189 – الأمواج الهائجة
أومأت أنمار برأسها وظلّت تحدّق إلى باسل بينما يبادلها النظرات دون أن يملّ. ظهر جوّ ورديّ بينهما، وظهرت بعض الأفكار في عقلهما جعلتهما يخجلان. لقد كانا حقّا مجرّد مراهقين واقعين في حبّ بعضهما في هذه اللحظات.
"لقد نجحتما . " صدر صوت من خلفهما فجأة، فجعلهما يعودان لهذا العالم من جديد. وعندما التفتا وجدا معلّمهما مبتسما، ويغمض عينا واحدة بينما ينظر بالأخرى إلى باسل يحمل أنمار. أومأ برأسه بعد ذلك دون قول شيء.
نظر باسل وأنمار إلى بعضهما بعضا قبل أن ينزلها. فباسل لم يكن وحده الذي اكتشف أنّ كلّ هذا من صنع معلّمهما، بل أنمار كذلك. نظرَت إلى إدريس الحكيم بعينين تحملان قمّة الاحترام والتقدير. لقد كان السبب في حدوث هذا الشيء المفرح لها.
اقترب منهما إدريس الحكيم، ثم رفع يديه ووضع أحد كفّيه على جبهة باسل والآخر على جبهة أنمار، ثم قال: "فتح ! "
وفي اللحظة التالية، أحسّ كلاهما بحيويّة فائقة. شعرا باختفاء الختم المؤقّت الذي كان يقمع طاقتيهما، وبتدفّقها في مسار نقط أصلهما وبحر روحهما من جديد. كان ذلك إحساسا مألوفا، لكنّه بدا جديدا ومنعشا. لقد مرّ حوالي شهرين منذ آخر مرّة شعرا فيها بطاقة حياتهما تعود إلى العمل كما اعتادت.
كان الأمر مختلفا قليلا لباسل عن أنمار. فهو ظلّ يختبر توغّل طاقة العالم لبحر روحه عبر جسده، ولكنّه لم يكن قادرا على استخدامها لأنّ تدفّقها كان يُختَم ما أن تدخل لبحر روحه. وبالطبع، حدث هذا لمدّة وجيزة فقط. فعندما بلغ باسل الحدّ الذي يستطيع تحمّله من طاقة العالم، أوقفها عن التوغّل، وهكذا صار مثله مثل أنمار.
ابتسم إدريس الحكيم ثم استدار قائلا: "هيّا. سنكمل رحلتنا."
"حاضر ! " أجاب الاثنان في نفس الوقت، وبدآ يلاحقان معلّمهما الذي كان قد ابتعد بآلاف الأمتار في لحظات. وبالطبع، كان يبدو كما لو أنّه يأخذ نزهة فقط. وبدا كما لو كان يركب الرياح، بينما يتحرّك العالم من أجله حتّى يتقدّم إلى الأمام. فـتحت تأثير خطوات الخفيفة، صار العالم بلا وزن وكلّ سرعته سُخِّرَت من أجله. لقد كان ذلك إتقانا تامّا للفن القتاليّ الأثريّ، خطوات الريّاح الخفيفة.
***
مرّت أشهر على الحرب الشاملة، وكان العالم الواهن في سلام لم يحظَ به من قبل. ففي هذا الوقت، كانت علاقة الإمبراطوريات الثلاث وطيدة واختفت الكثير من العداءات. أصبحت التجارة بسبب ذلك سهلة، وزاد الآمان بأضعاف.
كان الإمبراطور غلاديوس حزينا لفقدانه جنراليه على يد شهاب جِرم سابقا، وندم كثيرا على اتّخاذ مثل ذلك القرار في ذلك الوقت. لو أنّه أخفض من كبريائه فقط، لكان الحال أفضل الآن. ومع ذلك، لا ندم ينفعه الآن. كلّ ما كان قادرا على فعله هو الغدو أقوى من أجل حماية إمبراطوريّته من الخطر الذي ما زال يحوم حول عالمهم، والعمل يد بيد مع الإمبراطوريتين الأخريين لتحقيق أفضل نتيجة.
ومن جهة أخرى، كانت إمبراطوريّة الأمواج الهائجة في حالة من الحزن المستمرّ على الإمبراطور شيرو. لقد مات موتة شريفة يحلم بها كلّ رجل من هذا العالم، لكنّه يبقى مات. كان عزيزا على قلوب شعبه، كما كان والدا عطوفا على أبنائه وبناته.
