183 – بدء إخضاع منطقة محظورة
غادر باسل وأنمار، باشتياق إلى منزليهما، وحنين إلى هذا الوطن. ستكون رحلة طويلة هذه المرّة، لذا سيتركان والدتيهما لمدّة طولى عن العادة. كانت عينا باسل تلمعان نوعا ما، فجعل ذلك أنمار تقترب منه قائلة: "قد تكون قد بلغت الخامسة عشر وصرت رجلا في أعين الناس، ولكنّك لا تزال طفلا عندما يؤول الأمر لأمّك حقّا."
حدّق إليها باسل، ولم يقل شيئا. غاب في بحر ذكرياته وهدّأ من نفسه. ابتسم بعدما فكّر لوقت قليل في كلام أنمار ووافقها على كلامها. لطالما فقد حسّه السليم عندما يؤوب الأمر إلى أمّه.
حدّق إلى أنمار ثم تذكّر ما قالته سابقا عن كونها خطيبته، فلم يعلم حتّى كان ينظر إليها طوال الطريق إلى معلّمهما. لم يشعر متى قطعا الطريق أبدا، وأحسّ أنّه حدّق إلى أنمار للحظة وجيزة فقط بالرغم من أنّهما استغرقا وقتا لا بأس به للوصول إلى إدريس الحكيم.
كان إدريس الحكيم ينتظرهما كالعادة، وعندما شاهدهما، وضع يده على لحيته الطويلة وضحك: "هوهوهو." قبل أن يقول: "ما بالك يا صغيرة، إنّ وجهك يبدو كأنّه على وشك الانفجار."
قبضت أنمار ذراعها اليسرى بيدها اليمنى وانكمشت في مكانها، ثم تمتمت: "ذلك..." وأدارت بعد ذلك رأسها نحو باسل.
نظر إدريس الحكيم إلى باسل، فوجده يحدّق إلى أنمار دون أن يرمش، ففهم ما يحدث. ضحك مرّة أخرى ثم قال: "أحم... يا أيّها الفتى باسل."
استفاق عندها باسل أخيرا من أحلام يقظته، ووجد نفسه أمام المعلّم فقال: "إيه. وصلنا. آسف أيّها المعلّم لأنّني لم أحيّيك بشكل لائق." انحنى باسل قليلا ثم شد قبضته بيده الأخرى: "التحيّة للمعلّم."
هدّأت أنمار نفسها ثم فعلت نفس ما قام به باسل. وعندما انحنت، أخذت نظرة خاطفة نحو باسل، فاتّسعت حدقتا عينيها عندما وجدت باسل ينظر إليها بالفعل، وبنفس النظرات التي لا تتزحزح، فاستقامت بسرعة واحمرّ وجهها أكثر ممّا سبق.
حكّ إدريس الحكيم لحيته ثم ابتسم، وتمتّع بما يحدث أمامه. لقد كان ممتعا مشاهدة توتّر هذين الاثنين وتصرّفاتهما البريئة. لقد كانا حقّا مجرّد طفلين منجذبين لبعضهما بالنظر إليهما وهما هكذا.
"أحم..." كحّ إدريس الحكيم ثم قال: "حسنا. لننطلق إذَن. سنأخذ طريقا طويلا قبل أن نصل إلى قارّة الأصل والنهاية."
تعجّب باسل فسأل: "ماذا تعني بذلك أيّها المعلّم؟"
تحرّك إدريس الحكيم بخطوات، لم تبدُ كخطوات. بدا كأنّه يقف في مكانه ولا يحرّك رجليه، ولكنّه لا يزال يتقدّم. كما لو أنّ هناك شيئا يزيحه عن مكانه السابق دون أن يحتاج إلى القيام بأيّ شيء.
حدّق باسل إلى تحرّكات معلّمه، فلمعت عيناه من الحماس. لقد كان إدريس الحكيم في الواقع يستخدم فنّه القتاليّ، وهذا الفنّ هو نفسه فنّ باسل القتاليّ. لقد كان إدريس الحكيم يستخدمه بطريقة سلسة ومرتاحة للغاية.
وضع باسل الحقيبة التي كان يحملها طوال الوقت على ظهره في مكعّب التخزين، ثم تحرّك باستخدام فنّه القتاليّ. أراد أن يلحق إدريس الحكيم الذي كان قد قطع مئات الأميال بالفعل.
*بووم*
انطلق مستخدما خطوات الرياح الخفيفة، وبقوّته القصوى. لقد كان قد بلغ الغصن الثاني مسبقا، والآن ازداد أكثر تحكّما فيه، لذا كانت سرعته كبيرة للغاية، فقطع عشرات الأميال في لحظات فقط. ولكن بالرغم من أنّه كان يتحرّك بسرعة مذهلة إلّا أنّه لم يلحق معلّمه وبقي يتتبّع الآثار التي خلّفها إدريس الحكيم خلفه عمدا.
