191 – أكاديميّة الاتّحاد المباركة
كان هناك العديد من السحرة خارج المناطق المحظورة المحيطة بالأرض المسالمة المباركة، وظلّوا ينتظرون وصول الشخصيّات المهمّة حتّى يقام افتتاح الأكاديميّة العظمى. لم يكن هناك أيّ شخص عادي هنا قطّ، واقتصر الأمر على السحرة من جميع المستويات. كان غير مسموح لغير السحرة بالقدوم إلى هذا الحدث في الواقع.
مرّت مدّة طويلة واجتمع مئات الآلاف من الأشخاص. كان كلّ واحد منهم متحمّسا لرؤية الأكاديميّة التي انتهى بناؤها أخيرا. أو بالأحرى، أراد غالبهم استغلال هذه الفرصة لرؤية الأرض المباركة؛ لطالما كانت مكانا أبعد ممّا يمكنهم بلوغه.
وعندما وصل الأباطرة الثلاث أخيرا، أصبح الجميع على أهبة الاستعداد لوضع قدمه داخل المناطق المحظورة من أجل العبور. لقد كان الجنرالان رعد ومنصف بقسم مستويات الربط الثاني، فكانت مرافقتهما إضافة إلى باقى تشكيل بطل البحر القرمزيّ أفضل ضمان.
نزل الأباطرة الثلاث ولمياء من العربة، فصنع الحاضرون ممرّا واسعا لهم. مع أنّ هؤلاء الأربعة لم يكونوا أقوياء بشكل جنونيّ، إلّا أنّ مكانتهم لوحدها كانت كافية لجعل الجوّ حولهم صعب التنفس فيه. لم يستطِع أحد أن يصدر صوتا فما بالك بإحداث ضجيج. كان الهدوء يعمّ المكان، لدرجة أنّه لو سعل شخص لتردّد صوته في جميع الأنحاء. وبالطبع لم يكن هناك شخص يجرؤ على السعال حتّى.
تقدّم الجنرالان رعد ومنصف بعدما كانا ينتظران وصول الأباطرة الثلاث والآخرين، ثم انحنيا وقدّما لهم التحيّة.
تكلّم الكبير أكاغي: "ارفعا رأسيكما."
استجاب الاثنان لأمره، فأكمل بعد ذلك: "هل الطريق مؤمَّن؟"
ردّ الجنرال منصف بعد ذلك: "نعم، يا جلالتك. إنّ قادة تشكيل الجنرال الأعلى يقمعون الوحوش السحريّة حتّى يكون الطريق آمنا."
ابتسم الكبير أكاغي ثم أضاف: "إذن ليس هناك وقت لنضيعه. قُودَا الطريق."
"حاضر يا جلالتك!" ردّ الاثنان والتفتا إلى جهة المناطق المحظورة.
كانت هذه المناطق المحظورة مترابطة كما لو كانت واحدة. كان هناك بضع سنتمترات تفصلهنّ عن بعضهنّ. ولكن هذا الممرّ الذي صنعته هذه السنتمترات أغلقته منطقة محظورة أخرى إمّا من الأمام أو من الوراء، ولهذا كان عبورها مستحيلا دون دخول بعضها.
تطوّر مستوى قادة التشكيل عمّا كان بكثير، لذا كان بإمكانهم كبح الوحوش السحريّة التي تتواجد هنا. فَبِاجتماعهم معا، لم يكن هناك شيء يوقفهم. كانت الوحوش السحريّة ذات المستوى الثامن والتاسع هنا سهلة التعامل معها بالنسبة لهم بما أنّ هذه الوحوش السحريّة تفرّقت في تلك المناطق المحظورة.
تبع الأباطرة الثلاث ولمياء العديد من الشخصيات المهمّة. كان من بينها أمراء وأميرات إمبراطوريّة الأمواج الهائجة، ومعظم الجنرالات من جميع أنحاء العالم، إضافة إلى العديد من الشخصيّات المهمّة؛ كان هذا حدث عالميّ ولم يرد أحد منهم تفويته. وأخيرا دخل جميع السحرة الذي أتوا إلى هنا.
كانت المناطق المحظورة تختلف، فكان الطريق إلى الأرض المباركة مليئا بالعديد من المناظر المدهشة. كانت هناك وحوش سحريّة تطير فوق الجبال، وأخرى تتراقص في الأنهار. كانت المناطق المحظورة كأراضٍ مباركة في الواقع لولا وجود الوحوش السحريّة.
