89 – طاقة روحية

شملت قارة الأصل و النهاية كل أنواع الوحوش السحرية، من أضعفها لأقواها، ترسَل بعثات لهذه القارة مرة كل سنوات من جميع القوات في العالم لتحصيل بعض الكنوز، خلالها، يكون القتال فيما بينهم حول من يستطيع جني الأرباح أكثر من هذه الرحلة

لو أن قوة ما قامت بالتحرك نحو هذه القارة، فلن تبقى القوات الأخرى ساكنة في مكانها، و سوف يشدون الرحال أيضا لذلك المكان الذي يشاع عليه امتلاؤه بالعجائب و الغرائب، يقال أن هناك أشياء ليست من هذا العالم، أشياء تجعل لعاب كل الوجود في هذا العالم يسيل، لذا دائما ما تكون هناك منافسة قاسية على الكنوز

خلال هذه الخمسة عشر سنة الماضية، لم يقم أي أحد بالذهاب لقارة الأصل و النهاية

لكن في هذه اللحظة، كان هناك عجوز يقف في أعمق جزء من هذه القارة، وقف فقط و حدق في التماثيل الهائلة التي اتخذت شكل محاربين أشداء، هذه التماثيل بدت كما لو أنها حية، فقط بجمودها هناك، كانت كافية لإبعاد أي ساحر من شدة هيبتها، عددها وصل للمائة، بالمنطقة المحيطة، بغرابة، لم يكن هناك أي وحش سحري، و كانت الجبال تحيط بالمكان و الأنهار التي تمر من بينها بينما تنتج شلالات بسقوطها، و أشجار الغابات تتحرك بنسيم الرياح، كان المكان هادئا بشكل مخيف جدا

كان هذا الرجل العجوز هو إدريس الحكيم. لقد زار جميع العوالم الرئيسية و اخترق الكثير من العوالم الثانوية، اكتسب الحكمة السيادية، استطاع فهم جميع أنواع النقوش و المخطوطات القديمة، ليس هناك كتاب لم يقرأه، يمكنك القول أنه كان الشخص الأكثر اكتسابا للمعرفة في شتى العوالم كلها، و لم يكن هناك أي شخص يستطيع القول 'أعرف' في حضوره، عندما كان يتكلم، كان يجب على الجميع الإنصات إليه، لا يمكن لأي شخص اكتساب الحكمة السيادية، فقط واحد في كل آلاف السنين من يبارك بهذه الهدية

إدريس الحكيم، لُقب من الناس بهذا الاسم و انتشر هذا الأخير في جميع بقاع العوالم الروحية، و كل من سمع اسمه، وجب عليه إحناء رأسه احتراما له

لكن إدريس الحكيم بنفسه كان يقف أمام هذه التماثيل و عبس بشدة كبيرة كما لو أنه يجد صعوبة ما في شيء ما ثم تكلم "لم أكن أظن في يوم من الأيام أن العالم الوهن سيكون به عالم ثانوي تحكمه نية سامية مثل هذه، أن لا أستطيع أنا بحكمتي و معرفتي فك هذه المصفوفة، ماهيتها؟ و ماهية صانعها؟ أنا هنا إلى أن أكتشف هذا الأمر"

أمضى إدريس الحكيم أياما عديدة في دراسة هذه التماثيل التي تمثل المصفوفة نفسها، و بعد مدة غير معروفة من الوقت، أخيرا كان قادرا على رؤية نمط واحد من بين الآلاف من النقوش الروحية التي تمتد عبر التماثيل و التي تكون فضاء حاجزا

و بمجرد ما أن وضع نيته بهذا النمط من أجل التحكم به و الانطلاق للنمط التالي، حتى تحرك تمثال من بين المائة تمثال، كان لعذراء تحمل قوسا، هذا التمثال الشاهق الذي وصل علوه لأكثر من ثلاثين متر تحرك فجأة

