في منطقة نائية، في قرية صغيرة قرب نهر سايز، كان الجو مشم ًسا والحرارة شديدة، ُيسمع صوت صريرالزيز في

الأرجاء.

كان رين وأصدقاؤه في نزهة لصيد السمك. رين، شاب ذو شعرأسود يصل إلى عنقه وعينين مظلمتين كأنهما ثقب

أسود، كان يرتدي ثوًبا أسود من حقبة العصور الوسطى. بجانبه، كان يقف أخوه الأصغر ليون، ذو الشعرالأشقرالقصير،

بملامح لطيفة وهادئة.

"رين، كم اصطدت؟" سأل ليون بحماس. أجاب رين بفخر: "اصطدت أربعة، وأنت؟" رد ليون بخيبة: "اصطدت ثلاثة

فقط..." ضحك رين ساخًرا: "هييه، يبدو أنك خسرت مجدًدا! استسلم فقط، لا يمكنك الفوز علي!" اشتعلت المنافسة في

عيني ليون، وأجاب بصوت غاضب: "سأتفوق عليك في المرة القادمة!" "ههه! أحب أن أرى ذلك في أحلامك!"

بينما كانا يضعان جبهتيهما على بعضهما البعض، على وشك الدخول في شجار جديد، تدخلت منى بينهما مفرقة

إياهما، والغضب يعلو وجهها الجميل. كان شعرها البني الطويل يتطاير مع نسيم الرياح، ووجهها يحمل ملامح توبيخ

واضحة. "هوي! توقفا! لماذا في كل مرة نأتي للصيد تبدأون شجاركم السخيف؟!"

خفض رين وليون رأسيهما، وأجابا مًعا بصوت نادم: "نحن آسفون..." ضحك يون، الأخ الأكبر لمنى، قائ ًلا بابتسامة

مطمئنة: "لا تقسي عليهما، يا منى." كان يون شاًبا ذا جسد قوي وعضلات بارزة، تنضح منه القوة والاحترام. "لكنهم

يبدأون هذا الشجار في كل مرة نأتي للصيد! كان يجب علي التدخل لإيقافهم!" قالت منى بضيق. هز يون رأسه مبتسًما

ابتسامة عريضة، كاشًفا عن أسنانه البيضاء: "لا بأس، إنهم ما زالوا في ريعان شبابهم، فمن الطبيعي أن يتحدوا بعضهم

البعض."

بعد لحظات، اقترح يون: "على أي حال، فلنشعل النار ونشوي السمك." سأل رين بفضول وهو يقفز بسؤاله إلى يون:

"أخي يون، كم اصطدت من سمكة؟" ضحك يون بغرور، وأجاب: "لقد اصطدت عشر سمكات!" اتسعت عينا رين وليون

من الدهشة، وظهرت الخيبة على وجهيهما. "عشرة؟! آه... يبدو أن أمامنا الكثير لنتفوق عليك..." احمر وجه يون، وشعر

بإحراج طفيف، وقال مبتسًما: "ههه، لا أعرف ماذا أقول!"

كان رين وليون يعتبران يون كأخ أكبر لهما، وكانوا معتادين على قضاء الوقت مًعا منذ الطفولة، حيث كانوا يخرجون

دائًما في نزهات صيد مليئة بالتحديات والمنافسة.

"حسًنا، النار جاهزة، فلنبدأ بطهي السمك." قال يون بينما كانوا يجلسون حول النار، متكئين على جذوع الأشجار.

تذوقت منى السمك، وأومأت برضا: "همم... لذيذ!" كان رين وليون يجلسان بجانب بعضهما البعض، أمسك ليون بغصن

عليه سمكة مشوية وقال بحماس: "في المرة القادمة، سأهزمك بالتأكيد!" ابتسم رين بسخرية: "في أحلامك! سنرى

ذلك!"

تصاعد النقاش بينهما وكادا أن يتشاجرا مجدًدا، حتى قاطعتهما لينا، شقيقتهما الصغرى، التي كانت مكلفة بجمع

الحطب لإشعال النار. "هل ستبدآن مجدًدا؟!" قالت بملامح منزعجة. أجابا مًعا في انسجام: "نحن آسفان..."

مع اقتراب المساء، قال يون: "لقد تأخرالوقت، هيا لنعد إلى القرية." في تلك اللحظة، ظهر إلياس هايز، والد رين

وليون. "أوه، لقد أتيت. أنا آسف، يبدو أننا تأخرنا كثيًرا." ضحك يون وقال: "ههه، لا داعي للاعتذار. هل تصرفا بشكل

جيد؟" قفزت منى لتجيب بسرعة: "إنهم يتشاجرون في كل مرة!"