كان الطريق مؤمّنا من الجنرالين رعد ومنصف حتّى بلغوا نقطة التقوا فيها بقادة التشكيل. كان قادة التشكيل في الواقع يقاتلون الوحوش السحريّة طول الطريق الذي أتى الجنرال رعد والآخرين، ولهذا كان خاليا من الوحوش السحريّة. وبالطبع لم يكن ذلك كافيا فأخذ الجنرالان رعد ومنصف الجبهة.
عندما التقوا بقادة التشكيل، كانوا قد بلغوا آخر منطقة محظورة قبل الدخول أخيرا إلى الأرض المباركة. لم ينتظروا كثيرا وأكملوا تحرّكهم. ولكن هذه المنطقة المحظورة لم تكن بالشيء السهل.
كان بها أربع وحوش سحريّة بالمستوى التاسع. كانت هزيمتهما ستأخذ بعض الوقت لذا استعدّ قادة التشكيل والجنرالات كلهم للدخول في معركة.
كانت المناطق المحظورة التي تحيط هذه الأرض المباركة بشكل مباشر كلّها تحتوي على ثلاث وحوش بالمستوى التاسع أو أكثر في الواقع. لذا لم يكن الأمر مهمّا من أين يدخل المرء، لأّنه سيضطرّ لمواجهة وحوش بهذا المستوى مهما كان اختياره.
لم يكن هزيمة تلك الوحوش السحريّة بالمستوى التاسع صعبا عليهم مجتمعين. لقد كانوا قوّة مدمّرة حقّا لا يمكن زعزعتها بسهولة. لم يأخذوا وقتا طويلا قبل أن يصنعوا طريقهم إلى الأرض المباركة.
وبمجرّد ما أن وضعوا أقدامهم بها حتّى شعروا بسكينة لا مثيل لها. أحسّوا أنّهم في جنّة لا صراع بها. أعطى كلّ شيء وُجِد بها شعورا بالرقيّ والسموّ. حتّى عشبها كان غنيّا بطاقة العالم، فما بالك بالجبال والسهول، إضافة إلى تلك البحيرة المباركة. لقد كانت أرضا مسالمة مباركة حقّا.
مرّوا بالجبال والسهول والغابة الكبيرة، حتّى بلغوا أخيرا مرادهم. كان هناك أمامهم مبانٍ بدت كالقصور، وتوهّجت حوائطها كما لو أنّها مصنوعة من الألماس. كان بها عدة أجنحة بدت كالقلاع، وارتفع العديد منها آلاف الأمتار إلى السماء. كان هناك جبل في المركز بُنِيَ على قمّته قصر طلّ على بقيّة العالم بهدوء وسلام، وبدا كأنّه مكان يعيش به مخلوق سامٍ.
امتدّت الأكاديميّة لعشرات الأميال، وبدت كمدينة صغيرة. كان بها كولوسيوم وعدد من المعاقل التدريبيّة. انقسمت إلى أربع مناطق كبرى اختلفت في جودة مبانيها ومصادر طاقة العالم. فمثلا، كان ذلك الجبل المركزيّ غنيّا بطاقة العالم أكثر من أيّ مكان آخر في هذه الأرض المباركة غير البحيرة المباركة. كان يمرّ بهذا الجبل العديد من الأنهار التي كانت غنيّة بطاقة العالم، لذا كان أفضل من أقرانه.
أحسّ الجميع بشعور رائع. لقد مرّوا من المناطق المحظورة وأحسّوا بغناها بطاقة العالم، لكنّها كانت خطرة وتعجّ بالوحوش السحريّة فكان الشعور بها مشؤوما نوعا ما. أمّا هذه الأرض فقد كانت مختلفة؛ كانت مسالمة وهادئة أكثر من أيّ مكان آخر. كانت الحيوانات بجميع أنواعها تعيش في هدوء هنا.
لاحظوا عندما دقّقوا النظر أنّ هناك خيل ملكيّ في العديد من الأماكن، وليس هذا فقط، كانت هناك العديد من المخلوقات التي تشبهه. كلّ هذه المخلوقات كانت كيانا بين الحيوانات والوحوش السحريّة. كانت قويّة لدرجة معيّنة، ولم تبدُ كأنّها تحمل بغضا تجاه البشر أو ما شابه عكس الوحوش السحريّة.