لم يتحرك من مكانه، لكنه حرك يديه، واحدة تحمل القوس و الأخرى تسحب سهما مكونا من طاقة روحية خالصة

في هذه الأثناء، ظهر القلق على وجه إدريس الحكيم، و بسرعة حرك يديه بشكل دائري و استخدم طاقته الروحية، كون دائرة من الضوء و ركز عليها لقليل من الوقت ثم صرخ "هاا"

انطلق من الدائرة التي بلغ قطرها عشرة أمتار ضوء سامي، و في الجهة الأخرى انطلق السهم المكون من الطاقة الروحية الخالصة و توجه مستهدفا إدريس الحكيم

السهم حمل معه قوة كبيرة جدا جعلت هجمة إدريس الحكيم عديمة النفع، هذا السهم جلب معه أحكام سامية كما لو أنه كان يريد الطغيان على كل الوجود

اخترق السهم ضوء إدريس الحكيم و انطلق إليه مستهدفا إياه

في هذه اللحظة، فهم إدريس الحكيم شيئا واحدا، أنه لن يكون بإمكانه الدخول لهذا العالم الثانوي مهما حاول، لقد اخترق المئات من العوالم الثانوية و جعل نية البعض منها تحت إمرته، لكن نية هذا العالم كانت تبدو فوق قدر مستطاعه بكثير، برؤية ذلك السهم، فهم إدريس الحكيم أخيرا مدى قوة تلك النية، ذلك السهم مجرد جزء بسيط جدا من قوة هذه المصفوفة، قوتها الكاملة لا يمكن تصورها، جعل هذا الأمر إدريس الحكيم يفهم لما وجد صعوبة مع هذه المصفوفة

أخرج رمحا خشبيا، و بمجرد ما أن فعل حتى التفت حول هذا الرمح طاقة ملكية، و في الحال ظهرت أرض واسعة تحت قدمي إدريس الحكيم، كانت تمتد لآلاف الأمتار، هذه الأرض الواسعة توهجت كلها و بدأ شكلها يتغير، بدت كما لو أنها تُضغط لتصبح أصغر أكثر و أكثر مع الوقت، و بعد قليل، كانت قد أصبحت عبارة عن رمح ضوئي ضخم للغاية، كان هذا الرمح هو نفسه الرمح الذي أخرجه إدريس الحكيم سابقا، يبدو كما لو أنه اندمج بتلك الأرض الواسعة التي تحولت مما كون مثل هذا الرمح الضوئي الهائل، التف حول الرمح رياح عاصفة و أعاصير مدمرة، بينما كان الرمح نفسه يتشكل من الضوء و به نقط صغيرة متوهجة كالنجوم التي بالسماء المظلمة

هذه النجوم الصغيرة انفجرت كلها مرة واحدة و انطلق الرمح بسرعة خارقة و التقى بالسهم

*بوووووووووووووم*

انفجر المكان كله و خلف آثارا مهولة، كما لو أن هناك نيازك قد أصابت المنطقة، اهتز المكان كله على بعد آلاف الأميال و جعل كل الوحوش السحرية بجميع مستوياتها تبتعد بعيدا قدر استطاعتها

تلك الهالة التي أنتجها تصادم قوة إدريس الحكيم بقوة التمثال جعلت كل الوجود في المنطقة على بعد آلاف الأميال ترتعد

فجأة، الغابات و الجبال و الشلالات كانوا قد أصبحوا غبارا، توقف إدريس الحكيم و عاد رمحه لطبيعته الأصلية ثم تكلم "أنت لا تريدني أن أدخل مهما حدث ! لا يبدو أنه باستطاعتي الدخول عنوة، أنا أعرف أنك تسمعني، أجب يا أيها الخبير السامي"

لم يحدث أي شيء، و بعد مدة من الوقت، تكلم صوت و الذي كان كصوت الرعد "عد يا أيها الحكيم المبتدئ، هذا ليس بمكان يمكنك الدخول إليه، فقط سكان العالم الواهن لهم الحق بذلك"

