***
كريس إدواردز كان يعتقد دائمًا أنه شخص محظوظ.
كانت حياته حتى الآن كذلك.
الفرص كانت تأتيه حتى دون أن يسعى إليها، وعندما كان يغتنمها، تحدث أشياء جيدة.
حتى ذهابه للدراسة في المملكة المتحدة، رغم أنه ظنّ دائمًا أنه سيقضي حياته كلها في الدنمارك، كان بسبب الحظ.
وكون زميل سكنه عازف غيتار في فرقة مشهورة نوعًا ما، كان أيضًا من حسن حظه.
ولو عدنا إلى الوراء أكثر، فحتى تعلمه العزف على البيانو على يد جده، الذي كان ملحنًا لأغاني الأطفال، كان حظًا.
كل تلك الفرص الجيدة تراكمت معًا وجعلته يصبح ملحنًا.
الأغنية التي ألّفها بغرض جذب الفتيات، غنتها فرقة زميله وحققت شهرة، فلفتت انتباه أحد المروجين.
أما النجاح الذي حققه لاحقًا في الولايات المتحدة وتصدره قوائم بيلبورد، فحدّث ولا حرج.
لكن، مؤخرًا، بدأ يشعر أن الأمور لم تعد تسير كما ينبغي.
الأغاني التي يعمل عليها بجدّ لا تلقى أي صدى، وحملة الترويج لأغنيته الجديدة فشلت تمامًا بسبب قضايا سياسية في أمريكا لا علاقة له بها.
العلاقات الشخصية والمهنية التي أقامها بعد نجاحه بدأت تتعثر، وبدأت المشكلات تتوالى.
في مثل هذه المواقف، كان يحدث دائمًا "شيءٌ ما" يجعل حياته تعود إلى مسارها الصحيح…
لكن، على ما يبدو، هذا لن يحدث هذه المرة.
“أليكس، أحتاج إلى إجازة.”
“مرة أخرى؟ ألم تكن في إجازة منذ وقت قريب؟”
“ليست تلك الإجازات المزيّفة التي تتخللها جداول العمل أحتاج إلى إجازة حقيقية.”
رفع مدير أعماله كتفيه بلا اهتمام، ثم أدار شاشة اللابتوب نحو كريس.
“قبل أن تدخل على موقع شركات الطيران، تحقق من هذا أولًا.”
“ما هذا؟”
“جاءنا هذا من محطة تلفزيونية كورية، هل هذه فعلاً أغنيتك؟ لم أسمع بها من قبل.”
“كوريا؟”
كان لدى كريس إدواردز انطباع جيّد عن كوريا.
في إحدى حفلات توزيع الجوائز، صادف مخرجًا كوريًّا وانبهر بطريقته في الكلام، فقبل العمل كمخرج موسيقي لأحد أفلامه بشكل عفوي، وقد حقق الفيلم نجاحًا باهرًا.
“لقد كنت محظوظًا.”
وإن فكّر في أنه لم يكن من المفترض أن يحضر تلك الحفلة بسبب التزاماته، فإن الأمر يبدو أكثر حظًا.
“ما هي هذه الأغنية؟ موسيقى فيلم؟”
“لا كيبوب.”
“كيبوب؟”
أمال كريس إدواردز رأسه باستغراب، فأعاد المدير تشغيل مقطع الفيديو.
على شاشة اللابتوب، ظهرت فتيات كوريات يغنين…
كانت أغنية لم يسمع بها في حياته.
“هل يقولون إنني من لحّن هذه؟”
“هكذا يقولون.”
“أي كلام هذا؟ أنا لم أستخدم تتابع الكوردات هذا في حياتي…”
لكنه لم يُكمل كلامه وتوقف فجأة.
الأغنية التي تُعزف على اللابتوب، رغم أنها متواضعة المستوى، لم تكن من تأليفه.
ومع ذلك، شعر وكأنه سمعها من قبل.
وبصورة أدق، كانت بنية الأغنية العامة، خصوصًا الميلودي في الجزء المميز منها، مألوفة جدًا له.
“انتظر، لحظة.”
سحب كريس اللابتوب نحوه وبدأ بالتركيز على الأغنية، لكنه ما زال في حيرة.
ولكن، بمجرد أن أعاد الأغنية إلى المقدمة ليستمع إلى بدايتها مجددًا، أدرك الحقيقة.