أومأ إلياس بأسف، وقال: "يبدو أنهم أتعبوكم... يا لي من والد تعيس الحظ!" ضحك يون مطمئًنا: "لا تقل ذلك، فنحن

أصدقاء."

نظر إلياس إلى رين وليون بحدة، والغضب يظهر في عينيه، مما جعلهما يقفان مستقيمين بارتباك. كان رين يشبه والده

كثيًرا، فقد ورث عنه شعره الأسود وعينيه العميقتين. قال إلياس بصوت حازم: "هيا، فلنعد إلى القرية. أمكما قلقة

عليكم."

أومأ يون وقال: "حسًنا، سأطفئ النار، سنلحق بك فوًرا." رد إلياس وهو يستدير للمغادرة: "على أي حال، سأعود الآن،

دوًما بأمور القرية. "حسًنا، عودوا فور

فلدي بعض الأعمال لإنجازها." كان إلياس قائد قرية رون، رجًلا مشغولاًانتهائكم." قال إلياس قبل أن يغادر.

نظر يون إلى أصدقائه وسأل: "هل كل شيء جاهز؟" أجاب رين فجأة: "انتظروا! لقد نسيت حقيبتي في الغابة! عودوا

أنتم، سأبحث عنها وألحق بكم لاحًقا."

حاول يون إيقافه، لكنه كان يعلم أن رين عنيد بطبيعته. تدخلت منى قائلة مطمئنة: "لا تقلق، سأحضره معي فوًرا.

يمكنكم المضي في طريقكم." أومأ يون، ثم قال للبقية: "هيا، فلنعد. سيلحقون بنا فور انتهائهم."

وهكذا، بدأ الجميع بالعودة إلى القرية، بينما انطلق رين ومنى إلى الغابة لاستعادة حقيبته ركض رين عبرالأشجار،

بينما لحقت به منى، لاهثة: "لماذا تجري هكذا؟! أنا متعبة!"

توقف رين والتفت إليها: "أنا آسف. هل تذكرين أين وضعتها آخر مرة؟"

"أظن أنك أسقطتها بين تلك الشجيرات الكثيفة..."

بحثا قليًلا حتى وجدوها.

"ها هي!" قالت منى بفرح.

"حسًنا، لنعد بسرعة."

لكن قبل أن يتحركا، د ّوى انفجار مفاجئ، تبعه عواء ذئب مرعب.

اهتزت الأشجار، واندفعت الغربان من بين الأغصان وهي تصرخ بفزع.

شهقت منى بخوف: "رين، هل سمعت ذلك؟!"

رفع رين يده مشيًرا لها بالصمت، وهمس: "ششش... سمعت، ابقي هنا، سأذهب لأرى ما يجري."

"هل ستكون بخير؟"

"لا تقلقي، فقط ابقي هنا."

تحرك بحذر، ونبضات قلبه تتسارع. فجأة، تسللت كلمات غريبة إلى أذنه:

"إنها قادمة... إنها قادمة... يبدو أن القدر قد اختارك..."

تجمد في مكانه، وقال بذهول: "من... من يتحدث؟!"

لم يكن هناك أحد.

تابع تقدمه، حتى رأى أمامه جثة ذئب بحجم الفيل، تحيط بها شرارات برق زرقاء، وأسنان حادة كالسيوف، ومخالب

عملاقة.

عندما اقترب... شعر بقوة غير مرئية تسحبه إلى العدم.

---

الانتقال إلى المجهولبلمح البصر، وجد نفسه ُيسحب إلى مكان مجهول. كان يقف داخل ممر طويل تضيئه شعلة خضراء تخرج من أفواه

رؤوس تنانين صغيرة منحوتة على الجدران السوداء برموز ذهبية قديمة تعطي طابًعا من الغموض.

تابع تقدمه حتى وصل إلى قاعة واسعة، حيث جلس عجوز ذو لحية بيضاء طويلة، متكًئا على عصا على شكل أفعى،

ًسا على كرسي ذهبي مزخرف برموز قديمة خضراء كاليشم.

وجال

تحدث العجوز بصوت هادئ: "هوه... لقد وصلت. يبدو أن القدر قد لعب لعبته."

تراجع رين خطوة للخلف: "من أنت؟ ما الذي يجري؟ أين أنا؟!"

رد العجوز بنبرة غامضة: "لا يهم أين أنت الآن، ولا يهم ما هذا المكان أو من أنا."

حرك العجوز عصاه نحو رين قائ ًلا: "سأسألك... أن تعيش أنت بسلام أم أن يكون العالم بسلام؟"

رد عليه رين بتعجب: "ما هذا السؤال؟ ما الذي تهدف إليه أيها العجوز؟"

قال العجوز بحدة: "أجب."