أمّا أنمار، فقد ركبت الجوّ بضربها الهواء بقديمها وتكوين موجات اهتزازية سمحت لها بالتحليق بسرعة جنونيّة عبر السماء. كانت تنكمش على نفسها ثم تطلق ضربة من رجليها تجعلها تقطع عشرات الاميال في لحظات فقط. لقد من الواضح أنّها صارت تتقن فنّها القتاليّ أكثر ممّا سبق كذلك.
قطع الثلاثة آلاف الأميال في مدّة قصيرة بسرعتهم المدهشة، حتّى بلغوا منطقة محظورة توقّفوا عندها. وبالطبع، لم يلحق باسل معلّمه أبدا. كان إدريس الحكيم يتدبّر لوقت بالفعل قبل أن يصل باسل وأنمار.
حدّق باسل إلى الأرجاء، ثم قال: "إذَن هذه هي وجهتنا الأولى."
نزل إدريس الحكيم من جبل ثم وقف أمام باسل ثم قال: "لن نبرح مكاننا من هاهنا حتّى تتسيّدا هذه المنطقة المحظورة وتجعلانها تحت سيطرتكما. سيكون مستحيلا تسيّدها بشكل فعليّ وجعلها ملك لكما بما أنّكما لم تبلغا المستويات الروحيّة، ولم يصبح هذا العالم روحيا بعد، ولكن بمقدوركما جعلها تحت سيطرتكما."
تحمّس باسل قليلا ثم قال: "هكذا إذَن. ما المدة التي يجب علينا فعل ذلك بها؟"
"لا توجد مدّة محدّدة. ولكن كلّما كان أسرع كلّما كان أفضل. فحسب تقديراتي، ستصير هذه منطقة محظورة تحوز وحوشا سحريّة من المستوى الثاني عشر والثالث عشر عمّا قريب، وسيكون صعب عليكما عندئذ إخضاعها."
"صعب؟" استغرب باسل وقال: "كيف ذلك أيّها المعلّم؟ لمَ سيكون صعبا علينا بسبب وحوش بهذا المستوى؟"
اقترب إدريس الحكيم من الاثنين، ثم وضع يديه على جبهتيهما، فسطعتا هاتان الأخيرتان، ثم برزت نقطة الأصل عليهما بضوئها المشعّ، ورُسِم مسار نقط الأصل على جسديهما، فإذا بعينيْ إدريس الحكيم تتوهّجان بضوء فضّيّ، وتغيّرت صورته لوهلة، فصار شابّا بها، ثم صرخ: "ختم مؤقّت ! "
كان ذلك لوهلة وجيزة للغاية فقط، وحجب الضوء الفضّيّ رؤية أنمار ولم تستطع النظر إلى معلّمها، فلم تلمح صورته الشابّة.
اختفت نقطة الأصل من جبهتهما، وكذلك المسار من جسديهما، فأحسّ كلاهما بالغرابة نوعا ما. لقد اعتادا على الشعور بتدفّق الطاقة السحريّة في جسديهما، وبحر روحهما، لكنّ ذلك لم يعد يحدث بعدما انتهى إدريس الحكيم.
حرّك باسل يديه بغرابة، وحاول استخدام السحر، ولكنّه لم يستطِع أبدا مهما حاول. لم ينجح في شحذ أيّ قدر من عناصره السحرية. وكذلك كان الحال مع أنمار. لقد خُتِمت عناصرهما السحريّة تماما.
"أيّها المعلّم..."
ابتسم إدريس الحكيم ثم قال: "لهذا سيكون صعبا عليكما إن تأخّرتما."
"ها؟" تفاجأ باسل ثم قال: "ولكن، أيها المعلّم. إنّه مستحيل هزيمة وحوش بالمستوى الحادي عشر هنا دون سحر."
حدّقت أنمار إلى معلّمها، ثم فكّرت فيما قاله باسل. "دون سحر". تردّد ذلك في ذهنها مرارا وتكرارا حتّى فهمت ما يحدث. إنّه كما قال باسل تماما. من المستحيل لهما هزيمة وحوش سحريّة بالمستوى الحادي عشر بدون السحر، نعم بدون السحر. أحكمت قبضتها ثم لكمت الهواء فجأة، وإذا بفنّها القتاليّ يعمل دون أيّ صعوبة.
نظر باسل إلى ما فعلته أنمار، ثم فهم ما يحدث عندئذ. ابتسم ثم تنهّد وقال: "حقّا تحبّ التدريبات الجسديّة يا أيّها المعلّم."
"هوهوهوهو." ضحك إدريس الحكيم وقال: "بالطبع. لا يهم أيّ حاجز سحريّ، أو أثريّ أو روحيّ ملكت، كلّ ذلك سيكون بلا معنى إن ملكت جسدا ضعيفا. تذكّر هذا جيّدا. الدفاع المثاليّ هو الجسد الأكثر تحمّلا. تدرّب وتعذّب، وسترتاح بوقت الكفاح."