أغنية تبدأ بلحن بارد صارم يعزفه الفلوت كآلة رئيسية.
هذه… أغنيته هو.
ومنذ أن تأكد من ذلك، بدأ يتذكر متى ألّف هذه الأغنية، ولمن باعها.
بل حتى تذكر الاسم المؤقت الذي أطلقه عليها أثناء تأليفها.
.
كانت هذه الأغنية من تأليف كريس بعد أن رأى زهرة تنبت بين الثلوج في شمال النرويج البارد بجنون.
“صحيح هذه أغنيتي لكن لماذا تم تعديلها بهذا الشكل المريع؟”
“أأنت متأكد؟ إن كان كذلك، فهذا خرق للعقد كيف تكون لدينا أغنية لا يعرف عنها الوكيل شيئًا؟”
“لا، لا هذه الأغنية نُسبت إلى بيله يورغنسن، لا إلى كريس إدواردز.”
بيله يورغنسن هو الاسم الحقيقي لكريس إدواردز.
لكن اسمًا دنماركيًا غريبًا كهذا كان يُعدّ نقطة سلبية في تصنيفات بيلبورد، لذا اقترحت إدارة أعماله الاسم الفني “كريس إدواردز”، والذي بات يستخدمه اليوم كاسمه الحقيقي تقريبًا.
“كنت بحاجة إلى المال، فاشتركت في أحد معسكرات التأليف لكنّي لم أستطع تأليف شيء، فأخرجت أغنية قديمة كنت قد ألفتها من قبل اسمها كان "زهرة نرويجية"”
“وكيف كان شكل العقد؟ هل ما زلت تحصل على أرباح حقوق النشر؟”
“أعتقد أنني بعتها بيعًا قاطعًا بعشرة آلاف دولار، ربما؟”
“بعت الأغنية كاملة مقابل عشرة آلاف فقط؟”
“وقتها كانت مبلغًا ضخمًا لم يكن لدي أحد، ولا مال.”
“منذ كم سنة كان ذلك؟”
“خمس؟ ست؟ شيء من هذا القبيل.”
“في تلك الفترة، يبدو أنك لم تكن جيدًا الأغنية متوسطة.”
ثار كريس إدواردز على تعليق مدير أعماله.
“ما هذا الكلام؟ النسخة الأصلية لم تكن هكذا على الإطلاق.”
“إذن كيف كانت؟”
“كانت من البداية مخصصة لمغنٍّ رجل في الحقيقة، كنت أظن أنها ستناسب فيلم نوار من هونغ كونغ.”
“مثل أفلام جاكي شان؟”
“أيًّا كان، المؤكد أنها لم تكن هكذا من العبقري الذي عبث بالسلم الموسيقي بهذا الشكل؟ ما اسم المغني؟”
“الطريق من الزهرة وعنوان المقطع (تزهر الزهور ).”
ظل أليكس، مدير أعمال كريس، صامتًا للحظة بعد أن سمع القصة، ثم حرّك شيئًا على اللابتوب.
بعدها، عرض على كريس شاشة جديدة.
في الصورة الثابتة، كان هناك فتى ذو بشرة ناصعة البياض يقف ممسكًا بميكروفون.
“وما رأيك في هذا؟”
“ما هذا؟ هل هذه أغنية لي أيضًا؟”
“نعم.”
“لا أذكر أنني بعت أغنية أخرى غير (زهرة نرويجية).”
“من يدري؟ قد تكون كذلك.”
هزّ كريس كتفيه ثم ضغط زر التشغيل.
وما إن بدأ الفيديو، حتى سمع نفس مقدمة الفلوت تمامًا التي سمعها سابقًا.
“ما هذا؟ إنها نفس الأغنية!”
تساءل في نفسه إن كان هذا مجرد عرض لتغطية أو نسخة معدلة من الأغنية، لكنه ركّز في المقطع.
كان يثق بأليكس، فقد كان مديرًا كفؤًا، وهو من ساعده على النجاح في بيلبورد كمروّج.
وفجأة، بدأت الأغنية تتغير.
المقدمة كانت نفسها، لكن في بداية الغناء، انخفض السلم الموسيقي فجأة.
ربما انخفض بثمانية درجات كاملة…
لكنها بدت جميلة.
ولم يتوقف التغيير عند هذا الحد.
تغيّرت درجتان موسيقيتان إضافيتان بعد ذلك.