أجاب رين بتأكيد: "أريد أن يعيش العالم بسلام، لكن إن تطلب الأمرالتضحية بسعادتي وسلامي، فحتى لو أحرقت

العالم برمته طالما أعيش أنا بسلام، فلا يهمني أمر هذا العالم!"

ضحك العجوز بجنون: "ههههههههههه، إجابة مثيرة للاهتمام..."

ثم سأله السؤال الثاني: "إن تطلب منك الأمر إنقاذ العالم مقابل حياة الأشخاص الذين تهتم لأمرهم، من ستختار؟ العالم

ّاءك؟"

أم أحب

أجاب رين بلا تردد: "إن تطلب مني أن أحرق العالم من أجل من أهتم لأمرهم، فسأحرقه بدون أدنى تردد!"

السؤال الثالث: "هل تريد القوة؟ نعم أم لا؟"

قال رين بحزم: "بالطبع أريد القوة! من الذي سيرفض أن يكون قوًيا؟!"

ًلا: "أنت بالفعل شخص مميز..."

ازدادت ضحكات العجوز قائ

رفع رين حاجبه بسخرية: "هل تتحدث عني؟! أنا؟! عن ماذا تتحدث؟!"

"...

أطلق العجوز ضحكة خفيفة قائ ًلا: "تريد القوة؟ ستحصل على القوة، لكن سيكون هناك دائًما ثمن غالٍ

أحاط بالعجوز ضباب غريب، وكأنه يذوب في الهواء. بدأ جسده يتلاشى شيًئا فشيًئا حتى اختفى تماًما كأنه تبخر.

حاول رين القفز للإمساك به، لكن يده اخترقت الهواء الفارغ، ولم يكن هناك أي أثر للعجوز. فجأة، دوى صوت سقوط

ًا مغرو ًسا في الأرض، وبجانبه كتاب قديم، كأنهما ظهرا من العدم.

عنيف، فالتفت بسرعة ليجد سيًفا غريب

---

بوابة الدماء

بمجرد أن لمس رين السيف، عندما استعاد وعيه، لم يكن لديه الوقت للتفكير فيما حصل له. وجد منى تبكي بجواره:

"رين! هل أنت بخير؟!"

فتح عينيه بصعوبة: "منى؟ ما الذي يجري...؟"

أشارت منى إلى السماء وهي تهمس: "انظر..."

رفع رين رأسه، واتسعت عيناه برعب.

كانت السماء قد تحولت إلى اللون الأحمرالقرمزي، والقمرأصبح بلون الدم.

همست منى بفزع: "رين... ما الذي يحدث؟!"

وقف رين بسرعة: "علينا الإسراع! الجميع في خطر!"

تساءلت منى بقلق: "لكن... من هي التي قادمة؟"

أجاب رين بصوت مرتجف: "كارثة الوحوش الشيطانية."

وفجأة، دوى صوت صاعقة مدمرة هزت الأرض، كأنها صرخة نهاية العالم. فجأة، انفتحت بوابة زمنية عملاقة بحجم

السماء كلها، وكأنها ثقب يمزق نسيج الواقع. من داخلها، خرج ذئب بحجم الجبل، وكأنه قادم من أعماق الجحيم، تحيط

به صواعق البرق المتوهجة في كل مكان. لم يكن وحده، بل تبعته ذئاب ضخمة بحجم الفيلة، تتدفق من البوابة بأعداد

لا تحصى، وكأنها فيضان جهنمي يجتاح العالم.

ظل الذئب العملاق واقًفا في مكانه، وكأنه ملك هذا الدمار، بينما انطلقت الذئاب الأخرى تجتاح الأرض، ناشرة الخراب

في كل اتجاه. عند رؤية هذا المشهد المرعب، همس رين بصوت مرتجف:

"ذئب كارثة البرق..."

---مجزرة قرية رون

في قرية رون، كان السكان يحدقون في السماء بيأس.

همس أحدهم: "هل هذه نهاية العالم...؟ لقد انتهينا جميًعا..."

بدأ الذعر ينتشر بسرعة، ومع تدفق جيوش الذئاب الكهربائية، انطلقت مجزرة دموية لا ترحم.

حاول الأهالي جاهدين حماية أطفالهم، وصرخ أحد القادة بصوت مرتجف: "اختبئوا في الكهف!"

كان إلياس هايز، والد رين، قائد القرية، يقف في الصفوف الأمامية، يشرف على حماية الأطفال. بجانبه كان يون دو،

صاحب البنية القوية، يساعده في صد الهجوم.

أما إلينا هايز، والدة رين، فقد كانت تنظر بقلق بالغ، عيناها الجميلتان تلمعان بالاضطراب، وبشرتها البيضاء كالثلج

تتوهج تحت ضوء البرق المخيف. كان شعرها الحريري الأشقر يتطاير خلفها، مما جعلها تبدو ككائن سماوي وسط هذا

الجحيم. يبدو أن ليون قد ورث بع ًضا من ملامحها.

