(1) : البداية
────── ∘◦ ⛤☽⛤ ◦∘ ──────
لم تكن بدايتي كطفل يبلغ من العمر أربع سنوات مريحة تمامًا، ولم تكن مؤلمة أيضًا. كانت نقطة تحول كبيرة في حياتي؛ من طفل محمي بعناية والديه إلى فتى اضطر أن يكافح من أجل البقاء، بسبب التميز الذي حملته دمائي.
في هذا العالم، كانت هناك عشائر وقبائل عريقة اشتهرت منذ القدم بقدراتها الفريدة. كان الناس يولونها اهتمامًا بالغًا، لكن مع مرور الزمن تقلص الاهتمام بها وأصبحت مجرد خرافات تُروى في الحكايات القديمة. هنا تبدأ قصتي.
"بني، هل يمكنك الحضور؟"
اسمي إيزين كسيان، أبلغ من العمر تسعة عشر عامًا، وأعيش حاليًا مع صديق والدي، السيد كرون، في منطقة بعيدة تمامًا عن مسقط رأسي. هو من منحني اسمي ولقبي، ليحمي حياتي، وبفضله تمكنت من العيش بسلام. ورغم كل ما فقدت، كان دائمًا بجانبي كأب حقيقي، صامدًا معي في كل محنة.
نزلت ببطء من الدرج، واستقبلتني رائحة الإفطار الزكية التي تفوح من المطبخ ، وحده السيد كرون من يبرع بإعداد الطعام بهذه الروعة في منزلنا الصغير.
دخلت غرفة المعيشة لأرى هينامي متمددة على الأريكة، نائمة بسلام. فهمت سبب ذلك مباشرة، وابتعدت حتى لا أزعج راحتها، فهي بحاجة للسكينة والهدوء بعد نهار طويل .
اتجهت إلى المطبخ، حيث يمنحنا المنزل، بتصميمه الريفي الدافئ، شعورًا بالراحة والطمأنينة. صباحنا عادةً ما يكون هادئًا، بينما نمضي الليل في العمل بالمقهى الخاص بالسيد كرون قرر أن يكون عملي داخل منزلي دون الحاجة للخروج. أما هينامي، فهي تعمل معنا أيضًا، رغم أنها حرة في اختيار أي وظيفة ترغب بها.
"سيد كرون، هل تحتاج لمساعدة؟"
ابتسم لي السيد كرون، وهو يضيف لمسات أخيرة على الطعام:
"بني، أين هينامي الآن؟"
رددت مبتسمًا، بنبرة خفيفة مبالغ فيها قليلًا:
"رأيتها في غرفة المعيشة، تبدو متعبة جدًا... وكأنها تبكي وتحتضن نفسها من شدّة الاشتياق لك."
نظر إلي السيد كرون للحظة، ثم انفجر ضاحكًا بصوت دافئ، ابتسامته كانت كجائزة لي .
"أراهن أنها ستتحسن بعد أن تمنحها عناقًا كبيرًا منك، أليس كذلك؟"
"في الواقع، ليس كل ما قلته صحيحًا... فهي لم تكن تبكي، بل كانت نائمة."
هينامي ليست أختي الشقيقة؛ جاءت عندما كنت في الرابعة عشر كتلميذة لدى السيد كرون، ولها قصتها الخاصة التي دفعتها للبقاء معنا.
"كيف كانت محاولتك الأخيرة لتجديد طاقتك؟"
ترددت في الرد، لكن لم أستطع خذلان السيد كرون ، نظر إلي قبل أن يتوجه إلى غرفة المعيشة وقال:
"حسنًا، ليس عليك العبوس ، القدرة على التحكم في طاقتك أمر عظيم "
وضع يده على رأسي وغادر، تنهدت وغسلت وجهي، متذكّرًا:
"ليس من الجيد البقاء في هذه الحالة، خصوصًا أنني الوريث "
"أخي، أين أنت؟"
كان صوت هينامي.
"قادم."
دخلت غرفة المعيشة، و اذا بي هينامي قد استيقظت بالفعل.
"أخي... هل تعرف ما هو اليوم؟"
ابتسم السيد كرون ابتسامة خبيثه عند سماعها تقول ذلك وكأنه يخطط لأمرً ما.
