في انطلاقهم نحو الصحراء الغربية، توقفوا للاستراحة لتناول الغداء بين الأشجار الكثيفة والعشب الأخضر. خرج كل من أوران وثيرون للصيد، بينما بقي رين وليون لحماية الفتيات. أشعل ليون النار في انتظار عودة أوران وثيرون.
في تلك اللحظة، وصل الصيادان، كل منهما يحمل أرنبًا، حيث تشتهر منطقة السهول الخضراء بوفرة الأرانب. تقدمت كل من سيلين ومنى لطهي الأرانب، بينما جلس الآخرون يتبادلون الحديث.
"يبدو أن الأمور تسير بسلاسة، لم نواجه أي وحوش شيطانية منذ بداية رحلتنا، وهذا ما يقلقني." أعرب رين عن قلقه.
قال أوران بتفكير: "الأمر غريب بالفعل، البوابة تفتح كل يوم عند غروب الشمس، لكن لا تخرج منها أي وحوش شيطانية. هل هو الهدوء الذي يسبق العاصفة؟" بدا الحيرة واضحة على وجهه.
عقّب ليون بحزم: "علينا أن نأخذ المزيد من الحذر، لا بد أن هناك شيئًا ما في انتظارنا. لا نعرف شيئًا عن هذه البوابة الغامضة، من يدري؟ ربما يكون هناك عالم كامل داخلها، مليء بوحوش أقوى من هذه الذئاب."
ساد القلق على وجوه الجميع، لكن سرعان ما تجاهلوه عندما انتهت منى وسيلين من تجهيز الطعام، بينما قامت لينا بتقديم الأطباق. جلس الجميع على مقاعدهم المصنوعة من جذوع الأشجار الميتة، حيث جلست سيلين بجانب رين، يليه ليون، ثم ثيرون. أما منى فكانت في المنتصف، وأوران ولينا على جانبيها. بدأ الجميع بتناول الطعام.
بعد الأكل، تمددوا على الأرض للراحة، متأملين السماء الصافية الجميلة، التي قادتهم إلى ذكريات الماضي.
لكن فقط رين وليون، كانت أعينهما خالية من الحياة، يحدقان في السماء دون أي تعبير. لقد أثرت معركتهم ضد ذئب كارثة الأرض عليهما بشدة. رغم أن جراحهم الجسدية قد شفيت تمامًا، إلا أن الإصابات النفسية لا تزال تؤثر فيهما. لقد تجاوزا حدود جسديهما البشري، مستخدمين كل ذرة من قوتهما العقلية، حتى سالت الدماء من فتحاتهم السبع. قاتلا بغريزتهما، مثل الوحوش، مما أدى إلى نظراتهما الخالية من أي بريق للحياة.
في ذلك الوقت، حزم الجميع أمتعتهم، وانطلقوا مجددًا نحو وجهتهم. كانوا يسيرون في ثلاث مجموعات: رين وسيلين، أوران وثيرون، وليون مع منى ولينا. كانوا يمشون متفرقين، وإذا عثروا على مكان مناسب للمبيت، سيشعلون النار ليكون الدخان إشارة للآخرين.
بينما كانت سيلين ورين يسيران جنبًا إلى جنب، سألت سيلين: "ما الذي تخطط لفعله في المستقبل يا رين؟"
أجابها بصوت خافت: "مواصلة قتل هذه الوحوش الشيطانية حتى إبادتها بالكامل... ربما عندها، سأتمكن من النوم. لم أعد أشعر بنفسي كما كنت، قد أتمكن من الارتياح إذا اختفت هذه المخلوقات." بدا الحزن يملأ وجهه.
نظرت إليه سيلين بحزم: "سأدعمك، فأنا أيضًا أريد هلاك هذه المخلوقات. لقد قتلوا أمي وإخوتي، ولم يبقَ لي سوى أبي... ننتظر مصيرنا، إما الموت أو النجاة."
التفت إليها رين وقال بجدية: "لن أدعك تموتين، سأحميكم جميعًا. لن أسمح لأحد آخر بالموت، سأواصل زيادة قوتي حتى لا يتمكن أي مخلوق شيطاني من الوقوف أمامي. لكل منا قدره ومصيره، لكن أحيانًا حتى القدر يمكن تغييره. لذا، لا داعي للخوف، علينا ألا نستسلم، بل أن نقاتل حتى النهاية. لذا... ابتسمي."