"هل سيكونون بخير؟" همست إلينا بقلق.

وضع إلياس يده على كتفها بحنان، وطمأنها بابتسامة حزينة: "لا تقلقي، كل شيء سيكون على ما يرام."لكن ليون قاطعهما بجدية وهو ينظر إلى الأفق: "أمي، أبي، ادخلوا بسرعة، الذئاب قادمة!"

كان كل من ليون ولينا قد وصلا بالفعل إلى القرية، فقط ليشهدا الفاجعة بعينيهما.

حاولت إلينا إخفاء قلقها، وقالت بصوت مطمئن: "لا تقلقا، سنكون بخير."

لكن فجأة، قبل أن تتمكن من إنهاء جملتها، وصلت الذئاب بسرعة تفوق التوقعات.

صرخ إلياس وهو يل ّوح بيده: "إلينا! يون! أغلقوا الباب الصخري الآن!"

دون تردد، دفعت إلينا كًلا من ليون ولينا إلى داخل الكهف، ثم أغلقت الباب الصخري الضخم خلفهم، مانع ًة إياهما من

رؤية المجزرة التي بدأت في الخارج.

داخل الكهف، جلست لينا على الأرض وهي تمسك بركبتيها، وعيناها المرتجفتان تحدقان في الباب المغلق. همست

بصوت حزين: "هل سيكونون بخير؟"

كانت لينا قد ورثت الكثير من ملامح والدتها، بشرتها الناصعة البياض، شعرها الأشقرالحريري، لكنها في نفس الوقت

امتلكت بع ًضا من ملامح والدها؛ جسرأنف طويل وحواجب كثيفة. كانت ببساطة فاتنة الجمال.

ربت ليون على رأسها بلطف قائ ًلا: "لا تقلقي، سيكون كل شيء على ما يرام."

لكن في أعماقه، كان قلبه يخبره أن الأمور لن تكون على ما يرام المجزرة

انقض عليها ذئب بأنيابه الحادة، ومّزقها نصفين.

وقف الطفل متجّم ًدا من الرعب، يحدق في الذئب الذي يقترب منه بخطوات بطيئة. لكنه لم يشعر بشيء...

قبل أن يدرك ما حدث، كان رأسه قد طار في الهواء، وعيناه مفتوحتان على مصراعيهما، تحدقان في الفراغ الأبدي.

كان ذلك الطفل هو الأخ الأصغر ل ُمنى فوس.

صرخ يون بجنون، ممسكًا برمح خشبي، مندف ًعا لإنقاذ عائلته، لكن الدموع كانت تملأ وجهه.

لقد رأى لتّوه المجزرة... جثث عائلته متناثرة أمامه.

سقط على ركبتيه، وعيناه مفتوحتان على مصراعيهما، وكأنه لم يصدق ما حدث له.

ولكن قبل أن يأخذ نفًسا واح ًدا...

طارت رأسه في الهواء.

سقط رأسه على الأرض، وانتهى كل شيء.

ًلا مصيره، فاق ًدا الأمل في النجاة.

ّ

كان هناك من استسلم للموت، متقب

ا لأشلاء.

القتال يائ ًسا، لكنه انتهى ممزقً

كان هناك من رفع سيفه، محاولاً

لم ين ُج أحد.

رائحة الدماء وحدها كانت تتحدث.

---

تضحية إلياس وإلينا

نظر إلياس إلى زوجته بيأس، وكأنه لم يعد ينتظر سوى الموت.

قال بصوت مبحوح:

"إلينا... اهربي، سأشتتهم لبعض الوقت!"

لكنها رفضت، وعيناها تلمعان بالإصرار:

"مستحيل! إن كنا سنموت، فلنُم ْت مًعا!"

ابتسم إلياس بحزن:

"اهربي... أرجوك."

لكنها لم تتحرك، ولم تفكر حتى في الفرار.نظرا إلى بعضهما البعض في صمت...

ثم، بعد لحظات، احتضن

ا بعضهما البعض بقوة، وكأنهما يحاولان تخليد هذه اللحظة الأخيرة.

قال إلياس، بصوت حنون وهادئ:

"أنا أحبك."

ابتسمت إلينا، وعيناها ممتلئتان بالدموع:

"وأنا كذلك."

في تلك اللحظة، لم يندما على أي شيء.

ثم—

انقض عليهما ذئب عملاق، ول ّوح بمخالبه!

ومزقهما بالكامل.

حين وصول رين إلى القرية، وقف شعر جسمه حيت تجمد في مكانه بلا حول ولا قوة

2025/04/06 · 16 مشاهدة · 1870 كلمة
Taha Nismo
نادي الروايات - 2025