كانت الصدمة قويّة للغاية، وجعلت الأبناء في حالة من الفوضى لوقت طويل قبل أن تتدخّل الأميرة شيرايوكي التي كانت معتادة على البقاء مبتعدة عن مثل هذه المشاكل.
"لقد مات والدنا الفاضل موتا بطوليّا حتّى ينقِذ عالمنا، وها أولاء أبناءه يتصارعون على الشيء الذي خاف منه في حياته أن يحدث بعد موته." ظهرت الأميرة شيرايوكي وسط القاعة الرئيسيّة التي كان عرشها فارغا، وصرّحت بذلك لإخوانها وأخواتها.
كان لديها ثلاث أخوات وأربع إخوان. عبسوا كلّهم بعدما سمعوا كلامها ذاك، فتكلّم أحد إخوانها. كان هذا أخاها الثاني: "يا أختي الصغرى، فلتبقي بعيدة عن هذه المشاكل كما اعتدت. أمّا ما قلق عليه والدنا، فلا تقلقي؛ نحن نحاول تقرير الشخص المثاليّ لوراثة العرش فقط. نحن نتّبع وصيّة أبينا الفاضل في عدم القتال والتحاور من أجل إيجاد الأفضل لإمبراطوريّتنا." كانت نبرته حادّة نوعا ما، ولكن لم يبدُ كأنّه يهاجم شيرايوكي بكلامه في نفس الوقت.
تطلّعت الأميرة شيرايوكي إليه بعينيها البيضاوين كبدرين ينيران الليالي، وقالت بصوت ناعم ترقّ له القلوب: "لقد مرّت أشهر وما زلتم تتحاورون؟ أنا لا أرى ذلك. لقد كانت وصيّة أبينا واضحة تماما. 'كونوا أمواجا هائجة، لكن متّحدة'. لا يهمّني ما تعتقدون نفسكم تفعلونه حاليا، ولكن كلّ ما يبدو له هو صراعكم على ذلك العرش."
"أنت..." عبس أخوها الأوّل بسبب طريقة كلامها: "لقد بالغتِ. وفي المقام الأوّل، هذا نقاش بيننا نحن، المؤهّلون والمرشحون لاعتلاء العرش، فلا تتدخّلي فيما لا يعنيك." كانت نبرته تحمل عزما، وبدا كلامه كمثل ذلك الذي يأتي من جنرال إلى تابعه.
حدّق الأخ الثالث إليها بهدوء ولم يقل شيئا. لقد كان يعزّ أخته كثيرا، لكنّه لم يستطِع الوقوف في جانبها بعدما أهانتهم جميعا بكلماتها تلك. كل ما استطاع فعله من أجلها هو عدم الرد عليها.
ولكنّ الأمر كان مختلفا مع أخيها الرابع. لقد كان منفعلا أكثر من جميع إخوانه، وكان كموجة هائجة في تصرّفاته وكلامه: "يا شيرايوكي، يا من تخبرنا بكلّ هذا، يا أيّتها السيّدة الفاضلة، ماذا عنك أنت؟ لربّما فشلنا في تحقيق وصيّة والدنا حتّى الآن، لكنّك تجاوزت ذلك بمراحل بالفعل. من كان السبب في موت أبينا الفاضل؟ لا، بل من ضحّى بإمبراطورنا العظيم من أجل أميرة قوم آخر؟"
ظلّت الأميرة شيرايوكي مغمضة العينين طوال الوقت، لكنّها عندما سمعت هذا الكلام فتحتهما واتسعت حدقتاهما. لقد ذكر أخوها الرابع أكبر ندم لها في حياتها. فمع أنّها فعلت ذلك من أجل هذا العالم، إلّا أنّه لم يغيّر من حقيقة تفضيلها شخص آخر على أبيها. لقد كان ذلك خيارا صعبا اتّخذته آنذاك، وما زالت آثاره جديدة وحيّة.
عبس الأخ الثالث عندما سمع الأخ الرابع، لكنّه ظلّ صامتا بالرغم من كلّ هذا. لربّما كان الأخ الأصغر وقحا، لكنّه قال شيئا في الصميم. لقد ذلك يوخز قلوبهم حقّا. كيف لأختهم الصغرى التي كان يدلّلها والدهم دائما أن تتّخذ مثل ذلك الخيار؟ لقد ذلك صادما من عدّة نواحٍ.
