم أمهما.

على أن داني كانت في بعض الأحيان تتخيل كيف كانت، فقد كان أخوها كثيرًا ما يحكي لها القصَّة... الهروب في منتصف الليل إلى دراجونستون والقمر يُنير أشرعة السَّفينة السوداء، وكيف قاتل أخوهما ريجار روبرت المُعْتَصِب وسط مياه الثَّالوث الدامية قبل أن يُقتل في سبيل المرأة التي أحبها ... نهب كينجز لاندنج على يد من ينعتهم فسيرس

بكلاب المُعْتَصِب اللورد لانستر واللورد ستارك وغيرهما... توسلت الأميرة الدورنية إليا مارتل طلبًا للرَّحمة إذ انتزعوا وريث ريجار الرضيع من بين يديها وقتلوه أمام عينيها... جماجم آخر التنانين المصقولة وهي تُحَدِّق بصمت من مكانها على جدران قاعة العرش بينما شَقَّ قاتِل الملك حلق أبيها بسيف ذهبي.

لقد ولدت في دراجونستون بعد تسعة أقمار من فرارهما، بينما تُهَدِّد عاصفة صيف عاتية بتمزيق الجزيرة بالقلعة التي عليها تمزيقا.

قالوا إن العاصفة كانت رهيبة لحد منقطع النظير، فتحطّم أسطول تارجارين وهو راس في مرفأه وانتزعت في غير موضع القوالب الحجرية الضخمة من أسوار وجدران القلعة لتهوي في مياه البحر الضيق الثائرة.

ماتت أمها وهي تضعها، الشيء الذي لم يُسامحها عليه أخوها فسيريس قط.

وهي لا تذكر دراجونستون كذلك، فقد عادت تفر من جديد قبل أن يبحر أخو المُغتصب بأسطوله الجديد مباشرة، وفي ذلك الحين كانت دراجونستون نفسها فقط وهي مقر عائلتها العتيق - الوحيدة التي تبقت من الممالك السَّبع التي كانت خاضعة لهم من قبل، ثم إنها لم تبق كذلك لفترة طويلة.

كانت الحامية مستعدة لأن تبيعهما للمُعْتَصِب، لولا أن جاءَت ليلة اقتحم فيها السير ويلم داري وأربعة من الرجال المُخلِصين غُرفة الرُّضَّع واختطفوهما ومعهما مُرضِعتها، ثم أبحروا تحت جنح الظلام إلى حيث أمان الساحل البرافوسي.

كانت تذكر السير ويلم داري، الرجل الأشيب الضَّخم كدب ونصف الأعمى، الذي كان يهدر ويزعق بالأوامر من فراش المرض.

كان الخدم يعيشون في رعب منه، لكنه دائمًا ما كان لطيفًا مع داني، وأحيانًا ما كان يُناديها بألقاب مثل "الأميرة الصغيرة" و"سيدتي"، وكانت يداه ناعمين كالجلد القديم.

لم يكن السير ويلم يُغادر فراشه، وعلقت رائحة المرض ليل نهار رائحة قوامها السُّخونة والرطوبة والسقم. كان هذا أثناء إقامتها وأخيها في برافوس في المنزل الكبير ذي الباب الأحمر.

هناك كانت لدى داني غرفتها الخاصَّة، حيث كانت نافذتها تطل على شجرة ليمون.

بعد وفاة اللورد ويلم سرق الخدم المال القليل الذي تبقى معهما، ولم يمض وقت طويل قبل أن يُطرَدا من المنزل، وبكت داني بحرارة عندما انغلق الباب الأحمر وراءهما إلى الأبد.

منذ ذلك الحين وهما هائمان من برافوس إلى مير، ومن مير إلى تايروش، ومنها إلى كوهور وفولانتيس وليس، دون أن يظلا لفترة طويلة في مكان واحد، فلم يكن أخوها ليسمح بذلك، ويصر على أن قتلة المُعْتَصِب المأجورين لا يبعدون كثيرًا عنهما، على الرغم من أن داني لم تر واحدا منهم قط.

