216 - أسطورة الطائر الخرافيّ

216 – أسطورة الطائر الخرافيّ

من كان ليظنّ أنّ الشيء الذي تخبّئه هذه الشجرة العظيمة في قمّتها العجيبة هو تمر الحياة الجديدة؟ لقد كان هذا العالم الواهن فقط ولم يكن ليعتقد أحد أنّ تمر الحياة الجديدة سيكون هنا، وحتّى لو صادف فحدث أن قدم أحد ما وحاول تسلّق هذه الشجرة العظيمة، لم يكن لينجح؛ لقد كانت نيّة الوحش النائم تحرس هذا المكان لعصور بالفعل وعدم حدوث أيّ شيء لهذه الشجرة أو ما تحمله لخير دليل على ذلك.

ففي الواقع، هناك بعض الأشخاص من يمكنهم معرفة هذه الأسرار مثل باسل بطريقة أو بأخرى، لكنّهم ما كانوا ليتجرّؤوا على القدوم إلى هنا ومحاولة سرقة أو خداع الوحش النائم. كان باسل ناجحا فقط لأنّه كان صادقا وحتّى أنّه وضع روحه بين يديّ الوحش النائم، والذي كان شيئا لا يستطيع أيّ أحد فعله؛ لقد تطلّب ذلك بسالة لا يمكن مضاهاتها. كان الوقت الذي التقيا وتعرّف فيه أحدهما على الآخر قصيرا لكنّه كان كافيا نظرا إلى الثقة التي نمّياها بينهما.

حمل باسل الصحن الخشبي، فشمّ عبيرا جعل روحه تهدأ وتتغنّى فورا بكمّيّات مركّزة من الطاقة الروحيّة. لقد كان حاليا في مستوى ينتفع فيه من الطاقة الروحيّة مباشرة.

كان باسل قد أمضى شهورا تدرّب فيها مع معلّمه في قارّة الأصل والنهاية بعد الحرب الشاملة، إضافة إلى العام الذي أمضاه في بيضة الضوء الغريبة، وكلّ جعل من مستواه ينمو بشكل مرعب، وخصوصا في ذلك العام الذي كان استثنائيّا كونه كسب الكثير من الأشياء.

في نهاية قتاله ضدّ هدّام الضروس كان قد صار شبه صاعد، لذا بدأ يرى حقيقة العالم شيئا فشيئا، لكنّه الآن يرى صورة العالم الأصليّة جيّدا، وأوّل مرّة نجح في ذلك كانت في اليوم الذي غادر فيه مدينة العصر الجديد. بسبب ذلك استطاع تتبّع الوريد والتأكّد من صحّة بعض الشكوك التي تعلّقت بالشجرة العظيمة.

والآن نجح أخيرا في الحصول على ما جاء من أجله، وقد كان سعيدا للغاية بهذه النتيجة كونه سيقدر على حماية هذا العالم من تحوّله إلى عالم روحيّ، فلو كان معلّمه موجودا لما احتاج للقدوم إلى هنا، لكنّه ورث حكمة معلّمه السياديّة وهي الوسيلة الوحيدة له حتّى ينجح في صنع ما يريد صنعه.

حدّق باسل إلى النخلة أمامه ثمّ صرّح: "فقط بكونها إلى جانب هذه التمور السبع لعصور كانت قادرة على التحوّل إلى هذه الشجرة المدهشة، فما بالك بالتأثير الحقيقيّ لهذه التمور؟"

ارتسمت ابتسامة عريضة على وجه باسل ثمّ فكّر في أسطورة معيّنة كان معلّمه قد درسها كـسِرّ من أسرار العوالم، ومضمونها كان عن ذلك المخلوق السامي، وعن وكره الغامض، إضافة إلى السبب الذي جعل مثل ذلك المكان هو الوكر المفضّل لدى ذلك المخلوق السامي.