لم تستطِع الأميرة شيرايوكي التحدّث لوقت، فتدخّلت أختها الكبرى هذه المرّة. لقد كانت الابنة البكر في الواقع، وكان لها مكانة جيّدة في إمبراطوريّة الأمواج الهائجة حتّى، إلّا أنّها حافظت على ظهور قليل ومشاركات بسيطة. كان تعبيرها في هذه اللحظات سيّئا: "لربّما كان عليك المشاركة في الحرب الشاملة قبل أن تتجرّأ على البوح بمثل هذه الكلمات يا أخي الأصغر."
"ها؟ ! " صرخ الأخ الرابع مجيبا: "كيف لك أن تقولي هذا يا أختي الكبرى؟ أنت تعلمين كلّ العلم عن مدى رغبتي في الذهاب آنذاك لمرافقة والدنا في تلك الحرب، لكنّه كان الشخص الذي لم يوافق قطّ."
حملقت الأخت الكبرى إليه، فجعلت نظراته تتّجه إلى الأسفل. لقد كانت بشخصية قويّة للغاية حقّا، وكان يبدو عليها من شكلها وأسلوبها دمها الملكيّ. كانت ملكة بطبيعتها. أغمضت عينيها وتنهّدت راثيةً لحال أخيها الصغير. أومأت برأسها لليمين ثم إلى اليسار قبل أن تصرّح: "لكنّك تبقى لم تذهب."
عبس الأخ الصغير ولم يجد شيئا ليقوله لأخته المهيمنة. فلو كان هو موجة هائجة، كانت هي طوفانا لا يستطيع تخطّيه. بدا من محادثتهم مدى تأثير هذه الأخت الكبرى في العائلة الإمبراطوريّة.
تدخّل آنذاك الأخ الأكبر. لقد كان أصغر من الأخت الكبرى بسنة فقط، لكنّه كان يملك نفوذا أكبر منها بكلّ تأكيد. وبعد كلّ هذه الشهور من ظهور الإكسيرات، كان قد بلغ قمّة المستوى السادس بالفعل وغدت له شعبيّة كبرى ممّا كانت عليه في الإمبراطوريّة.
"يا أختاه. يمكنك أن تدافعي عنها كما تشائين، لكنّها أنقذت غريبا بالتضحية بأبينا. كان يمكن معاقبتها كآثمة أبديّة، أو خائنة للإمبراطوريّة. لولا كونها أختنا الصغرى العزيزة على قلوبنا، لما كان لها مكان بيننا الآن." كان الأخ الأكبر واضحا في نيّته. لقد كان بشخصيّة ملكيّة حقّا. ظلّ حكمه مبنيا على مكانته كالأمير الأوّل وليس كأخ.
نظر الأخ الثاني إلى شيرايوكي وتنهّد. لقد أخبرها سابقا أن تبقى بعيدة عن نقاشهم مصلحةً لها فقط؛ كان يعلم أنّ الأمور ستصل إلى هذا وتصير هي في موقف سيّئ. لقد كان قاسيا في معاملته لها عمدا لأنّ نظرته للقادم كانت واضحة. لقد أعزّ أخته مثل أخيه الثالث، لكنّه كان مختلفا عنه. كان شخصا حازما ويمكنه اتّخاذ قراراته الخاصّة بعزم.
أراد أن يقول شيئا ما، لكنّ الأخت الكبرى كانت مستعدّة للإجابة عن الأمير الأوّل بالفعل. وجّهت إصبعها نحو إخوانها الأربعة، وقالت: "أنتم الأربعة." ثم أشارت إلى نفسها وثم أختيها الأخريين: "ونحن الأخوات الثلاثة. أخبرني يا أخي الأوّل، من منّا ذهب؟"
عبس الأمير الأوّل وقال: "لقد أخبرناك. لقد أمرنا أبونا الفاضل بعدم الذهاب حتّى نرتقي بالإمبراطوريّة إن حدث وتوفّى. أتقولين أنّه كان يجب علينا أن نعصي؟ فماذا نكون عندئذ؟"
رثت الأخت الكبرى مرّة أخرى لحال أخيها الأوّل. كلّ ما كان يفكّر فيه دائما هو الأوامر واتّباعها، وطريقة سير الحكم. وقفت هناك بجانب الدرج المؤدّي إلى العرش، وقالت: "كنّا لنكون بجانب أبينا عند موته. لا يهمّني موته البطوليّ بقدر ما أهمّني رؤية لحظاته الأخيرة."