ابتسمت سيلين بلطف: "أنا شاكرة لك يا رين، لكن عليك أن تتخلص من هذا البرود الذي يغطي وجهك، أنت وليون. أعلم أنكما مررتما بأوقات عصيبة، لكن يجب أن تستمرا في العيش، وحماية من تحبونه. هل يمكنك أن تعدني بأنك ستحاول التخلص من هذا البرود؟"
نظر إليها رين وقال: "سأحاول."
ردت عليه بضجر: "لكن هذا ليس وعدًا، هيا، دعنا نقطع وعد الخنصر."
مد كل منهما إصبعه الأصغر، وقاموا بقطع وعد الخنصر، ثم واصلوا البحث عن مكان للمبيت.
---
غربت الشمس، وصبغت السماء بلونها الدامي، وظهر القمر القرمزي، لكن لم تأتِ أي إشارة من الآخرين بعد.
في هذه اللحظة، رأت سيلين كهفًا، فلوحت بيدها نحو رين، الذي تقدم لرؤيته.
"ما رأيك؟ أليس مكانًا مناسبًا لقضاء الليلة؟" سألت سيلين.
أجابها رين: "إنه جيد، كما أنه واسع، سيتسع لمجموعتنا. هيا، لنرسل إشارة للآخرين."
لكن قبل أن يتمكن من فعل ذلك، قالت سيلين وهي تبتسم: "توقف يا رين، قبل ذلك... ابتسم، لقد قضينا وقتًا ممتعًا في البحث."
نظر إليها رين وهو على وشك الابتسام، لكن فجأة، اخترق ذراعٌ على شكل سيف صدرَ سيلين، ليندفع الدم بغزارة كنافورة، ملوثًا وجه رين بالكامل.
تحولت ابتسامته إلى صدمة، وعيناه توسعتا في ذهول، وقد صبغتهما الدماء. لم يدرك حتى الآن ما حدث، فقد أحاطت مجموعة من الحريش بكل من سيلين ورين دون أن يشعر بوجودهم. كان هذا النوع من الحريش أكبر بقليل من حجم الإنسان، ذو ظهرٍ أسود يميل إلى الاحمرار، وأذرع ذهبية حادة كالشفرة بأسنان قرمزية تُشبه المنشار، تبعث شعورًا بالرعب الشديد. يُعرف هذا النوع بـ "حريش السيوف الذهبية الصامت"، وقد تعرف عليهم رين فورًا، لكنه لم يستوعب الأمر بعد.
سقطت سيلين على كتفه، وما زال عقله عاجزًا عن استيعاب سرعة الأحداث.
أمسك بها رين، وهمس قائلاً:
"أعتقد أنني لن أفي بوعدي، سيلين..."
شق قطعة من ملابسه وربطها بإحكام ليحملها على ظهره.
ثم أخرج سيفه، ورفع رأسه نحو السماء، بينما غطى شعره عينيه، ووجهه لا يزال ملوثًا بالدماء. أمامه، كانت جحافل الحريش تتقدم نحوه بلا توقف.
انطلق مباشرة نحو الحريش الذي اخترق صدر سيلين، ولوّح بسيفه، ليُقطعه إلى نصفين بضربة واحدة، بينما غمرت الدماء الخضراء نصل سيفه. لم يمنحه البقية فرصة لالتقاط أنفاسه، فتقدمت نحوه مجموعات أخرى، لكنه ردّ عليها دون رحمة، يلوح بسيفه بضربات متتالية، والدماء الخضراء تنجذب إلى نصل سيفه وكأن ثقبًا أسودًا يمتصها. كان الأمر مرعبًا للغاية.
في تلك اللحظة، غرس رين سيفه في الأرض، وبدأت شرارات البرق الصفراء تتدفق من تحت قدميه، كأنها أمطار تتساقط من الأرض نحو السماء. كل الحريش في نطاق الهجوم تمزقوا إلى أشلاء، والدماء الخضراء غمرت المكان، لكن رغم ذلك، بدا أن هذه الوحوش لا تنتهي، فمدها استمر بلا انقطاع.
مرت ساعة، ورين لا يزال يقاتل، يلوح بسيفه بلا توقف، وكل ضربة تحصد العشرات. لكن على الرغم من ذلك، لم يظهر أي نقص في أعدادهم. زادت كفاءته القتالية منذ معركته ضد "ذئب كارثة البرق"، حيث وصلت إلى 2000، أما الآن، في هذه الكارثة الثانية، فقد تجاوزت 3500. ومع كل ضربة، كان يمتص دماء هذه الحريش الصامتة، مما زاد من حدة سيفه وجعل القتال أكثر سلاسة، كأنه يقطع الزبدة.
