221 – صفاء

تساقطت الشهب بالسماء المظلمة والمرصّعة بالنجوم التي نابت عن القمر شبه الغائب، فتملّك باسل شعور شجيّ؛ اعتاد الاستمتاع سابقا بالبدر، لكنّه حاليا كلّما رآه عادت صورة معلّمه إلى ذهنه، وكلّما حدّق إلى سماء ليلة دلماء ذُكِّر بغياب قدوته.

اتّكأ على شجرة بينما يستشعر الحياة حوله بعدما قرّر الاسترخاء ريثما يحلّ الصباح ويذهب للتكلّم مع الزعماء. كان يرى العالم على شكله الحقيقيّ منذ أن استفاق من نومه الطويل، فعندما تدرّب سابقا في السلاسل الجبليّة الحلزونيّة، كان قد بدأ يشاهد أشياء غريبة، لكنّ الصورة الآن صارت واضحة تماما له.

أغمض عينيه ورفع سبابته لسبب لم يعلمه إلّا هو، فعندما فتح عينيه رأى تلك اليراعة العجيبة تقف على إصبعه، وبدل أن تكون مضيئة بشكل عادي، كانت مضيئة بسبب طاقة العالم. لقد كانت تلك مجرّد شكل للحياة التي يبعثها هذا العالم الواهن الذي يقف عند عتبة التحوّل إلى عالم روحيّ.

تمتم باسل إلى نفسه: "يجب أن أفكّر مليّا في طريقة خاصّة تجاوز هذا الختم الموضوع على العوالم وإلّا لن أستطيع العبور بمستواي إلّا بعد سنين عديدة، وطبعا لن ينتظرني بعض الهرمى المقموعين ولا ملك الشياطين. بمجرّد ما أن يضعف قليلا فسيكونون أوّل من يسعى إلى اختراقه بالقوّة."

ارتفعت يراعات لا تحصى حوله وطارت نحو السماء، بينما ترقص أسماك زاهية ألوانها في أنهار غير مرئية للعامّة ولا للساحر العادي. لقد كانت تلك أمورا يمكن رؤيتها فقط عند بلوغ مستوى سحريّ معيّن.

كان أوبنهايمر فرانكنشتاين يجلس بعيدا عنه مراقبا إيّاه بحرص، لكنّه لم يعلم ما الذي يفعله باسل حاليا، فكلّ ما تجلّى له كان استمتاع باسل بالأجواء المحيطة به ببساطة. تذكّر ذلك العجوز من آنذاك وعبس، متمتما: "لقد تملّك منّي حقّا."

***

مرّت الليلة بهدوء وحلّ الفجر، فراح شجا ذكريات البدر، وما كان للمرء سوى القبول بالقدر.

عُقِد الاجتماع في الغرفة السرّيّة، ومنحهم باسل الوصفة وطرق التدريب والتقنيات الخفيّة حتّى تتمكّن الوحوش النائمة من إيقاظ وحوشها النائمة، وطبعا كانت هناك بعض الشروط التي وضعها باسل لتحديد الأشخاص المرخّص لهم الحصول على هذه الفرصة.

كان أوّلها هو العهد الذهنيّ الروحيّ بعدم إفشاء أيّ أمر بخصوص هذه المسألة لأيٍّ كان ولو لأبناء الدم، وثانيها كان وجوب بلوغ الشخص المستويات الروحيّة قبل تنفيذ إيقاظ الوحش النائم، وثالثها كان أن يُختار فقط من يتجاوز اختبار 'حياة'.

سُئل عن هذا الاختبار الذي ستقدّمه حياة، فقال أنّ ماهية الاختبار ستعتمد على الشخص نفسه، وستتغيّر من أحد لآخر.

كان يجب العمل بحرص شديد بشأن هذه المسألة من أجل تحقيق الغاية المنشودة في المستقبل البعيد؛ كلّ هذا من أجل ذلك اليوم المنتظر.

انتهى باسل أخيرا من هذا العمل، فبدأ الارتحال من جديد بمرافقة العالم المجنون نحو مكان محدّد في 'الشعلة القرمزيّة'. لقد أراد أن يريح ذينك الأخوين بعد معاناتهما الطويلة في انتظار أختهما الصغيرة، والتي بدورها كافحت بمرارة.