طيلة عصور، تناقلت الأساطير عن المخلوقات السامية، ومن أشهرها تلك التي كانت عن ذلك الطائر الخرافيّ، والذي اشتهر بلهبه الذي لا ينطفئ مثله مثل شعلة روحه التي تبرز مرارا وتكرارا في براثن ظلام الموت، ولكن هذا كلّ ما علمه معظم المخلوقات في هذا الوجود.

أمّا ما علمه قلّة فقط، ومن بينهم إدريس الحكيم، فكان عن كون ذلك الطائر الخرافيّ يحبّ قمّة أحد أنواع الأشجار خصّيصا، إذ جعلها وكرا له حسب نسبة جاذبيّتها بالنسبة له، أمّا عن سبب اختياره لذلك النوع من الأشجار فكان غامضا، لكن قيل أنّه أحبّ المكان الذي غالبا ما ووجِدت فيه تلك الأشجار، وقيل أنّه أحبّ علوَّها، أو أنّ خصائصها كانت ملائمة تماما له.

كانت هناك العديد من التوقّعات، وما كان أكثرها مصداقيّة، بشكل مفاجئ، كان فرضيّة أنّ ثمار هذه الشجرة كانت أفضل أكلة له، لذا كان يختار هذه الشجرة حتّى يتغذّى على ثمارها تلك، واختار الشجرة حسب جودة ثمارها.

بالطبع كانت هذه مجرّد أسطورة خرافيّة، فأصلا لم يسبق أن كان هناك دليل حيّ على وجود مثل هذا المخلوق السامي أصلا، فما بالك بتلك الشجرة أو ثمارها؟

كان باسل مبتسما في الواقع بسبب تفكيره في هذه الأسطورة، حيث علم مصدرها. بالطبع لم تكن دقيقة كلّيّا لكنّها حملت جزءا من الحقيقة.

بعدما فكّر باسل في ذلك، فكّر هذه المرّة في المعلومات التي خلّفتها النيّة له: "فعلا أَحبَّ الطائر الخرافيّ تلك الشجرة، لكنّها لم تكن الشجرة التي اعتقدها الناس، وإنّما واحدة أخرى كانت خرافيّة بقدر ما كان الطائر أسطوريّ."

"اتّخذت تلك الشجرة الخرافيّة هيئة ذلك النوع من الأشجار، ولهذا بسبب تطلُّع الطائر الخرافيّ لها صار يحبّ ذلك النوع من الأشجار أيضا. كانت الشجرة تثمر أثمارا تجعل شعلة الطائر الخرافيّ تشرق أكثر في براثن ظلام الموت، فصارت إحدى رغبات حياته."

تنهّد باسل ثمّ قال: "ما عساي أقول، إنّني منبهر لدرجة لا توصف حقّا، منبهر ممّا أحمله في يديّ، ومن حقيقة كون الوحش النائم استطاع حقّا أن يحصل على هذه الثمار. أيّ أحد سيفقد عقله عندما يعلم عن هذه الثمار، ويبدو أنّ السلطان ذو الطغيان غير مستثنى من هذا، لاسيما ومالكها هو ذلك الطائر الخرافيّ الذي يجعل الروح تلهف من أجله."

نظر باسل مرّة أخرى إلى النخلة أمامه، ثمّ صرّح: "قد أكون الوحيد الذي يعلم موقع وكر الوحش النائم الحقيقيّ." خبّأ تمر الحياة الجديدة في مكعّب التخزين حتّى ينتفع في نفس الوقت من فوائده العظيمة، وقرّر في أعماق قلبه: "لا أحد يجب أن يعلم عن هذا التمر، ولو كان أقرب الأقربين لي. كما يقال، الجهلُ نعمةٌ أحيانًا."

لقد كان ذلك كنزا يمكنه هزّ العوالم وإخراج الهرمى المقموعين من انعزالهم عن الحياة الدنيويّة دون التفكير في عواقب أفعالهم. لقد كان ذلك كنزا ساميا تحدّث عنه الناس في الأساطير فقط.

