صوت الريح: صفير أشبه بعويل ثكلى.

رائحة الدم: تختلط مع دخان الحريق.

---

هاااااه! هااااه!

كان راشد يركض بلا هدف،

قدماه العاريتان تنزفان من أطراف الحجارة.

صوت صراخ الرجال والنساء كان كخناجر تمزق أذنيه.

أمسكت به أمه، "رُبى بنت غسان"،

عيناها محمرتان، شعرها مبعثر،

وفي يدها الأخرى تمسك الصغيرة "رِئام"، شقيقة راشد ذات السنوات الثلاث.

> "اركض، راشد! لا تتوقف! أرجوك!"

---

بينما تسير العائلة بين الأكواخ المشتعلة،

مرّ بهم مشهد لن ينساه راشد ما حيِي:

فارس ملثم، يحمل رمحًا أطول من رجلين،

يغرسه في صدر شيخ القرية بلا تردد.

دم الشيخ طار كالندى، وسقط جسده ككيس قمح فارغ.

> (تشششاك!)

(بوم!)

(صراخ مدوٍ... ثم صمت قاتل.)

---

في طرف القرية، كان هناك ممر ضيق يؤدي إلى الغابة المظلمة،

"ممر السحاب" كما كانوا يسمونه قديمًا.

أمسكت الأم بيد راشد بقوة:

> "نحو الجبال! هناك سننجو!"

---

لكن... الموت لم يكن أحمق هذه الليلة.

مقاتلان من قبيلة بني السُّمَر لمحوا العائلة الصغيرة.

صرخوا بلغة غليظة:

> "أوقفوهم! الأطفال عبيدٌ غالون في السوق!"

---

راشد لأول مرة في حياته رأى الموت يركض خلفه...

لا بصورة شبحية،

بل بصورة رجلين يحملان سيوفًا دامية ويركضون كذئاب جائعة.

---

الأم دفعت راشد بقوة نحو الصخور:

> "اصعد! لا تتوقف! أنقذ أختك!"

راشد صرخ:

> "أميييي! لااااا!"

> (هاااااه! هااااه!)

لكنها لم تتراجع.

أخرجت خنجرًا صغيرًا من خمارها،

وقفت كالجبل أمام الرجلين.

---

ما حدث بعدها كان سريعًا... وقاسيًا.

أول سيف مزق جانب جسدها.

ثانٍ غرس في صدرها.

لم تصرخ...

بل نظرت لراشد، نظرة واحدة أخيرة،

ابتسمت ابتسامة صغيرة، وكأنها تقول:

> "أنا هنا... أنت أكمل."

ثم سقطت.

---

راشد كان يصرخ،

لكن الصوت خرج مكتومًا، كأن قلبه اختنق قبل فمه.

ضم شقيقته الصغيرة إلى صدره،

وركض...

وركض...

وركض...

حتى دخل الغابة،

والظلام ابتلعهم كما تبتلع الأم الغاضبة أبناءها العاقين.

---

> وهكذا...

في ليلة واحدة...

خسر راشد أمّه، وطفولته، وأمانه.

2025/04/26 · 2 مشاهدة · 295 كلمة
يزن
نادي الروايات - 2025