عندما وصل باسل إلى منزلهم، أصبح وجها أخويْ القطع مشرقيْن كونهما علما السبب الوحيد الذي سيجعل باسل يأتي إلى هذا المنزل بالتحديد وعدم الإرسال في طلبهما فقط. لم يسعهما سوى أن ينحنيا والدموع تتساقط من أعينهما بغزارة، قبل أن يسألا بتحسّر شديد: "أحان الأوان؟ أيمكن لصغيرتنا 'صفاء' أن تحيا من جديد؟"

أومأ باسل رأسه وأجاب: "سأفعل ما بوسعي."

ردّ الشابّان بحسرة: "عليك نعلّق أملَنا فـإليك قد سلف وسلّمنا أمرَنا وحالَنا."

ظهر العالم المجنون أمامهما فحملقا إليه كما لو أرادا قتله، لكنّهما سبق وعلما أنّه في الحقيقة أنقذ أختهما مهما كانت غايته، لذا انحنيا له وقبلا بمساعدته؛ ما يهمّ حاليا هو عودتها.

أخليا الغرفة وتركا الاثنين لوحدهما بناء على طلب باسل، فتكلّم هذا الأخير: "سنبدأ في صنع المركّب، لذا تعلم ما عليك فعله."

تنهّد أوبنهايمر فرانكنشتاين وأومأ؛ لقد اكتسب معرفة بالخيمياء من إدريس الحكيم الذي كان العديد من العباقرة من الأعراق في العوالم الأساسيّة ليريدوا أن يحظوا ولو بقدر قليل من إرشاداته، وفوق ذلك كانت هناك قدراته الروحيّة والجسديّة الغريبة، إضافة إلى عبقريّته الفريدة في هذه الأمور.

قال باسل: "سأجهّر المكوّنات، وأساعدك بينما تأخذ القيادة في عمليّات الخلط والتدوير والتنقيح والصقل. ببحر روحك العجيب، يمكنك إنجاز الأمر بفعّاليّة أكثر منّي مثل أيّ كيميائيّ ماهر."

"أعلم، أعلم." لوّح بيده وأكمل: "بما أنّك لم تحوّل طاقة عناصرك إلى طاقة خالصة فلن تتمكّن من إنجاز كلّ تلك العمليّات بسلاسة كبيرة كالكيميائيّين الحقيقيّين، ولكن الأمر مختلف معي. فلتسرع ونبدأ حتّى تشهد عظمتي."

لقد كانت هذه فرصته في إثبات تفوّقه ولم يرد إضاعتها، وأكثر من ذلك، لقد كان فقط يريد أن يعلم بسرعة الأداة التي أتى بها باسل. لقد علم أنّ النقاوة التي أحدثتها وردة 'ياسمين الثلج النقيّ' قويّة للغاية، وهي تصارع حاليا التلوّث الذي سبّبه دم وطاقة حجر أصل وحش بالمستوى الرابع عشر، لذا لابدّ من أنّ الأداة المقصودة تفوقهما.

قال باسل مرّة أخرى: "تذكّر، ما أن ننتهي سنبادر مباشرة في إيقاظ صفاء. هي في حالة توازن تجعلها غائبة عن الوعي لكن سليمة في الآن ذاته، لذا لم يكن من المستحسن إيقاظها."

"التلوّث مندمج تماما معها، لذا لن تنجح النقاوة في التفوّق على هذا التلوّث إلّا بعدما تبدأ صفاء في استخلاصها، لكن إن لم تبلغ المستويات الروحيّة في الوقت المناسب ستحرق تلك النقاوة بحر روحها الضعيف؛ فتلك النقاوة قويّة كفاية لتصفّي تلوّث وحش بالمستوى الرابع عشر ولن يكون بإمكان ساحرة مبتدئة مهما كانت قدراتها الفريدة أن تتحمّلها لفترة طويلة."

"المركّب الذي سنصنعه اليوم سيمنحها وقتا إضافيّا، والقدرة على الاختراق إلى المستويات الروحيّة بسلاسة دون السقوط للجانب الوحشيّ منها."

"لقد أخبرتك،" استهجن العالم المجنون: "إنّي أعلم كلّ هذه الأمور وقبل أن تعلم حتّى."

حدّق إليه باسل وتذكّر معلّمه. لقد أراد إدريس الحكيم أن يترك الفتاة الصغيرة غائبة عن الوعي ريثما يجدون أداة كفيلة بتوفير بعض الوقت لها ومساعدتها في الاختراق إلى المستويات الروحيّة، لكنّ باسل قد وجد في الواقع شيئا أفضل بكثير من المتوقّع.

