175 - هجوم واحد وموت سريع

175 – هجوم واحد وموت سريع

كان هدّام الضروس يقف أمام ساحر بلغت طاقة أحد عناصره السحريّة نفس الكمّيّة التي يملكها عنصر ساحر مشرف على الانتقال إلى المستويات الروحية. كان هذا الساحر المشرف على الانتقال إلى المستويات الروحية يُسمّى بـ'الصاعد'.

يمكن القول أنّه يمكن مناداة باسل في تلك الحالة كـ'شبه صاعد'. كان يملك الصاعد طاقة سحريّة هائلة للغاية، وهذا بسبب كونه ربط كلّ نقط أصله، وبلغ قمّة المستوى الرابع عشر، ثم ارتبط بإرادة بحر روحه، وبدأ يستعدّ للدخول في مرحلة الاستحواذ على روح وحش سحريّ.

كان باسل مختلفا عن ذلك. فلقد كانت طاقة عنصر تعزيزه فقط ما ارتفع، وحتّى لو كان قد ربط كلّ نقط أصله وارتبط بإرادة بحر روحه، فلن تزداد طاقة عنصريه الآخريْن تلقائيّا لأنّه لم يبلغ قمّة المستوى الرابع عشر.

ولهذا، ساعده ربط نقط أصله والارتباط بإرادة بحر روحه على تقوية جسده بسرعة كبيرة جدّا، وزيادة قدرة تحمّله وقدرة تحمّل بحر روحه على استيعاب طاقة سحريّة كبرى. وهكذا صار عنصر التعزيز بطاقة كالتي لدى أحد عناصر 'صاعد'.

علم ظلّ الشيطان معنى ذلك جيّدا، ولهذا جعل من حذره في أقصى درجاته، واستعدّ بكلّ ما يملك. وفي الجهة الأخرى، كان باسل يأخذ وقته في كشف تقنية أصليّة بالرّمح الخشبيّ. فمثل هذا السلاح العتيق لا يمكن ألّا يكون بأيّ قدرة. والآن بعدما استوفى الشرط الأساسيّ لاستخدام إحدى قدراته، كان باسل يركّز على فهمها جيّدا.

لقد كان مثل هذا السلاح العتيق بنيّة خاصة به، وبمجرّد ما أن تتحكّم فيه مثاليّا، ستصير لك القدرة أخيرا على معرفة إحدى قدراته الخاصة.

لم يكن هذا السلاح العتيق في الواقع بسلاح، وإنّما مجرّد كنز عتيق فقط. وكلّ شخص بعد ذلك يمكنه تحويله إلى سلاح سحريّ، أو أثري، أو روحيّ. وعندما رأى باسل هذا الرمح الخشبيّ أوّل مرّة، كان فقط كنزا، حتّى حوّله إدريس الحكيم إلى كنز أثريّ بالدرجة السابعة.

ولكن بما أنّه كنز عتيق، فحدوده ليست في أن يكون مجرّد سلاح أثريّ، ولكن يمكنه أن يكون سلاحا روحيّا أيضا. وكذلك الحال نفسه مع قرص بحيرة المائة الفضّيّ.

وفي الوقت الذي لم يكن يستطيع فيه ظلّ الشيطان الاقتراب من باسل، كانت المعركة قد بلغت ذروتها ضدّ القدماء الكبار. كان الملول طايكوتسو قد عولج ليصبح قادرا على القتال من جديد على الأقل، وانضمّ إلى فضيلة كرم والكبير ديميور.

أصبحت المعركة دمويّة للغاية بعدما فقدت قبائل الوحش النائم العديد من أعضائها، فكان ذلك سببا في نموّ بحر الدماء في ساحة المعركة. واجه القدماء الكبار وقتا عصيبا ضدّ أولئك البشر المتوحّشون. لم يكن باستطاعتهم إيقافهم عن تقدّمهم الفائض، ولا دحض معنوياتهم الفائقة. لقد كانوا يزدادون قوّة في كلّ مرّة يموت واحد منهم بدل أن يثبّطهم ذلك.