لم يكن كريس يستمع بسماعات مراقبة، لذا لم يستطع التحديد بدقة، لكنه خمن أن التغيير بلغ 11 نصف نغمة تقريبًا.
ثم استمرّ التغيير في السلم، قبل أن يعود للارتفاع فجأة، ليتماشى على الأرجح مع نغمة أغنية تزهر الزهرة، حيث يرتفع صوت الفتى بقوة وبشكل مباشر.
اندمج كريس إدواردز تمامًا مع أداء الفتى في الفيديو.
كل شيء راق له.
الأمر الوحيد الذي لم يعجبه كان الرقص لكنه عندما فكّر في الأمر، وجده مدهشًا بدوره.
فالأداء كان بثًا حيًا خالصًا، بلا أي تسجيلات خلفية (AR)، ومع ذلك كان يؤدي رقصة كاملة ويغني بنسبة تتجاوز 80% من الأغنية.
الـ 20% المتبقية بدت وكأنها قد تُركت عمدًا دون غناء، بدلًا من الأداء بشكل متذبذب.
وقد كان ذلك القرار ذكيًا للغاية.
كان يعرف تمامًا أين يترك مساحات فارغة تتيح للمستمعين التقاط أنفاسهم.
“واو.”
عندما انتهت الأغنية، لم يستطع كريس إدواردز إلا أن يصفّق.
“أشعر بموهبة مذهلة هنا كم عمر هذا الفتى؟ أو بالأحرى، من هو؟ هل هو مثل جستن بيبر النسخة الكورية؟ ما هذه الأغنية؟ هل هذه هي النسخة الأصلية، والفرقة النسائية هي التي قامت بتغطيتها؟”
“اهدأ، اهدأ شاهد أولًا هذه المقابلة التي أجراها هذا الفتى الكوري.”
“هل توجد ترجمة؟”
“أرسلوا نسختين، واحدة بالإنجليزية وأخرى بالدنماركية.”
“يبدو أنهم جادون جدًا ويبدو أنهم يعرفون الكثير عني أيضًا.”
أصبح كريس يشعر أن محطة البث الكورية، التي لا يعرف اسمها بعد، تخطط لشيء ما.
“دعنا نشاهد النسخة الإنجليزية، حتى نتابع معًا.”
“ممتاز.”
“أنا أعتقد أن هذه هي النسخة الأصلية من الأغنية.”
“أغنية تزهر الزهور كانت مخصصة في مرحلة التأليف الأولى لصوت رجالي ربما تم تحديد المغني لاحقًا خلال عملية الإنتاج، فتم تعديل الأغنية لتناسب صوتًا نسائيًا.”
“لذلك، أنا لم أغيّر شيئًا، كل ما فعلته هو أنني غنيت النسخة الأصلية.”
نظر المدير أليكس إلى كريس وسأله بصوت متحفظ:
“لقد شاهدت هذه المقابلة من قبل، واعتقدت أن كلامه هراء… لكن من ردّ فعلك، يبدو أنه ليس كذلك؟”
“ هراء فعلاً.”
“ماذا؟”
أغنية “زهرة نرويجية” كانت بالفعل قد أُلّفت لصوت رجالي.
ومن الواضح أيضًا أن الشركة التي اشترت الأغنية قامت بتعديلها لتناسب صوتًا نسائيًا.
عند سماع كلام كريس إدواردز، أمال مدير أعماله رأسه متسائلًا:
“إذًا، كل ما قاله صحيح؟”
“أهم شيء قاله… خطأ.”
الأغنية التي أداها الفتى الكوري بعد التلاعب بالسلم الموسيقي، ليست هي النسخة الأصلية التي ألّفها كريس.
الإحساس العام قد يكون متشابهًا.
التدرج الموسيقي الذي يتوسّع حول اللحن الرئيسي يشبه نسخته، ونية استخدام لحن معين للتعبير عن معنى معيّن تبدو متطابقة.
بل وحتى السلم الموسيقي المتنافر عمدًا في المقطع الانتقالي بين المقطوعة الوسطى واللازمة، تم تنفيذه بنفس الطريقة.
لكن…
المستوى مختلف تمامًا.
في ذلك الوقت، لم يكن كريس يملك المهارة الكافية لصنع أغنية بهذه الجودة.
“هذه ليست الأغنية التي ألفتها، بل الشكل المثالي الذي كنت أتخيله وأنا أؤلفها.”
عدم امتلاك المهارة لا يعني العجز عن التخيل.