اقترب باسل من النخلة العتيقة وتشبّث بها، فأخذ يتسلّقها. وهذه المرّة، شعر فقط بطاقة روحيّة غير محدودة تتوغّل في روحه، وكانت غنية ونقيّة بشكل لا يوصف، إذ كانت خالية تقريبا من الشوائب، حتّى أنّها جعلت باسل يحسّ بكيانه يعاد صياغته كي يولد من جديد. شعر بالكيان الهائل في قمّة هذه النخلة العتيقة، وبالحياة التي جرت في روح هذه النخلة بسبب ذلك الكيان.

كان متحمّسا كثيرا حتّى أنّه لم يشعر بالوقت الذي مضى منذ بدء تسلّقه، وبسبب النيّة التي اندمجت مع بحر روحه وعقله كان يعلم تماما كيف يتسلّق هذه الشجرة التي وجب على الشخص أن يملك تقنيات خاصّة حتّى يعرف أيّ مسار يسلك وطريقة عبوره.

وفي الواقع، كان ليبدو للشخص أنّ باسل يتسلّق بشكل عادي وطبيعيّ، ولن يُلاحَظ أيّ فرق في تحرّكاته. وبالطبع لو حاول أحدهم التسلّق بشكل عشوائيّ ما كان لينجح ولو فنى حياته في فعل ذلك ما لم يكتشف الطريق وكيفيّة عبوره.

فسواء عندما كان يتسلّق حياة أم هذه النخلة، كان في الواقع يتجاوز عدّة مصفوفات روحيّة تمتّعت بأنماط لا يمكن لأيّ شخص ذو معرفة وقوّة محدودتين أن ينجح في فكّ شفرتها. لقد كان باسل ناجحا بسبب أنّ المالك الأصليّ لهذه المصفوفات قد أعطاه تشكيلها وطريقة فكّها، ومع ذلك كان على باسل أخذ وقت طويل حتّى ينجح.

كانت تلك المصفوفات الروحيّة مندمجة مع الشجرتين كما لو أنّها وُلدت معهما، ولم يكن هناك مجال للشخص العادي أن يلاحظ وجودها حتّى فما بالك بتجاوزها؟

لقد كانت كلّ هذه الاستعدادت والدفاعات موجودتيْن فقط لسبب واحد، وهو من أجل حماية تمر الحياة الجديدة وما يقبع في وكر الوحش النائم الحقيقيّ، وبالخصوص حماية الشيء الثاني، كونه كان أهمّ بكثير بالنسبة للوحش النائم. يمكن القول أنّه بلا الشيء الثاني يصبح الشيءُ الأوّلُ بلا معنى بالنسبة للوحش النائم.

فلو كان تمر الحياة الجديدة يجعل شعلة الطائر الخرافيّ تشرق في ظلام الموت أكثر، فإنّ ذلك الشيء الآخر هو الذي يولّد تلك الشعلة أصلا.

ارتفع باسل كثيرا حتّى فقد الشعور بالوقت وأخيرا بدأ يرى جريد النخلة المتدلّي من رأسها، والذي بدا كذيل عنقاء لوهلة، وحتّى عندما وصل أخيرا إلى القمّة لم يجد ثمارها المتوقّع وجودها. لقد كانت النخلة غنيّة بالحياة لدرجة لا توصف لكنّها لم تُثمِر ممّا جعلها غامضة أكثر.

وبالطبع كان باسل يعلم عن السبب؛ لذا عندما بلغ قمّتها أخيرا لم يسعه سوى أن يسارع حتّى ما يقبع فيها.

جلس عليها فإذا به يجد صندوقا صغيرا مصنوع من الفخّار، وكان مُقفلا بقفل خشبيّ، وبالرغم من ذلك علم باسل أن المرء يحتاج لأكثر من مجرّد قوّة روحيّة مهما كان مستواها.