لقد كانوا العرق الأقوى في هذا العالم، وكانت لديهم بنيات جسمانيّة يحلم أيّ ساحر لو امتلك مثلها. قاد أبهم ولمياء ذلك الجيش العظيم وخبطوا القدماء الكبار مرارا وتكرارا. لقد كانت لمياء وباقي رؤساء القبائل القياديّة في المستوى السابع حاليا، فكانت قوّتهم الجسمانية مثل تلك التي لدى ساحر بالمستوى العاشر. كان يمكن تخيّل مدى شراسة هذه القبائل.

شعر القدماء الكبار كأنّهم يواجهون آلاف سحرة من قسم مستويات الربط الثاني، فتلك الأجساد الصلبة كان صعب اختراقها لاسيما بعد تحوّلها إلى طور الوحش السحريّ. كان القدماء الكبار متفوّقين من ناحية السحر، ولكنّهم لم يستطيعوا النجاح من ناحية القوّة الجسديّة. فأصبحت مسألة وقت فقط حتّى يصلوا لحدودهم بعدما تفرغ طاقاتهم السحريّة.

ولم يمر وقت طويل حتّى سقط أوّلهم. كان ذلك طايكوتسو الملول الذي كان النقطة الأضعف من جهة القدماء. وبسبب ذلك، ظهر فرق شاسع في القوّة الجسمانيّة بين القبائل والقدماء الكبار، فانقضوا بأعدادهم الهائلة على الاثنين الباقييْن وأنهوا أمر الكبير ديميور أيضا.

حتّى بكلّ الوسائل الدفاعيّة، لم يستطع الكبير ديميور النجاح في النجاة بعدما استفرغ كلّ ما ملك من طاقة سحريّة. صرخ بشكل مزرٍ في نهايته وحدّق إلى هدّام الضَّروس بنظرات يأس.

وفي الأثناء التي بقيت فيها فضيلة كرم واقفة لوحدها ضدّ تلك الأعداد المهولة بلا حول ولا قوّة، نظرت هي الأخرى إلى سيّدها وتذكّرت كلّ الطريق الذي قطعوه إلى هنا. لقد كان طريقا مليئا بالتضحيات والمآسي، ولكنّها لم تعتقد ولو للحظة في حياتها بجواره أنّها قامت بالخيار الخطأ. لقد كان هدّام الضَّروس هو الشخص الذي خلّصها من عذابها ومحاه.

نزلت دمعتان من عينيها في آخر لحظة، فكانت تلك هي آخر مرّة تتنفّس بها.

راقب ظلّ الشيطان كلّ ذلك من بعيد فقط ولم يكن لديه أيّ خيار آخر غير المراقبة. لقد كانت عينا باسل عليه ولم يكن تكن هناك أيّ ثغرات كي يذهب ويساعد بها أتباعه. حدّق إلى باسل مرّة أخرى فوجده انتهى من عمله. وفي تلك اللحظة بالضبط، شعر هدّام الضروس بالقشعريرة مرّة أخرى، ولكن هذه المرّة كانت مختلفة كثيرا عن السابق. لقد كانت هذه القشعريرة حاملة معها إنذارا سيجعل أيّ شخص يفرّ لينجو بحياته.

لقد أحسّ ظلّ الشيطان في ذلك الوقت بالموت الوشيك. لم تكن هناك سابقة لهذا الشعور، كانت هذه أول مرّة له. فحتّى بعدما مرّ بكلّ أنواع العذاب في صغره، لم يسبق له أن أحسّ بمثل هذا الإحساس. شعر كما لو أنّه شاهد رؤيا مستقبليّة لاضمحلال روحه.

ومع ذلك، لم ييأس هدّام الضروس.

كان الرمح بيد باسل هادئا، وكذا كانت طاقته السحريّة. كان باسل كأنّه ليس في وسط معركة أبدا ولم يكن شاحنا لطاقته السحرية. فكلّ الطاقة التي شحنها سابقا اختفت على حين غرّة كأنّها لم توجد من قبل.

تكلّم باسل حينها: "لقد بقيت لوحدك يا هذا. ومع أنّك تدري ما الوقف الذي أنت فيه، فإني لا أرى يأسا في حدقتيك."

ابتسم هدّام الضروس، وقال بهدوء كعادته: "لقد فقدت قمري، فغمرني ظلامي. التقيت باليأس الحقيقيّ، فاستوطنت اليأس، حيث لا يوجد البأس."