كان هناك أيل بقرون طويلة ومتوهّجة تبدو كمرجان مصنوع من نوع من اليشم. كان توهّجها ذاك يبعث ألوانا مختلفة من كلّ زاوية. كان هناك طيور بمختلف الأنواع، وبتحليقها خلّفت وراءها أقواس قزح برّاقة. قفزت بعض الأسماك من الأنهار وبدت كجواهر حيّة بلمعان زعانفها وتألّق حراشفها.
صعد الأباطرة ولمياء إلى قمّة الجبل المركزيّ، ثم حدّقوا إلى الأكاديميّة العظمى التي كانوا بمركزها. لقد كانت شيئا مدهشا حقّا.
تضامنت الإمبراطوريّات الثلاث ووكر الوحش النائم من أجل تغذية أساس هذه الأكاديميّة بشكل جيّد، وبنيت على أساس سحريّ بعدد هائل من أحجار الأصل، ثمّ دعِّمت من قبل سحرة كُثر بمستوى مرتفع. استغرق بناؤها كلّ هذا الوقت لهذا السبب.
وقف الأباطرة ولمياء منتظرين استمتاع السحرة بتلك المناظر المدهشة، وتحدّثوا فيما بينهم حتّى يقرّروا بعض الأشياء، واتّفقوا بعد ذلك على ترك الكبير أكاغي يتكلّف بالإعلان المهم.
وصل خبر التجمّع إلى الجميع، فذهبوا إلى أسفل الجبل المركزيّ وانتظروا الكلمة من الكبير أكاغي. كان هذا الأخير يشعر بحماس لا مثيل له، وفرحة كبيرة للغاية. من كان يعلم أنّ والعالم الواهن في وقت ما سيبلغ هذا الحال ذات يوم؟
أخرج مكبّر الصوت وتكلّم: "إنّه ليوم عظيم حقّا. أشكر كلّ من ساهم في بناء هذه الأكاديميّة العظمى، وقدّم بذلك إلى عالمنا خدمة كبيرة. من اليوم فصاعدا، ستكون هذه الأكاديميّة رمزا لاتّحادنا، وقوّة تضامننا. وبهذه القوّة، سنواجه كلّ المخاطر المستقبليّة ونحمي عالمنا من كلّ الشرور."
تنهّد هنا بعدما تذكّر باسل وأنمار. ودّ لو تواجدا هنا. أكمل بعد ذلك: "في الحرب الشاملة، تيقّنا بأنّنا مجتمعين لا نوقَف. عندما نضمّ أيدينا، يثقل وزننا، وتزدهر حضارتنا."
"لذا أنا هنا اليوم، بالنيابة عن الإمبراطوريّات الثلاث العظمى ووكر قبائل الوحش النائم، بالنيابة عن العالم، أعلن عن افتتاح 'أكاديمية الاتّحاد المباركة'!"
تحمّس الجميع وأحسّوا بنشوة مذهلة. تسارعت ضربات قلوبهم وشعروا بدمائهم الساخنة تتدفّق بسرعة كبرى بشرايينهم. لقد كانت تلك لحظة يعلن فيها العالم الواهن عن اتّحاده أخيرا من أجل ضمان مستقبل آمن. لم يكن لهذا مثيل في التاريخ قطّ.
"أكاديميّة الاتّحاد المباركة!"
ردّدوا ذلك الاسم مرارا وتكرارا، ولم يهمّ أصل الشخص في هذا المكان، لأنّهم كانوا كلّهم من العالم الواهن. لم يكن هناك شخص يستطيع إيقاف زخمهم عندما يجتمعون هكذا.
***
في مكان ليس بالبعيد جدّا عن الأرض المسالمة المباركة، قريبا من مدينة العصر الجديد، تزلزلت الأرض للحظات في منطقة محظورة وارتفع الغبار إلى الأعلى كما لو أنّه فقد وزنه، واهتزّ بشكل عنيف مع الزلزال، ثم ارتجّ الهواء، وفي اللحظة التالية، سقط الغبار كما لو أنّه صار يزن آلاف الأطنان.
*بااام*
سحقت الأرض بسبب هذا الغبار، وتوقّف الزلزال أخيرا. كانت تلك مجرّد لحظات، لكنّها كانت مرعبة للعين الناظرة. كان هناك بعض الأشخاص قريبين من هذا الحدث، لذا أحسّوا بالقشعريرة، ومرّت برودة عبر عظامهم كنصل من الصقيع يتخلّل جسدهم.