حمل باسل الصندوق وحدّق القفل الخشبيّ باهتمام، وللدقّة كانت نظراته مركّزة على الرمز الذي تشكّل عليه. كان ذلك الرمز يتكوّن من عدّة نقط متجمّعة مشكّلة بذلك كومة صغيرة من حبوب ما. لربّما كانت رمالا أم شيئا آخر، لأنّه لم يكن ممكنا المعرفة بسبب كون الرمز منقوشا فقط. وفوق كومة الحبوب الضئيلة تلك كانت هناك رسمة لشعلة مكتوب بينها وبين الحبوب بحروف عتيقة لا أحد علم بأيّ لغة كانت.

لم يسع باسل سوى السراح بخياله بينما ينظر إلى الصندوق في يده، والتفكير في ذلك الماضي البعيد. ليس كأنّه يعلم ما حدث في ذلك الماضي، ولكن بالمعلومات التي يملك حاليا كان يتخيّل متا حدث آنذاك.

ومع ذلك، كلّ هاته الأشياء قد اختفت من التاريخ كلّيّا، وبقيت بعض الأساطير فقط.

تمتم لنفسه دون أن يشعر: "أتساءل كم بقي من الأربعة عشر على مرّ السنين. على الأقلّ أنا متأكّد من حالة السابع، أمّا الباقين فلا علم لديّ عنهم. إن أردت أن أضمن نجاحي فيجب عليّ كشف هويّاتهم ومن ثمّ تقرير طريقة التعامل معهم حسب الحالة. من يعلم، قد يجب عليّ مواجهتهم جميعا، بالطبع هذا إن كانوا كلّهم أحياء."

أكمل باسل تفكيره: "هذا هو مخبأ الوحش النائم الأخير، لذا هو استعدّ بما يكفي لمواجهة مخاطر الأربعة عشر، أما عن باقي المخابئ التي توجد فيها الأجزاء الأخرى فلا أعلم عن حالتها. قد تكون قد احتُلّت وأخِذ منها ما فيها بالفعل."

تنهدّ ثمّ وقف وقرّر: "حسنا، لقد كان الوحش النائم يعلم عن هذه الاحتماليّة بالفعل، لذا قد وضع كلّ آماله على هذا المخبأ. لا عجب في انتظاره لكلّ هذه المدّة أن يظهر الشخص المناسب الذي يمكنه أن يضع فيه ثقته. لن أجعل انتظارك كلّ هذه السنين التي لا تحصى يذهب هباء يا أيّها الوحش النائم."

وضع باسل الصندوق في مكانه قبل أن يتمتم: "حسنا، سأعود لك في الوقت الذي أنوي المغادرة فيه. فلو وجب عليّ البحث عن الأجزاء الأخرى سيكون عليّ حملك معي على أيّ حال."

تنهّد باسل مرّة أخرى، ثمّ نظر إلى الأفق الذي لا ينتهي في هذا العالم الصحراويّ، قبل يصرّح: "ألف ألفيّة وألف، لحقّا مدّة طويلة."

***

من تأليف Yukio HTM

السلام عليكم ورمضان مبارك سعيد لكم يا أصدقاء وصديقات.

جاءتني فكرة (مبتذلة هوهوهو) وقلت لمَ لا؟ الفكرة هي أن أطرح سؤالا يتعلّق بالأحداث بعد نهاية كلّ فصل كي أرى ردودكم وما تظنّونه. وهكذا يمكنكم معرفة توقّعات الآخرين أيضا ومشاركة آرائكم، وسيكون لديّ حافز أنا أيضا حتّى أكتب أكثر، لأنّني بصراحة محبط المعنويّات.

على كلّ، أتمنى أن يجيب كثير منكم على الأسئلة التي سأطرحها من الآن فصاعدا، وسؤال اليوم هو التالي:

"ما رأيكم في هويّة الوحش النائم بعد كلّ التلميحات السابقة؟"

أتمنّى أن يعجبكم الفصل. أرجو الإشارة إلى أيّ أخطاء إملائية أو نحوية.

إلى اللّقاء في الفصل القادم.

2019/05/13 · 954 مشاهدة · 1637 كلمة
yukio
نادي الروايات - 2024