"حسنًا، إنه الأول من يناير وهو ..." بدأت حفلات رفاق هينامي " محال ان تكوني .. "
" هذا يا أخي ... ، أنت تعلم أني وحيدة ولا أملك أحدًا سواك... فهل يمكنك أنـ—"
تدخلت سريعًا لإيقاف هذه المسرحية السخيفة :
" اسف لا أستطيع البقاء دقيقة واحدة هناك، هينامي. أقدر رغبتك، لكن الأمر صعب عليّ "
"أنت الشخص الوحيد الذي يمكنني الاعتماد عليه ، لن تكون بمفردك، سأكون هناك أيضًا."
" شكرًا لك ولكني اريد البقاء "
شارك كرون بالنقاش ايضًا "أتفاهم رغبتك ولكن هينامي تريدك لأنك الوحيد القادر على حمايتها و أنا لن اقوم بتركها تذهب لوحدها بدون رقابة "
هل عليّ أن أستجيب لمطالبتها ؟
"اه .. حسنًا، سأذهب من أجلها فقط "
"شكرًا لك، بني "
"أخي... أنت الأفضل ! "
أشعر بأنني شخص قليل الحيلة أمامهما .
"في أي وقت سنذهب ؟ "
"الاحتفال يبدأ الساعة الثامنة، سنغادر عند السابعة "
" هذا الأسوأ .. "
عدت إلى غرفتي، غير موافق على الفكرة، معتقدًا أن المكان ليس مناسبًا لي، لكنني أردت أن تستمتع هينامي.
استحممت بينما كنت أفكر { لماذا يجب أن أذهب؟ هل الأمر ضروري حقًا؟ أراهن أن هذه فكرة السيد كرون ، فهو يحب المزاح معي كثيرًا }
طرق الباب أحدهم: "يا فتى، ليس عليك التفكير كثيرًا، إنه لقاء زملاء فقط."
خرجت بعد أن انتهيت من الاستعداد، فكان الجميع قد أنهوا تحضيراتهم بالفعل .
"أخي، ما رأيك؟ هل أبدو جميلة؟"
كانت هينامي رائعة، بشرتها بيضاء ناصعة، وشعرها الأزرق الطويل يرفرف مع كل حركة، وعيناها الرماديتان مليئتان بالحياة. ارتدت فستانًا أبيض أنيقًا وبسيطًا.
ابتسمتُ بخفةٍ و إعجاب " أنتِ جميلة ، جميلةً جدًا، سيقع جميع الرجال في حبكِ "
سمعتُ صوتًا من الاسفل بنبرةً ساخرة "هل أنت واحد منهم ؟"
بجدية! لماذا يحب حشر أنفه في كل ما أقول ؟ "حين قلت جميع الرجال ، أعني الجميع... وأنت رجل أيضًا" توجهنا الى الطابق السفلي .
" كنتُ سأخرج برفقتها لو لم أكن والدها "
احمر وجهها وقبل أن يهمّ كرون بالمغادرة، بعينين لامعتين وقالت بخفة:
"أتعلمان؟ .. أنتما متشابهان بشكل غريب، لديكما الوقفة ذاتها "
ضحك كرون بخفة وقال بنبرة لاذعة:
"لقد جانَبك الصواب يا صغيرتي ... لا تقارنِ السماء بالأرض "
ارتديت معطفي بسرعة ، محاولًا إخفاء الابتسامة التي خانتني و تسللت إلى شفتي دون إذن ، فلم أعلم أن كان هذا مدحً أم ذم لي .
التفت كرون نحوي بعينه الحادة، وكأنه التقط تلك اللحظة، ثم ابتسم بازدراءٍ خفيف وتابع طريقه دون أن يعلّق.
لكن هينامي لم تفوّت الفرصة، فأطلقت ضحكة قصيرة وقالت بمكر:
"انظر إليه ، كم هو محرج من ذلك ! أكاد احصلُ على انتقامً صغير"
زفرتُ بخفة، وحاولت التماسك قبل أن أنطق بصوت خافت:
" ها! أنتِ... تتوهّمين "
لم أجرؤ على رفع بصري إليهما، ومع ذلك لم أفتقد نظرة كرون التي لاحقتني؛ نظرة مشبعة بسخرية صامتة كفيلة بزيادة ارتباكي حتى النهاية.
ركضت هينامي نحو الباب، تلوح لنا، بينما كنت أتمتم: "أكره هذا..."
"اخفض صوتك ... لنذهب"
" دعنا نفكر بالأمر مجددًا "
" اخرس ! "
ثم توجهنا نحو الحفل، حيث جمعنا الكثير من الحمقى وعديمي العقل .