رفعت يدها وأشارت بإصبعها إلى الأميرة شيرايوكي ثم قالت: "في بعض الأحيان يا أخي الأوّل، لا يجب أن تطيع أباك بشكل أعمى. فبالرغم من أنّها اتّخذت خيارا قاسيا على قلبها، إلّا أنّها كانت الشخص الوحيد الذي ذهب لمرافقة أبينا الفاضل في حربه الأخيرة. لقد سمعَتْ أوامره مثلنا، لكنّها ذهبت. لقد كانت تعلم بقيمتها عند العدوّ فاختارت أن تغامر بحياتها حتّى تضمن لنا مستقبلا. لقد كانت الشخص الذي اختار حياة شخص آخر على حياة أبينا، لكنّ ذلك كان بأمر منه. لقد كانت أختنا الصغرى، الأميرة الرابعة، أزهر شيرايوكي هي الشخص الوحيد الذي أحبّ أبانا أكثر من أيّ أحد آخر."
تنهّدت الأخت الكبرى من جديد وأكملت: "لقد كانت بطلة في الحرب الشاملة، وبسبب تصرّفاتها أنقذت أرواحا عديدة. قد تلومونها على موت أبينا الفاضل، لكنّكم تحاولون إيجاد عذر يبرّر موقفكم لا غير. يا أخي الأوّل، أخبرني عن اختيارك لو كنت في نفس الموقف؟ هل كنت لتطيع أبانا كما فعلت أختنا الصغرى أم تعصيه؟"
عبس الأمير الأوّل بعدما سمع هذا الكلام. لقد كانت أختهم الكبرى حكيمة حقّا. كان معها حقّ في كلّ ما قالته حتّى الآن ولم يجد ما يردّ به. لقد كانت أولويّاته هي طاعة الأوامر دائما، سواء كان الآمر أو المأمور. فهل يمكنه وضع اللوم على أخته الآن لأنّها أطاعت أباها؟ أم هل يجب أن يعاقبها لأنّها عصته وتبعته إلى الحرب؟ أصبح ذهنه مشوّشا بالكامل.
لم تترك الأخت الكبرى فرصتها هذه تضيع سدى وأضافت: "يا أخي الأوّل، إنّك تصلح جنرالا، لكن ليس حاكما. أنت تعلم أنّني لا أهينك."
اتّفق معها الأمير الأوّل في الواقع. فهو لم يكن حاقدا على شيرايوكي، كان فقط ينظر إلى الموقف من جهته ولم يضع نفسه بمكانها. ظلّ يفكّر في ما كان ليختاره لو سقط في نفس موقف أخته الصغرى.
واصلت الأخت الكبرى: "وأنت يا أخي الثالث. لربّما تكون لديك بعض الأفكار في ذهنك، لكنّك لا تجرؤ أحيانا على الإقدام عليها. وتلك صفة لا يجب أن يتحلّى بها الحاكم. الحسم ضروريّ لاتّخاذ القرارات الصعبة. قد يكون بإمكانك أن تصبح اليد اليمنى وتقترح أفكارك فقط."
حدّقت بعد ذلك الأخت الكبرى إلى الأخ الأصغر، ثم تنهّدت كأنّها لا تريد الحديث عنه حتّى. لقد كان شخصا منفعلا كثيرا، لذا لم يكن من المرشّحين لاعتلاء العرش حتّى. كان هو بنفسه يعلم ذلك جيّدا.
بقي عندئذ الأخ الثاني. كان ينتظر رأي أخته عنه بفارغ الصبر. لقد كانت الأكثر حكمة بينهم وكان لكلامها عندهم شأن. وهذا كلّه بدون ذكر قوّتها. ففي الحقيقة، لقد كانت قويّة جدّا. كان ذلك واضحا بعد ملاحظة تصرّف الأخ المنفعل تجاهها.
نظرت إلى أخواتها الثلاث ثم قالت: "أخواتي كلّهن صغيرات عن الحكم، لذا دعونا لا نتحدّث عنهنّ. أمّا أنا، فلست ملائمة للحكم. كلّكم يعلم أنّني لا أحبّ التقيّد بمنصب." وبالطبع كان هذا صحيحا. فبالرغم من أنّها كانت بمكانة جيّدة في الإمبراطوريّة، إلّا أنّها شاركت في أحداث بسيطة ولم تتدخّل بالأمور الكبرى.
نظرت إلى الأمير الثاني ثم قالت: "تبقى أنت أفضل اختيار لنا يا أخي الثاني. لربّما أنت الوحيد الذي يحمل بعضا من الحكمة وعزما يليقان بحاكم."
ابتسم الأمير الثاني ثم قال: "شكرا لك أختاه على مدحك لي، لكنّني أعتقد أنّ أخي الأكبر ملائم أكثر لهذ..."