لم يكن ذلك مجرّد قشعريرة، لقد كان شعورا بالخوف لدرجة الموت. فشُلَت ركابهم وسقطوا على الأرض غير قادرين على الوقوف من جديد. كلّ هذا حدث أثناء ذلك الزلزال، وعندما توقّف أخيرا، لم يحدث ما كانوا يتوقّعون.
ظنّوا أنّهم سيستطيعون الوقوف ما أن ينتهي هذا الزلزال ويختفي ذلك الشعور المفزع من قلوبهم، ولكن بعدما هدأت الأمور أخيرا، تكسّر الفضاء أمام أعينهم كأنّه قطعة من الزجاج. كما لو أنّه مرآة تهشّمت لقطع صغيرة. فظهر فراغ بلون بنفسجيّ داكن في الجهة الأخرى من الفضاء المنكسر.
لقد كانوا جميعا سحرة بالمستوى الخامس، وكانوا يحاولون غزو هذه المنطقة المحظورة من أجل العثور على بعض الكنوز وجمع أحجار الأصل، لكنّهم لم يتوقّعوا أنّ شيئا كهذا سيحدث.
وبعدما حدّقوا إلى الجانب الآخر من الفضاء المنكسر، وجدوا أنفسهم غير قادرين على البقاء واعيين حتّى. أحسّوا كما لو أنّهم ينظرون إلى هاوية بدون عمق، ويأس يمكنه غمر آمال المخلوقات وجعلها تسقط في تلك الهاوية لتختفي بدون آثار. وبالطبع، لم يكن كلّ هذا بسبب نظرهم إلى الجانب الآخر من الفضاء المنكسر، وإنّما بسبب ما كان يظهر منه.
لقد كان ذلك مخلوقا يجعل باقي المخلوقات تخضع له بمجرّد وقوفها أمامه. كان يمكنه جعلهم يجنّون بفقدانهم آمالهم، وينتحرون من أهوال الأوهام التي تغزو عقولهم. كان كلّ شيء يصبح عديم القيمة والفائدة أمام هذا المخلوق.
كان كلّ هؤلاء السحرة بالمستوى الخامس، لكنّهم كانوا أقلّ من النمل أمام هذا المخلوق الذي بدا لهم كجبل شاهق مقارنة بهم. كان وزنه رهيبا للغاية وسحقهم به دون أن يحتاج لرفع إصبع حتّى. فقط بالنظر إليه، كانوا قد فقدوا الأمل في الحياة، والاهتمام بها أيضا، فارتعبوا ممّا قد يحدث لهم مستقبلا.
*بووم* *بووم* *بووم*
انفجر المكان مرّة تلو الأخرى كما لو أنّ هناك معركة شرسة تحدث، وتحوّلت المنطقة المحظورة في الأميال المحيطة إلى غبار.
حدثت كلّ هذه الانفجارات بشكل سريع ومفاجئ.
كان سبب هذه الانفجارات الأصليّ هو الخوف، ولكن ليس من الموت، بل من اليأس الذي أتى من ذلك المخلوق أمامهم، فلم يكن هناك خيار آخر أمامهم سوى أن ينتحروا!
كلّ السحرة بالمستوى الخامس الموجودين هنا انتحروا واحدا بعد الآخر بتفجير بحر روحهم! لقد كان ذلك جنونيّا. من سيختار الانتحار حتّى لو واجه الموت؟ كل شخص سيحاول النجاة وليس الموت عندما يهربون من الموت.
لكن وا حسرتاه، لم يكن ما واجهوه موتا، وإنما يأسا عظيما!
نطق المخلوق فجأة بينما يخرج من ذلك الفضاء البنفسجيّ الداكن، وكان صوته هادئا كثيرا، وبدا كما لو أنّه شعر بخيبة أمل نوعا ما عندما رمى كلّ أولئك السحرة بحياتهم: "ليس جيّدا، ليس جيّدا. لقد ماتوا بتلك البساطة. نسيت أن أقمع هالتي بسبب تحمّسي. ليس جيّدا، ليس جيّدا."
أتمنّى أن يعجبكم الفصل. أرجو الإشارة لأيّ أخطاء إملائية أو نحوية.
إلى اللّقاء في الفصل القادم.