"حسنا، هيّا نبدأ."

أخرج العالم المجنون مرجلا أسود اللون، لامعا بالطاقة السحريّة الخالصة، ويبدو كما لو أنّه يملك وعيا خاصّا إذ استجاب لنيّة مالكه وأشعل نارا لم تكن بنار حقّا. كانت تشبه النار في حرارتها لكنّها كانت قدرة المرجل السحريّ في إذابة المكوّنات عبر امتصاصه للطاقة السحريّة الخالصة وتسخيرها كوقود.

ارتفع اللهب عديم اللون من المرجل فتلاعب به صاحبه كما شاء. كان زيادة حرارة هذا اللهب وخفضها لدرجة البرودة ممكنة، واختلفت درجة إتقان التلاعب بذلك حسب موهبة وخبرة الشخص.

استطاع باسل التلاعب بهذا اللهب في مرجل إلى حدّ ما، لكنّه ساحر بعناصر سحريّة لذا إمكانيّاته كانت محدودة في الكيمياء. وفي الجهة الأخرى، كان أوبنهايمر فرانكنشتاين، على ما يبدو، قادرا على استخدام نفس قدرات الكيميائيّين والحدّادين بالرغم من أنّه ساحر بعناصر سحريّة. من يعلم ما الطريقة التي نجح بها في تحقيق ذلك، لكن باسل كانت لديه بعض الأفكار حول ذلك.

أخرج باسل بعض المكوّنات، منها أعشاب سحريّة نادرة وأحجار أصل لوحوش بالمستوى الثامن حتّى المستوى الثالث عشر. كانت هناك ثلاثة أشياء بارزة وسط كلّ تلك المكوّنات إذ أضاءت بشكل مبهر وسرّبت عبقا جعل الروح تهدأ وتتغنّى بالطاقة السحريّة المركّزة فيها.

كانت هذه المكوّنات الثلاثة عبارة عن ثلاث أزهار أولاها تشكّلت كبرسيم أزرق خماسيّ البتلات، وثانيتها كانت تشبه زهرة الكرز لكنّها كانت حمراء كما لو أنّها نبتت من شجرة دامية، وثالثتها كانت زهرة أقحوان سطع بياضها بوهج صفّى الذهن والعقل.

صرّح العالم المجنون: "برسيم الروح المستقرّة الخماسيّ، وزهرة كرز الدم الأصيل، وأقحوان الاتّزان. كلٌّ على التوالي من أجل تصفية الروح، وتنقية الدم والجسد، واستعادة رزانة العقل. يبدو أنّك جمعت بعض الأشياء الجيّدة."

أومأ باسل وردّ: "لقد بحثت عنها عندما ارتحلت مع المعلّم إلى قارّة الأصل والنهاية. هيّا أرني مهارتك."

شحذ العالم المجنون اللهب تبعا لكلام باسل، وتلاعب بالمكوّنات كما شاء، فكانت مرحلة الخلط مجرّد لعبة بسيطة بالمسبة له ولم يحتج لمساعدة باسل قطّ. امتزجت كلّ العناصر بسلاسة ولم يحدث أيّ خطأ سبّب في خسرانها.

بدأ عمليّة التدوير وفيها صنع مكوّنات جديدة من الخليط حتّى صارت العجينة الناتجة مسبقا كقرص خبز يشعّ بالبياض وزرقة السماء، بينما يتخلّله عروق قرمزيّة تنبض باستمرار.

وهنا، تدخّل باسل فانبثقت ثلاث كرات فضّيّة فوق رأسه، جعلت الشخص يغرق في كون من النجوم والمجرّات عندما نظر إليها، وسمحت لعينيْ مالكها أنّ تحلّل وتستنبط كلّ ما بصرتهما. كانت عمليّة التنقيح تحتاج إلى تركيز وموهبة لا تصدّقان، إضافة إلى خبرة أصيلة، لذا كان تدخّل باسل بخبرة معلّمه ضروريّا من أجل التأكّد من نجاح العمليّة.

عجن العالم المجنون قرص الخبز بعدما صهره ونقّاه من كلّ الشوائب، كلّ واحدةً على حدة، ثمّ أعاد العمليّة مرارا وتكرارا بإشراف باسل ومساعدته حتّى أصبح القرص كرة زرقاء يمكن قبضها باليد. تمركز هذه الكرة سائل قرمزيّ بدا كالدم لكنّه تكوّن من الطاقة السحريّة الخالصة والغنيّة بالفوائد العظيمة من تنقيح كلّ تلك المكوّنات، وبداخل هذا السائل برق ضوء أبيض بتكرار.