"لا ! " قاطعة الأمير الأوّل فجأة وقال: "أختنا الكبرى معها حقّ. حتّى لو كنت غبيّا، ما زلت قادرا على إدراك حدودي. سأتضامن بالاعتناء جيشنا العظيم وأريحك من هذا على الأقلّ."
تكلّم الأمير الثالث أخيرا بعد صمته الطويل: "مع أختنا الحكيمة الحقّ. لديك يا أخانا الثاني ما نملكه ولا نملكه. ولا تقلق، سنكون في جانبك دائما."
حدّق الأخ الأصغر إلى أخيه الثاني ولم يقل شيئا، وعندها وجد أخته الكبرى تحملق إليه، فاقشعرّ جسده وقال بسرعة لأخيه الثاني: "نعم، نعم. أخي الثاني هو الأكثر ملاءمة."
لقد كان يخشى أخته الكبرى حقّا. وعندما رأى الجميع تصرّفاته، لم يسعهم سوى أن يضحكوا. وخصوصا الأخ الأوّل؛ إذْ كان صوت ضحكه مرتفعا جدّا. تحرّك بعد ذلك واقترب من شيرايوكي فوضع يده على رأسها وقال: "اعذري أخاك الأكبر هذا. لم أكن فقط غبيّا كفاية لكيلا أفهم معاناتك، لكنّني أضفت إلى ذلك إلقاء اللوم عليك أيضا."
تطلّعت شيرايوكي إليه بعينيها اللتين تغرغرتا بالدموع، فجعلت قلبه يهتزّ. تململ بعد ذلك في مكانه عاجزا عن معرفة ما يجب فعله. لقد كانت تلك دموع الأخت الصغرى في العائلة، ولم يكن الأخ الأكبر يعلم كيفيّة التعامل معها.
اقتربت الأخوات منهما، فقالت الأخت الثانية: "انظر كيف جعلتها تبكي. لقد كانت أختي الكبرى محقّة بشأنك. همف ! "
ربّتت الأخت الثالثة على رأس شيرايوكي، ورمت نظرة عبوسة تجاه أخيها الأكبر. لقد كان يتململ فيما سبق، لكنّه أصبح الآن متجمّدا في مكانه. وبعدما رأوا هذا يحدث، ضحكوا عليه فكان دور الأخ الأصغر حتّى يضحك بصوت مرتفع.
اقترب جميعهم من شيرايوكي، وواسوها. تكلّمت الأخت الثالثة بينما تحاول إقاف دموع أختها الصغرى من النزول جفنيها: "أنت لم تخطئي يا أختنا الصغرى. لقد قمت بالخيار الصحيح."
نزلت الدموع من عيني شيرايوكي على يد أختها الثالثة، وعانقها الجميع. لقد كان هذا الأمر يؤرّقها حتّى الآن، وما زال سيفعل مستقبلا، ولكن على الأقلّ حظيت بفهم إخوانها وأخواتها ودعمهم لها.
مرّ وقت طويل قبل أن تتوقّف عن البكاء، وقالت بعدما مسحت دموعها: "لن أنسى أبانا أبدا ما حييت. لقد اخترت، وسأتعايش مع ذلك. لن أترك تضحية أبينا تذهب سدى أبدا."
ابتسم الجميع بينما يحدّقون إلى عينيها ذواتا احمرار بسبب البكاء. لقد كانت أختهم الصغرى بعد كلّ شيء، وبعدما تفاهموا أخيرا، ندم من أساء إليها بكلامه على ما قاله لها سابقا، واعتذروا جميعا سواء أأخطؤوا بشأنها أم لا.
نظرت إلى إخوانها وأخواتها الذين يعانقونها ثم قالت بحزم بعينيها: "كونوا أمواجا هائجة، لكن متّحدة."
ابتسم الأخ الأكبر وقال بينما يحكّ رأسه: "نعم، ذلك صحيح. لقد كدنا ننسى وصيّة أبينا الفاضل باتّهامنا لك." أمسك بعد ذلك يد أخته الصغرى، ثم أعطى يده الأخرى لتمسكها الأخت الكبرى، فوقفوا جميعا في النهاية مشكّلين دائرة بينما يمسك أحدهم يد الآخر.
تكلّموا في نفس الوقت كما لو امتلكوا نفس الروح والعقل: "سنكون أمواجا هائجة، لكن متّحدة."
من تأليف Yukio HTM
أتمنّى أن يعجبكم الفصل. أرجو الإشارة لأيّ أخطاء إملائية أو نحوية.
إلى اللّقاء في الفصل القادم.