في البدء كان الماجسترات والعواهل والأمراء التجار يستقبلون آخر من تبقى من آل تارجارين في بيوتهم وعلى موائدهم بترحاب، لكن إذ مرت الأعوام وظَلَّ المُعْتَصِب يجلس على العرش الحديدي، أُغلقت الأبواب في وجيهما وصارت حياتهما أكثر مشقة، ولم تمض

أعوام قليلة حتى اضطرًا لبيع آخر مقتنياتهما الثمينة القليلة، ثم أنفقَ المال الذي باعا بيه تاج أمهما عن آخره، وفي أزقة وحانات پنتوس كانوا يُلقبون أخاها بـ"الملك الشحاذ ، ولم تشأ داني أن تعرف بم كانوا يلقبونها هي.

كان يقول لها واعدا" سنسترِدُّ كل شيء يا شقيقتي العزيزة".

أحيانًا كانت يداه ترتعشان وهو يتكلّم عن الوطن و الجواهر والحرير،دراجونستون وكينجز لاندنج، العرش الحديدي والممالك السبع،. سنسترد كل ما سلبوه منا. كان فسيرس يعيش من أجل ذلك اليوم، لكن كل ما أرادت دنيرس استرداده هو المنزل الكبير ذا الباب الأحمر وشجرة الليمون خارج نافذتها، الطفولة التي لم تعرفها.

سمعت طرقةً خفيفة على الباب فالتفتت بعيدا عن النافذة قائلة:

ادخل، ودخلت اثنتان من خدم إليريو وانحنيتا لها، ثم بدأنا تُمارسانوعملهما.

كانتا أمتين، هديَّةً من أحد أصدقاء الماجستر الدوثراكي الكُثر.

لم يكن هناك رِقّ في مدينة بنتوس الحُرَّة، وإن كان هناك رقيق على الرغم من ذلك.

كانت المرأة العجوز شيباء ضئيلة الحجم كفار صغير، ولم تنبس ببنت شفة، لكن الفتاة عوّضت صمتها. كانت المفضّلة لدى إليريو،. فتاة في السادسة عشر من عُمرها، ناعمة الشعر زرقاء العينين لم تكف عن الثرثرة وهي تعمل.

ملأت الخادمتان المغطس بالماء الساخن الذي جاءتا به من المطبخ وعطّرتاه بالزيوت الفواحة ، ثم خلعتا سترتها القطنية الخشنة وساعدتاها

على النزول إلى المغطس. كان الماء ساخنا جدا، لكن داني لم تُجفِل أو تطلق صيحة ألم . كانت تحبُّ الحرارة، والحرارة كانت تُشعرها بالنظافة، كما أن أخاها كان يقول لها دائمًا إن لا شيء أكثر حرارة من أن يحتمله أحد أبناء تارجارين. عائلتنا هى عائلة التنين، والنار في دمائنا.

غسلت العجوز شعرها الفضّي الشَّاحب ومشطت ما فيه من عُقد بصمت تام، وحكت الفتاة ظهرها وقدميها وقالت لها كم هي محظوظة

بحق. "دروجو فاحش الثراء لدرجة أن عبيده أنفسهم يرتدون أطواقا من الذهب حول أعناقهم، وهناك مئة ألف رجل يركبون في الكالاسار الذي يقوده، وقصره في فايس دو ثراك يضم مئتي غُرفةٍ وأبوابًا من الفضَّة الخالصة".

وظلت الفتاة تتكلم وتتكلَّم عن أشياء أخرى كثيرة جدا، أن الكال رجل شديد الوسامة، قوي فارع الطول، لا يعرف الخوف في المعارك، أفضل من امتطى حصانًا على الإطلاق، يرمي بالقوس والسهم كشيطان. لم تقل دنيرس شيئًا. كانت قد افترضت دومًا أنها ستتزوج فسيرس عندما تبلغ، فطوال قرون وآل تارجارين يُزَوِّجون الإخوة من أخواتهم، منذ جعل الملك إجون الفاتح من أخته عروسا له.

قال فسيريس لها ألف مرَّة إن السُّلالة يجب أن تظل نقيَّةً، فدماؤهم هي دماء الملوك دماء فاليريا الذهبيَّة دماء التنين التنانين لا تتزاوج مع دواب الحقول،

وآل تارجارين لا يخلطون دمهم بدم من هم أدنى منهم شأنا. لكن ها هو فسيرس يُدَبِّر لبيعها إلى رجل غريب رجل بربري.

2024/04/05 · 36 مشاهدة · 1532 كلمة
AMON
نادي الروايات - 2025