_ماما

_اركضي يا ابنتي

_ماما...لنذهب معا

توسلتها لتأتي معي ،داعبت وجنتي باناملها ،و كفكفت دمعي، طبعت بصماتها الدامية على وجهي ، فاختلط الدم بالدمع، لفت حول عنقي قلادتها الغالية، اطبقت جبهتي على خاصتها، و همست بكلمات كالعسل على قلبي الصغير ، ثم أخبرتني بالرحيل وحدي ، و كما توسلتها آنفا توسلتني،و أمام نبرة صوتها الضعيف انكسر درعي، رضخت لمطلبها بغير رضى مني، و على غير هدى سرت وحدي، أسدلت ستارة قرمزية ،و أصبحت بين طيات ذكرياتي ماضية،وداعا يا حبيبتي قد صار اللقاء سرابا قصيا.

قادتني خطواتي يومها إلى بيت خالي،الذي رباني في كنف عائلته و أغدقني حنان يعوضني عن والديّ،رحلت أمي للأبد ، و اختفى أبي و أخي أثناء سفرهما، لم ينفك خالي يقتفي آثارهما كل حين، لكنه دومًا يعود بخفي حنين.

مضت 8 أعوام، التحقت هذا العام بالمدرسة الثانوية أنا و نيار، الذي يكون طفل خالي الثاني ،و الذي هو كنسخة مطابقة لي في الشكل، أما رينا الابنة الكبرى، فقد قاربت على ال20 و تكبر أخي إياس بعام و نصف، و كما الحال معي و مع نيار فهما يتشابهان أيضًا، كيف لا نتطابق و آباؤنا توائم؟ فأنا و نيار نشابه أمي و خالي ، بينما رينا وإياس انتسخا هيأة أبي و عمتي.

اليوم هو مجرد يوم عادي من حياتي المدرسية، او هكذا ظننت، فأثناء عودتي من المدرسة مع نيار ، لم يكن صعبًا أن ندرك حجم التوتر في المكان، كانت السيارات تسير ذهاب و إياب ،و الفوضى تعم الأرجاء ، هل انقلبت الدنيا أم ماذا الآن ، كنا قبل ساعات في هدوء و سلام ،سارعنا الخطى، دلفنا إلى المنزل و إذا به غارق في انشغال، حقائب هنا، ملابس هناك ، خالي و عمتي يسيران ذهاب و إياب محملان بالعديد من الأشياء ، وقفت أنا و نيار باندهاش، ما الذي آل بهم إلى هذا الحال ، سأل نيار :" ما الذي تفعلونه الان؟" التفتت عمتي التي لم تدرك وجودنا آنفًا و قالت باستعجال مشيرة إلى كومة حقائب عند الباب :"خذا منها و اجمعا ما تحتاجان"، " نجمع ماذا و لماذا يا أمي؟" نزلت رينا تجر حقيبة كبيرة و قالت:" يا أخي هذا ليس الآن للسؤال، دعك من ذلك و نفذ ما قالت أمي باستعجال، و لكن لكي أرضي فضولك، إنه إجلاء و لعلك تعرف ما أصبو إليه" لم يرضى نيار بهذا الجواب ،و بينما يتكلم اذا بظلٍ طويل فوقنا استند على نيار،"ستصبح المدينة ساحة قتال،و كل عائلة لديها قاصر أو عجوز عليها الذهاب، و من بينها أنتم يا أحباب" رد نيار كما لو أنه انتظر الكلام "و ما المانع ببقائنا فنحن شباب! يا بيرم" ،"يا عزيزي نيار أنت ستعيقنا ببقائك لا مجال" سألت متجاهلة نقاش نيار"يا ابن جدتي هل ستبقى هنا أم الرحيل معنا خيار؟" أجاب ضاحكًا بابتسام"لي اسم كما تعلمين يا فتاة ،و أجل إني باقٍ لواجبي ، اذهبي أنتي و أخوكي الآن، فالوقت ليس بكثير للإهدار" تركته و صعدت الدرجات ، و إلى غرفتي كان المسار، حزمت حقائبي ثم وقفت عند الباب، و تأملت كل ركن و بقعة فيها، سريري الذي أنام عليه ،مكتبي الذي أدرس عليه ، ركن الجلوس الذي لطالما تسامرت فيه أنا و نيار و رينا ،أردت نسخها و حفظها في ذاكرتي ، هل المغادرة هي الصواب؟ سؤال جال خاطري الآن، لم أحبذ الرحيل مجددًا، مجددًا... أريد البقاء في منزلي ، لكن...آه من الأفكار، فالخيار ليس بيدي الآن، جمعت شتات نفسي و نزلت أجر حقائبي ، أخذ بيرم الحقيبة مني إلى السيارة، كان نيار جالسًا على الأريكة بانزعاج، دقائق مرت و آن الأوان،خرجنا من المنزل ،وقفت أحدق في بيرم للحظات، كان يقف مستندًا إلى الباب، يبتسم ابتسامة خرقاء ، تمتم بحنان "الشوق إليكم يأكلني من الآن " اقترب منا و حدق بنا واحدًا تلو الآخر يحفظ الأشكال ، سأله نيار بيأس و هو يعلم الجواب "ألن تذهب بأي حال؟" فرد علينا برد كرهناه "أنا قائد الفرقة يا فتيان، الرحيل ليس خيار ، فمن بعدنا سيدافع عن الديار ؟" لم نكن جاهلين بأسباب هذا الخيار ، دخلت السيارة و جلست غارقة في الأفكار ، و جلس جواري نيار ، " اعتني بنفسك " كانت خاتمة لحظاتي مع بيرم هذه الكلمات، انطلقنا مغادرين ،و قلوبنا خلفنا تاركين.

يتبع...

2025/06/04 · 3 مشاهدة · 651 كلمة
Mirai~
نادي الروايات - 2025