"همف" تهجن إدريس الحكيم و قال "يا لها من نبرة متعجرفة التي تملكها، لقد امتلكت الحكمة السيادية منذ 1000 سنة، و أنا في المرحلة الثالثة، و مع ذلك تناديني بالمبتدئ؟"

تكلم الصوت مرة أخرى كما لو أنه صوت الصاعقة "المرحلة الثالثة تترجم لمبتدئ، عد أدراجك و سأغفر لك أفعالك التي عكرت مزاجي الهادئ، إن حاولت المساس بالمصفوفة مرة أخرى فسوف تلقى عقابا شديدا"

عبس إدريس الحكيم و تنهد بعد مدة، قد يكون هذا الصوت متعجرفا، لكن تعجرفه هذا ليس من فراغ، تكلم إدريس الحكيم "قلت أن سكان العالم الواهن من لهم الحق في الولوج، لك هذا"

"حظا موفقا في ذلك، لكن لا تظن أن الأمر بهذه البساطة" تكلم الصوت و بدا كما لو أنه يبتعد في كل كلمة يقولها حتى اختفى تماما

تكلم إدريس الحكيم "نية سامية، هاه؟" التف ثم قال "يجب علي الخروج الآن من هذا النطاق و العودة للفتى باسل، سيكون على تلقينه دروسا غير منتهية ليكون باستطاعته الدخول لهذا العالم الثانوي، لو أنه نجح، فلا أعلم ما المكاسب التي قد يتحصل عليها"

تحرك إدريس الحكيم و بإشارة دائرية من يده ظهرت دائرة ضوئية، اخترقها بجسده فالتفت حوله و حلق بعيدا حتى استطاع الخروج من حاجز غير مرئي أكد خروجه من نطاق ما، لقد كان قد كسر مصفوفة أولية جعلته في نطاق آخر تحت سيطرة هذه النية السامية، هذا النطاق لوحده امتد لآلاف الأميال، و بمركز هذا النطاق كانت توجد المصفوفة الرئيسية التي أساسها تلك التماثيل

عندها، أتاه اتصال بخاتم التخاطر مباشرة، بما أنه كان في نطاق آخر، لم يكن باستطاعة أي أحد آخر التواصل معه عبر خاتم التخاطر، بسرعة أجاب (ما بك أيتها الصغيرة أنمار؟)

(معلمي، أسرع من فضلك، أنا لا أعرف ما الذي يجب علي فعله، لقد مر شهرين و باسل لا زال غائبا عن الوعي نتيجة لمعركة) أجابت انمار بأسرع ما أمكنها

عبس إدريس الحكيم ثم تكونت أمامه عدة دوائر ضوئية مثل التي صنعها قبلا مرة أخرى بإشارة من يديه، تكلم (أنا آت، انتظري لقليل من الوقت فقط) ثم اخترق تلك الدوائر الضوئية واحدة تلو الأخرى، و في كل مرة فعل ذلك، كانت سرعته تزداد بشكل خارق، في الأخير أصبح عبارة عن ضوء و حلق في اتجاه باسل

بعد أيام قليلة، وصل المعلم و ظهر أمام باسل الغائب عن الوعي، و أنمار التي كانت تأخذها غفوة استيقظت و تكلمت بفزع "معلمي، باسل، إن باسل..."

وضع إدريس الحكيم يده على رأسها و جعلها تهدأ ثم قال بعد التحديق في باسل بعبوس شديد "بقايا استخدام طاقة روحية ! ؟ ما الذي يحدث هنا ! ؟"

من تأليف Yukio HTM

أتمنى أن يعجبكم الفصل، و أرجو الإشارة لأي أخطاء إملائية أو نحوية

و إلى اللقاء في الفصل القادم

2017/10/19 · 1,265 مشاهدة · 1327 كلمة
yukio
نادي الروايات - 2024