رمقه باسل بنظرات جدّيّة ثم علّق: "يبدو أنّ طرقنا مختلفة حقّا. اليوم، ستكون حملا آخرا على ظهري. فعلى عكسك، لا أنوي أبدا الهروب من البأس."

حافظ هدّام الضروس على ابتسامته ثم صرّح: "اعتبره ما شئت، ولكنّ استيطان اليأس حتّى لا أرى البأس لا يعني أنّني هربت، إنّه يعني فقط أنّني يائس بائس كفاية كيلا أشعر بأسى."

رفع هدّام الضروس يده إلى الأعلى ثم أكمل: "عندما تستوطن اليأس، لن يكون موتك موتا، لأنّه سيكون مجرّد خطوة لتُبعَث من جديد. اليوم، سواء متُّ أو حييت، فسأحيا."

ابتسم باسل عندها وضحك تاليا قبل أن يقول: "تكلّمني عن بيع روحك يا هذا. لا تقلق، دور مستهلِكك بعدك. سأحرص كلّ الحرص على عدم تبقّي أيّ آثار لروحك اليائسة."

اتّخذ باسل وضعيته مستعدّا، وفي لحظة، سطع الرمح الخشبيّ الذي كان هادئا طوال الوقت، فابتسم باسل قائلا: "يبدو أنّ العمليّة قد انتهت. والآن، لنجرّب فاعليّتها."

أصبح الرمح عبارة عن نصل بطول اليد قبل أن يلاحظ أيّ شخص. أصبح نصلا أزرقا ملتهبا بنار هادئة، ومحاطا بضوء أزرق فاتح أقرب إلى الأبيض، وبضوء آخر أبيض. كلّ ذلك كان معناه أنّ باسل بلغ تحكّما مثاليّا في العناصر الثلاثة لدرجة مخيفة بحيث أصبح قادرا على جعلها مندمجة لتلك الدرجة.

ولكن لم يكن السبب الوحيد هو تحكّم باسل المثاليّ. لقد كان هناك شيء آخر لم يعلمه احد غير شاب جلس بعيدا. فجأة، أخرج هذا الشاب رمحا خشبيّا يبدو تماما كالذي لدى باسل. حدّق إليه الشاب الفضّيّ ثم تكلّم متعجّبا: "لقد نجح في استنباط أفضل قدرة لديك من المحاولة الأولى. لربّما منحه إيّاه كان أفضل مآل لهذا الكنز العتيق."

وقف الشابّ الفضّيّ ثم أكمل: "في ذلك العام، اكتسبت حكمتي السياديّة، وبعد خمسمائة سنة منذ آنذاك، حاولت مرارا وتكرارا كسب هذا الكنز، ولحسن حظّي وُهِبت غصنيْن. جعلت أحدهما سلاحيّ الروحيّ، وثانيهما جعلته ينتظر وقته. يبدو أنّ وقته ذاك قد حان أخيرا."

اختفى الشابّ من ذلك المكان فظهر قرب ساحة المعركة ببعض مئات الأميال كعجوز مرّة أخرى. أراد أن يأخذ نظرة أقرب على ما سيفعله باسل.

كان رمح باسل الخشبيّ حاليا سلاحا أثريا بالدرجة السابعة، وكذا كان أسلحة هدّام الضروس، وإن تقاتلا باستخدام هذه الأسلحة فلا شكّ انّ المعركة ستكون لصالح ظلّ الشيطان، ولكن الحال في هذه الأثناء كان مختلفا جدّا بما أنّ باسل يملك طاقة سحرية ضخة للغاية.

حرّك باسل ذراعه متحكّما بذلك في النصل الأزرق، وتكلّم: "سأجعل موتك سريعا يا هذا."

*فسس*

اخترق باسل الهواء بذراعه، فإذا بالنصل الأزرق يختفي عن الأنظار نهائيّا. لقد كان ذلك نصلا بثلاثة عناصر، النار، والرياح، وعنصر التعزيز ذو الطاقة الهائلة، والذي يعزز العنصرين الآخريْن معه أيضا. ومع ذلك، كان هناك شيء مختلف بهذا الهجوم من باسل عن باقي الهجمات الأخرى.