فقط، كان عاجزًا عن تجسيد الأصوات الساحرة التي تدور في ذهنه إلى واقع مسموع.
أما ما غنّاه ذلك الفتى الكوري، فكان هو الشكل المثالي الذي ظل حبيسًا في عقله.
أما النسخة التي ألفها فعلًا، فكانت أقل جودة بكثير.
كان أمرًا لا يُصدق.
أن يستمع أحدهم إلى أغنية مغناة بصوت أنثوي، ثم يخمّن نسختها الأصلية، ويعيد تقديمها بالشكل المثالي؟
هل يمكن فعل ذلك بالموهبة وحدها؟
“لكن، أليس هذا الفتى، سيون قال إنه لم يُعد توزيع الأغنية، بل فقط عدّل السلم الموسيقي؟”
“سيون؟ هذا اسمه؟”
“نعم.”
“اسم يناسب خامة صوته فعلًا.”
“هل ستجيب على سؤالي؟”
“آه، نعم لم يُعد توزيع الأغنية فعليًّا ولهذا السبب تحديدًا هناك مقاطع تبدو غريبة أحيانًا لكنه أكمل التوزيع في رأسه، وغنّى على أساس تلك النسخة المتخيلة.”
“وكيف عرفت ذلك؟”
“ألا تسمع ذلك فورًا عند الاستماع؟”
منذ اللحظة الأولى لسماع الأغنية، كان كريس قادرًا على تمييز التوزيع الكامل الذي رسمه سيون في ذهنه.
كانت الأغنية مذهلة، والأداء مذهل، والموهبة… عبقرية لا شك فيها.
في تلك الأثناء، حكّ أليكس رأسه بتفكير.
صحيح أن كريس يعتقد أن نجاحه يعود للحظ، لكن من وجهة نظر أليكس، الأمر مختلف.
كريس نفسه عبقري.
فقط، معظم ما يحرّك عبقريته يكون دائمًا بفعل محفزات خارجية.
تمامًا كما يحدث الآن.
“هممم…”
أخذ كريس يدندن ببعض الألحان وهو يكوّن مقاطع موسيقية في رأسه، ثم فجأة نهض من مكانه.
“الإجازة أُلغيت.”
“أنت ذاهب إلى كوريا، أليس كذلك؟”
“نعم يجب أن أقابل هذا الفتى المدعو سيون فورًا.”
كريس إدواردز كان يعتقد أن الحظ ابتسم له من جديد.
بل وبدأ يشعر أن ما مرّ به مؤخرًا من سوء الحظ، كان فقط كي يقوده إلى هذا اللقاء.
فلو أن أموره كانت تسير بسلاسة، لما وجد نفسه يشاهد ذلك الفيديو أصلًا.
“وما الذي ستفعله عندما تقابله؟ ستعطيه أغنية؟ أم ستعملان معًا؟”
“لا أعلم.”
“لا تعلم؟!”
ضحك كريس إدواردز ابتسامة واسعة، مجيبًا على سؤال أليكس:
“عندما تلتقي عبقريًّا، فإن أي شيء يمكن أن يحدث.”
وما إن قال ذلك، حتى غادر غرفة الفندق.
فأطلق أليكس ضحكة ساخرة.
ما الذي يدعوه لمغادرة الغرفة بهذه العجلة، وهو لن يسافر إلى كوريا الآن؟
أليكس فكّر بذلك، بينما نظر إلى صورة سيون المتوقفة على الشاشة.
بصراحة، هو لم يشعر بتلك العبقرية المبهرة في الأغنية كما شعر بها كريس.
لكنّه يثق برؤية كريس إدواردز.
“أجل، أنا سأُرسل لك الآن رسالة إلكترونية لتقوم بإعادة توجيهها تواصل مع محطة البث التي أرسلتها، واكتشف ما الذي يريدونه من كريس، وما الحد الأعلى الذي يمكنهم دفعه.”
لقاء عبقري بعبقري يمكن أن يخلق شيئًا عظيمًا.
ووظيفة الإدارة هي تحويل هذا الشيء إلى مال.
وأليكس كان من أذكى الإداريين في شركة HR كوربوريشن العملاقة.
“لكن إياك أن تعطيهم أي وعد دعهم يظنون أننا نقترب بدافع الفضول فقط.”
• نهـاية الفصل •
حسـابي انستـا [ i.n.w.4@ ]