لكن رغم قوته المتزايدة، كان القلق يتسلل إليه. لقد كان يحمل سيلين طوال الوقت، ودماؤها قد غمرته بالكامل. إن استمر الوضع هكذا، فستموت في أي لحظة. فكر رين في داخله:
"يجب أن أخرج من هنا بسرعة... لكن لماذا لا تتناقص أعدادهم أبداً؟ يجب أن أتصرف!"
حاول أن يتذكر ما قاله له أوران ذات مرة:
"عندما تواجه خصمًا، حاول أن تتخيل كيف تستخدم أسلوبه أو طاقته ضده."
ولكن قبل أن يتمكن من التفكير أكثر، شعر بحركة خفيفة على ظهره. فتحت سيلين عينيها بصعوبة، وبصوت ضعيف قالت:
"اتركني... لا بد أنني عبء عليك. سأموت على أي حال، اهتم بإخوتك بدلاً من ذلك..."
لكنها لم تستطع إكمال حديثها، إذ سعلت جرعة من الدم على ظهر رين.
ارتجف جسده بالكامل، وتوقف في مكانه للحظات، دون أن يشن أي هجوم على الحريش الصامت. ثم قال بصوت حازم:
"أنا لن أتخلى عن أي رفيق... أعدك أنكِ ستكونين بخير، فقط اصمدي قليلاً!"
انحنى في وضع إخراج السيف من الغمد، وأغمض عينيه، مركزًا كل طاقته. تجمعت الرياح حوله، وبدأ الدم يخرج من فتحاته السبع. ثم بدأ العد:
"واحد... اثنان... ثلاثة..."
لوّح بسيفه بضربة واحدة، وفي لحظة، تمزق كل الحريش الصامت حوله، حتى الأشجار المحيطة بالمكان شُطرت إلى نصفين.
لكن القوة التي استخدمها كانت هائلة، فسقط رين مباشرة على الأرض، منهكًا، بينما ظلت سيلين على ظهره.
بصوت ضعيف سألها: "هل رأيتِ ذلك؟ ستكونين بخير..."
ابتسمت سيلين بصعوبة وقالت:
"رأيته... شكرًا لك، رين..."
ثم أغمضت عينيها من جديد.
نهض رين بوجه شاحب، وتحسس نبضها، وعندما تأكد أنها لا تزال على قيد الحياة، تنفس الصعداء أخيرًا. ثم أكمل طقوس امتصاص دماء الحريش الصامت، لكي لا يُنتج ذلك رد فعل عنيف. بعد انتهائه، وصلت كفاءته القتالية إلى 5000.
حمل سيلين بين يديه، وسار بها حتى وصل إلى كهف قريب. وضعها برفق، ثم مزق جزءًا من ملابسها عند صدرها ليفحص الجرح. شعر ببعض الإحراج، لكنه لم يكن لديه خيار، إذ إن لم يتصرف، فستستمر بالنزف حتى الموت. بدأ أولًا بتنظيف الجرح، ثم ضمّده بإحكام.
فكر في داخله: "يبدو أن الضربة لم تصب أعضاءها الحيوية، هذا مطمئن..."
ولكن فجأة، انطلق حريش آخر من داخل الكهف، متجهًا نحو سيلين!
تصرف رين بسرعة، وقطع الوحش بضربة واحدة. لكنه تساءل بدهشة:
"كيف حدث هذا؟ لقد فحصتُ الكهف مسبقًا، وقتلت كل الحريش الصامتة!"
تقدم قليلًا إلى الداخل، ليجد حفرة تمتد تحت الأرض. عندها أدرك أن بعض هذه المخلوقات قد شقت طريقها من الأسفل.
"هذه الحريش الصامتة أخطر مما توقعت... لا يمكنني أن أغفل عن سيلين ولو للحظة."
رجع رين بسرعة بالقرب منها، ثم خرج لإشعال نار كإشارة للمجموعة الأخرى، قبل أن يجلس بجانبها مستندًا إلى جدار الكهف. مزّق الجزء العلوي من ملابسه ووضعه فوقها ليحميها من البرد، بينما بقي هو عاريًا، رغم أن الجو كان قارس البرودة.
مرت بعض الوقت، لكن لم يظهر أي فرد من مجموعته. بدأ القلق يتسلل إليه.
"ما الذي حدث لهم؟ أطلقت الإشارة بالفعل... هل أوقفتهم الحريش أيضًا؟ هل أصيبوا؟"
لكنه طرد هذه الأفكار سريعًا، فقد كان يعلم أن أوران وليون أقوياء، وأن ليون لن يسمح بحدوث أي مكروه لمنى ولينا.