صرخ هدّام الضروس دون أن يشعر: "كيف؟ هذا مستحيل. لم الطاقة التي تنبعث من هجومك أقوى من التي تنبعث منك؟"

ابتسم باسل ثم أجاب بهدوء: "هذا لأنّها تلك هي قدرة ذلك الرمح."

لكم هدّام الضروس الهواء عشرات المرّات مكوّنا حاجزا زجاجيّا، وواستخدم قرصه الفضّيّ، ثم سلاحيْه الأثريين بعد ذلك، ولكنّ كلّ ذلك وجده غير نافع ضد اختراق النصل الصغير. لقد كان ذلك النصل الأزرق كشفرة أحد التنانين السامية. بإمكانه شطر السماء لنصفين، واختراق أصل الأرض.

حاول ظلّ الشيطان بكلّ ما يملك لكنّه لم يستطِع إيقاف اختراق النصل لدفاعاته الواحد تلو الآخر. فمع أنّ باسل شبه صاعد في هاته اللحظات، إلى أنّ هذا النصل بدا كأنّه قادم من صاعد حقيقيّ، فلم يكن لهدّام الضروس أيّ فرصة في الدفاع عن نفسه.

تمتم إدريس الحكيم عن بعد: "نسبة المضاعفة، عشرة في المائة، هذا جيّد جدّا كبداية."

كان سيكون هجوم باسل العادي كافيا لإنهاء حياة ظلّ الشيطان، فما بالك الآن باستخدام قدرة الرمح الخشبيّ.

صرخ هدّام الضروس واستخدم كلّ ما تبقّى له من قوّة حتّى ينجو من هذا الهجوم المروع. استخدم عنصر الدمار حتّى بلغ حدّه، ولكنّه لم يكن كافيا بعد.

نطق إدريس الحكيم مرّة أخرى: "قد يكون عنصر الدمار هو أقوى عنصر في العالم الواهن، ولكنّه ليس الأفضل. فعنصر بلا إمكانيات لن يتطوّر أبدا."

لم يسع هدّام الضروس سوى الصراخ من الآلام المتتالية. استخدم مرارا وتكرارا قرص بحيرة المائة الفضّيّ حتّى يعالج نفسه، ولكنّ ذلك كان بلا فائدة بما أنّ الأضرار تعود بسرعة أكبر.

شحن باسل في ذلك الوقت طاقته السحرية من جديد ثم قال: "آه، على غير عادتي كنت سأنسى. قلت أنّني سأجعل من موتك سريعا."

*ووش* *ووش* *ووش*

استخدم باسل الامتداد الكلّيّ لثلاث مرّات فانطلقت طاقات سحرية ظاهرة أمام هدّام الضروس طاعنة إيّاه. وبعد ذلك ظهر باسل، أو المجسّم العملاق للدقّة، فنزل بذراعه العظيمة عليه.

تكسّرت كلّ دفاعات ظلّ الشيطان بعد هذا الاندفاع العنيف من باسل، فشقّ النصل طريقه عندئذ بكلّ سلاسة نحو العدوّ.

*زباام*

التقى النصل قرص بحيرة المائة الفضّيّ، فتصارع الكنزان العتيقان معا، ولكنّ داعم النصل – طاقة باسل السحرية، كان أقوى من داعم القرص، فأرسِل القرص بعيدا، وبقي ظلّ الشيطان دون أيّ دفاع حقّا هذه المرّة.

*بووم*

التقى النصل الأزرق بجسد ساحر المستوى الرابع عشر، فصُنِعت ضوضاء كبيرة، وصدمة ضخمة من كلّ اللائي سبقنها. كان دفاع هدّام الضروس الأخير هو جسده نفسه، ولكنّ ذلك لم كافيا ليمنع النصل الأزرق من اختراقه.

صُنِع ثقب كبير في منتصف هدّام الضروس، علم هذا الأخير أنّ شعلة حياته بدأت تختفي. حدّق بنظرته الأخيرة إلى أزهر شيرايوكي، ثم تمتم: "أريحايْ" فسقط أرضا بعد ذلك.

من تأليف Yukio HTM

أتمنّى أن يعجبكم الفصل. أرجو الإشارة لأيّ أخطاء إملائية أو نحوية.

إلى اللّقاء في الفصل القادم.

2018/08/13 · 1,012 مشاهدة · 1692 كلمة
yukio
نادي الروايات - 2024