أمضيا في العمليّات الثلاث وقتا طويلا حتّى وصلا إلى هذه النتيجة، لكنّ العمليّة الأخيرة كانت الأهمّ – مرحلة الصقل. كلّ شيء يعتمد على نجاحهما في توظيف تلك الأداة المنتظرة مع المركب المصنوع.

أخرج باسل من بحر روحه صحنا خشبيّا بدا عاديا، وكان مغطًّى بخرقة بيضاء بسيطة. لم يعلم العالم المجنون ما ذاك، أو حتّى ما هي قدراته ومميّزاته. لقد كان ذلك الشيء غريبا لأنّه بدا عاديا لكنّه لم يعلم إن كان ضعيف أم عالي الجودة. كان غامضا تماما.

كان ذلك هو الصحن الذي يحمل تمرات الحياة الجديدة، وبسبب تغطيتها بالخرقة البيضاء الغامضة لم يستطع الشابّ ذو الوجه الطفوليّ تقييم الأداة.

تكلّم باسل بجدّيّة: "اسمعني، سأفرج عن طرف من الخرقة واستغلّ الفرصة لصقل المركّب بما سيُفرج عنه. لديك عشرة ثوان لا أقلّ ولا أكثر."

استغرب الشابّ من كلام باسل لكنّه لم يناقشه في هذا، فهو يريد أن يعلم بسرعة ما هو هذا الشيء.

رفع باسل الخرقة قليلا عن الصحن، فإذا برائحة من عالم آخر تتسرّب من الفتحة وتقاد بناء على رغبته نحو المرجل. كانت الرائحة تزعزع الروح وتغيّر أجواء الحياة حولها، حتّى أن العالِم المجنون جُنّ بسببها. لقد علم عن رعب هذا الشيء الذي يحمله باسل فبلع ريقه من شدّة الهول. علم أيضا أنّ تلك الخرقة الغامضة كانت تعمل عمل الختم لعظمة الشيء بالصحن.

"ركّز!" رفع باسل صوته وأعاد رشد العالم المجنون.

تمالك الشابّ نفسه بالكاد وبدأ في استغلال العشرة ثوان، وبينما يصقل المركّب بمساعدة ملاحظات باسل، كانت روحه مضطربة ومُغرَيَة. أراد فقط لو يستخلص كلّ تلك الرائحة ويستفيد من عظمة قدراتها. لقد أحسّ بقوّة الحياة عامّة تنبعث من الرائحة.

مرّت العشر ثوان بسرعة البرق، فأغلق باسل الفتحة وأعاد الصحن الخشبي إلى مكعّب التخزين. خاب أمل العالم المجنون كونه أراد أن يأخذ ولو حصّة بسيطة من ذلك الكنز الصاعق.

أكمل الاثنان عمليّة الصقل بعد مدّة لا بأس بها أخيرا، فصارت الكرة الزرقاء عبارة عن حبّة قرمزيّة تماما. كانت النتيجة صادمة وتعجّب أوبنهايمر فرانكنشتاين من هذا الشيء الذي يمكن لمقدار بسيط للغاية من رائحته أن يعطي مثل هذه النتيجة.

جلس الاثنان على الفور يقطران عرقا، وارتاح باسل أخيرا بما أنّهما نجحا، فقال: "من المدهش أنّنا نجحنا من الوهلة الأولى."

حدّق إليه العالم المجنون بينما يفكّر في الكنز الذي غيّر العالم والحياة نفسيهما!

قال أوبنهايمر فرانكنشتاين: "هذه أوّل مرّة لي أصنع فيها مثل هذا الشيء. ماذا يجب علينا تسمية حبّة الروح هذه؟"

فكّر باسل قليلا فردّ: "ما رأيك بحبّة الولادة الجديدة السحريّة؟"

ابتسم العالم المجنون: "أمم... سحريّة لأنّ النسخة الروحيّة منها ستوجد؟"

ابتسم باسل دون أن يتكلّم، فأغمض العالم المجنون عينيه ولوّح بيده: "إنّها 'حبّة الولادة الجديد السحريّة' إذن."