تنهد باسل وتقبّل الأمر الواقع، فليس كأنّ هناك خيارا آخرا له. التفت إلى أنمار ثم قال: "حسنا، لنذهب ونسرع في ذلك حتّى لا يطول بنا الأمر هنا."
"لا." أوقف إدريس الحكيم أنمار، ثم قال: "ستعملان مفترقين. لا يحقّ لكما تجاوز الحدود التي ستفرّقكما."
استغرب باسل، ثم نظر إلى أنمار، فوجدها تحدّق إليه بعينين تعبران عن رغبتها في البقاء معه. أحسّ بوخز غريب في قلبه، فاستدار مستعدّا للمغادرة دون أن يقول كلمة واحدة. شعر نوعا ما أنّه من الصعب عليه قول أيّ شيء في هذا الموقف، وأراد أن يذهب في أسرع وقت ريثما يمكنه ذلك.
قال إدريس الحكيم: "لك الجانب الشماليّ. وستأخذ الصغيرة أنمار الجانب الجنوبيّ. لا يحقّ لأحدكما تجاوز النهر الوسيط بين الجانبين."
انطلق باسل بعد ذلك مباشرة واختفى عن الأنظار. لا يعلم كم المدّة التي سيتطلّبها إخضاع الجانب الشماليّ، أو كم ستستغرق أنمار كيْ تنتهي بدورها. كان ذلك يعني أنّهما لن يلتقيا لمدّة طويلة. كان من الواضح أنّ أنمار لا تريد ذلك أبدا، ولكنّ باسل الذي كان معتادا على الهرب منها وكلّ ما كان يريده هو الابتعاد عنها، شعر أنّه يكره افتراقه عنها هكذا.
مرّت بعض الأيّام، وواجه باسل وأنمار العديد من الوحوش السحريّة بمختلف المستويات، لكنّهما كانا لم يواجها أيّ وحش سحري بالمستوى العاشر فما فوق. كان باسل في حالة عويصة، وكانت أنمار بنفس الحال. لقد ظلّا يقاتلان الوحوش السحريّة في ثالث أكبر منطقة محظورة لأيّام دون توقّف، وفقط باستخدام الفنّ القتاليّ. كم كان ذلك صعبا ومرهقا يا ترى؟
كان باسل يجلس متدبّرا في كهف، محاولا استرجاع طاقته السحرية التي فقدها في الأيّام السابقة. فلم تكن هناك فرصة له لفعل ذلك أبدا. بالإضافة إلى أنّه كان يحاول استنباط التعاويذ الذهنيّة الروحيّة أكثر حتّى يصير له رؤية واضحة للغصن الثالث. كان هدفه الأوّل حاليا هو الاختراق إلى الفرع المتوسّط من الفنّ القتاليّ الأثريّ حتّى تصير له فرصة جيّدة ضدّ وحوش المستوى الحادي عشر.
كان يضع باسل ذلك من أولويّاته لأنّه كان يعلم إن بدأ القتال ضدّ وحوش بالمستوى العاشر، فلا شكّ أنّه سيجذب بذلك وحوش المستوى الحادي عشر، والتي لن يكون قادرا على هزيمتها أبدا. وحتّى لو لم تأتي وحوش المستوى الحادي عشر، فسيكون هناك عدد كبير من وحوش المستوى العاشر ولن يستطيع هزيمتها جميعها.
وللمفاجأة، كانت أنمار تفكّر في نفس الشيء في جانبها.
لكن لسوء حظّ أحدهما، لم يسر الأمر كما كان مخططا له. كان سيّئ الحظ هو باسل، وكان ذلك بسبب الغارة التي تعرّض لها على حين غرّة من طرف حشد من الوحوش السحريّة.
كان إدريس الحكيم يراقب من بعيد، وعندما رأى ما يحدث، ابتسم قائلا: "يبدو أنّ الأمر قد بدأ أخيرا. لنرَ الصراع على المنطقة المحظورة الآن. من سيُخضِع من يا ترى؟"
كان في الواقع لا بدّ من حدوث هذا الحدث. فعندما يظهر غازٍ في منطقة محظورة، ستحشد الوحوش نفسها للمقاومة من أجل المنطقة المحظورة التي تعتبر وطنها، ومآلها، وحاميها.
يا إمّا باسل، أو الوحوش السحريّة.
تمتم إدريس الحكيم: "يبدو أنّ الوحوش قد قرّرت استهداف الفتى باسل أوّلا قبل الصغيرة أنمار."
من تأليف Yukio HTM
لقد سألت هذا في الفصل السابق، ولكن لم أجد إجابة، لذا سأسأل مرّة أخرى وأعيد صياغة السؤال. هل لاحظ أحدكم شيئا بالحوار الأخير في الفصل السابق أم لا؟ لربّما عليكم مقارنته مع الجزء الأخير من الفصل الثالث (3)
أتمنّى أن يعجبكم الفصل. أرجو الإشارة لأيّ أخطاء إملائية أو نحوية.
إلى اللّقاء في الفصل القادم.