بينما كان غارقًا في أفكاره، فتحت سيلين عينيها ونظرت إليه.
ابتسم رين وقال: "يبدو أنكِ أفقتِ... ألم أقل لكِ أنكِ ستكونين بخير؟ لن أدعكِ تموتين."
نظرت إليه سيلين بسعادة وقالت:
"لقد أوفيت بوعدك... أنا سعيدة جدًا... لكن، لماذا أنت عارٍ؟"
أجابها وهو يحاول تجنب النظر في عينيها:
"لقد قلقتُ عليكِ من البرد، لذلك غطيتكِ بثيابي..."
حاولت النهوض، لكنها شعرت بألم في صدرها وأمسكت بالجرح متألمة.
قال لها رين بقلق: "ماذا تفعلين؟ لقد أصبتِ إصابة خطيرة، عودي للنوم!"
لكنها رفضت، وأخذت قميصه من فوقها وقالت:
"خذه، ارتديه... الجو بارد جدًا، لا تقلق عليّ، سأكون بخير."
وضعت عينيها بعيدًا، خجِلة من رؤية جسده العاري.
عندما ارتدى رين قميصه، تحدثت سيلين قائلة:
"أين الآخرون يا رين؟ ومن قام بتضميد جراحي؟ أود أن أشكرها على ذلك."
احمرّ وجه رين بالخجل وأجاب متلعثمًا:
"لقد أطلقت الإشارة بالفعل، لكن لم يأتِ أي أحد... لا بد أنهم واجهوا بعض الصعوبات."
هزّت سيلين رأسها وقالت: "أنا أفهم ذلك الآن، لكن... لماذا يبدو وجهك محمرًا هكذا؟ تبدو وكأنك طماطم!"
بدأت تضحك رغم ألمها، لكن فجأة تغير تعبيرها عندما أدركت الأمر. نظرت إلى رين وسألته:
"قل لي، يا رين... هل أنت من ضمّد جراحي؟"
أجاب رين بخجل، متجنبًا النظر إليها:
"أنا... آسف جدًا، لكني إن لم أتصرف، فستموتين..."
احمر وجه سيلين فورًا عند سماع ذلك، وعمّ الصمت المكان للحظات. بعد أن استرخت قليلًا، قالت بهدوء:
"لا بأس... أنا أتفهم الأمر. أنا شاكرة لك حقًا."
نظر إليها رين بجدية وقال:
"لا داعي لشكري... إصابتكِ كانت خطئي، لأنني لم أكن منتبهًا لوجود أي وحوش شيطانية."
ابتسمت سيلين بلطف وقالت:
"الأمر ليس خطأك إطلاقًا، لا تلقي اللوم على نفسك."
تغير تعبير سيلين فجأة، واتسعت عيناها، ثم عمّ الصمت المكان. لكن بعد لحظات، ابتسمت بلطف وقالت:
"لا بأس... أتفهم الأمر. شكرًا لك، رين."
نظر إليها رين وقال: "لا داعي لشكري... إصابتكِ كانت خطئي، لأنني لم أكتشف وجود الوحوش في الوقت المناسب."
ردت عليه بهدوء: "هذا ليس خطأك، لا تلُم نفسك."
ثم سألها: "هل أنتِ جائعة؟"
هزّت رأسها نافية، لكن فجأة، أصدرت معدتها صوتًا عالٍ، فاحمر وجهها خجلًا، بينما ابتسم رين لأول مرة منذ زمن طويل.
نظرت إليه سيلين وقالت: "هل تعلم، رين؟ لديك ابتسامة جميلة."
شعر رين بالإحراج، ونهض لتحضير العشاء، لكن مع كل خطوة، تلاشت ابتسامته وبريق عينيه، وكأن تلك اللحظة الدافئة كانت مجرد حلم عابر في عالم لا يرحم.
ظلت سيلين مبتسمة طوال الوقت حتى أحضر رين العشاء. كان قد اصطاد أرنبًا أثناء بحثه مع سيلين عن مكان للمبيت، وقام بشوائه. ثم قدّم لها جزءًا طريًا منه لتأكله.
بعد تناول الطعام، استلق
ت سيلين على ظهرها، بينما جلس رين بجانبها مستندًا إلى جدار الكهف. قضيا الليل معًا، وكانت سيلين تعلم أن رين لا يستطيع النوم، لذا أغمضت عينيها منتظرة حلول الصباح لبدء رحلتهما من جديد.