حدّق إليه باسل مطوّلا قبل أن يسأل: "ألن تسألني؟"

كان يقصد الكنز الآنف، وفهم أوبنهايمر فرانكنشتاين ذلك، فردّ بسؤال: "وهل ستجيب؟"

ابتسما بسخريّة ووقفا، فالآن قد حان وقت إيقاظ وإنقاذ الفتاة الصغيرة، وكان ذلك دور باسل وحده. احتاج أن يستخدم نفس الشيء تقريبا الذي فعله معلّمه عليه عندما غاب عن الوعي بعد قتال الأقدم الكبير فالتشر.

صرّح قائلا: "سيجب عليّ تنقية بحر روحها قليلا، ومساعدة النقاوة على التفوّق على التلوث فأخلّ بالتوازن الذي يجعلها غائبة عن الوعي. ما أن أنتهي أدخل الأخوين، فهما من عليهما منحها تلك الولادة الجديدة."

رُتِّب كلّ شيء فبدأ باسل عمله.

***

مرّت مدّة طويلة منذ أن دخل باسل والعالم المجنون إلى الغرفة وأقفلا على نفسيهما، وكان الأخوان ينتظران بفارغ الصبر.

تساءل الأخ الأصغر كاي: "لقد مرّ أسبوع كامل وهما هناك. ماذا حدث يا ترى؟ هل يمكن أنّهما فشلا؟"

ربّت الأخ الأكبر غايرو على كتف أخيه وطمأنه: "لا تقلق، إنّ سيّدنا باسل يفعل ما بوسعه؛ فمتى سبق لنا وأن رأيناه يفعل ما بوسعه ويفشل؟"

ابتسما وأهدآ من روعهما. لقد كانا على ذلك الحال طول الأسبوع الماضي في الواقع، لكنّهما كانا يثقان في باسل ويجدّدان تلك الثقة فيه مرارا وتكرارا، أو بالأحرى، لقد كان ذلك هو أملهما الوحيد ولم يسعهما سوى التعلّق به.

فُتِح باب الغرفة فجأة، فظهر أوبنهايمر فرانكنشتاين بوجه عبوس، فأرعبهما بسبب ذلك، لكنّه أشار بيده إلى الداخل ثمّ غادر المكان. من يعلم ما الذي تسبّب في إزعاجه كذلك؟

***

في الوقت الذي انتهى باسل فيه أخيرا من العمليّة، اختفت الكرات الفضّيّة الثلاث فوق رأسه، وتنفّس الصعداء، منتظرا بفارغ الصبر.

توهّج جسد صفاء بضوء قرمزيّ ساطع وتحرّك عبر محيط جسدها ثمّ تجمّع شيئا فشيئا في جبهتها، فتركّز وبرز هناك يشم قرمزيّ كما لو كان زينة معلّقة.

فتحت الفتاة الصغيرة عينيها على حين غرّة، فكان لونهما مألوفا للغاية لباسل. لقد كان ذلك اللون هو الأحمر، أو بالأحرى نفس لون عينيه تماما.

تفاجأ بتلك الحمرة الخاصّة التي يمتاز بها أعضاء عشيرته فقط، فعبس وفكّر في العديد من الأمور التي جعلت ضربات قلبه تتسارع وعقله يتجمّد. كان الأمر متعلّقا بأصله!

تحرّكت يدها أوّلا، ثمّ جسدها فجلست ونطقت عندما رأت باسل بعينيها الحمراوين: "من أنت أيّها الأخ الأكبر؟"

لم يرد باسل أن يقلق الفتاة الصغيرة، فشكّل ابتسامة تليق بالموقف، وتناسى الأفكار الخطرة حاليا. أجاب بهدوء: "أنا، يمكنك مناداتي بـباسل."

أمالت الفتاة الصغيرة رأسها وأغمضت عينيها ثمّ حرّكت شفتيها مشكّلة ابتسامة مشرقة، فردّت: "أنا صفاء أيّها الأخ الأكبر باسل. لقد كان أنت من ساعدني، صحيح؟"

تفاجأ باسل مرّة أخرى، فأومأ رأسه لها، وأشار للعالم المجنون حتّى ينادي الأخوين.

***

من تأليف Yukio HTM

أتمنّى أن يعجبكم الفصل. أرجو الإشارة إلى أيّ أخطاء إملائية أو نحوية.

إلى اللّقاء في الفصل القادم.

2019/07/18 · 846 مشاهدة · 2143 كلمة
yukio
نادي الروايات - 2024